باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م،
الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 65 لسنة 40
قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية)
بحكمها الصادر بجلسة 3/ 1/ 2018، ملف الدعوى رقم 3289 لسنة 39 قضائية
المقامة من
هبة أحمد علي
ضد
1- رئيس جامعة المنصورة
2- عميد كلية طب الأسنان جامعة المنصورة
----------------
" الإجراءات "
بتاريخ التاسع والعشرين من مايو سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 3289 لسنة 39 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء
الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية) بجلسة 3/ 1/ 2018، بوقف الدعوى وإحالة
أوراقها إلى المحكمة الدستورية العُليا، للفصل في دستورية البند (خامسًا) من
المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان بجامعة المنصورة الصادرة بقرار
وزير التعليم العالي رقم 425 لسنة 2014.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 14/ 1/ 2023، وفيها قدم
المدعى عليه الأول في الدعوى الموضوعية مذكرة، طلب فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين،
لاستكمال التحضير؛ فأودعت تقريرًا تكميليًّا برأيها، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 1/
9/ 2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق-
في أن هبة أحمد علي، أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية)
الدعوى رقم 3289 لسنة 39 قضائية، ضد المدعى عليهما، طالبة الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء
قرار إعلان رسوبها بالفرقة الأولى، لرسوبها في امتحان الدور الثاني بإحدى المواد
الدراسية، وفصلها من الكلية اعتبارًا من العام الجامعي 2016/ 2017، لاستنفاد عدد
مرات الرسوب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها اعتبارها ناجحة ومنقولة إلى
الفرقة الثانية بالمادة التي رسبت فيها، على سند من أنها أدت امتحان الفرقة الأولى
بكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة، للعامين الجامعيين 2014/ 2015 و2015/ 2016،
ونظرًا لرسوبها في مادتين فقد أعادت الامتحان في دور سبتمبر 2016، فاجتازت إحداهما
دون الأخرى، مما ترتب عليه صدور القرار المطعون فيه، الذي خالف الدستور والقانون؛
لانفراد اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة بهذا الحكم دون لوائح
الكليات المناظرة، التي تسمح بانتقال الطالب الراسب في مادة أو مادتين إلى الفرقة
التالية؛ ومن ثم أقامت الدعوى. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن البند (خامسًا) من
المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة، الصادرة بقرار
وزير التعليم العالي رقم 425 لسنة 2014، يعتريه شبهة عدم الدستورية؛ لمخالفته نص
المادتين (9 و53) من الدستور، حكمت: أولاً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فيما
تضمنه من إعلان رسوبها بالفرقة الأولى وفصلها من كلية طب الأسنان اعتبارًا من
العام الجامعي 2016/ 2017، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها اعتبارها ناجحة
ومنقولة إلى الفرقة الثانية بمادة (التشريح العام وتشريح الرأس والرقبة)، ثانيًا:
بوقف الدعوى وإحالة أوراقها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في
دستورية البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان
بجامعة المنصورة الصادرة بقرار وزير التعليم العالي رقم 425 لسنة 2014.
وحيث إن البند (خامسًا) من المادة (6) من اللائحة الداخلية لكلية طب
الأسنان - جامعة المنصورة (مرحلة البكالوريوس)، الصادرة بقرار وزير التعليم العالي
ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 425 لسنة 2014، ينص على أنه يُعقد امتحان الدور
الثاني في شهر سبتمبر من كل عام للطالب الراسب في الدور الأول في مقرر أو مقررين
على الأكثر. ولا ينقل الطالب للفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات
الدراسية ما عدا مقرر حقوق الإنسان حيث يعتبر من متطلبات التخرج.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها - على
ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة
بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد
اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي
وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها،
بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد
بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل
في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان مؤدى النص المحال أن
الطالب في كلية طب الأسنان - جامعة المنصورة، لا ينقل إلى الفرقة الأعلى إلا بعد
اجتيازه كافة المقررات الدراسية، ما عدا مقرر حقوق الإنسان الذي يعتبر من متطلبات
التخرج، وكانت المنازعة في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعية فيها نقلها إلى
الفرقة الأعلى، رغم رسوبها في امتحان الدور الثاني بإحدى المواد الدراسية المقررة
بالفرقة الأولى، فإن الفصل في دستورية النص المحال يغدو لازمًا للفصل في النزاع
الموضوعي؛ ومن ثم تتوافر المصلحة في الدعوى المعروضة. ولا ينال مما تقدم سبق قضاء
محكمة الموضوع في الشق العاجل من الدعوى، بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما
يترتب على ذلك من آثار؛ ذلك أن الشق الموضوعي من النزاع المطروح على محكمة الموضوع
لا يزال قائمًا، ولم تفصل فيه تلك المحكمة بقضاء مُنْهٍ للخصومة، وكان حكمها في
الشق العاجل لا يحول دون أن يناقضه قضاؤها في الموضوع، ومن ثم تظل المصلحة في
الدعوى المعروضة قائمة، ويتحدد نطاقها فيما نص عليه عجُز البند (خامسًا) من المادة
(6) من اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان - جامعة المنصورة (مرحلة البكالوريوس)،
الصادرة بقرار وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 425 لسنة
2014، من أنه ولا ينقل الطالب للفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات
الدراسية، وذلك دون ما جرى به النص من أحكام أخرى.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته مبدأي المساواة
وتكافؤ الفرص، من وجهين، أولهما: أن الحكم الذي جاءت به هذه القاعدة قد انفردت به
الكلية المُدعى عليها دون كُليات طب الأسنان المُناظرة لها الخاضعة لقانون تنظيم
الجامعات. ثانيهما: أن هذه القاعدة لم تطبق على الكليات الطبية الأخرى بالجامعة
ذاتها. وخلصت المحكمة المُحيلة إلى أن ما تضمنه النص المحال من اشتراط اجتياز
الطالب كافة المقررات الدراسية حتى ينتقل للفرقة الأعلى يكون قد وضع طُلاب هذه
الكلية في مركز قانوني أسوأ من قرنائهم بكليات طب الأسنان بالجامعات الأخرى
الخاضعة للقانون ذاته، بالمُخالفة للمادتين (9 و53) من الدستور.
وحيث إن المادة (197) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 تنص على أن تصدر لكل كلية أو معهد تابع
للجامعة لائحة داخلية بقرار من وزير التعليم العالي بعد أخذ رأي مجلس الكلية أو المعهد
ومجلس الجامعة وموافقة المجلس الأعلى للجامعات ....... وتنظم اللائحة الداخلية
علاوة على المسائل المحددة في القانون وفي اللائحة التنفيذية المسائل الآتية بصفة
خاصة: 1- .......... 6- القواعد الخاصة بالامتحانات في الكلية أو المعهد. الأمر
الذي أكدته المادة (70) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المشار إليه،
الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، بنصها على أنه مع مراعاة أحكام
هذه اللائحة تتولى اللوائح الداخلية للكليات تحديد نظم الامتحانات الخاصة بها.
وحيث إنه بتاريخ 11/ 2/ 2014، صدر قرار وزير التعليم العالي رقم 425
بشأن إصدار اللائحة الداخلية لكلية طب الأسنان جامعة المنصورة مرحلة البكالوريوس
متضمناً الإشارة في ديباجته إلى تفويض المجلس الأعلى للجامعات، بجلسته بتاريخ 27/
4/ 2013، السيد الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات
في الموافقة على إصدار اللوائح الداخلية للكليات والمعاهد الجامعية وتعديلاتها بعد
موافقة لجنة قطاعات التعليم الجامعي المختصة. ويبين من المادة (4) من هذه اللائحة
أن مدة الدراسة لنيل درجة البكالوريوس في طب وجراحة الفم والأسنان خمس سنوات، كما
نظمت المادة (6) من اللائحة ذاتها إجراء الامتحانات بجميع الفرق في نهاية العام
الجامعي في المقررات الدراسية الخاصة به، ويُعقد امتحان الدور الثاني في شهر
سبتمبر من كل عام للطالب الراسب في الدور الأول في مقرر أو مقررين على الأكثر. ولا
ينقل الطالب للفرقة الأعلى إلا بعد اجتيازه كافة المقررات الدراسية ما عدا مقرر
حقوق الإنسان، حيث يعتبر من متطلبات التخرج.
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ
تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ
على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور، بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق
تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا
تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الفرص
التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا
لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم -من ثمَّ- فيما بينهم
على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها
مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد - كذلك- بمقتضى نص المادة (4) منه
مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع
وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة
تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات
العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني
-وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها
من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ
على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا
ينطوي -من ثمَّ- على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن
التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا. وأساس ذلك أن كل تنظيم
تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا
للمصلحة العامة، التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص
المطعون فيه -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا
ربطه بها، أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند إلى
أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين لدى القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم،
على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية، معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا
يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى
أُسس موضوعية، بما مؤداه: أنه كلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو
أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائماً على أُسس موضوعية،
مستهدفاً غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلًا وحدة القاعدة القانونية في شأن من
تتماثل مراكزهم القانونية، بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعًا في إطار
السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، غير مصادم في ذلك لمبدأ المساواة.
وحيث إن الدستور - في إحاطة منه للتحديات المعاصرة التي يواجهها
التعليم الجامعي، وسعيه لمواكبة المستحدث في مناهجه - نص في المادتين (21 و22) منه
على كفالة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي
وفقًا لمعايير الجودة العالمية، والعمل على تطويره وكفالة مجانيته في جامعات
الدولة ومعاهدها، وتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي له، لا تقل عن 2٪ من الناتج
القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وكفالة تنمية
الكفاءات العلمية والمهارات المهنية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ورعاية حقوقهم
المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.
وحيث إن الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور لكل
مواطن، إلا أنه ليس هناك ما يحول دون تناول المشرع هذا الحق بالتنظيم، ما دام
رائده في ذلك مصلحة عامة معتبرة، سعى إلى تحقيقها من خلال بدائل وخيارات قائمة على
أسس موضوعية ترتبط بالغاية المتوخاة من تنظيمه، مستهدفًا بذلك الصالح العام، وفي
حدود أحكام الدستور ومتطلباته.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - على ما جرى عليه
قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من
إطلاقها، وتكون تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد
بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده
لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية، سواء بالنقض أو الانتقاص، ذلك أن
إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها يعد عدوانًا على مجالاتها الحيوية
التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه: أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها
التقديرية - وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها - بعيدًا عن الرقابة
القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها
الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في
ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع
إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس
السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة في ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام في
شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي
حددتها مرتبطة عقلًا بها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المحال قد وضع قاعدة عامة مجردة في شأن
طلاب كلية طب الأسنان - جامعة المنصورة (مرحلة البكالوريوس)، قوامها اشتراط اجتياز
الطالب كافة المقررات الدراسية حتى ينقل إلى الفرقة الأعلى، متوخيًا بذلك منح طلاب
هذه الكلية فرصًا متكافئة في النقل إلى الفرقة الأعلى، بلوغًا إلى غاية الأمر من
الدراسة، بالحصول على شهادة إتمامها، وإذ لم تخص هذه القاعدة فريقًا من الطلاب
بأحكام تميز نقلهم إلى الفرقة الأعلى عما سواهم، وإنما يسري حكمها في مواجهة طلاب
هذه الكلية كافة، الذين يخضعون لامتحان موحد في كل مادة، بما يضمن تكافؤ الفرص
والمساواة بينهم، وذلك كله في إطار من السلطة التقديرية للمشرع الذي تغيا - في
خصوص الدراسة بكلية طب الأسنان بجامعة المنصورة - تحقيق تراتبية المقررات الدراسية
بها، على نحو يكفل استيعاب طلاب هذه الكلية بالفرقة المنقولين إليها تلك المقررات،
التي ترتكز على معارف علمية تأكد إدراكهم لها وإحاطتهم بها بنجاحهم في امتحانها
بالفرقة المنقولين منها، مستهدفًا من تقرير الحكم الوارد بالنص المحال تحقيق غاية
مشروعة جوهرها أن تكون الدراسة بالكلية المار ذكرها على درجة من الجودة، تتماهى مع
أهداف العملية التعليمية بالجامعات المصرية، وتحقق الربط بين التعليم الجامعي
وحاجات المجتمع، بمراعاة أن اختلاف أساليب وطرائق تقييم المستوى العلمي لطلاب
الكليات الطبية، المؤهل لنقلهم إلى الفرقة الأعلى، لا يعتبر في ذاته من المثالب
الدستورية، وإنما يُعد من سبل استنهاض الطلاب للأخذ بأدوات البحث العلمي، ومناطًا
لقياس جودة التعليم بهذه الكليات. وإذ التزم النص المحال، على ما تقدم بيانه،
مبادئ الشرعية الدستورية في شأن تكافؤ الفرص والحق في التعليم والمساواة، فإنه لا
يكون مخالفًا لأحكام المواد (9 و21 و53) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى؛
الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق