جلسة 28 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية إسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، وحسن خالد المستشارين.
-----------------
(159)
الطعن رقم 1367 لسنة 30 القضائية
(أ - ب) تحقيق. غرفة اتهام. اختصاص. قانون.
إحالة الجناية من غرفة الاتهام إلى محكمة الجنح. نتائج التجنيح:
سلطة محكمة الجنح في القضاء بعدم الاختصاص.
علة ذلك:
عموم إحالة نص المادة 179/ 2 على المادة 158 أ. ج - التسوية في سلطة التجنيح بين غرفة الاتهام وقاضي التحقيق تستلزم التسوية بينهما في آثار التجنيح.
إحالة الجناية من الغرفة إلى محكمة الجنايات بمناسبة الحكم النهائي فيها من محكمة الجنح بعدم الاختصاص. مجال تطبيق حكم المادة 180 أ. ج:
انطباقه أيضاً في حالة الحكم من محكمة الجنح بعدم الاختصاص لانتفاء مبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح. خطأ القول بقصره على حالة الخلاف بين قضاء الحكم وغرفة الاتهام حول التكييف القانوني للواقعة من حيث كونها جناية أو جنحة. سبب ذلك: اتحاد علة حكم عدم الاختصاص في الحالين. ليس لغرفة الاتهام أن تحكم في الدعوى عند إعادة طرحها عليها بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها.
قانون. تفسيره:
عموم النص: مثال في تفسير الإحالة المشار إليها بنص المادة 179/ 2 أ. ج. اتحاد العلة: مثال في تفسير المادة 180 أ. ج.
(ج) تنازع سلبي على الاختصاص. غرفة اتهام.
شرط قيام التنازع السلبي على الاختصاص بين أوامر أو أحكام نهائية متعارضة.
أن يكون طلب تعيين الجهة المختصة هو السبيل الوحيد للتحلل منها. إمكان إعادة طرح الدعوى على غرفة الاتهام في حالة لا يكون لها فيها أن تقضي بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها - مما ينتفي به قيام هذا التنازع. أثر ذلك: انتفاء موجب اعتبار الطعن عند رفضه طلباً بتعيين الجهة المختصة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها بأنها: ضربت المجني عليها عمداً بعصا على رأسها فأحدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم تقصد من ذلك قتلها ولكن الضرب أفضى إلى موتها وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات فقررت إحالتها إلى محكمة الجنح المختصة لمعاقبتها بمادة الاتهام. والمحكمة الجزئية قضت حضورياً عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة 158 من قانون الإجراءات الجنائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإعادتها للنيابة العامة لإجراء شئونها فيها. فاستأنفت المتهمة هذا الحكم كما استأنفته النيابة. والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون حين قضى بتأييد الحكم الابتدائي الصادر بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى استناداً إلى أن ظروفها لا تبرر تخفيض العقوبة إلى الحدود المقررة للجنح وفي تفصيل ذلك تقول الطاعنة إن غرفة الاتهام أحالت المطعون ضدها إلى محكمة الجنح لمعاقبتها وفقاً للمادة 236/ 1 من قانون العقوبات على أساس عقوبة الجنحة عملاً بالمادة 158 من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ كانت المادة 179 من القانون المذكور نصت على حق غرفة الاتهام في استعمال هذه الرخصة فإنما عنت بذلك الإحالة على الفقرة الثانية من المادة 158 دون فقرتها الأخيرة التي تعطي للمحكمة الجزئية في هذه الحالة سلطة الحكم بعدم الاختصاص إذا رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح. ذلك أن هذا الحق مقصور على حالة الإحالة على المحكمة المذكورة من قاضي التحقيق دون غرفة الاتهام والقول بغير ذلك يؤدي إلى إفلات المتهم من العقاب لأنه لو أعادت النيابة تقديم الدعوى لغرفة الاتهام لأصدرت قرارها فيها بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها. ولا محل للتحدي بالمادة 180 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب عندئذ على غرفة الاتهام إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات لأن هذه المادة تتحدث عن الخلاف الذي يقع بين غرفة الاتهام والقاضي الجزئي في شأن التكييف القانوني للواقعة - وهو ما لا يقوم في الدعوى المطروحة مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه وإحالة الدعوى إلى المحكمة الجزئية للفصل فيها على أساس عقوبة الجنحة، وطلبت الطاعنة احتياطياً اعتبار هذا الطعن بمثابة طلب لتعيين الجهة المختصة بالفصل في موضوع الدعوى.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن الدعوى الجنائية رفعت على المطعون ضدها بوصف أنها ضربت المجني عليها فأحدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم تقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موتها، وطلبت النيابة العامة من غرفة الاتهام إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات فقررت إحالتها إلى محكمة الجنح المختصة لمحاكمتها على أساس عقوبة الجنحة ومحكمة جنح أشمون الجزئية قضت حضورياً عملاً بالمادة 158 من قانون الإجراءات الجنائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإعادتها للنيابة العامة لإجراء شئونها فيها. فاستأنفت المطعون ضدها هذا الحكم كما استأنفته النيابة العامة وقضت المحكمة الاستئنافية بتأييده. وبعد أن بين الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه واقعة الدعوى انتهى إلى قوله "وحيث إن المحكمة ترى أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح، ومن ثم فهي تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى طبقاً لنص المادة 158 إجراءات جنائية" وأضاف الحكم المطعون فيه قوله بأنه "لا اعتداد بالقول بأن المتهمة سوف تفلت من العقاب لأن للنيابة العامة الحق في أن تلجأ إلى دائرة الجنح المستأنفة وتحدد الجهة المختصة وذلك عملاً بنص المادة 226 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكان نص المادة 158 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 يجري على أنه "إذا رأى قاضي التحقيق أن الواقعة جناية يحيلها إلى غرفة الاتهام ويكلف النيابة العامة بإرسال الأوراق إليها فوراً...... ومع ذلك يجوز له أن يصدر أمراً بإحالة الدعوى إلى المحكمة الجزئية إذ رأى أن الجناية قد اقترنت بأحد الأعذار القانونية أو بظروف مخففة من شأنها تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح..... ويصدر أمر الإحالة المذكور بناء على طلب النيابة العامة أو من تلقاء نفس القاضي. ويجب أن يشتمل على بيان الأعذار أو الظروف المخففة التي بني عليها وللمحكمة في هذه الحالة أن تحكم بعدم الاختصاص، إذا رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح" وجرى نص المادة 179 من القانون المذكور المعدل بالمرسوم بقانون رقم 353 لسنة 1952 في فقرتها الأولى والثانية على أنه "إذا رأت غرفة الاتهام عند إحالة الدعوى إليها من قاضي التحقيق طبقاً للمادة 158 أو من النيابة العامة أن الواقعة جناية وأن الدلائل كافية على المتهم وترجحت لديها إدانته، تأمر بإحالته إلى محكمة الجنايات. ويجوز لها إحالتها إلى المحكمة الجزئية طبقاً للمادة 158.....". ومؤدى ما تقدم هو تخويل غرفة الاتهام الرخصة التي ناطها القانون بقاضي التحقيق من إحالة الجنايات المقترنة بأحد الأعذار القانونية أو بظروف مخففة من شأنها تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح - وهي رخصة لا تقيد محكمة الجنح أو تلزمها بالاستجابة إلى الحكم في موضوع الدعوى - بل لها أن تحكم بعدم الاختصاص إذا رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح، وذلك على عكس ما كان يجري به نص المادة الخامسة من القانون الصادر في 19 من أكتوبر سنة 1925 بجعل بعض الجنايات جنحاً إذا اقترنت بأعذار قانونية أو ظروف مخففة الذي كان لا يجيز لقاضي الأمور الجزئية ولا للمحكمة الابتدائية عند الاستئناف الحكم في هذه الحال بعدم الاختصاص إلا إذا استجدت وقائع لم يتناولها التحقيق تغير التهمة إلى جناية أشد لا ينطبق عليها القانون - وهو قيد تحللت منه المادة 158 سالفة البيان. وعلة هذا كما أوضحه تقرير لجنة قانون الإجراءات الجنائية "مجلس الشيوخ" عن مشروع القانون المذكور المؤرخ 24 من يونيه سنة 1948 "إن معنى ذلك الحظر أن سلطة الإحالة يكون لقرارها قوة الشيء المحكوم فيه فيما يتعلق بوجود الظروف المخففة أو الأعذار القانونية التي تبرر تطبيق عقوبة الجنحة ولا تملك محكمة الجنح حتى الاستئنافية أن ترى غير ذلك، ولم ينقل المشروع هذا النص، وقد أحسن في ذلك، لأن سلطة الإحالة ليست بقاضي موضوع، وليست هي التي تقدر نهائياً العقوبة التي يجب تطبيقها ويجب أن يكون تقديرها خاضعاً لرقابه محكمة الموضوع التي يجب أن يكون لها إذا لم تر ما يبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح أن تحكم بعدم الاختصاص ولو لم تستجد وقائع لم يتناولها التحقيق تغير التهمة إلى جناية أشد، وتأكيداً لهذا النص رأت اللجنة أن تضيف إلى المادة 178 (من المشروع التي أصبحت المادة 158) الفقرة الآتية: وللمحكمة في هذه الحالة أن تحكم بعدم الاختصاص إذا رأت أن ظروف الدعوى لا تبرر تخفيض العقوبة إلى حدود الجنح" أما ما تقوله الطاعنة من أن إحالة المادة 179 مقصورة فقط على الفقرة الثانية من المادة 158 التي تخول قاضي التحقيق سلطة تجنيح الجنايات سالفة الذكر دون أن تمتد الإحالة إلى الفقرة الأخيرة من المادة 158 فهو تخصيص بغير مخصص تأباه طبيعة هذه النصوص ويخالف الفهم الصحيح للقانون الذي لا يفرق بين الأمر الصادر في هذا الخصوص من قاضي التحقيق أو من غرفة الاتهام التي هي بلا شك سلطة من سلطات التحقيق" وقد أكد الشارع في مذكرته الإيضاحية المصاحبة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية هذا المبدأ حين قال "... وتقرر المادة 201 (من المشروع التي حذفت وأضيفت إلى المادة 200 التي أصبحت المادة 179) لغرفة المشورة (غرفة الاتهام) نفس السلطة المقررة لقاضي التحقيق في تجنيح الجنايات" ومؤدى ما تقدم أن الشارع وقد ساوى بين غرفة الاتهام وقاضي التحقيق فيما خولهما من سلطة تجنيح الجنايات فإنه يترتب على هذا الأمر النتائج التي نص عليها القانون بصرف النظر عن الهيئة التي أصدرته. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة من خشية إفلات المتهم من العقاب في هذه الحال غير سديد ذلك أن المادة 180 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على أنه "إذا كانت الواقعة سبق الحكم فيها نهائياً من المحكمة الجزئية بعدم الاختصاص لأنها جناية، سواء أكانت الدعوى أحيلت إليها من النيابة العامة أم من قاضي التحقيق أم من غرفة الاتهام، يجب على غرفة الاتهام إذا رأت أن هناك وجهاً للسير في الدعوى أن تحيلها إلى محكمة الجنايات. ومع ذلك إذا رأت أن الواقعة جنحة أو مخالفة جاز لها أن تحيلها إلى محكمة الجنايات بالوصفين لتحكم بما تراه" فقد دلت بذلك على أنه يتعين على غرفة الاتهام في هذه الصورة إذا رأت أن هناك وجهاً للسير في الدعوى، أن تحيلها لمحكمة الجنايات ولا يكون لها أن تقضي بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، ولا محل للقول بقصر حكم المادة 180 على حالة الخلاف بين قضاء الحكم وغرفة الاتهام حول التكييف القانوني للواقعة دون انسحابه على الحالة المطروحة، ذلك أن علة الحكم بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى واحدة في الحالين - حالة الخلاف في تكييف الواقعة من حيث كونها جناية أو جنحة، وحالة عدم وجود مبرر من ظروف الدعوى لتخفيض العقوبة إلى حدود الجنح مما يتعين معه على غرفة الاتهام عند إعادة طرح الدعوى عليها بعد الحكم بعدم اختصاص محكمة الجنح في هذه الصورة أن تحيلها إذا رأت محلاً للسير فيها إلى محكمة الجنايات. لما كان ذلك، وكان السبيل لم ينغلق أمام النيابة العامة لإعادة طرح الدعوى على غرفة الاتهام التي ليس لها عندئذ أن تحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، فلا محل للقول بقيام تنازع سلبي في حكم المادتين 226، 227 من قانون الإجراءات الجنائية لأن شرطه أن يكون التنازع منصباً على أوامر أو أحكام نهائية متعارضة، ولا سبيل للتحلل منه بغير طريق طلب تعيين الجهة المختصة، وهو ما لا يتوافر في الدعوى المطروحة، ويكون ما طلبته النيابة العامة من اعتبار الطعن على سبيل الاحتياط بمثابة طلب بتعيين الجهة المختصة غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق