باسم الشعب
محكمــة النقــــــــض
الدائــــــرة الجنائيــــــــــة
الخميس (ب)
ــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد القاضي / مصطفى أحمد الصادق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد السنباطـي و د. أحمد عاصم وأحمد جلال نواب رئيس المحكمة ومصطفى عبد الرؤوف الإبياري
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / مصطفى عمر القماري .
وأمين السر السيد / طارق عبد العزيز .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة .
في يوم الخميس 6 من رجب سنة 1445 هـ الموافق 18 من يناير سنة 2024 م .
أصـدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 18106 لسنة 92 القضائية .
المرفوع مـن :
۱– ....... .
2- ........
3- ....... . المحكوم عليهم
ضــد
النيابة العامة . المطعون ضدها
---------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة – 1 - ....... ( طاعن ) 2- .......( طاعن ) 3- ....... ( طاعن ) 4- ...... ( قُضي بمعاقبته غيابياً ) في الجنحة رقم .... لسنة ..... اقتصادية ..... .
بأنهم في يوم ١٣ من أكتوبر سنة ۲۰۲۲ وبتاريخ سابق - بدائرة قسم شرطة .....- محافظة ....... .
1- قاموا بأنشطة متعلقة بالعملات المشفرة - دون ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المصري - والمتمثلة في بيع وصيانة أجهزة التعدين عن العملات الافتراضية للراغبين في ذلك من عموم الجمهور ، وكذا تحميل - لعملائهم - البرامج الإلكترونية اللازمة لإجراء عملية التعدين عن العملات الافتراضية ، فضلاً عن إنشاء المحافظ الإلكترونية وربطها بتلك الأجهزة المباعة ، حتى يتسنى لمالكي تلك الأجهزة - من عملائهم - التحصل على العملات الافتراضية الناتجة من عمليات التعدين الناجحة ، وتحقيق أرباح غير مشروعة من وراء ذلك ، علي النحو المبين بالتحقيقات .
2- أنشأوا واستخدموا وأداروا حسابات الكترونية ( محافظ الكترونية ) على الشبكة المعلوماتية بهدف ارتكاب الجريمة محل الاتهام السابق على النحو المبين تفصيلاً بتقرير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وعلى النحو المبين بالتحقيقات .
3- حازوا وصنعوا معدات اتصالات غير مصرح بدخولها أو حيازتها داخل البلاد بغرض تسويقها في الداخل واستخدامها في ارتكاب الجرائم محل الاتهامات السابقة بدون الحصول على تصريح بذلك من الجهات المختصة وعلى النحو المبين بالتحقيقات .
وطلبت عقابهم بالمواد 206 ، 225 /1 ، 236 من القانون رقم ١٩٤ لسنة ٢٠٢٠ بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والمواد ٤٤ ، ٤٨ ، ۷۷/1 ( بند أ 1 ، 3 ) من القانون رقم 10 لسنة ۲۰۰۳ بشأن تنظيم الاتصالات والمادتين ٢٧ ، ۳۸/1 من القانون رقم ١٧٥ لسنة ۲۰۱۸ بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات .
وأحالتهم إلى محكمة جنح ...... الاقتصادية لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت بجلسة ٢٩ من يناير سنة ۲۰۲۲ ، حضورياً للمتهمين الأول والثاني والثالث وغيابياً للرابع : أولاً : براءة المتهمين من الاتهام الثاني المسند إليهم . ثانياً : بحبس المتهمين الأول والثاني والثالث ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ وحبس المتهم الرابع ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة عشرة آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ مؤقتاً والمصادرة ونشر ملخص الحكم بجريدة الأهرام على نفقة المتهمين والمصاريف الجنائية .
فاستأنف كل من المحكوم عليهم حضورياً والنيابة العامة هذا الحكم وقيد استئنافهما برقم 166 لسنة ۲۰۲۱ جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية .
والمحكمة الاقتصادية ...... - بهيئة استئنافية - قضت بجلسة 6 من أبريل سنة ۲۰۲۲ ، حضورياً للأول والثاني والثالث وغيابياً للرابع : أولاً : بقبول استئناف النيابة العامة شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة المستأنف ضدهم الأول والثاني والثالث من التهمة الثانية والقضاء مجدداً وبإجماع الآراء بجعل العقوبة المقضى بها للمتهمين عن الاتهامات جميعها الحبس لمدة ثلاث سنوات وبتغريم كل منهم مبلغ مائة ألف جنيه وألزمت المستأنف ضدهم بالمصروفات الجنائية . ثانياً : بقبول استئناف المتهمين الأول والثاني والثالث شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمتهم بالمصروفات الجنائية . ثالثاً : في استئناف النيابة العامة قبل المستأنف ضده الرابع وقبل الفصل في شكل الاستئناف وموضوعه بوقف الاستئناف تعليقاً لحين استنفاذ محكمة أول درجة ولايتها قبله وأبقت الفصل في المصروفات .
فقرر المحكوم عليهم /1 - ....... 2- .......3- ....... - بشخصهم - بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 1 من يونيو سنة ۲۰۲۲ .
وبذات التاريخ أودعت مذكرتان بأسباب طعنهم بالنقض موقعاً عليهما من الأستاذ / ......... المحامي .
وبجلسة اليوم لم يحضر أحد على ما هو مبين بمحضر الجلسة .
---------------
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً .
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول علي ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المصري وإنشاء حساب خاص على شبكة معلوماتية بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانوناً وحيازة أجهزة اتصالات دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وران عليه البطلان ، ذلك بأنه حرر في عبارات عامة معماة خلت من بيان واقعة الدعوى بياناً تتوافر به الأركان القانونية للجرائم التي دانهم بها ، كما لم يبين الأفعال المادية التي أتاها الطاعنون والتي تفصح عن الدور الذي قام به كل منهم ، ولم يستظهر أركان جريمة تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول علي ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي بركنيها المادي والمعنوي ، لاسيما وأن الفعل المسند للطاعنين مباح وبمنأى عن التأثيم وفقاً لنص المادتين ٤ ، ٥ من القانون رقم ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي ، ولعدم إصدار اللائحة التنفيذية لذلك القانون ، وعدم علمهم بقواعد ونصوص قانون البنك المركزي ، ولم يفطن الحكم إلى أن حيازة أجهزة التعدين عن العملات الافتراضية غير مجرم ومباح استخدامها بدلالة خلو أمر الإحالة من مواد تجرم حيازتها ، وأن الحكم عول على أدلة غير صالحة للإدانة ، إذ تساند إلى أقوال ضابط الواقعة رغم عدم معقوليتها وانفراده بالشهادة واختلاقه لحالة التلبس، معتمدا في قضائه بالإدانة على شهادته رغم أنها نتيجة لإجراء باطل ، كما عول على إقرار الطاعنين بمحضر الضبط بالرغم من بطلانه لكونه وليد استجواب محظور ، مما ينبئ عن أن المحكمة لم تعن بتمحيص الدعوى ولم تلم بعناصرها عن بصر وبصيرة، وأطرح الحكم بما لا يسوغ دفوعهم ببطلان القبض والتفتيش لعدم صدور إذن من النيابة العامة ولانتفاء حالة التلبس في حقهم لتلقي نبأ الجريمة من مصدر سري وقعت الجريمة بتحريض منه وضابط الواقعة، وبعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون لعدم الحصول على طلب من محافظ البنك المركزي وفقاً للقانون ، وببطلان تحقيقات النيابة العامة وإجراءات فحص الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب لعدم إجرائها من رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادة ٢٠٦ مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، وبطلان إقرار الطاعنين الأول والثالث بالتحقيقات وإجراءات فحص هواتفهم كونه وليد إكراه وقع عليهم بالتحقيقات وببطلان تقرير الفحص الفني ، ووجود عبث بالأحراز ، وأغفلت المحكمة الرد على دفعهم بانتفاء أركان الجريمة في حقهم ، وبعدم جدية التحريات ، بما ينبئ عن أنه قد تولدت لدى المحكمة عقيدة مسبقة في الإدانة ، وأخيراً خلت أوراق الدعوى من وضع تقرير تلخيص لوقائعها ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، وكان تحصيل المحكمة للواقعة في حدود الدعوى المطروحة قد جاء وافياً في شأن بيان الأفعال المادية التي أتاها كل من الطاعنين بما يفصح عن الدور الذي قام به كل منهم في الجرائم التي دائهم الحكم بها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك ، وكانت المادة ۲۰٦ من القانون رقم ١٩٤ - لسنة ۲۰۲۰ في شأن البنك المركزي والجهاز المصرفي قد حظرت إصدار العملات المشفرة أو النقود الإلكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها بدون الحصول على ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي طبقا للقواعد والإجراءات التي يحددها ونصت المادة ٢٢٥ /1 من هذا القانون على أن " يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أياً من أحكام المواد ( ٦٣ ، ١٨٤ ، 205 ، 206 ) من هذا القانون ...... ". لما كان ذلك ، وكان لا يشترط لإثبات جريمة تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول على ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المنصوص عليها في المادة ۲۰٦ من القانون سالف الذكر طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة ، بل يكفى كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - بوقوع الفعل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها . وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على توافر جريمة تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول علي ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي بأركانها المادية والمعنوية ، إذ لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في هذه الجريمة ، بل يكفى أن يكون ما أورده من وقائع وظروف دالاً على قيامه ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم في هذا الصدد غير سديد ، هذا فضلاً عن إن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعنين جريمة واحدة وعاقبهم بالعقوبة المقررة لأشدهم ، ومن ثم فلا مصلحة فيما يثيره الطاعنون بشأن جريمة تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول علي ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المصري ، ما دامت المحكمة قد دانتهم بجريمة إدارة واستخدام حساب خاص على شبكة معلوماتية بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانوناً وأوقعت عليهم عقوبتها عملاً بالمادة ٣٢ من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد . لما كان ذلك ، وكان النعي بأن ما وقع من الطاعنين لا يعدو أن يكون فعلاً مباحاً وينأى عن التأثيم لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، ما دام قضاؤها في ذلك سليماً ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان القانون رقم ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي قد صدر ونشر في الجريدة الرسمية في ۱٥/ ۹ / ۲۰۲۰ - أي في تاريخ سابق على الدعوى الماثلة - فأصبح بذلك نافذاً ونصوصه ممكن إعمالها بغض النظر عن عدم صدور لائحته التنفيذية ولا يصح تعطيل أي نص مادام أن إعماله لا يتوقف على شرط ، فإن ما يثيره الطاعنون بشأن إعمال نصوص ذلك القانون لا يكون له محل. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الجهل بالقانون أو الغلط في فهم نصوصه لا يعدم القصد الجنائي باعتبار أن العلم بالقانون وفهمه على وجهه الصحيح أمر مفترض في الناس كافة ، وإن كان هذا الافتراض يخالف الواقع في بعض الأحيان بيد أنه افتراض تمليه الدواعي العملية لحماية مصلحة المجموع ، ولذا قد جرى قضاء محكمة النقض على أن العلم بالقانون الجنائي والقوانين العقابية المكملة له مفترض في حق الكافة ، ومن ثم فلا يقبل الدفع بالجهل أو الغلط فيه كذريعة لنفي القصد الجنائي ، ويضحى منعي الطاعنين في هذا الصدد غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعنون من أن حيازة أجهزة تعدين العملات الافتراضية غير مجرم مما يعد استخدامها مباحاً ، مردوداً بأنه دفاع قانوني ظاهر البطلان، ذلك بأن الواقعة كما أثبتها الحكم لا تعتبر حيازة أجهزة تعدين العملات الافتراضية ، وإنما هي تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول علي ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي بمقتضي نص المادتين ۲۰٦ ، 225/1 من القانون رقم ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي التي طبقها - بحق - الحكم المطعون فيه ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أستند الى أدلة الثبوت التي أوردها المستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من تقرير الفحص الفني للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ومن إقرار الطاعنين الأول والثالث وهي تؤدي في مجموعها الى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين للجرائم التي دانهم بها ، وكان من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى؛ لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، فإن ما يثيره الطاعنون في شأن استناد الحكم إلى أدلة لا تصلح للإدانة لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط الواقعة وصحة تصويره للواقعة فإن كافة ما يثيره الطاعنون من منازعة في صورة الواقعة بمقولة أن الضابط اختلق حالة التلبس ليصحح الإجراء الباطل لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليها ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته. ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط من قبض على الطاعنين وتفتيشهم فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله في إدانة الطاعنين، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير قويم . لما كان ذلك ، وكان لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان إقرار الطاعنين لمحرر محضر الضبط لصدوره وليد استجواب محظور من مأمور الضبط القضائي مادام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من الاستجواب المدعى ببطلانه وإنما أقام قضاءه على أدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من تقرير الفحص الفني للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ومن إقرار الطاعنين الأول والثالث بتحقيقات النيابة، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون في غير محله ، ولا يجوز التحدي في ذلك بما ورد بأقوال الضابط القائم بالضبط حسبما حصلها الحكم - من أن الطاعنين أقروا له بارتكابهم الواقعة، إذ هو لا يعد إقراراً من الطاعنين بما أسند إليهم وإنما مجرد قول للضابط يخضع لتقدير المحكمة التي أفصحت عن اطمئنانها إليه في هذا الشأن . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير الدليل موكول لمحكمة الموضوع ، وأنه متى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك . ولما كانت الأدلة التي أوردها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين للجرائم التي دانهم بها، فإن ما يثيره الطاعنون من أن المحكمة لم تعن بتمحيص الدعوى ولم تلم بعناصرها عن بصر وبصيرة ، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها مادامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة، كما أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها . و كان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته تدليلاً على توافر حالة التلبس ورداً على ما دفع به الطاعنون من عدم توافر هذه الحالة ومن بطلان القبض والتفتيش كاف وسائغ في الرد على الدفع ويتفق وصحيح القانون، ولا ينال من ذلك تظاهر ضابط الواقعة للطاعنين برغبته في شراء أجهزة التعدين للعملة الافتراضية ( البتكوين) إذ لم يكن ذلك من الضابط إلا بعد أن علم أن الطاعن الثالث يتعامل في تلك الأجهزة بما مفاده أن الجريمة كانت واقعة وأن الضابط لم يخلق فكرتها في وجدان ذلك الطاعن ولم يحرضه عليها و غايته لم تتعد الكشف عن الجريمة والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، كما أن الطاعنين وقد أوجدوا أنفسهم طواعية في أظهر حالة من حالات التلبس فإن قيام الضابط بضبطهم يكون صحيحاً منتجاً لأثره ولا عليه إن هو لم يسع للحصول على إذن من النيابة العامة بذلك إذ لم يكن في حاجة إليه ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك ، وكانت النيابة العامة طبقاً لما تنص عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقاً للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه القيد إلا باستثناء من نص الشارع، وإذ أقامت النيابة العامة الدعوى ضد الطاعنين وباشرت التحقيق معهم لارتكابهم جرائم تنفيذ أنشطة متعلقة بالعملات المشفرة والنقود الإلكترونية دون الحصول على ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المصري وإنشاء حساب خاص على شبكة معلوماتية بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانوناً وحيازة أجهزة اتصالات لاسلكية دون الحصول على تصريح من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ، وكان القانون قد خلا من أي قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية عن الجريمتين الأخيرتين وهما جريمتان مستقلتان متميزتان بعناصرهما القانونية عن الجريمة الأولى المنصوص عليها في القانون رقم ١٩٤ لسنة ٢٠٢٠ بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي، فإن قيام النيابة العامة بتحقيق الوقائع موضوع الاتهامين الأخيرين ومباشرة الدعوى بشأنها لا يتوقف على صدور طلب من محافظ البنك المركزي ولو ارتبطت بهاتين الجريمتين جريمة من جرائم قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي ذلك أن قواعد التفسير الصحيح للقانون تستلزم بحسب اللزوم العقلي أن تتبع الجريمة ذات العقوبة الأخف باقي الجرائم ذات العقوبة الأشد المرتبطة بها في التحقيق والإحالة والمحاكمة وتدور في فلكها بموجب الأثر القانوني للارتباط بحسبان أن العقوبة المقررة للجريمة ذات العقوبة الأشد هي الواجبة التطبيق وفقاً لنص المادة ٣٢ من قانون العقوبات، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون غير سديد، فضلاً عن أن الحكم قد عرض للدفاع المثار في هذا الصدد وأطرحه برد سائغ كاف وتدليل مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر وفقاً - لنص المادة ۲۰٦ من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم ٤٥ لسنة ٢٠٠٦ أن لأعضاء النيابة من درجة رئيس نيابة على الأقل بالإضافة لاختصاصات النيابة العامة سلطات قاضي التحقيق ، فيما عدا مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في المادة 142 من هذا القانون ، وذلك في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني و الثاني مكرراً والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، ومفاد ذلك أن القانون خول أعضاء النيابة العامة - من درجة رئيس نيابة على الأقل - سلطات قاضي التحقيق في أمور معينة في الجنايات المنصوص عليها في الأبواب المار ذكرها من قانون العقوبات، وليس من بينها الجرائم التي اقترفها الطاعنون ، والتي خول قانون الإجراءات في المادة ۱۹۹ منه لأي عضو من أعضاء النيابة العامة - أيا كانت درجته تحقيقها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر في اطراحه لدفع الطاعنين ببطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم إجرائها من رئيس نيابة ، يكون قد وافق صحيح القانون ولم يخطئ في تطبيقه، فإن دعوى بطلان التحقيقات لهذا السبب لا يكون له وجه، ويضحى النعي على الحكم في هذا المنحى غير مقترن بالصواب . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وأن لمحكمة الموضوع دون غيرها البت في صحة ما يدعيه المتهم من ان الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها. لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى اطراح الدفع ببطلان اعتراف الطاعنين الأول والثالث لصدوره تحت تأثير الإكراه وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع فإنه يكون قد اقترن بالصواب، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وكانت المحكمة قد اقتنعت بتقرير الفحص الفني واطمأنت إليه فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك أمام محكمة النقض، ويكون ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعنون من وجود عبث بالأحراز إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من أقوال شاهد الواقعة ومن عملية الفحص التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من اطلاقاتها ، ويكون ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بانتقاء أركان الجريمة من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاءً بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد اطراحها، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا يكون مقبولا . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة مادامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . فضلاً عن أنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يدفعوا بعدم جدية التحريات ، وكان من المقرر أنه لا يُقبل من المتهم أن يطالب المحكمة بالرد على دفاع لم يبد أمامها فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعنون من تولد عقيدة مسبقة لدى قضاة المحكمة والرغبة في إدانتهم كلها مسائل داخلية تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره وترك المشرع أمر تقدير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا المنحى لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن . لما كان ذلك ، وكان الثابت من ديباجة الحكم المطعون فيه تلاوة تقرير التلخيص مما مفاده وجود ذلك التقرير ضمن أوراق الدعوى ، ومن ثم فلا يجوز للطاعنين أن يجحدوا ما أثبته الحكم إلا بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعلوه ، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :ــ بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق