جلسة 7 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفي، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، ومحمود إسماعيل المستشارين.
-----------------
(148)
الطعن رقم 1265 لسنة 30 القضائية
(أ) رشوة. مسئولية جنائية. تموين.
أغراض الرشوة والاختصاص: الإخلال بواجبات الوظيفة. كفاية اختصاص الموظف بالعمل - لا فرق بين طلب أدائه والامتناع عنه.
النية الإجرامية: توافرها بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقاً أو غير حق.
أسباب امتناع المسئولية الجنائية: الإكراه المعنوي والضرورة: قضاء المحكمة ببراءة المتهم من تهمة عرضه للبيع شاياً بأغلفة ناقصة الوزن استناداً إلى أن عدم التعبئة يجعل الجريمة منعدمة لا يترتب عليه أن المتهم كان في حالة إكراه معنوي أو ضرورة عند عرض الرشوة على مفتش الأسعار لحمله على الامتناع عن ضبط الأغلفة المذكورة. براءة المتهم من التهمة التموينية لا يؤثر في قيام جريمة الرشوة.
(ب) نقض.
أسباب جديدة: التمسك بقيام حالة الإكراه المعنوي أو الضرورة لأول مرة أمام محكمة النقض أمر غير جائز ما دامت الواقعة الثابتة لا أثر للإكراه فيها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه عرض رشوة على موظف عمومي للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته بأن قدم مبلغ عشرة جنيهات لمفتش الأسعار بمراقبة تموين الفيوم مقابل التغاضي عن ضبط شاي يعده للبيع حالة كونه معبأ في أغلفة أقل من الوزن القانوني - ولكن الرشوة لم تقبل منه، وحاز وطرح بقصد البيع شاياً أسود معبأ في أغلفة أقل من الوزن القانوني - وأحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 104 و109 مكرر و110 و111 من قانون العقوبات و4 و5 و9 و10 من القرار رقم 69 لسنة 1957 و1 و56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1954 والمرسوم بقانون رقم 250 لسنة 1952. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بالمواد 104 و109 مكرر و110 و111 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس سنة واحدة مع الشغل وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة وذلك عن التهمة الأولى وببراءته من التهمة الثانية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن ملخص الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون وشابه فساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه عرض الرشوة على الموظف للخلاص من عمل ظالم قام به هذا الأخير، وبالتالي فإنه كان في حالة إكراه أدبي أو حالة ضرورة تنفي عنه المسئولية الجنائية، كما أيد الفقه والقضاء هذا الاتجاه فقيل بأن الذي يدفع ماله ليتخلص من عمل ظالم قام به موظف أو شرع في القيام به لا يبتغي بذلك جر مغنم ولا شراء ذمة الموظف وإنما يريد الخلاص من شر محقق ودفع مضرة لا يبررها القانون لا محل لعقابه إذا لم يستطع دفع الأذى عن نفسه إلا برشوة الموظف ويمكن الاستناد في هذه الحالة إلى المادة 61 من قانون العقوبات، ويقول بأن الرشوة يجب أن تقدم للموظف لأداء عمل من أعمال وظيفته أو للامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة - وطالما أن الطاعن لم يكن ارتكب عملاً يقع تحت طائلة القانون فلا تكون الإجراءات التي اتخذها المفتش من أعمال وظيفته، ويقول الطاعن في الوجه الثاني إن ما انتهى إليه الحكم من أن براءة الطاعن من التهمة التموينية لا يؤثر في تمام جريمة الرشوة لا يصلح رداً على دفاعه المستند إلى قيام حالة الضرورة والإكراه المعنوي.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أن الواقعة تتلخص في أن مفتش مراقبة الأسعار السيد/ محمود عبد المجيد زايد توجه يوم الحادث إلى مصنع تعبئة الشاي الخاص بالطاعن وشاهد العمال يعبئون أكياساً صغيرة من الشاي قام بوزن جانب منها فتبين له أن بجميعها نقصاً ملحوظاً يجاوز المقرر المتجاوز عنه وطلب إحضار الطاعن الذي كان غائباً وقتئذ فحضر ووزن أمامه بعض الأكياس وأخبره بالنقص المشاهد في وزنها فحاجه بأن وزن الأكياس غير منقوص فطلب إليه مفتش الأسعار التوجه بالأكياس إلى مقر مراقبة الأسعار لوزنها هناك بالميزان الحساس فامتنع فأحضر المفتش بعض الأكياس وخرج إلى مراقبة الأسعار ليحمل المتهم على إحضار باقي الأكياس فطلب المتهم إمهاله وفي الطريق عرض عليه أن يقدم له مبلغ عشرة جنيهات لفض الموضوع إلا أن المفتش صمم على التوجه بالأكياس التي معه إلى المراقبة فتبعه المتهم ودس له في جيبه ورقة مالية لم يتبين قيمتها وأخطره أنها من ذات العشرة الجنيهات، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن دفع التهمة الثانية الخاصة بعرض شاي في أغلفة ينقص وزنها عن الوزن المقرر قانوناً بأن الأكياس التي شاهدها المفتش بالمصنع لم تكن قد أعدت بعد للتعبئة لأنه كان ينقصها أن يجري هو عليها اختبار الوزن (الجشني) حتى إذا اطمأن هو إلى صحة الوزن كلف العمال بالتعبئة - وقد قضت المحكمة ببراءة الطاعن من واقعة طرحه للبيع شاياً في أغلفة أقل من الوزن القانوني وذكرت بأن عدم إتمام تعبئة الأكياس يجعل الجريمة المذكورة غير قائمة إلا أن ذلك لا يؤثر في تمام جريمة عرض الرشوة - تلك هي الواقعة التي أثبتها الحكم - وظاهر مما أثبته الحكم أن مفتش الأسعار وقت أن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن في مصنع الطاعن إنما كان يقوم بعمل من أعمال وظيفته - ولم يكن في الإجراء الذي قام به أية مخالفة للقانون - وقد أسفرت الواقعة عن تقديم المتهم بالفعل للمحاكمة عن جريمة أنه طرح للبيع شاياً معبأ في أغلفة ناقصة الوزن - وإذا كانت المحكمة قد قضت ببراءة الطاعن عن هذه الواقعة استناداً إلى أن عدم إتمام التعبئة يجعل الجريمة منعدمة، فإن ذلك لا يترتب عليه أن الطاعن كان في حالة إكراه معنوي أو حالة ضرورة عند عرض الرشوة - وإنما كان عرض الرشوة للتأثير على مفتش الأسعار وحمله على الإخلال بواجبه بالامتناع عن ضبط الأغلفة الناقصة في الوزن للتوجه بها إلى مراقبة الأسعار لوزنها هناك - ومتى كان الموظف مختصاً بالعمل فلا فرق بين أن يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه، كما يؤاخذ القانون على الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقاً أو غير حق، ومن ثم كان سليماً ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن براءة الطاعن من واقعة الأغلفة الناقصة الوزن لا يؤثر في قيام جريمة عرض الرشوة على الموظف. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر الجلسة أن الطاعن لم يتمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بحالة الضرورة، وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم لا أثر للإكراه فيها لأن الطاعن إنما قدم مبلغ الرشوة إلى مفتش الأسعار لما وجده مصمماً على نقل الأكياس بحالتها إلى مراقبة الأسعار، وكان غرضه صرف النظر عن ضبطها، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن لا يقبل منه لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق