جلسة 10 من مايو سنة 2018
برئاسة السيد القاضي/ د. سعيد فهيم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ ممدوح القزاز، عز الدين عبد الخالق، كمال عبد الله وأشرف أبو العز نواب رئيس المحكمة.
----------------
(108)
الطعن رقم 11706 لسنة 78 القضائية
(1- 4) بيع " بعض أنواع البيوع : بيع أملاك الدولة الخاصة والتصديق عليه " .
(1) بيع أملاك الدولة الخاصة . عدم تمامه إلا بالتصديق عليه من المحافظين دون سواهم بعد موافقة اللجنة التنفيذية للمحافظة . المواد 29 ق 43 لسنة 1979، 1 من قرار رئيس الجمهورية 549 لسنة 1976، 8، 17، 18 من لائحة شروط بيع أملاك الدولة الحرة .
(2) طلب الطاعن فسخ عقد شرائه عين التداعي المملوكة لمحافظة الجيزة والتعويض عن عدم تسليمها له . المطعون ضده الأول بصفته محافظ الجيزة هو المختص بإتمام البيع بالتصديق عليه . قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى قبله . خطأ . علة ذلك .
(3) بيع أملاك الدولة الخاصة . عدم تمامه إلا بالتصديق عليه من المحافظين دون سواهم بعد موافقة اللجنة التنفيذية للمحافظة . علة ذلك . اعتبار التصديق القبول بالبيع . إعلان الدولة وإفصاحها عن رغبة البيع وإجراءاتها لهذا الغرض عدم اعتباره إيجاباً منها . الإيجاب . تقدم راغب الشراء للشراء وفق سعر معين. المبالغ المقبولة منه قبل تمام البيع بالتصديق على سبيل الأمانة. المادتان 29 ق 43 لسنة 1979، 1 من قرار رئيس الجمهورية 549 لسنة 1976 .
(4) قضاء الحكم المطعون فيه برفض طلب الطاعن بفسخ عقد شراء عين التداعي المملوكة لمحافظة الجيزة ملكية خاصة تأسيساً على عدم تمام البيع لعدم التصديق عليه من المطعون ضده الأول المحافظ وأن ما تم سداده من مبالغ هو على سبيل الأمانة وليس ثمن المبيع . صحيح . النعى عليه في ذلك الشأن . على غير أساس .
(5- 7) تعويض " دعوى التعويض : تكييف الدعوى : التزام محكمة الموضوع بتقصي الحكم القانوني المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض : التعويض عن الخطأ عند تكوين العقد وبمناسبة إبرامه وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية ".
(5) إعمال أحكام المسئولية العقدية . لازمه . وجود عقد بين المسئول والمضرور . الخطأ عند تكوين العقد وبمناسبة إبرامه . وجوب التعويض عنه في بعض الصور وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية . صوره . العدول عن إتمام العقد بعد الدعوة للتعاقد لسبب غير مشروع وإلحاق ضرر بالطرف الآخر . علة ذلك . م 136 من المشروع التمهيدي للقانون المدني و163 مدني .
(6) محكمة الموضوع . التزامها من تلقاء نفسها بتقصي الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض . عدم تقيدها بطبيعة المسئولية التى استند إليها المضرور أو النص القانوني الذي اعتمد عليه . لا يعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها . علة ذلك . الضرر هو السبب المباشر المولد للتعويض أياً كانت طبيعة المسئولية .
(7) طلب الطاعن التعويض عن عدم تسليمه عين التداعي المملوكة لمحافظة الجيزة استناداً لأحكام المسئولية العقدية . قضاء الحكم المطعون فيه برفض طلب التعويض تأسيساً على عدم انعقاد عقد البيع لعدم التصديق عليه من المطعون ضده الأول المحافظ دون بحث توافر عناصر الدعوى وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية من عدمه . خطأ ومخالفة للقانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن مفاد المادة 29 من قانون الحكم المحلى رقم 43 لسنة 1979 والمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1976، والمواد 8، 17، 18 من لائحة شروط بيع أملاك الدولة الحرة الصادرة في 21/8/1902 أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة للدولة لا يتم بين الحكومة وبين طالب الشراء إلا بالتصديق عليه ممن يملكه، وهو معقود للمحافظين دون سواهم كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة اللجنة التنفيذية بالمحافظة، إذ إن هذا التصديق هو القبول بالبيع.
2– إذ كان النزاع المطروح في الدعوى يدور حول أحقية الطاعن في فسخ عقد بيع الوحدة السكنية، وفى استرداد المبالغ التي قام بسدادها لمحافظة الجيزة لشرائها، وفى التعويض عما لحقه من أضرار مادية وأدبية جراء عدم الحصول عليها، وكان المنوط به إتمام هذا البيع بالتصديق عليه هو المطعون ضده الأول بصفته، ومن ثم تكون له الصفة في إقامة الدعوى عليه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى بعدم قبول الدعوى قبله استناداً إلى أن المطعون ضده الثاني بصفته هو من تعاقد مع الشركة المنوط بها أعمال البناء، وحصل أقساط ثمن الوحدة السكنية من الطاعن، فإنه يكون معيباً (الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال).
3- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة لا يتم بين الحكومة وبين طالبي الشراء، إلا بالتصديق عليه ممن يملكه، وهو معقود وفقاً للمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1976، والمادة التاسعة والعشرين من القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979، للمحافظين دون سواهم، كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة اللجنة التنفيذية بالمحافظة، إذ إن هذا التصديق هو القبول بالبيع، ولا يُعتبر إعلان الحكومة عن رغبتها في البيع ولا الإجراءات التي تقوم بها لهذا الغرض من مفاوضات مع راغبي الشراء وممارسة على الثمن إيجاباً من جانبها، ذلك أن الإيجاب في هذه الحالة إنما يكون من راغب الشراء بتقدمه للشراء على أساس سعر معين، ولا يتم التعاقد إلا بقبول الحكومة بعد ذلك بالبيع، وقبل ذلك فإن البيع لا يكون باتاً، ولا يُعتبر قبول الجهة البائعة استلام المبلغ الذى يدفعه راغب الشراء على أنه ثمن أو جزء منه قبولاً للتعاقد، بل يكون على سبيل الأمانة ليس إلا.
4- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضائه برفض طلب الطاعن بالفسخ على سند من أن عين التداعي من أملاك الدولة الخاصة وأن التعاقد على بيعها لا يتم إلا بالتصديق عليه ممن يملكه وهو المطعون ضده الأول بصفته – المحافظ – وإذ لم يُصدق الأخير على عقد البيع فإن البيع لا يكون قد انعقد، وأن المبلغ الذى تم سداده من الطاعن ليس الثمن أو جزءً منه، وإنما تم إيداعه لدى المطعون ضده الثاني بصفته على سبيل الأمانة ليس إلا ويحق له استيدائه، وكان هذا الذى خلص إليه الحكم سائغاً وكافياً لحمل قضائه في هذا الخصوص، فإن النعي عليه بالسببين الثاني والثالث يكون على غير أساس.
5- إنه ولئن كانت المسئولية العقدية كجزاء للإخلال بالالتزامات العقدية، تقتضى وجود عقد بين المسئول والمضرور، ولا وجود لها قبل إبرام العقد، ولا بقاء لها بعد انقضائه وزواله، إلا أن الخطأ عند تكوين العقد، أو بمناسبة إبرامه أو في المراحل التمهيدية لإبرامه، يكون موجباً - في بعض صوره – للتعويض، إذا حال دون انعقاده، كما إذا اقترن العدول عن التعاقد، أو صاحبه، خطأ ارتكبه أحد الطرفين ألحق ضرر بالآخر، فتكون المسئولية التقصيرية هي وحدها الواجبة التطبيق، فإذا كان الأصل أن لكل مُقدم على التعاقد حرية كاملة – في هذه المرحلة - في العدول عن إبرام العقد، دون أن يُسأل عن أسباب عدوله، إلا أنه إذا اقترن هذا العدول بواقعة معينة، مستقلة عن واقعة العدول ذاتها، تعتبر خطأ في جانبه تنهض مسئوليته عن التعويض، كمن يستحث المفاوضات العقدية، دون أن تتوافر لديه نية جادة في التعاقد، حين يكون سيء النية أو مستهتراً، أو من يوجه الدعوة إلى التعاقد، مع الإيحاء للطرف الآخر بالثقة في إتمام إبرام العقد، أو تأكيد الرغبة في إبرامه، فإذا اقترن الرفض من جانب الداعي للتعاقد بخطأ منه، التزم بالتعويض طبقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، متى كان الرفض مؤسساً على اعتبار، لا يجعل منه الرجل العادي، سبباً لرفض التعاقد لأنه بذلك يكون قد أخل بالثقة المشروعة التي ولدتها دعوته في نفس الموُجب سيما إذا كانت طبيعة العقد أو ظروفه أو شخصية الداعي للتعاقد تولد لدى الموُجب نوعاً من الثقة في إبرام العقد، وآية ذلك النشرات والإعلانات الموجهة للجمهور أو الأفراد، إذ تعتبر في الأصل دعوة لحثهم على التقدم للإيجاب، وهو ما أراد المشرع تقنينه في المشروع التمهيدي للقانون المدني في المادة 136 منه، بالنص على أنه "يجوز لمن وجه إليه الإيجاب أن يرفضه، ما لم يكن قد دعا إليه فلا يجوز له في هذه الحالة أن يرفض التعاقد إلاّ إذا استند إلى أسباب مشروعة" وقد أوردت المذكرة التفسيرية تعليقاً على هذا النص المقترح القول بأن حكمه لا ينصرف في الصورة التي يواجهها، إلى الإيجاب النهائي الملزم الذى ينقلب إلى ارتباط تعاقدي، متى اقترن به القبول، وإنما ينصرف هذا الحكم إلى مجرد الدعوة للتقدم بالإيجاب، والاستجابة لهذه الدعوة هي التي تعتبر إيجاباً ملزماً، يمتاز عما عداه من ضروب الإيجاب، بأن من وجه إليه لا يجوز له أن يرفضه لغير سبب مشروع، وليس هذا الأثر القانوني إلاّ نتيجة للحالة التي أنشأها صاحب الدعوة، بل وتطبيقاً من تطبيقات مبدأ جامع، هو مبدأ إساءة استعمال الحق، أو التعسف في استعماله، ومثل هذا الرفض التعسفي يرتب مسئولية لا شك فيها، وإن تعمد المشروع إغفال تعيين الجزاء الذى يترتب على هذا الرفض، فيجوز التعويض على مبلغ من المال، إذا كان هذا الجزاء كافياً، ويجوز للقاضي، في بعض الفروض، أن يذهب إلى ما هو أبعد، فيعتبر أن العقد قد تم على سبيل التعويض، إذا كان في الظروف ما يُوجب ذلك، ولئن كان قد رؤى في المناقشات حذف ذلك النص، فلأن القواعد العامة في المسئولية تكفى لإعمال حكمه، إذ تقضى المادة 163 من القانون المدني بأن " كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض".
6- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أحدثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه أو النص القانوني الذي اعتمد عليه في ذلك لأن هذا الاستناد يُعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يُعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها - مما لا تملكه من تلقاء نفسها - ذلك أن تحديد طبيعة المسئولية التي يتولد عنها حق المضرور في طلب التعويض يُعتبر مطروحاً على محكمة الموضوع.
7– إذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض طلب الطاعن بالتعويض استناداً إلى أنه أسس طلبه على المسئولية العقدية التي انتفت بعدم انعقاد العقد لأن التعاقد على بيع أملاك الدولة لا يتم إلاّ بالتصديق عليه ممن يملكه قانوناً، وهو المطعون ضده الأول بصفته، ودون أن يتقصى من تلقاء نفسه الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي طلب التعويض، مع أن عدم انعقاد العقد لا يحول دون القضاء بالتعويض وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، وعلى ما سلف بيانه، إذا توافرت أركان هذه المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما، ولا يعد ذلك منه تغييراً لسبب الدعوى، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - وعلى ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما بصفتيهما الدعوى ... لسنة 2003 مدني محكمة الجيزة الابتدائية طلباً للحكم بفسخ العقد المؤرخ 9/10/1991 وإلزامهما برد مبلغ 55250 جنيها، وبتعويض قدره 500000 جنيه، وقال بياناً لها إن المطعون ضدهما أعلنا عن طرح وحدات سكنية بالبرج المسمى " ... " المزمع إنشاؤه، وبتاريخ 9/10/1991 تقدم للشراء وخصصت له الوحدة السكنية رقم 8 بالدور الثامن، وقام بسداد كامل أقساط الثمن، على أن يتم التسليم في 25/7/1994، إلا أنه فوجئ بصدور قرار من المطعون ضده الأول بإيقاف أعمال البناء في الدورين السابع والثامن – التي كان قد عهد بها إلى إحدى شركات المقاولات – ورغم صدور الحكم بوقف تنفيذ ذلك القرار لدى الطعن عليه أمام القضاء الإدارى، وصيرورة ذلك الحكم نهائياً بتأييده من المحكمة الإدارية العليا في 5/3/2002، إلا أن المطعون ضدهما تنصلا من التزامهما باستكمال أعمال البناء والتسليم مما يُعد إخلالاً يوجب الفسخ ورد الثمن، فضلاً عن التعويض عما لحقه جراء ذلك من أضرار مادية وأدبية، ومن ثم فقد أقام الدعوى بالطلبات السالفة البيان، ومحكمة أول درجة بعد أن ندبت خبيراً فيها، وقدم تقريره، حكمت برفض الدعوى بحالتها، فاستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف ... سنة 124 ق القاهرة " مأمورية الجيزة "، وبتاريخ 3/6/2008 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضده الأول لرفعها على غير ذي صفة وبإلزام المطعون ضده الثانى بأن يرد للطاعن مبلغ 55250 جنيها، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات . طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به من رفض طلب التعويض، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأته جديراً بالنظر وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، إذ قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته - محافظ الجيزة – على سند من أن المطعون ضده الثانى بصفته هو صاحب الصفة في تمثيل الوحدة المحلية لمدينة الجيزة وهو من تعاقد مع شركة المقاولات لبناء العقار الكائنة به الوحدة السكنية مثار النزاع، وحصل كامل ثمنها، على الرغم أن المطعون ضده الأول بصفته هو الرئيس الأعلى للوحدة المحلية ويتولى الإشراف والرقابة على أعمال المطعون ضده الثانى بصفته والمنوط به بيع أملاك الدولة الخاصة، وهو من أصدر القرار بإيقاف أعمال البناء، فضلاً عن أن الثمن تم إيداعه صندوق الإسكان بالمحافظة، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى في محله، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد المادة 29 من قانون الحكم المحلى رقم 43 لسنة 1979 والمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1976، والمواد 8، 17، 18 من لائحة شروط بيع أملاك الدولة الحرة الصادرة في 21/8/1902 أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة للدولة لا يتم بين الحكومة وبين طالب الشراء إلا بالتصديق عليه ممن يملكه، وهو معقود للمحافظين دون سواهم كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة اللجنة التنفيذية بالمحافظة، إذ إن هذا التصديق هو القبول بالبيع، لما كان ما تقدم، وكان النزاع المطروح في الدعوى يدور حول أحقية الطاعن في فسخ عقد بيع الوحدة السكنية، وفى استرداد المبالغ التي قام بسدادها لمحافظة الجيزة لشرائها، وفى التعويض عما لحقه من أضرار مادية وأدبية جراء عدم الحصول عليها، وكان المنوط به إتمام هذا البيع بالتصديق عليه هو المطعون ضده الأول بصفته، ومن ثم تكون له الصفة في إقامة الدعوى عليه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى بعدم قبول الدعوى قبله استناداً إلى أن المطعون ضده الثانى بصفته هو من تعاقد مع الشركة المنوط بها أعمال البناء، وحصل أقساط ثمن الوحدة السكنية من الطاعن، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثانى والثالث الخطأ في تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول، إن الحكم المطعون فيه قضى برفض طلب الفسخ على سند من عدم وجود علاقة تعاقدية بين الطرفين، وأن ما تم سداده كثمن للوحدة السكنية كان مودعاً لدى المطعون ضده الثانى بصفته على سبيل الأمانة، على الرغم من أن الثابت من المستندات وتقرير الخبير أن إرادتهما قد تلاقت على إبرام العقد، إذ تقدم لشراء هذه الوحدة، وتم تخصيصها له من قبل الجهة الإدارية المختصة بالمحافظة، لقاء ثمن معلوم تم سداده، وهو مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة لا يتم بين الحكومة وبين طالبى الشراء، إلا بالتصديق عليه ممن يملكه، وهو معقود وفقاً للمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1976، والمادة التاسعة والعشرين من القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979، للمحافظين دون سواهم، كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة اللجنة التنفيذية بالمحافظة، إذ إن هذا التصديق هو القبول بالبيع، ولا يُعتبر إعلان الحكومة عن رغبتها في البيع ولا الإجراءات التي تقوم بها لهذا الغرض من مفاوضات مع راغبى الشراء وممارسة على الثمن إيجاباً من جانبها، ذلك أن الإيجاب في هذه الحالة إنما يكون من راغب الشراء بتقدمه للشراء على أساس سعر معين، ولا يتم التعاقد إلاّ بقبول الحكومة بعد ذلك بالبيع، وقبل ذلك فإن البيع لا يكون باتاً، ولا يُعتبر قبول الجهة البائعة استلام المبلغ الذى يدفعه راغب الشراء على أنه ثمن أو جزء منه قبولاً للتعاقد، بل يكون على سبيل الأمانة ليس إلا . لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضائه برفض طلب الطاعن بالفسخ على سند من أن عين التداعى من أملاك الدولة الخاصة وأن التعاقد على بيعها لا يتم إلا بالتصديق عليه ممن يملكه وهو المطعون ضده الأول بصفته – المحافظ – وإذ لم يُصدق الأخير على عقد البيع فإن البيع لا يكون قد انعقد، وأن المبلغ الذى تم سداده من الطاعن ليس الثمن أو جزءاً منه، وإنما تم إيداعه لدى المطعون ضده الثانى بصفته على سبيل الأمانة ليس إلا ويحق له استيدائه، وكان هذا الذى خلص إليه الحكم سائغاً وكافياً لحمل قضائه في هذا الخصوص، فإن النعى عليه بالسببين الثانى والثالث يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم رفض طلبه بالتعويض المادى والأدبى استناداً إلى أنه مؤسس على المسئولية العقدية، وأن المحكمة قد انتهت إلى انتفاء العلاقة العقدية بين طرفى الدعوى بشأن بيع الوحدة السكنية مثار النزاع وكانت ملزمة بسبب الدعوى وطلبات الخصوم فيها، فإن طلب التعويض يكون على غير سند من الواقع أو القانون، مع أنه من المتعين على المحكمة أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى الدعوى، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها، مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه، وهو ما يُعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه ولئن كانت المسئولية العقدية كجزاء للإخلال بالالتزامات العقدية، تقتضي وجود عقد بين المسئول والمضرور، ولا وجود لها قبل إبرام العقد، ولا بقاء لها بعد انقضائه وزواله، إلا أن الخطأ عند تكوين العقد، أو بمناسبة إبرامه أو في المراحل التمهيدية لإبرامه، يكون موجباً - في بعض صوره – للتعويض، إذا حال دون انعقاده، كما إذا اقترن العدول عن التعاقد، أو صاحبه، خطأ ارتكبه أحد الطرفين ألحق ضرر بالآخر، فتكون المسئولية التقصيرية هي وحدها الواجبة التطبيق، فإذا كان الأصل أن لكل مُقدم على التعاقد حرية كاملة – فى هذه المرحلة - في العدول عن إبرام العقد، دون أن يُسأل عن أسباب عدوله، إلا أنه إذا اقترن هذا العدول بواقعة معينة، مستقلة عن واقعة العدول ذاتها، تعتبر خطأ في جانبه تنهض مسئوليته عن التعويض، كمن يستحث المفاوضات العقدية، دون أن تتوافر لديه نية جادة في التعاقد، حين يكون سئ النية أو مستهتراً، أو من يوجه الدعوة إلى التعاقد، مع الإيحاء للطرف الآخر بالثقة في إتمام إبرام العقد، أو تأكيد الرغبة في إبرامه، فإذا اقترن الرفض من جانب الداعى للتعاقد بخطأ منه، التزم بالتعويض طبقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، متى كان الرفض مؤسساً على اعتبار، لا يجعل منه الرجل العادي، سبباً لرفض التعاقد لأنه بذلك يكون قد أخل بالثقة المشروعة التي ولدتها دعوته في نفس الموُجب سيما إذا كانت طبيعة العقد أو ظروفه أو شخصية الداعي للتعاقد تولد لدى الموُجب نوعاً من الثقة في إبرام العقد، وآية ذلك النشرات والإعلانات الموجهة للجمهور أو الأفراد، إذ تعتبر في الأصل دعوة لحثهم على التقدم للإيجاب، وهو ما أراد المشرع تقنينه في المشروع التمهيدي للقانون المدني في المادة 136 منه، بالنص على أنه " يجوز لمن وجه إليه الإيجاب أن يرفضه، مالم يكن قد دعا إليه فلا يجوز له في هذه الحالة أن يرفض التعاقد إلاّ إذا استند إلى أسباب مشروعة " وقد أوردت المذكرة التفسيرية تعليقاً على هذا النص المقترح القول بأن حكمه لا ينصرف في الصورة التي يواجهها، إلى الإيجاب النهائي الملزم الذى ينقلب إلى ارتباط تعاقدي، متى اقترن به القبول، وإنما ينصرف هذا الحكم إلى مجرد الدعوة للتقدم بالإيجاب، والاستجابة لهذه الدعوة هي التي تعتبر إيجاباً ملزماً، يمتاز عما عداه من ضروب الإيجاب، بأن من وجه إليه لا يجوز له أن يرفضه لغير سبب مشروع، وليس هذا الأثر القانونى إلاّ نتيجة للحالة التي أنشأها صاحب الدعوة، بل وتطبيقاً من تطبيقات مبدأ جامع، هو مبدأ إساءة استعمال الحق، أو التعسف في استعماله، ومثل هذا الرفض التعسفى يرتب مسئولية لا شك فيها، وإن تعمد المشروع إغفال تعيين الجزاء الذى يترتب على هذا الرفض، فيجوز التعويض على مبلغ من المال، إذا كان هذا الجزاء كافياً، ويجوز للقاضى، في بعض الفروض، أن يذهب إلى ما هو أبعد، فيعتبر أن العقد قد تم على سبيل التعويض، إذا كان في الظروف ما يُوجب ذلك، ولئن كان قد رؤى في المناقشات حذف ذلك النص، فلأن القواعد العامة في المسئولية تكفى لإعمال حكمه، إذ تقضى المادة 163 من القانون المدنى بأن " كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض " لما كان ما تقدم، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أحدثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه أو النص القانونى الذى اعتمد عليه في ذلك لأن هذا الاستناد يُعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يُعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها - مما لا تملكه من تلقاء نفسها - ذلك أن تحديد طبيعة المسئولية التي يتولد عنها حق المضرور في طلب التعويض يُعتبر مطروحاً على محكمة الموضوع . لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب الطاعن بالتعويض استناداً إلى أنه أسس طلبه على المسئولية العقدية التي انتفت بعدم انعقاد العقد لأن التعاقد على بيع أملاك الدولة لا يتم إلاّ بالتصديق عليه ممن يملكه قانوناً، وهو المطعون ضده الأول بصفته، ودون أن يتقصى من تلقاء نفسه الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى طلب التعويض، مع أن عدم انعقاد العقد لا يحول دون القضاء بالتعويض وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، وعلى ما سلف بيانه، إذا توافرت أركان هذه المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما، ولا يعد ذلك منه تغييراً لسبب الدعوى، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه في هذا الخصوص لهذا السبب.
وحيث إن الموضوع – في خصوص طلب التعويض – غير صالح للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق