الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 18 ديسمبر 2024

الطعون 2698 ، 3100 ، 3299 لسنة 86 ق جلسة 13 / 3 / 2018 مكتب فني 69 ق 56 ص 418

جلسة 13 من مارس سنة 2018
برئاسة السيد القاضي/ نبيل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ د. مصطفى سالمان، أحمـد العـزب نائبي رئيس المحكمة، د. محمد رجاء ومحمد الشباسي.
-------------------
(56)
الطعون أرقام 3299 ،3100 ،2698 لسنة 86 القضائية
(1) نقض " جواز الطعن بالنقض : الأحكام الجائز الطعن فيها ".
الأحكام الجائز الطعن عليها بالنقض . الأصل فيها . الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف . مؤداه . جواز الطعن في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في دعاوى بطلان أحكام التحكيم . أثره . عدم سريان التنازل المسبق الوارد بنص المادة 219 مرافعات عليها . علة ذلك . م 248 مرافعات .
(2) دعوى " شروط قبول الدعوى : الصفة : الصفة الموضوعية : الدفع بعدم القبول لانتفاء الصفة " .
إقامة الدعوى من الشركة الطاعنة والمثبت بالسجل التجاري أن الشركة الموقعة على التعاقد هي احدى قنواتها . مؤداه . اعتبارهما شركة واحدة . أثره . لا محل للدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة .
(3- 7) تحكيم " اتفاق التحكيم " " دعوى بطلان حكم التحكيم : أسباب بطلان حكم التحكيم : ما لا يعد سببا للبطلان " .
(3) بطلان حكم التحكيم . حالاته . م 53 ق 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم .
(4) مراجعة تقدير ملائمة حكم التحكيم أو مراقبة حسن تقدير المحكمين . عدم خضوعه لسلطة قاضي دعوى البطلان . يستوي في ذلك كونهم أصابوا أو أخطأوا . علة ذلك . مثال .
(5) استخلاص توافر ركن الخطأ وتقدير التعويض عنه . من سلطة هيئة التحكيم . مؤداه . عدم اعتباره سببًا لطلب ابطال حكم التحكيم . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر . خطأ .
(6) المغالاة غير المسبوقة فى تقدير التعويض وإغفال استظهار ركن الضرر . لا تعد من أسباب دعوى بطلان حكم التحكيم . أثره . رفض دعوى البطلان .
(7) التنظيم القانوني للتحكيم . قوامه . رضاء الأطراف به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم . وجود التحكيم وتحديد نطاقه . مرده . إرادة المتعاقدين . امتناع القول بقيام التحكيم متى تخلف الاتفاق عليه . لازمه. نسبية أثره وعدم الاحتجاج به إلا في مواجهة الطرف الذي ارتضاه وقبل خصومته .
(8) عقد " آثار العقد : أثر العقد بالنسبة للمتعاقدين " .
وصف المتعاقد . المقصود به . لا يصدق على من ورد ذكره بالعقد كأحد أطرافه دون أن يكون له صلة بترتيب الأثر القانوني محل النزاع الناشئ عن العقد .
(10،9) تحكيم " اتفاق التحكيم " .
(9) اتفاق التحكيم . وجوب أن يكون التوقيع منصب على إرادة الأطراف إبرام الاتفاق . ماهيته . عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عمومًا . التراضي . ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم . جوهره . تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين في اتخاذ التحكيم . تحققه . المفاوضات التي تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلي وشروطه .إثباته . الكتابة والتوقيع عليه . م 12 من قانون التحكيم والمادة 2/ 2 من اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها . امتداد شرط التحكيم . حالاته .
(10) توقيع الطاعن على العقد المتضمن شرط التحكيم بوصفه شاهدًا ومصادقًا وضامنًا لتنفيذ التزاماته هو . لا يؤدي إلى توافر رضاه وانصراف إرادته إلى الالتزام بشرط التحكيم صراحة أو ضمنًا أو امتداد شرط التحكيم إليه . علة ذلك . مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النص في المادة 248 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الأحوال الآتية: (1) إذا كان الحكم المطعون فيه مبنيًا على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله. (2) إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم"، مُفاده - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن الطعن بطريق النقض في الحالات التي حددتها هذه المادة على سبيل الحصر جائز كأصل عام فى الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف. ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر من محكمة استئناف القاهرة فإن الطعن فيه بطريق النقض استنادًا إلى أي من تلك الحالات يكون جائزًا. ولا وجه للاستناد في هذا الخصوص إلى المادة 219 (2) من قانون المرافعات التي أجازت للخصوم الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائيًا، إذ إن تطبيقها مقصور - وفقًا لصريح النص - على النزول عن الطعن بطريق الاستئناف في الأحكام الابتدائية، دون أن يمتد هذا الاستثناء إلى الطعن بطريق النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، وترتيبًا على ذلك فلا يجوز النزول مقدمًا عن الحق في الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الدعاوى المقامة بشأن بطلان أحكام التحكيم قبل صدور الحكم فيها، وطالما لم يرد في قانون المرافعات أو في قانون التحكيم أي نص يمنع من الطعن فيها بطريق النقض فإنها تظل خاضعة للأصل العام الوارد في المادة 248 من قانون المرافعات آنفة البيان، ويكون الطعن فيها بطريق النقض جائزًا.
2- إذ كان الثابت من المستندات المرفقة بالطعن أن رئيس مجلس إدارة شركة ... (مجموعة قنوات ...) قد أصدر توكيلاً رسميًا عامًا فى القضايا برقم ... (ج) لسنة 2014 مكتب توثيق نقابة المحامين بالجيزة بتاريخ 27/11/2014، للمحامين المدافعين عن الشركة، بموجب السجل التجارى رقم ... لسنة 2011 استثمار القاهرة. وكان الثابت من الاطلاع على السجل التجاري المذكور أن مدة هذه الشركة عشرين سنة تبدأ من 9/6/2011 وأن الغرض من تأسيسها هو إطلاق عدة قنوات فضائية وتحمل أول قناة فيها اسم (...)، ومن ثم فلا تكون هناك شركتان وإنما شركة واحدة، ولا يكون ثمة ما يشكك في حقيقة اسمها أو صحة اتصالها بالخصومة في الطعن من واقع ما هو ثابت بحكم التحكيم وبالحكم المطعون فيه، فيضحى الدفع ( عدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة ) على غير أساس.
3- إذ كان القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية قد أجاز الطعن بدعوى البطلان في حكم المحكمين إلا أنه قصر البطلان على أحوال معينة بينتها المادة 53 منه على سبيل الحصر.
4- ليس لقاضى دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملاءمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين، يستوي في ذلك أن يكون المحكمون قد أصابوا أو أخطأوا عندما اجتهدوا في تكييفهم للعقد أو تقديرهم للتعويض؛ لأنهم حتى لو أخطأوا فإن خطأهم لا ينهض سببًا لإبطال حكمهم باعتبار أن دعوى البطلان تختلف عن الطعن بطريق الاستئناف.
5- إذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن قدم لقضائه بقوله إن دعوى إبطال حكم التحكيم لا شأن لها بالنتيجة التي خلص إليها الحكم أو بصحة تطبيق المحكم للقواعد القانونية التي تحكم المنازعة من ناحية الموضوع، وأن أخطاء حكم التحكيم المتعلقة بعيوب التقدير بالنسبة للواقع أو بمخالفة القانون لا تجعله موصومًا بالبطلان، عاد ليقرر: "أن رقابة القضاء على تسبيب حكم التحكيم ولئن كانت لا تقتضي فحصًا أو تمحيصًا موضوعيًا فإنها لا تقف عند حد الشكل الظاهري؛ فيتحقق سبب البطلان إذا تبين عند قراءة حكم التحكيم "بدقة" وجود مخالفة ملموسة بارزة في أسبابه كانت حيوية وحاسمة فيما انتهى إليه من نتيجة. ثم أشار الحكم إلى أنه وعلى الرغم من أن المحتكمة طرحت في دعوى التحكيم وعلى نحو مفصل أوجه الضرر الذى لحقها مستندة في ذلك إلى تقرير خبرة فنية أعده محاسبها القانوني "مكتب إرنست آند يانج"، إلا أن هيئة التحكيم لم تتحر توافر عناصر الضرر الواقعية التي طرحتها الشركة المحتكمة والمولِدة في حال ثبوتها للحكم بالتعويض، بل ذكرت صراحة عبارة "أنها لم تتقيد بها"، فتكون هيئة التحكيم قد استبعدت وأسقطت أوجه الضرر التي كانت مطروحة من جانب المحكمة وقدرت مباشرة مبالغ التعويض المحكوم به على نحو إجمالي دون أن تكشف أو تذكر شيئا ثبوتًا أو نفيًا عن الضرر الذي تم التعويض عنه وأثر ذلك في الحكم، وبذلك يكون حكم التحكيم قد أغفل مسألة جوهرية تتعلق بالأضرار المؤدية للتعويض وتركها بغير تسبيب أو تدليل أو مواجهة اكتفاءً بتناول ركن الخطأ ومظاهره باستفاضة، مع أن حكم التحكيم لا يقوم مع غياب الأسباب المتعلقة بوقائع الضرر إذ هي عماد الحكم وقوامه، وبذلك يكون قد تحقق للمحكمة سبب بطلان حكم التحكيم". وكان هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه ليس من بين حالات البطلان التي أوردتها المادة 53 من قانون التحكيم على سبيل الحصر، ذلك أن استخلاص توافر ركن الخطأ وتقدير التعويض عنه من سلطة هيئة التحكيم ويتعلق بفهم الواقع فى النزاع المطروح عليها وكان المشرع لم يجعل من خطأ حكم المحكمين في استخلاص وقائع النزاع أو قضائه بالتعويض جملة دون بيان عناصر الضرر أو مبالغته في تقدير التعويض - من الأسباب التي تجيز طلب إبطال الحكم، إذ هي من مسائل الواقع questions of fact التي تدخل في نطاق السلطة التقديرية لهيئة التحكيم وليست من حالات بطلان حكم التحكيم، ولا يتسع لها نطاق هذه الدعوى حسبما تقدم بيانه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يعيبه ويوجب نقضه.
6- إذ كانت الشركة المطعون ضدها الأولى تستند في دعواها، وعلى ما هو ثابت بمدونات الحكم المنقوض (ص 9-10) إلى سببين فقط؛ أولهما، المغالاة غير المسبوقة في تقدير التعويض المحكوم به على نحو جزافي تحكمي. وثانيهما، أن حكم التحكيم أغفل استظهار ركن الضرر رغم أهمية ذلك وتأثيره في دعاوى التعويض عمومًا. وإذ كانت هذه الأسباب، وعلى ما سلف بيانه، لا تعد من الأسباب التي يجوز التعرض لها في دعوى البطلان، وهذه هي أبرز عيوب نظام التحكيم؛ فلا تستطيع محكمة النقض، في مقام احترامها للقانون، وأيًا كان وجه الرأي في كيفية تقدير التعويض من جانب هيئة التحكيم، إلا احترام هذا الحكم ولا يحق لها المساس به، ومن ثم فلا تملك إلا أن تقضى برفض دعوى البطلان المرفوعة من المطعون ضدها الأولى.
7- المقرر أن التنظيم القانوني للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هي التي يرتكز عليها التحكيم وتحدد نطاقه من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم وغيرها، وعلى ذلك فمتى تخلف الاتفاق امتنع القول بقيام التحكيم، وهو ما يستتبع نسبية أثره فلا يُحتج به إلا في مواجهة الطرف الذى ارتضاه وقَبِل خصومته.
8- إذ كان من الأصول المقررة أن العقد يصدق على كل اتفاق يُراد به إحداث أثر قانوني، وإسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يُفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه، دون أن يُعتبر - بإطلاق - كل من يَرِد ذِكره بالعقد أنه أحد أطرافه، طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني الذي يدور حوله النزاع الناشئ بسبب العقد.
9- المقرر في التحكيم، يجب أن يكون التوقيع منصبًا على إرادة إبرام اتفاق التحكيم. وكان اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، هو عقد حقيقى له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، والتراضى Consent ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم، وجوهره تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين فى اتخاذ التحكيم سبيلاً لتسوية منازعاتهما، بعيدًا عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة فى نظر كافة المنازعات أيًا كان نوعها وأيًا كان أطرافها، فإذا عبر أحد الطرفين إيجابًا offer عن رغبته فى تسوية النزاع عن طريق التحكيم، فيلزم أن يكون قبول acceptance الطرف الآخر باتًا ومنتجًا فى إحداث آثاره، حتى يمكن القول بوجود تطابق حقيقي بين إيجاب وقبول طرفي التحكيم consensus ad idem / meeting of the minds على نحو لا يتطرق إليه أي شك أو احتمال أو جدل. ويتحقق التراضي على شرط التحكيم، بالمفاوضات التي تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلي وشروطه ومن بينها شرط التحكيم – باعتباره عقدًا مستقلاً داخل العقد الأصلي - وإثبات التراضي على ذلك كتابة والتوقيع عليه منهما، وهو ما أوجبته المادة 12 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية من أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا وإلا كان باطلاً، وهو كذلك ما استلزمته، من قبل، المادة 2 (2) من اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها New York Convention,1958 - والتي انضمت إليها مصر ودخلت حيز النفاذ في 7 يونيه 1959 فأضحت بعد نشرها في الجريدة الرسمية جزءًا لا يتجزأ من النظام القانوني المصري - من أنه "يشمل مصطلح "اتفاق مكتوب" “agreement in writing” أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين signed by the parties أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة". وعلة استلزام الكتابة، سواء لوجود اتفاق التحكيم أو لإثباته، مرجعها أن التحكيم والاتفاق عليه من التصرفات القانونية ذات الخطر، لما في ذلك من نزع الاختصاص بنظر النزاع بين طرفي الاتفاق من قضاء الدولة، الذي يتعين عليه الامتناع عن الفصل في أي دعوى يتمسك فيها الخصم بوجود اتفاق تحكيم ويعترض منكرًا أي حق لخصمه في الالتجاء إلى القضاء. ولما يتضمنه اتفاق التحكيم من مخاطرة الطرفين ببعض أو كل حقوقهم، لانعدام الفرصة في الطعن على حكم هيئة التحكيم بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية، ومن ثم يتعين التيقن من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى إبرام اتفاق التحكيم عن إرادة واضحة ويقين قاطع، ولا عبرة هنا بالإرادة التي لم تتجه لإحداث أثر قانوني. وأخيرًا، لما فى اتفاق التحكيم من احتمال ترتيب أثر فى حق الغير، حينما يمتد اتفاق التحكيم إلى أطراف آخرين وعقود أخرى تتصل بالعقد الأصلى، كما هى الحال بالنسبة لإمكان امتداده فى حالة مجموعة الشركات group of companies أو مجموعة العقود group of contracts، أو امتداده إلى الخلف العام universal successor كالوارث والموصىَ له بجزء غير معين من التركة، أو امتداده للشركة الدامجة company merging باعتبارها خلفًا عامًا للشركة المندمجة company merged، وكذلك امتداده فى حالة حوالة الحق assignment of a right إذ ينتقل الحق المحال حوالة صحيحة، والوارد فى عقد يتضمن شرط تحكيم، من المحيل assignor إلى المحال إليه assignee مُقيدًا بشرط التحكيم.
10- إذ كان مدعى البطلان -المطعون ضده الثاني- قد تمسك أمام هيئة التحكيم وفي دعوى البطلان الماثلة بالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الطلبات الموجهة إليه باعتبار أنه ليس طرفًا في شرط التحكيم وبعدم توافر حالة من حالات امتداد هذا الشرط إليه. وحيث إن هذا الدفع صحيح، ذلك أن مجرد توقيعه على العقد المؤرخ 25/7/2012 المبرم بين الطاعنة والمطعون ضدها الأولى بوصفه شاهدًا (بند 3) ومصادقًا وضامنًا لتنفيذ التزاماته هو، لا يمكن أن يؤدي إلى توافر رضاه وانصراف إرادته إلى الالتزام بشرط التحكيم صراحة أو ضمنًا، أو امتداد شرط التحكيم إليه، فالواضح بجلاء من العقود التي وقع عليها، على النحو آنف البيان، أنه عندما وقع كطرف في عقد 1/7/2012 مع المطعون ضدها الأولى اتفق معها على حسم خلافاتهما عن طريق اللجوء إلى محكمة الجيزة بعيدًا عن التحكيم، وأنه عندما وضع توقيعه على صفحات عقد 25/7/2012 المبرم بين طرفين - فقط - هما الطاعنة والمطعون ضدها الأولى، كان جليًا أن اسمه لم يرد في ديباجة هذا العقد كأحد أطرافه، كما أن هذا العقد لم يكسبه أي حق من الحقوق، وإنما وقع عليه بصفته شاهدًا (بند 3) ومصادقًا وضامنًا لتنفيذ التزاماته هو، والتوقيع بهذه الصفة يقطع باتجاه إرادته إلى التوقيع على بعض بنود العقد - وهى تلك المتعلقة بتنفيذ التزاماته هو - دون غيرها من البنود الأخرى. هذا فضلاً عن أن القول بضمانه لتنفيذ التزاماته المنصوص عليها فى العقد الأول المؤرخ 1/7/2012 هو –فى واقع الأمر- ذِكر لمفهوم وتحصيل لحاصل. كما اقتصر تحرير هذا العقد، 25/7/2012، على نسختين أصليتين فقط لطرفيه الحقيقيين، وكل ذلك يفسر سبب تراضى الأطراف فى مجلس العقد على عدم وضع اسمه فى ديباجة العقد كطرف ثالث، وعدم توقيعه على الصفحة الأخيرة من العقد تحت عبارة "الطرف الثالث". ويؤكد ذلك أيضًا أنه عندما تم وضع اسمه لاحقًا فى ديباجة الاتفاق التكميلى المؤرخ 9/12/2012 كطرف ثالث ووقع عليه بهذه الصفة، فإن هذا الاتفاق لم يتضمن الإشارة إلى شرط التحكيم، حتى يمكن القول بانصراف إرادته إلى التقيد به متلاقية في هذا الخصوص مع إرادة الطرفين الآخرين، وإنما جاء هذا الملحق مقصورًا على تقرير مسئوليته القانونية وحده دون غيره عن محتوى الحلقات التي يقدمها مع إخلاء الطاعنة والمطعون ضدها الأولى من هذه المسئولية، بما يقطع بأنه كان يستخدم إرادته عند توقيع العقود عن بصر وبصيرة، فقد وقع كطرف على عقد 1/7/2012 وعلى عقد 9/12/2012 حينما اتجهت إرادته إلى أن يكون طرفًا في كل من العقدين، في حين أنه وقع كشاهد (بند3) ومصادق وضامن لالتزاماته هو الشخصية على عقد 25/7/2012 بغير أن يكون طرفًا فيه حينما أراد ذلك. وجاء الاتفاق التكميلي المؤرخ 24/2/2013 المتعلق بتوسيع نطاق الحق الحصري لعدد مرات عرض البرنامج والنطاق الجغرافي له، والموقع عليه من طرفيه وحدهما، حاسمًا في أنه لم يكن طرفًا معهما في عقد 25/7/2012 وملاحقه، وإنما كان وجوده في هذا العقد وملحقه الأول لتأكيد التزاماته تجاه المطعون ضدها الأولى باعتبارها المتعاقد الوحيد معه في عقد 1/7/2012، ثم لتأكيد مسئوليته القانونية وحده عن محتوى البرنامج في عقد 9/12/2012، إذ لو كان طرفًا حقيقيًا في عقد 25/7/2012 لوجب حتمًا توقيعه على العقد المؤرخ 24/2/2013 كذلك. وإذ لجأت المطعون ضدها الأولى إلى التحكيم إعمالاً لشرط التحكيم فلم يكن مدعيًا معها في القضية التحكيمية، وعندما اختصمته الطاعنة هو والمطعون ضدها الأولى في التحكيم المقابل دفع من أول وهلة بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع بالنسبة له باعتبار أنه ليس طرفًا في شرط التحكيم وأن توقيعه كشاهد (بند3) وضامن لتنفيذ التزاماته هو لا يشير من قريب أو بعيد إلى انصراف إرادته إلى الالتزام بشرط التحكيم، إذ يقتصر هذا الالتزام على طرفي العقد فقط عملاً بنسبية أثر شرط التحكيم privity of arbitration agreement، ولم ينفك عن التمسك بهذا الدفع في سائر المراحل انتهاءً بالطعن بالنقض. وكان لا محل لما تقوله الطاعنة من أن عدم الرد من جانب الحكم المطعون فيه على دفوع المطعون ضده الثاني ومن بينها الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في خصومة هو طرف فيها - يعد قضاءً ضمنيًا حائزًا لقوة الأمر المقضي برفض هذه الدفوع؛ إذ إن ذلك شرطه ألا يكون قد قُضى ابتداءً لصالح المطعون ضده الثاني بموجب الحكم المطعون فيه. هذا إلى أنه لا يصح الاحتجاج عليه بأنه لم يقدم طعنًا فى الحكم المذكور لقصوره فى الرد على دفوعه، لأن مثل هذا الطعن كان مصيره الحتمى هو القضاء بعدم جوازه لانعدام المصلحة منه. لما كان ما تقدم، فإن الدفع المبدى من المطعون ضده الثاني بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الطلبات الموجهة إليه باعتبار أنه ليس طرفًا في شرط التحكيم وبعدم توافر حالة من حالات امتداد هذا الشرط إليه، يكون قد جاء على سند صحيح من الواقع والقانون، وهو ما تقضي معه المحكمة ببطلان حكم التحكيم بالنسبة له وحده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
وحيث إن وقائع الطعون الثلاثة -وعلى ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها الأولى تقدمت بتاريخ 18/12/2013 بإخطار تحكيم قُيد برقم ... لسنة 2014 لدى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بطلب الحكم – وفقًا لطلباتها الختامية - أصليًا بإثبات تقايلها والشركة الطاعنة عن العقد الأصلي المؤرخ 25/7/2012 واحتياطيًا الحكم بفسخه، وبيانًا لذلك قالت إنها أبرمت عقدًا بتاريخ 1/7/2012 مع المطعون ضده الثاني التزم فيه بتقديم حلقات برنامجًا من إعداده باسم "..." على أن تتحمل هي كامل نفقات الإنتاج مقابل ملكيتها لكافة حقوق الاستغلال المالي، واتفقا على حسم أي نزاع بينهما عن طريق محاكم الجيزة. ثم أبرمت المطعون ضدها الأولى عقدًا آخر مع الطاعنة بتاريخ 25/7/2012 (عقد استغلال حقوق بث برنامج تليفزيوني) اتفقا في البند الثالث منه على أن يُعَد المطعون ضده الثاني "ضامنًا متضامنًا في تنفيذ التزاماته بشأن العمل موضوع التعاقد" بتوقيعه شاهدًا على العقد. وتضمن البند الثاني عشر اتفاق الطرفين على تسوية أي نزاع ينشأ بينهما عن طريق التحكيم، وتم التوقيع على العقد من طرفيه كما ذُيل بتوقيع للمطعون ضده الثاني تحت عبارة "المصادق والضامن لالتزاماته الواردة بهذا العقد". وبتاريخ 9/12/2012 تحرر عقد معنون "اتفاق تكميلي لعقد استغلال حقوق بث برنامج تلفزيوني المؤرخ 25/7/2012" بين الطاعنة والمطعون ضدهما الأولى والثاني لإثبات ما اتفقوا عليه من إلغاء أى حق للطاعنة في التدخل في إعداد الحلقات أو الحذف منها، مع إقرار (مقدم البرنامج) بأنه المسئول قانونًا وحده عن أي نزاع ينشأ بمناسبة محتوى البرنامج. ثم أُبرم ملحق آخر للعقد الأصلي مؤرخ 24/2/2013 اتفقت بموجبه الطاعنة والمطعون ضدها الأولى على زيادة المقابل المادي الذى تحصل عليه الأخيرة مقابل توسيع نطاق الحق الحصري لاستغلال حلقات "..." من حيث عدد مرات العرض والنطاق الجغرافي له، وتم التوقيع على هذا العقد من طرفيه المذكورين فقط. وبتاريخ 25/10/2013 أذاعت الشركة الطاعنة على شاشتها الحلقة الأولى من الموسم الثاني للبرنامج، ثم أذاعت بيانًا في اليوم التالي تعتذر فيه عن محتوى الحلقة. وبتاريخ 1/11/2013 سلمت المطعون ضدها الأولى الحلقة الثانية للطاعنة لعرضها بذات اليوم، فامتنعت الأخيرة عن إذاعتها وأوقفت إذاعة الحلقات بعد أن أذاعت بيانًا آخر لجمهور المشاهدين. وبتاريخ 14/11/2013 أنذرت المطعون ضدها الأولى الطاعنة بانتهاء عقد استغلال حقوق البث التليفزيوني المبرم بينهما وتقدمت بإخطار التحكيم المار ذكره للحكم لها بطلباتها آنفة البيان. وبتاريخ 5/1/2014 تقدمت الطاعنة بإخطار تحكيم مقابل لدى المركز قبل المطعون ضدهما الأولى والثاني بطلب الحكم – وفقًا لطلباتها الختامية – بإلزامهما بالتضامن بتعويضها عما فاتها من كسب لعدم تنفيذ العقد الأصلي بمبلغ 321,890,634 جنيه، وعما لحقها من أضرار أدبية حسبما تقدره هيئة التحكيم، والفائدة من تاريخ الاستحقاق وحتى تاريخ الوفاء. وبتاريخ 10/11/2014 حكمت هيئة التحكيم بالأغلبية برفض دفع المطعون ضده الثاني بعدم الاختصاص، وبرفض دعوى المطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الثاني، وفي الدعوى المقابلة بإلزام المطعون ضدها الأولى أداء مبلغ 25,000,000 جنيه للطاعنة تعويضًا عن الضرر المادي ومبلغ مماثل تعويضًا عن الضرر الأدبي وفائدة مقدارها 5% سنويًا من تاريخ الحكم وحتى تمام السداد، وبإلزام المطعون ضده الثاني أداء مبلغ خمسة وعشرين مليون جنيه تعويضًا للطاعنة عن الضرر المادي ومبلغ مماثل تعويضًا عن الضرر الأدبي وفائدة مقدارها 4% سنويًا من تاريخ الحكم وحتى تمام السداد، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات. أقام المطعون ضده الثاني الدعويين رقمي ... و... لسنة 132 ق تحكيم استئناف القاهرة طالبًا الحكم ببطلان حكم التحكيم، كما أقامت المطعون ضدها الأولى الدعوى رقم ... لسنة 132 ق بذات الطلب، وبتاريخ 6/1/2016 وبعد أن ضمت المحكمة الدعويين الأخيرتين للأولى قضت في الدعاوى المذكورة ببطلان حكم التحكيم. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعون أرقام 2698 و3100 و3299 لسنة 86 ق، وقدم محامي المطعون ضده الثاني مذكرة – في الميعاد – دفع فيها بعدم قبول الطعن لسبق تنازل الطاعنة عن حقها في الطعن بالنقض وبعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة، وأودعت النيابة مذكرة في كل طعن أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه. وبعرض الطعون الثلاثة على هذه المحكمة في غرفة المشورة رأت أنها جديرة بالنظر وقررت ضم الطعنين الثاني والثالث إلى الأول للارتباط وليصدر فيها حكم واحد، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع الأول المبدى من المطعون ضده الثاني بعدم جواز الطعن لسبق تنازل الشركة الطاعنة عن حقها في الطعن بالنقض طبقًا للثابت من شرط التحكيم الذي اتُفق فيه على أن يكون حكم المحكمة التي تنظر دعوى البطلان نهائيًا وملزمًا وليس محلاً لأى طعن، ويترتب على ذلك أن يكون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف التي نظرت دعوى البطلان غير قابل للطعن بطريق النقض.
وحيث إن الدفع غير سديد، ذلك أن النص في المادة 248 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الأحوال الآتية: (1) إذا كان الحكم المطعون فيه مبنيًا على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله. (2) إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم"، مُفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الطعن بطريق النقض في الحالات التي حددتها هذه المادة على سبيل الحصر جائز كأصل عام في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف. ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر من محكمة استئناف القاهرة فإن الطعن فيه بطريق النقض استنادًا إلى أي من تلك الحالات يكون جائزًا. ولا وجه للاستناد في هذا الخصوص إلى المادة 219 (2) من قانون المرافعات التي أجازت للخصوم الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائيًا، إذ إن تطبيقها مقصور - وفقًا لصريح النص - على النزول عن الطعن بطريق الاستئناف في الأحكام الابتدائية، دون أن يمتد هذا الاستثناء إلى الطعن بطريق النقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، وترتيبًا على ذلك فلا يجوز النزول مقدمًا عن الحق في الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الدعاوى المقامة بشأن بطلان أحكام التحكيم قبل صدور الحكم فيها، وطالما لم يرد في قانون المرافعات أو في قانون التحكيم أي نص يمنع من الطعن فيها بطريق النقض فإنها تظل خاضعة للأصل العام الوارد في المادة 248 من قانون المرافعات آنفة البيان، ويكون الطعن فيها بطريق النقض جائزًا.
وحيث إن مبنى الدفع الثاني المثار من المطعون ضده الثاني بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة، هو أن الطاعنة المحكوم لصالحها في القضية التحكيمية، والتي سبق لها التعاقد مع المطعون ضدها الأولى، هي "شركة ... (مركز تليفزيون ...)"، في حين أن الشركة التي شرعت في الحصول على الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم وباشرت الإجراءات في دعوى البطلان أمام محكمة استئناف القاهرة وأقامت الطعون الثلاثة الماثلة هي شركة أخرى اسمها "شركة مجموعة ... ش.م.م"، وقد سبق له التمسك بهذا الدفع أثناء نظر دعوى البطلان موضحًا استغلال الشركة للتشابه في الاسم بين الشركتين، ولذلك فقد صدر الحكم المطعون فيه في مواجهة الشركة المتعاقدة المحكوم لصالحها دون الشركة الأخرى المشابهة لها في الاسم.
وحيث إن الدفع فى غير محله، ذلك بأن الثابت من المستندات المرفقة بالطعن أن رئيس مجلس إدارة شركة ... (مجموعة قنوات ...) قد أصدر توكيلاً رسميًا عامًا فى القضايا برقم ...(ج) لسنة 2014 مكتب توثيق نقابة المحامين بالجيزة بتاريخ 27/11/2014، للمحامين المدافعين عن الشركة، بموجب السجل التجارى رقم ... لسنة 2011 استثمار القاهرة. وكان الثابت من الاطلاع على السجل التجاري المذكور أن مدة هذه الشركة عشرين سنة تبدأ من 9/6/2011 وأن الغرض من تأسيسها هو إطلاق عدة قنوات فضائية وتحمل أول قناة فيها اسم (...)، ومن ثم فلا تكون هناك شركتان وإنما شركة واحدة، ولا يكون ثمة ما يشكك فى حقيقة اسمها أو صحة اتصالها بالخصومة في الطعن من واقع ما هو ثابت بحكم التحكيم وبالحكم المطعون فيه، فيضحى الدفع على غير أساس.
وحيث إن الطعون الثلاثة استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إنه أقام قضاءه ببطلان حكم التحكيم على ما قاله من أن هيئة التحكيم لم تبين عناصر الضرر الواقعية التي طرحتها الشركة الطاعنة والتي يترتب على ثبوتها الحكم بالتعويض، مع أن دعوى البطلان لا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه ولئن كان القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية قد أجاز الطعن بدعوى البطلان فى حكم المحكمين إلا أنه قصر البطلان على أحوال معينة بينتها المادة 53 منه على سبيل الحصر، وليس لقاضى دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملاءمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين، يستوى فى ذلك أن يكون المحكمون قد أصابوا أو أخطأوا عندما اجتهدوا فى تكييفهم للعقد أو تقديرهم للتعويض؛ لأنهم حتى لو أخطأوا فإن خطأهم لا ينهض سببًا لإبطال حكمهم باعتبار أن دعوى البطلان تختلف عن الطعن بطريق الاستئناف. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن قدم لقضائه بقوله إن دعوى إبطال حكم التحكيم لا شأن لها بالنتيجة التى خلص إليها الحكم أو بصحة تطبيق المحكم للقواعد القانونية التى تحكم المنازعة من ناحية الموضوع، وأن أخطاء حكم التحكيم المتعلقة بعيوب التقدير بالنسبة للواقع أو بمخالفة القانون لا تجعله موصومًا بالبطلان، عاد ليقرر: "أن رقابة القضاء على تسبيب حكم التحكيم ولئن كانت لا تقتضى فحصًا أو تمحيصًا موضوعيًا فإنها لا تقف عند حد الشكل الظاهري؛ فيتحقق سبب البطلان إذا تبين عند قراءة حكم التحكيم "بدقة" وجود مخالفة ملموسة بارزة فى أسبابه كانت حيوية وحاسمة فيما انتهى إليه من نتيجة. ثم أشار الحكم إلى أنه وعلى الرغم من أن المحكمة طرحت في دعوى التحكيم وعلى نحو مفصل أوجه الضرر الذى لحقها مستندة في ذلك إلى تقرير خبرة فنية أعده محاسبها القانوني "مكتب إرنست آند يانج"، إلا أن هيئة التحكيم لم تتحر توافر عناصر الضرر الواقعية التي طرحتها الشركة المحتكمة والمولِدة في حال ثبوتها للحكم بالتعويض، بل ذكرت صراحة عبارة "أنها لم تتقيد بها"، فتكون هيئة التحكيم قد استبعدت وأسقطت أوجه الضرر التي كانت مطروحة من جانب المحتكمة وقدرت مباشرة مبالغ التعويض المحكوم به على نحو إجمالي دون أن تكشف أو تذكر شيئا ثبوتًا أو نفيًا عن الضرر الذى تم التعويض عنه وأثر ذلك في الحكم، وبذلك يكون حكم التحكيم قد أغفل مسألة جوهرية تتعلق بالأضرار المؤدية للتعويض وتركها بغير تسبيب أو تدليل أو مواجهة اكتفاءً بتناول ركن الخطأ ومظاهره باستفاضة، مع أن حكم التحكيم لا يقوم مع غياب الأسباب المتعلقة بوقائع الضرر إذ هى عماد الحكم وقوامه، وبذلك يكون قد تحقق للمحكمة سبب بطلان حكم التحكيم". وكان هذا الذى ذهب إليه الحكم المطعون فيه ليس من بين حالات البطلان التى أوردتها المادة 53 من قانون التحكيم على سبيل الحصر، ذلك أن استخلاص توافر ركن الخطأ وتقدير التعويض عنه من سلطة هيئة التحكيم ويتعلق بفهم الواقع فى النزاع المطروح عليها وكان المشرع لم يجعل من خطأ حكم المحكمين فى استخلاص وقائع النزاع أو قضائه بالتعويض جملة دون بيان عناصر الضرر أو مبالغته فى تقدير التعويض - من الأسباب التى تجيز طلب إبطال الحكم، إذ هى من مسائل الواقع questions of fact التى تدخل فى نطاق السلطة التقديرية لهيئة التحكيم وليست من حالات بطلان حكم التحكيم، ولا يتسع لها نطاق هذه الدعوى حسبما تقدم بيانه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن موضوع دعوى بطلان حكم التحكيم رقم ... لسنة 132 ق استئناف القاهرة المقامة من المطعون ضدها الأولى (منتجة البرنامج) صالح للفصل فيه.
ولما كانت الشركة المطعون ضدها الأولى تستند في دعواها، وعلى ما هو ثابت بمدونات الحكم المنقوض (ص 9-10) إلى سببين فقط؛ أولهما، المغالاة غير المسبوقة في تقدير التعويض المحكوم به على نحو جزافي تحكمي. وثانيهما، أن حكم التحكيم أغفل استظهار ركن الضرر رغم أهمية ذلك وتأثيره فى دعاوى التعويض عمومًا. وإذ كانت هذه الأسباب، وعلى ما سلف بيانه، لا تعد من الأسباب التى يجوز التعرض لها فى دعوى البطلان، وهذه هى أبرز عيوب نظام التحكيم؛ فلا تستطيع محكمة النقض، فى مقام احترامها للقانون، وأيًا كان وجه الرأى فى كيفية تقدير التعويض من جانب هيئة التحكيم، إلا احترام هذا الحكم ولا يحق لها المساس به، ومن ثم فلا تملك إلا أن تقضى برفض دعوى البطلان المرفوعة من المطعون ضدها الأولى.
وحيث إن دعويى بطلان حكم التحكيم رقمى ... و... لسنة 132 ق استئناف القاهرة المقامتين من المطعون ضده الثانى (مقدم البرنامج) صالحتان للفصل فيهما.
وحيث إنه من المقرر أن التنظيم القانونى للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التى نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هى التى يرتكز عليها التحكيم وتحدد نطاقه من حيث المسائل التى يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم وغيرها، وعلى ذلك فمتى تخلف الاتفاق امتنع القول بقيام التحكيم، وهو ما يستتبع نسبية أثره فلا يُحتج به إلا فى مواجهة الطرف الذى ارتضاه وقَبِل خصومته. وكان من الأصول المقررة أن العقد يصدق على كل اتفاق يُراد به إحداث أثر قانونى، وإسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يُفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله فى خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه، دون أن يُعتبر - بإطلاق - كل من يَرِد ذِكره بالعقد أنه أحد أطرافه، طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانونى الذى يدور حوله النزاع الناشئ بسبب العقد. وفى التحكيم، يجب أن يكون التوقيع منصبًا على إرادة إبرام اتفاق التحكيم. وكان اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، هو عقد حقيقى له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، والتراضى Consent ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم، وجوهره تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين فى اتخاذ التحكيم سبيلاً لتسوية منازعاتهما، بعيدًا عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة فى نظر كافة المنازعات أيًا كان نوعها وأيًا كان أطرافها، فإذا عبر أحد الطرفين إيجابًا offer عن رغبته فى تسوية النزاع عن طريق التحكيم، فيلزم أن يكون قبول acceptance الطرف الآخر باتًا ومنتجًا فى إحداث آثاره، حتى يمكن القول بوجود تطابق حقيقى بين إيجاب وقبول طرفى التحكيم consensus ad idem / meeting of the minds على نحو لا يتطرق إليه أى شك أو احتمال أو جدل. ويتحقق التراضى على شرط التحكيم، بالمفاوضات التى تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلى وشروطه ومن بينها شرط التحكيم – باعتباره عقدًا مستقلاً داخل العقد الأصلى - وإثبات التراضى على ذلك كتابة والتوقيع عليه منهما، وهو ما أوجبته المادة 12 من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية من أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا وإلا كان باطلاً، وهو كذلك ما استلزمته، من قبل، المادة 2(2) من اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها New York Convention,1958 - والتى انضمت إليها مصر ودخلت حيز النفاذ فى 7 يونيه 1959 فأضحت بعد نشرها فى الجريدة الرسمية جزءًا لا يتجزأ من النظام القانونى المصرى - من أنه "يشمل مصطلح "اتفاق مكتوب" “agreement in writing” أى شرط تحكيم يرد فى عقد أو أى اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين signed by the parties أو وارد فى رسائل أو برقيات متبادلة". وعلة استلزام الكتابة، سواء لوجود اتفاق التحكيم أو لإثباته، مرجعها أن التحكيم والاتفاق عليه من التصرفات القانونية ذات الخطر، لما فى ذلك من نزع الاختصاص بنظر النزاع بين طرفى الاتفاق من قضاء الدولة، الذى يتعين عليه الامتناع عن الفصل فى أى دعوى يتمسك فيها الخصم بوجود اتفاق تحكيم ويعترض منكرًا أى حق لخصمه فى الالتجاء إلى القضاء. ولما يتضمنه اتفاق التحكيم من مخاطرة الطرفين ببعض أو كل حقوقهم، لانعدام الفرصة فى الطعن على حكم هيئة التحكيم بأى طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية، ومن ثم يتعين التيقن من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى إبرام اتفاق التحكيم عن إرادة واضحة ويقين قاطع، ولا عبرة هنا بالإرادة التى لم تتجه لإحداث أثر قانونى. وأخيرًا، لما في اتفاق التحكيم من احتمال ترتيب أثر فى حق الغير، حينما يمتد اتفاق التحكيم إلى أطراف آخرين وعقود أخرى تتصل بالعقد الأصلى، كما هى الحال بالنسبة لإمكان امتداده فى حالة مجموعة الشركات group of companies أو مجموعة العقود group of contracts، أو امتداده إلى الخلف العام universal successor كالوارث والموصىَ له بجزء غير معين من التركة، أو امتداده للشركة الدامجة company merging باعتبارها خلفًا عامًا للشركة المندمجة company merged، وكذلك امتداده فى حالة حوالة الحق assignment of a right إذ ينتقل الحق المحال حوالة صحيحة، والوارد فى عقد يتضمن شرط تحكيم، من المحيل assignor إلى المحال إليه assignee مُقيدًا بشرط التحكيم.
لما كان ذلك، وكان مدعى البطلان -المطعون ضده الثاني- قد تمسك أمام هيئة التحكيم وفى دعوى البطلان الماثلة بالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الطلبات الموجهة إليه باعتبار أنه ليس طرفًا في شرط التحكيم وبعدم توافر حالة من حالات امتداد هذا الشرط إليه. وحيث إن هذا الدفع صحيح، ذلك أن مجرد توقيعه على العقد المؤرخ 25/7/2012 المبرم بين الطاعنة والمطعون ضدها الأولى بوصفه شاهدًا (بند3) ومصادقًا وضامنًا لتنفيذ التزاماته هو، لا يمكن أن يؤدى إلى توافر رضاه وانصراف إرادته إلى الالتزام بشرط التحكيم صراحة أو ضمنًا، أو امتداد شرط التحكيم إليه، فالواضح بجلاء من العقود التى وقع عليها، على النحو آنف البيان، أنه عندما وقع كطرف فى عقد 1/7/2012 مع المطعون ضدها الأولى اتفق معها على حسم خلافاتهما عن طريق اللجوء إلى محكمة الجيزة بعيدًا عن التحكيم، وأنه عندما وضع توقيعه على صفحات عقد 25/7/2012 المبرم بين طرفين - فقط - هما الطاعنة والمطعون ضدها الأولى، كان جليًا أن اسمه لم يرد فى ديباجة هذا العقد كأحد أطرافه، كما أن هذا العقد لم يكسبه أى حق من الحقوق، وإنما وقع عليه بصفته شاهدًا (بند 3) ومصادقًا وضامنًا لتنفيذ التزاماته هو، والتوقيع بهذه الصفة يقطع باتجاه إرادته إلى التوقيع على بعض بنود العقد - وهى تلك المتعلقة بتنفيذ التزاماته هو - دون غيرها من البنود الأخرى. هذا فضلاً عن أن القول بضمانه لتنفيذ التزاماته المنصوص عليها فى العقد الأول المؤرخ 1/7/2012 هو –فى واقع الأمر- ذِكر لمفهوم وتحصيل لحاصل. كما اقتصر تحرير هذا العقد، 25/7/2012، على نسختين أصليتين فقط لطرفيه الحقيقيين، وكل ذلك يفسر سبب تراضى الأطراف فى مجلس العقد على عدم وضع اسمه فى ديباجة العقد كطرف ثالث، وعدم توقيعه على الصفحة الأخيرة من العقد تحت عبارة "الطرف الثالث". ويؤكد ذلك أيضًا أنه عندما تم وضع اسمه لاحقًا فى ديباجة الاتفاق التكميلى المؤرخ 9/12/2012 كطرف ثالث ووقع عليه بهذه الصفة، فإن هذا الاتفاق لم يتضمن الإشارة إلى شرط التحكيم، حتى يمكن القول بانصراف إرادته إلى التقيد به متلاقية فى هذا الخصوص مع إرادة الطرفين الآخرين، وإنما جاء هذا الملحق مقصورًا على تقرير مسئوليته القانونية وحده دون غيره عن محتوى الحلقات التى يقدمها مع إخلاء الطاعنة والمطعون ضدها الأولى من هذه المسئولية، بما يقطع بأنه كان يستخدم إرادته عند توقيع العقود عن بصر وبصيرة، فقد وقع كطرف على عقد 1/7/2012 وعلى عقد 9/12/2012 حينما اتجهت إرادته إلى أن يكون طرفًا فى كل من العقدين، فى حين أنه وقع كشاهد (بند3) ومصادق وضامن لالتزاماته هو الشخصية على عقد 25/7/2012 بغير أن يكون طرفًا فيه حينما أراد ذلك. وجاء الاتفاق التكميلى المؤرخ 24/2/2013 المتعلق بتوسيع نطاق الحق الحصرى لعدد مرات عرض البرنامج والنطاق الجغرافى له، والموقع عليه من طرفيه وحدهما، حاسمًا فى أنه لم يكن طرفًا معهما فى عقد 25/7/2012 وملاحقه، وإنما كان وجوده فى هذا العقد وملحقه الأول لتأكيد التزاماته تجاه المطعون ضدها الأولى باعتبارها المتعاقد الوحيد معه فى عقد 1/7/2012، ثم لتأكيد مسئوليته القانونية وحده عن محتوى البرنامج فى عقد 9/12/2012، إذ لو كان طرفًا حقيقيًا فى عقد 25/7/2012 لوجب حتمًا توقيعه على العقد المؤرخ 24/2/2013 كذلك. وإذ لجأت المطعون ضدها الأولى إلى التحكيم إعمالاً لشرط التحكيم فلم يكن مدعيًا معها فى القضية التحكيمية، وعندما اختصمته الطاعنة هو والمطعون ضدها الأولى فى التحكيم المقابل دفع من أول وهلة بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع بالنسبة له باعتبار أنه ليس طرفًا فى شرط التحكيم وأن توقيعه كشاهد (بند3) وضامن لتنفيذ التزاماته هو لا يشير من قريب أو بعيد إلى انصراف إرادته إلى الالتزام بشرط التحكيم، إذ يقتصر هذا الالتزام على طرفى العقد فقط عملاً بنسبية أثر شرط التحكيم privity of arbitration agreement، ولم ينفك عن التمسك بهذا الدفع فى سائر المراحل انتهاءً بالطعن بالنقض. وكان لا محل لما تقوله الطاعنة من أن عدم الرد من جانب الحكم المطعون فيه على دفوع المطعون ضده الثانى ومن بينها الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالفصل فى خصومة هو طرف فيها - يعد قضاءً ضمنيًا حائزًا لقوة الأمر المقضى برفض هذه الدفوع؛ إذ إن ذلك شرطه ألا يكون قد قُضى ابتداءً لصالح المطعون ضده الثانى بموجب الحكم المطعون فيه. هذا إلى أنه لا يصح الاحتجاج عليه بأنه لم يقدم طعنًا فى الحكم المذكور لقصوره فى الرد على دفوعه، لأن مثل هذا الطعن كان مصيره الحتمي هو القضاء بعدم جوازه لانعدام المصلحة منه. لما كان ما تقدم، فإن الدفع المبدى من المطعون ضده الثاني بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في الطلبات الموجهة إليه باعتبار أنه ليس طرفًا في شرط التحكيم وبعدم توافر حالة من حالات امتداد هذا الشرط إليه، يكون قد جاء على سند صحيح من الواقع والقانون، وهو ما تقضي معه المحكمة ببطلان حكم التحكيم بالنسبة له وحده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق