جلسة 17 من نوفمبر سنة 1984
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح محمد إبراهيم صقر وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.
-----------------
(16)
الطعن رقم 188 لسنة 28 القضائية
اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
التصرفات التي تباشرها النيابة العامة بوصفها سلطة إدارية خارج نطاق الأعمال القضائية - تعتبر قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري - مثال - قرارات النيابة العامة في منازعات الحيازة المدنية حيث لا يرقى الأمر إلى حد الجريمة الجنائية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 13/ 1/ 1982 أودع السيد المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 188 لسنة 28 ق، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 22/ 11/ 1981 في الدعوى رقم 74 لسنة 3 ق، المقامة من أم أحمد الإسناوي، ضد: -
1- وزير العدل.
2- المحامي العام الأول بمحكمة استئناف المنصورة.
3- مأمور مركز شرطة أجا.
4- رئيس نقطة منية سمنود.
5- السعيد المهدي أبو حسن، والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بالطلبات الواردة، بتقرير الطعن.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21/ 11/ 1983، وتدوول بجلساتها على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 7/ 5/ 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره بجلسة 2/ 6/ 1984 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن وبجلسة 13/ 10/ 1984 قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم التالي، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 5/ 3/ 1980 أقامت السيدة/ أم أحمد الإسناوي الدعوى رقم 75 لسنة 1980 مستعجل أمام محكمة المنصورة الابتدائية وطلبت - في ختامها - الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء قرار المحامي العام الأول لنيابة استئناف المنصورة في الشكوى رقم 2505 لسنة 1979 إداري أجا ووقف كافة آثاره ووقف تنفيذه حتى يتم الفصل في الدعوى الموضوعية مع إلزام المدعى عليهما الأول والثاني بالمصروفات والأتعاب.
وقالت المدعية شرحاً لدعواها أنها تضع يدها على قطعة أرض زراعية مساحتها 10 ط و1 ف موزعة من الإصلاح الزراعي للانتفاع بها بصفتها متعاملة بعد وفاة المرحوم محمد المرسي حسن المنتفع الأصلي، وهي عبارة عن ثلاث قطع تكون في مجموعها المساحة المشار إليها، وقد فوجئت الطالبة بتقديم شكوى ضدها من المدعى عليه الخامس قيدت برقم 2505 لسنة 1979 إداري أجا، يدعي فيها أنه يضع يده على نصف مساحة الأرض المذكورة كلها، وطلب من النيابة العامة حماية وضع يده وإبقاء الحال على ما هو عليه، وقد أصدر السيد المستشار المحامي العام الأول لنيابة استئناف المنصورة قراراً ببقاء الحال على ما هو عليه ومنع تعرض الطالبة للمدعى عليه الخامس في وضع يده على نصف المساحة سالف الذكر، ونعت المدعية على هذا القرار بأنه جاء مجحفا بحقوقها ومخالفاً لأحكام القانون ومشوباً بعيب ينحدر به إلى حد الانعدام.
وبجلسة 12/ 11/ 1980 حكمت محكمة المنصورة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة بنظرها، وقد أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة وقيدت بجدولها برقم 74 لسنة 3 ق.
وبجلسة 22/ 11/ 1981 حكمت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصاريف، وأقامت قضاءها على أساس أن قرار النيابة العامة المطعون فيه صدر في غير نطاق وظيفتها القضائية لعدم تعلق الأمر بإحدى جرائم الحيازة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 عقوبات، ومن ثم يكون قد انطوى على غصب لسلطة القضاء المدني الذي يختص وحده بالفصل في منازعات الحيازة المدنية، وبالتالي يكون هذا القرار مشوباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به إلى درجة الانعدام، مما يتعين معه الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أن هذا الحكم قد خالف القانون وخرج في التطبيق على ما استقر عليه القضاء الإداري، إذا انتهى إلى أن القرار الإداري الذي أصدرته النيابة العامة في المنازعة المعروضة في شأن تمكين المدعى عليه الخامس من الاستمرار في حيازة الأرض موضوع النزاع قد انطوى على غصب لسلطة القضاء المدني الذي يختص وحده بالفصل في منازعات الحيازة المدنية، وبذلك يكون الحكم قد خالف المبدأ الذي جرى عليه القضاء الإداري من أن القرارات التي تصدر من النيابة العامة كسلطة إدارية - في غير مجال وظيفتها القضائية - تكون قرارات إدارية، وتخضع للرقابة التي يمارسها القضاء الإداري على هذه القرارات، وأن النيابة العامة وهي تصدر هذه القرارات لا تكون سلطة قضائية، ومن ثم لا يكون عملها غصباً لسلطة القضاء المدني، ومن ناحية أخرى فإن النيابة العامة لم تفصل في المنازعة المعروضة، وإنما اقتصر عملها على حماية الوضع الظاهر تاركة الفصل في الخصومة للقضاء حيث نص قرارها على أن للمتضرر الالتجاء إلى القضاء وكان يتعين على محكمة القضاء الإداري وقد سلمت بأن القرار المطعون فيه الصادر من النيابة العامة هو قرار إداري - أن تسلط رقابتها على هذا القرار، فتنتهي إلى الحكم بإلغائه إذا كان مخالفاً للقانون، أو تحكم برفض الدعوى إذا كان قد صدر مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً في الطعن رأت فيه أن قرار النيابة العامة المطعون فيه أسبغ الحماية على وضع اليد الظاهر والمستقر للمدعى عليه الخامس، بعد أن تحققت النيابة العامة من أقوال الجيران ورجال الإدارة في الناحية - من ثبوت حيازة المذكور للأرض محل النزاع بالمشاركة مع المدعية، ولم يتطرق قرار النيابة العامة للفصل في موضوع الحيازة ولم يسلب القضاء المدني اختصاصه في هذا الشأن، ومن ثم فإن هذا القرار يكون قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن التصرفات التي تباشرها النيابة العامة خارج نطاق الأعمال القضائية تصدر عنها بوصفها سلطة إدارية، وتخضع بذلك لرقابة القضاء الإداري على مشروعية القرارات الإدارية، وأن القرارات التي تصدرها النيابة العامة بالتمكين في منازعات الحيازة المدنية - حيث لا يرقى الأمر إلى حد الجريمة الجنائية - تعتبر قرارات إدارية بمفهومها القانوني، لصدورها من النيابة العامة بوصفها سلطة إدارية بقصد تحقيق أثر قانوني ملزم يتعلق بمراكز ذوي الشأن بالنسبة إلى العين محل النزاع، وهذه القرارات إذ تستهدف منع وقوع الجرائم وتحقيق استقرار الأمن والنظام العام، إنما تنصب على الحالة الظاهرة إلى أن يفصل القضاء المختص في أصل الحق المتنازع عليه، وفي هذا النطاق تخضع تلك القرارات لرقابة القضاء الإداري لاستظهار مدى مطابقتها لأحكام القانون.
ومن حيث إن قرار النيابة العامة المطعون فيه نص على بقاء الحال على ما هو عليه من استمرار وضع يد المشكو في حقه السعيد المهدي أبو حسن على قطعة الأرض محل النزاع ومنع تعرض الشاكية (ابنة المدعية) أو الغير له في ذلك وعلى المتضرر الالتجاء إلى القضاء المدني إن شاء، فإن هذا القرار لم يفصل في موضوع حيازة الأرض المشار إليها على وجه قطعي، ولم يمس أصل الحق المتنازع عليه، ومن ثم لم يغتصب سلطة القضاء المدني المختص في هذا الشأن، وإنما اقتصر على إبقاء الحال على ما هو عليه بحسب الظاهر من الأوراق، وذلك بهدف معاونة السلطة العامة في العمل على استتباب الأمن والسكينة وتلافي الجرائم قبل وقوعها، إلى أن يفصل القضاء المدني المختص في أصل الحق المتنازع عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قضى بإلغاء قرار النيابة العامة المشار إليه، تأسيساً على أن هذا القرار انطوى على غصب لسلطة القضاء المدني الذي يختص وحده بالفصل في منازعات الحيازة المدنية، ومن ثم يكون مشوباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به إلى درجة الانعدام، دون أن يتطرق الحكم إلى تسليط رقابة المشروعية على هذا القرار من حيث مدى صحة الأسباب التي قام عليها وما إذا كانت مستمدة من أصول تنتجها في أوراق ومستندات الدعوى، فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون، ويتعين لذلك الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه عن موضوع المنازعة فإن الثابت من أوراق الدعوى والتحقيق الذي أجري في الشكوى رقم 2505 لسنة 1979 إداري أجا، أنه في 9/ 11/ 1979 تقدمت المدعوة/ عزيزة محمد أبو حسن بشكوى إلى رئيس شرطة نقطة منية سمنود ضد السعيد المهدي أبو حسن، ذكرت فيها أن والدتها أم أحمد الإسناوي تملكت من الإصلاح الزراعي مساحة حوالي فدان وعشرة قراريط بزمام ناحية ميت أبو الحارث مركز أجا، وأن والدتها المذكورة مريضة، وأن المشكو في حقه كان يساعدها في الزراعة وطلبت منعه من التعرض لها في الزراعة أو الري حرصاً على منع الجريمة قبل وقوعها. وفي ذات التاريخ تقدم السعيد المهدي أبو حسن بشكوى إلى عمدة ميت أبو الحارث، جاء فيها أن والده المرحوم المهدي أبو حسن كان يزرع الأرض مع زوجة عمه المدعوة أم أحمد الإسناوي، ثم توفى والده وأخذ هو مكانه في الزراعة مع زوجة عمه المذكورة وأن الأخيرة تريد طرده من الزراعة وتدعي أنه ليس له حق في الأطيان، علماً بأنه قائم بالزراعة فيها وأحال العمدة هذه الشكوى إلى رئيس نقطة منية سمنود بعد أن أشر عليها بأن المذكور واضع اليد على نصف المساحة موضوع النزاع منذ أكثر من عشرين سنة. وقد قام رئيس نقطة شرطة منية سمنود بالتحقيق في الشكوى المقدمة من عزيزة محمد أبو حسن، وبسؤالها أفادت بأن السعيد المهدي أبو حسن يقوم بزراعة الأرض المؤجرة لوالدتها أم أحمد الإسناوي من الإصلاح الزراعي بالنصف من سنتين تقريباً، وأن والدتها هي واضعة اليد على هذه الأرض، وبسؤال السعيد المهدي أبو حسن أفاد بأنه يزرع الأرض المشار إليها بالنصف هو ووالدة الشاكية أم أحمد الإسناوي، وكان والده من قبله يزرعها وأنه أخذ مكان والده في الزراعة، وأنه هو الذي يضع يده على الأرض ويزرع فيها بالنصف واستشهد في ذلك بجيرانه في الزراعة وبسؤال بعض هؤلاء الجيران أفادوا بأن السعيد المهدي أبو حسن يزرع في مساحة نصف فدان هو وزوجة عمه أم أحمد الإسناوي هو ربع فدان وزوجة عمه ربع فدان، وأن التعامل مع الإصلاح الزراعي يتم بمعرفة زوجة عمه والحيازة باسمها، كما أفاد شيخ ناحية ميت أبو حارث بأن والد المشكو في حقه كان يزرع الأرض موضوع النزاع مع أم أحمد الإسناوي وبعد وفاته تولى ابنه المذكور الزراعة مكانه، وأنه يضع يده على ستة قراريط في هذه الأرض وأم أحمد الإسناوي تضع يدها على النصف الثاني. وقد قيدت الشكوى المشار إليها برقم 2505 لسنة 1979 إداري أجا، وأحيلت إلى نيابة أجا الجزئية، فاشر عليها السيد وكيل نيابة أجا في 11/ 12/ 1979 بأنه حيث إن الثابت من الأوراق ومن أقوال الجيران ورجال الإدارة أن المشكو في حقه السعيد المهدي أبو حسن هو واضع اليد على قطعة الأرض محل النزاع لذلك يرى - لدى الموافقة - الأمر ببقاء الحال على ما هو عليه من وضع يد المشكو في حقه على قطعة الأرض محل النزاع ومنع تعرض الشاكية عزيزة محمد أبو حسن والغير له في ذلك، وعلى المتضرر الالتجاء إلى القضاء المدني إذا شاء. وأرسلت أوراق الشكوى إلى السيد المستشار المحامي العام لنيابة المنصورة الكلية، فقرر في 16/ 12/ 1979 بقاء الحال على ما هو عليه من استمرار وضع يد المشكو في حقه السعيد المهدي أبو حسن على قطعة الأرض محل النزاع وبمنع تعرض الشاكية والغير له في ذلك، وعلى المتضرر الالتجاء إلى القضاء المدني إن شاء وفي 30/ 12/ 1979 تقدمت أم أحمد الإسناوي إلى السيد المستشار المحامي العام الأول لنيابة استئناف المنصورة بتظلم في الشكوى رقم 2505 لسنة 1979 إداري أجا ضد السعيد المهدي أبو حسن، ذكرت فيه أن حيازة الأرض محل النزاع باسمها هي وفقاً لما هو ثابت ببطاقات الحيازة التي أرفقتها، وأن تعليمات الإصلاح الزراعي تمنع تفتيت المساحة التي وزعتها على المنتفعين، وانتهت إلى طلب العدول عن قرار السيد المستشار المحامي العام لنيابة المنصورة الكلية المشار إليه، وقد قيد هذا التظلم برقم 3935 لسنة 1979 س المنصورة وبعد الاطلاع على أوراق الشكوى المذكورة أعادها السيد المستشار المحامي العام الأول لنيابة استئناف المنصورة إلى النيابة المختصة في 2/ 2/ 1980 بعد اتخاذ اللازم.
ومن حيث إن الواضح مما تقدم جميعه أن قرار النيابة العامة المطعون فيه صدر بناء على أقوال الشهود من الجيران ورجال الإدارة في الناحية الثابتة بأوراق التحقيق في الشكوى رقم 2505 لسنة 1979 إداري أجا بهدف حماية وضع اليد الظاهر للمشكو في حقه على الأرض محل النزاع دون أن يتطرق للفصل في أصل الحق المتنازع عليه، فإن هذا القرار يكون قد قام على أسباب مستمدة من أصول ثابتة تنتجها، ومن ثم يكون قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون، وتكون الدعوى المقامة من أم أحمد الإسناوي بالمطالبة بإلغاء هذا القرار غير قائمة على أساس صحيح من القانون ويتعين الحكم برفضها وإلزام المدعية المصروفات.
فلهذه الأسباب
"حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعية المصروفات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق