جلسة 8 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفي، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، ومحمود إسماعيل المستشارين.
-----------------
(149)
الطعن رقم 2411 لسنة 29 القضائية
دعوى جنائية. تهريب جمركي. نقض.
توقف تحريك الدعوى الجنائية عن جرائم التهريب الجمركي أو اتخاذ إجراءات فيها على طلب كتابي: أثر مخالفة الحظر المقرر بنص المادة الرابعة من القانون رقم 623 لسنة 1955: بطلان إجراءات بدء تسيير الدعوى الجنائية أمام جهة التحقيق أو الحكم. طبيعة هذا البطلان: تعلقه بالنظام العام. آثار البطلان: بطلان الحكم المترتب على الإجراءات الباطلة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المتهم وآخر بأنهما: قاما بإدخال بضائع إلى الأراضي المصرية بطريقة غير مشروعة دون أداء الرسوم والفوائد الجمركية المقررة. وطلبت عقابهما بالمواد 1، 2، 5 من القانون رقم 623 لسنة 1955. وأمام المحكمة الجزئية دفع الحاضر مع المتهمين ببطلان التحقيق لعدم وجود إذن سابق. وقضت عملاً بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين شهراً مع الشغل وكفالة 200 قرش لكل وإلزام المتهم الأول بأن يدفع تعويضاً قدره 300 جنيه و566 مليماً وإلزام المتهم الثاني بدفع تعويض قدره 1518 جنيهاً و530 مليماً والمصادرة. استأنف المتهم الثاني (الطاعن) هذا الحكم، وأمام المحكمة الاستئنافية تمسك بالدفع السابق إبداءه ثم قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف فيما يتعلق بعقوبة الحبس والمصادرة وتعديل الحكم فيما عدا ذلك بإلزام المتهم أن يدفع تعويضاً قدره 665 جنيهاً. فطعن المتهم الثاني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تهريب جمركي جاء مشوباً ببطلان الإجراءات والقصور في البيان، ذلك أن الأدلة التي اعتمد عليها الحكم في الإدانة مستمدة من إجراءات اتخذت قبل صدور طلب كتابي من مدير مصلحة الجمارك أو من ينيبه كتابة في ذلك برفع الدعوى الجنائية على الطاعن عملاً بحكم المادة 4 من القانون رقم 623 سنة 1955 بأحكام التهريب الجمركي مما يبطل تلك الإجراءات، وقد أثار الطاعن هذا الدفع ولكن الحكم لم يرد عليه واكتفى بالرد على ما دفع به الطاعن من بطلان التفتيش الذي تم بالقاهرة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أنه بتاريخ 21 من يناير سنة 1956 حرر الصاغ أحمد كمال الدين محمود قائد قسم سواحل أسوان محضراً ضمنه ما وصل إليه من أخبار سرية عن وجود بضائع مهربة من الرسوم الجمركية شحنت بالقطار رقم 163 فانتقل إلى محطة أسوان واصطحب ناظر المحطة إلى مقصف القطار وحصل على موافقته بالتفتيش وضبط ثلاثة طرود مشحونة بالرسالتين 81 و82 وتبين أن الطاعن هو مرسل إحدى هاتين الرسالتين إلى الطيب محمد اليمني التاجر بالقاهرة فضبط هذه الطرود وقام مفتش المباحث السرية بالجمارك بالقاهرة باستصدار إذن تفتيش من السيد وكيل نيابة الجمالية لتفتيش محل الطيب محمد اليمني وضبط ما يوجد به من بضائع مهربة من الرسوم الجمركية وأسفر التفتيش عن ضبط طردين مبين على كل منهما أنه أمانة للطاعن كما تم ضبط خطاب صادر من هذا الأخير إلى الطيب محمد اليمني ينبهه فيه بإرسال طردين بقطار الركاب لاستلامهما وتصريف ما بهما من بضاعة وعثر على صورة خطاب موجه من الطيب اليمني إلى الطاعن أنهى إليه استلامه الطردين المشار إليهما وحفظهما لديه على سبيل الأمانة. وبعد أن سارت الإجراءات طلب مدير جمرك القاهرة إلى نيابة أسوان بكتابه رقم 2824 المؤرخ 19 من مايو سنة 1956 رفع الدعوى الجنائية على الطاعن وآخر وطلب التعويض فأمرت نيابة أسوان الجزئية بقيد الواقعة جنحة ضد المتهمين المذكورين لأنهما في يوم 7 من يونيه سنة 1956 بدائرة مركز أسوان قاما بإدخال بضائع إلى الأراضي المصرية بطريقة غير مشروعة دون أداء الرسوم والعوائد الجمركية المقررة ورفعت الدعوى الجنائية عليهما بتاريخ 15 من يونيه سنة 1956 وطلبت معاقبتهما بالمواد 1 و2 و5 من القانون رقم 623 لسنة 1955، ومحكمة جنح أسوان الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 13 من يناير سنة 1957 بعدم جواز رفع الدعوى العمومية قبل المتهمين تأسيساً على عدم صدور إذن كتابي بذلك من المدير العام لمصلحة الجمارك أو من ينيبه عملاً بالمادة 4 من القانون رقم 623 لسنة 1955 ثم طلب مدير الجمارك العام بكتابه رقم 884 المؤرخ 5 من يونيو سنة 1957 من نيابة أسوان الجزئية تقديم الدعوى للمحاكمة، وفي أثناء سير الدعوى دفع الحاضر مع الطاعن ببطلان التحقيق لعدم وجود إذن سابق، ومحكمة جنح أسوان الجزئية قضت بتاريخ 26 من أكتوبر سنة 1958 عملاً بمواد الاتهام - غيابياً للمتهم الآخر في الدعوى وحضورياً للطاعن بحبس كل من المتهمين شهراً مع الشغل وكفالة 200 قرش لكل وإلزام المتهم الأول بأن يدفع تعويضاً قدره 300 جنيه و566 مليماً وإلزام المتهم الثاني (الطاعن) بدفع تعويض قدره - 1518 جنيهاً و530 مليماً والمصادرة بلا مصاريف جنائية. فاستأنف الطاعن هذا الحكم، وأمام محكمة أسوان الابتدائية أصر على الدفع ببطلان محاضر جمع الاستدلالات وما ترتب عليها من إجراءات ضبط وتفتيش عملاً بنص المادة الرابعة من القانون رقم 623 لسنة 1955 لاتخاذها قبل صدور طلب رفع الدعوى الجنائية، والمحكمة المذكورة قضت بتاريخ 3 من فبراير سنة 1959 حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما يتعلق بعقوبة الحبس والمصادرة وتعديل الحكم فيما عدا ذلك بإلزام المتهم أن يدفع تعويضاً قدره 665 جنيهاً مع إعفائه من المصاريف الجنائية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن قبل الدفع ببطلان التفتيش الحاصل بمقصف القطار استناداً إلى ما أورده من تجاوز مأمور الضبط القضائي الذي قام به حدود اختصاصه وانتفاء حالة التلبس ملتفتاً عن اعتراف الطاعن لترتبه على هذا الإجراء الباطل - لكنه أطرح الدفع في خصوص التفتيش الحاصل بمدينة القاهرة قبل صدور طلب مدير مصلحة الجمارك برفع الدعوى الجنائية، وأقام الحكم بذلك قضاءه بالإدانة على عناصر التحقيق القائمة بالدعوى قبل صدور الإذن المذكور دون أن تجري المحكمة تحقيقاً أو تستظهر أدلة تالية على صدور طلب رفع الدعوى ودون أن يورد الحكم وهو في معرض رفضه ذلك الدفع أسباباً تصلح لتبرير ما انتهى إليه، لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم 623 لسنة 1955 بأحكام التهريب الجمركي الساري على واقعة الدعوى تنص على أنه "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات في جرائم التهريب إلا بناء على طلب كتابي من مدير مصلحة الجمارك أو من ينيبه كتابة في ذلك....." وكان مؤدى هذا النص عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ومباشرة أي إجراء من إجراءات بدء تسييرها أمام جهات التحقيق أو الحكم، فإذا اتخذت فيها إجراءات من هذا القبيل قبل صدور الطلب بذلك من الجهة التي ناطها القانون به وقعت تلك الإجراءات باطلة ولا يصححها الطلب اللاحق، وهو بطلان متعلق بالنظام العام لاتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة، ويتعين على المحكمة القضاء به من تلقاء نفسها. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ بني على هذه الإجراءات الباطلة يكون مشوباًً بالبطلان مما يتعين معه نقضه وإحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع لإعادة نظرها من جديد وذلك بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق