جلسة 7 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفي، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، ومحمود إسماعيل المستشارين.
-----------------
(146)
الطعن رقم 1263 سنة 30 القضائية
(أ) إجراءات المحاكمة. دفاع.
المذكرات التعقيبية: مجرد عدم تقديمها من المتهم لا يمس سلامة الإجراءات ما دام لا يدعي أن المحكمة منعته من ذلك. سكوت المتهم عن التعقيب يدل على أنه لم ير ما يستأهل الرد على المذكرة المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية في غير الموعد المحدد لذلك.
(ب) خبير. خيانة أمانة. محكمة الموضوع.
عدم التزام محكمة الموضوع بفحص الحساب بنفسها أو مناقشة الخبير في نتيجة تقريره التي لم تأخذ بها.
(ج) خيانة أمانة.
عقود الائتمان: من بينها عقد الشركة. الاختلاس: توافره بصرف أموال الشركة في غير ما خصصت له.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما بددا مبلغ 750 جنيهاً لآخر إضراراً به وكانا قد تسلما هذا المبلغ على سبيل الوكالة بصفتهما مديرين متضامنين في شركة توصية بسيطة. وطلبت عقابهما بالمادة 341 من قانون العقوبات وقد أقام المدعي بالحقوق المدنية دعوى جنحة مباشرة أعلنت للمتهمين متهماً إياهما بأنهما بددا واختلسا مبلغ 1500 جنيه رأس مال الشركة وموجوداتها وقد سلمت لهما على سبيل الشركة فاختلساها إضراراً به وطلب في ختامها الحكم بإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعا له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة وإلزامهما بالمصاريف وأتعاب المحاماة وأمام المحكمة دفع المتهمان بعدم اختصاصها بنظرها وإعادتها للنيابة العامة لتقديمها للمحكمة المختصة ثم أصدرت حكماً حضورياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وإعادة القضية إلى النيابة لتقديمها إلى المحكمة المختصة. وأمام المحكمة الجزئية التي أحيلت إليها الدعوى والتي قررت ضم دعوى الجنحة المباشرة إلى الدعوى العمومية للفصل فيها بحكم واحد، ادعى المدعي بالحقوق المدنية مدنياً قبل المتهمين بمبلغ 51 جنيهاً تعويضاً مؤقتاً. والمحكمة المذكورة قضت غيابياً للأول وحضورياً للثاني عملاً بمادة الاتهام بحبس كل من المتهمين ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لوقف التنفيذ وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً والمصاريف وأتعاب المحاماة. فعارض المحكوم عليه غيابياً وقضي في معارضته بتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه. استأنف المحكوم عليهما الحكم الأخير. والمحكمة الاستئنافية أصدرت حكماً تمهيدياً بتعيين الخبير الحسابي صاحب الدور من مكتب الخبراء الحكوميين بأسوان لفحص حساب الشركة القائمة بين طرفي الخصومة، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة المذكورة حضورياً بتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية فطعن المحامي الوكيل عن المحكوم عليه الأول كما طعن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة التبديد قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، كما انطوى على خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وشابه بطلان في الإجراءات أثر فيه، وفي تفصيل ذلك يقول الطاعنان إن المبلغ المقول بتبديده هو جزء من رأس مال الشركة القائمة بين المدعي بالحقوق المدنية والطاعنين والتي باشرت نشاطها بالفعل واستوعب ذلك رأس مالها، وعلى رغم أن الحكم التمهيدي ناط مكتب خبراء وزارة العدل فحص حساب الشركة نتيجة أعمالها فإن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين دون أن يعني بما أسفر عنه فحص الخبير لحسابات الشركة الذي ثبت أن خسارة لحقتها وأطاحت برأس المال لا تتوافر معه جريمة التبديد في حق الطاعنين لأن مجرد التأخير في رد ما يكون قد سلم إلى الوكيل لا يعد في ذاته خيانة للأمانة. وقد اعتمد الحكم في قضائه بالإدانة على ما يخالف المثبت بالأوراق وتجاهل مبادئ التجارة التي تقضي باستغلال رأس مال الشركة في الغرض الذي أسست من أجله وقد أثبت الخبير في تقريره أن قيمة مشتروات الشركة جاوزت رأس مالها النقدي وأن الطاعنين سددا للمدعي بالحقوق المدنية ما يجاوز المدفوع منه وأن الشركة اشترت أقمشة شعبية قبل إلغاء نظام توزيعها وسلم بعضها فعلاً وتم تسليم الباقي بعد تاريخ التوقف عن الدفع عندما أشهر إفلاس الطاعنين مما كان يتعين بحثه بمعرفة المصفي، والتفت الحكم عن النتيجة التي انتهى إليها تقرير مكتب الخبراء دون أن يناقش مقدم التقرير، كما أطرح الحكم ما أثبته التقرير المذكور في خصوص الكمبيالات الأربع الصادرة من الطاعنين واعتبارها مدفوعة منهما إلى المدعي بالحقوق المدنية خصماً من رأس مال الشركة قولاً من الحكم أن هذه النتيجة وليدة الاستنتاج الذي لا تسانده الأوراق ويؤخذ منها أن هذه الكمبيالات حررت ثمناً لبضاعة استلمها الطاعنان من المدعي بالحقوق المدنية الذي كان يتعامل معهما قبل تكوين الشركة وفي أثناء قيامها وبعد إخطارهما بتصفيتها، وهذا الذي خلص إليه الحكم غير سائغ ذلك أن الوصف القانوني الصحيح لهذه الأوراق هو أنها سندات تحت الإذن وليست كمبيالات والفرق بين النوعين كبير من حيث الشكل والغرض والآثار التي تترتب على كل نوع منهما. كما أن المدعي بالحقوق المدنية لجأ إلى الضغط على الطاعنين في الوقت الذي اضطرا فيه إلى التوقف عن الدفع بسبب كساد السوق وكانت وسيلته في ذلك شكايته إياهما وإسناده إليهما تبديد رأس مال الشركة بالكامل مع أنه ثبت من التحقيق استلامه نصفه بمقتضى إيصال صادر منه وأن هناك بضاعة شحنت فعلاً بتكليف منه إلى شركائه حسن عبد الله وعايد فرج وأن المستندات التي قدمها المدعي بالحقوق المدنية تأييداً لمزاعمه فضلاً عن أنها من صنعه ولا قيمة لها في الإثبات فإنها تخالف المثبت بالمستندات المذكورة وأن علة النص في تلك السندات على أن قيمتها وصلتهما "بضاعة" دون ذكر أنها من أصل رأس المال هي تمكين المدعي المذكور من خصمها بالبنوك وتحويلها بالطرق التجارية. كما ثبت من القضية رقم 22/ 1950 إفلاس أسوان أن المدعي بالحقوق المدنية وصله من الطاعنين ما يجاوز رأس ماله المدفوع مما يجعل الطاعنين دائنين له وينفي جريمة التبديد المسندة إليهما. هذا إلى أن الحكم إذ أطرح دفاع الطاعن الثاني من انعدام صلته بالشركة قولاً من الحكم بأن الطاعن المذكور تراخى في إبداء هذا الدفاع، قد جاء مشوباً بالخطأ في الإسناد ذلك أن الطاعن المذكور أثار هذا الدفاع منذ اللحظة التي ووجه فيها بالتهمة وقد أوضح في مذكرته المقدمة في أثناء سير المحاكمة أنه لم تسمع أقواله في النيابة وأن التحقيقات كانت محصورة بين الطاعن الأول والمدعي بالحقوق المدنية فضلاً عن أن عقد الشركة موقع عليه من الطاعن الأول وحده الذي لم تكن له صفة في توقيعه نيابة عن الطاعن الثاني - وهو وحده الذي حرر له المدعي بالحقوق المدنية الشيك بقيمة رأس المال المدفوع منه. كما خالف الحكم أصول المحاكمة المرسومة بالمادة 275 من قانون الإجراءات الجنائية إذ أنه بعد أن أمرت المحكمة الاستئنافية بحجز الدعوى للحكم مع التصريح للخصوم بتقديم مذكرات بدءاً بالمدعي بالحقوق المدنية فوت هذا الأخير على نفسه الأجل المحدد له فاضطر الطاعنان إلى تقديم مذكرتهما ثم قدم المدعي بالحقوق المدنية مذكرته فأصبح هو آخر من تكلم في الدعوى - لا المتهمين فيها مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه المكملة بأسباب الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أنه بموجب عقد شركة توصية بسيطة بين المدعي بالحقوق المدنية عبد الله أحمد الشرقاوي بصفته شريكاً موصياً وبين الطاعنين بصفتهما شريكين متضامنين ومسئولين، محرر في 3 يناير سنة 1947 غرضها القيام بتوزيع أقمشة أكفان الموتى والأقمشة الشعبية الخاصة بسكان مديرية أسوان برأس مال قدره 1500 جنيه قام المدعي بالحقوق المدنية بدفعه بمقتضى شيك على البنك الأهلي بالقاهرة في تاريخ التوقيع على عقد الشركة واتفق على أن تقسم الأرباح الناتجة بواقع الثلثين للطاعنين والثلث للمدعي بالحقوق المدنية وتعهد الطاعنان بإدارة الشركة وإيداع جميع المبالغ المتحصلة للبنك الأهلي بالقاهرة ولكنهما لم يودعا أي مبلغ ولم يمسكا دفاتر منتظمة وطلب المدعي بالحقوق المدنية تصفية الشركة ودفع نصيبه فدفعا له مبلغ 750 جنيه - بمقتضى إيصال تاريخه 15 مايو سنة 1948 واتفق مع الطاعنين على أن يظل المبلغ الباقي في الشركة حتى آخر سنة 1948 حين توقف الطاعنان عن الدفع وأشهر إفلاسهما وعرض الحكم إلى أدلة الدعوى ودفاع الخصوم فقال: "إن الثابت من عقد الشركة أن المتهم الأول (الطاعن الأول) أبرم هذا العقد عن نفسه وبصفته وكيلاً عن أخيه المتهم الثاني (الطاعن الثاني) وأنه قبض رأس مال الشركة من المدعي بالحق المدني بهذه الصفة وأقر في جميع أقواله ودفاعه بأن المتهم الثاني شريك في الشركة كما أن هذا الأخير حضر جميع إجراءات الدعوى أمام محكمة أول درجة وباشر الدفاع عن نفسه بصفته شريكاً في الشركة المتهم بتبديد رأس مالها ولم يبد أي دفاع بعدم اشتراكه في الشركة مما يدل دلالة واضحة لا تقبل الشك على أنه شريك فيها وإلا لكان بادر منذ الوهلة الأولى بإبداء هذا الدفاع حتى ينأى بنفسه عن الاتهام المسلط عليه......." ثم تناول الحكم ما أثاره الطاعنان حول تصفية الشركة فقال: "إن عدم تصفية الشركة أو عدم اتخاذ الإجراءات المؤدية إلى ذلك لا يمنع من إدانة الشريك إذا ما ثبت من التحقيقات أنه اختلس من رأس مال الشركة أو من موجوداتها المسلمة إليه بصفته لأن تسلمه مال الشركة في هذه الحالة يعتبر بمقتضى القانون حاصلاً بصفته وكيلاً عن شركائه والوكالة من عقود الائتمان الوارد ذكرها في المادة 341 من قانون العقوبات....." ثم عرض إلى تقرير الخبير فأطرح ما انتهى إليه للأسباب السائغة التي ساقها وانتهى إلى قوله: "وحيث إنه متى ثبت مما تقدم أن المبالغ الثابتة بالكمبيالات وقدرها 460 جنيهاً لم تدفع للمدعي بالحق المدني سداداً من رأس مال الشركة وأن المبلغ المدعي بتبديده له ثمناً للبضاعة المدعى بتصديرها إلى حسن عبد الله وعابد فرج وقدره 311 جنيهاً و882 مليماً لم يسدد له حقيقة بعد أن نفى حسن عبد الله إرسال المتهمين (الطاعنين) لبضائع له، فإن المبلغ الباقي من رأس مال الشركة وقدره 750 جنيهاً لا يزال في ذمة المتهمين بغير سداد ويكون هذان الأخيران قد اختلساه حالة كونهما كانا يقومان بإدارة الشركة وسلم إليهما رأس مالها بصفتهما وكيلين عن شريكهما المدعي بالحق المدني، الأمر الذي يتعين معه اعتبارهما خائنين للأمانة وعقابهما بالعقوبة المقررة لذلك." وما أورده الحكم من ذلك يؤدي إلى النتيجة التي رتبها وتتوافر به جريمة خيانة الأمانة كما هي معرفة في القانون, ذلك أن عقد الشركة يتضمن وكالة الشركاء بعضهم عن بعض في أداء أعمال الشركة المنعقدة بينهم بمال خاص بها هو غير مال الشركاء الخارج عن حصصهم فيها، فإذا اختلس الشريك مال الشركة المسلم إليه بصفته هذه ولم يصرفه فيما خصص له - وهو ما أثبته الحكم المطعون فيه في حق الطاعنين - عد مرتكباً للجريمة المنصوص عليها في المادة 341 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان ما يجادل فيه الطاعنان في شأن التفات الحكم المطعون فيه عن الأخذ بتقرير الخبير مردوداً بأنه من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والقوة التدليلية لتقاريرهم مرجعه إلى محكمة الموضوع - وإذ كان إطراح المحكمة لتقرير الخبير وعدم التعويل عليه للأسباب السائغة التي أوردتها أمراً يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك، وهي ليست بعد مكلفة بأن تفحص الحساب بنفسها أو أن تناقش الخبير في النتيجة التي لم تأخذ هي بها ما دام أنها لم تجد من ظروف الدعوى وملابساتها ما يدعو إلى هذا الإجراء، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين أو المدافع عنهما قد طلبوا إلى المحكمة دعوة الخبير لمناقشته في أمر معين فلا يقبل منهم النعي على المحكمة سكوتها عن تحقيق طلب لم يرفعوه إليها. ولما كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على قيام عقد الشركة بين الطاعنين كليهما والمدعي بالحقوق المدنية وأشار إلى أنهما لم يجحدا في دفاعهما صفتهما كشركاء وهو ما له مأخذه من محاضر المحاكمة الاستئنافية. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم من قالة الإخلال بحقهما في الدفاع وبطلان الإجراءات بدعوى أنهما لم يكونا آخر من تكلم مردوداً بأنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن المحكمة بعد أن استمعت إلى الدفاع من الخصوم ومن بينهم الطاعنان بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1959 حجزت الدعوى للحكم بجلسة 9 من فبراير سنة 1960 وصرحت للطرفين بمذكرات إلى ما قبل الجلسة المذكورة بأسبوع والمدة مناصفة تبدأ بالمدعي بالحق المدني ثم مدت أجل النطق بالحكم لجلسة 16 من فبراير سنة 1960 حيث أصدرت الحكم المطعون فيه. ولما كان الطاعنان لا يدعيان في طعنهما أنهما طلبا إلى المحكمة التعقيب على المذكرة المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية في غير الموعد المحدد لتقديمها كما يقرران، ولم يطلبا أن تكون لهما الكلمة الأخيرة ولا يدعيان أن أحداً منعهما من ذلك فلا يحق لهما النعي على الحكم شيئاً في هذا الصدد إذ أن سكوتهما عن ذلك دليل على أنهما لم يجدا فيما أبداه المدعي بالحقوق المدنية ما يستوجب رداً من جانبهما مما لا يبطل المحاكمة. لما كان ما تقدم، وكان ما يثيره الطاعنان ينحل في حقيقته إلى جدل في موضوع الدعوى وسلطة محكمة الموضوع في وزن الأدلة مما مرجعه إلى اطمئنانها، فإن الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق