بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 19-11-2024 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعنين رقمي 756 & 760 لسنة2024 طعن تجاري
طاعن:
م. ت. ج. ا.
مطعون ضده:
م. ا.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2024/12 بطلان حكم تحكيم
بتاريخ 27-05-2024
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الملف الإلكتروني -للطعنين- وسماع تقرير التلخيص في الطعنين الذي تلاه بالجلسة القاضي المقرر -أحمد محمد عامر- والمداولة.
حيث إن الوقائـع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه والملف الإلكتروني للطعنين تتحصل في أن المطعون ضدها في الطعن رقم 756 لسنة 2024 تجاري أقامت على الطاعنة فيه الدعوى رقم 12 لسنة 2024 بطلان حكم تحكيم أمام محكمة استئناف دبي ، بطلب بطلان حكم التحكيم الصادر في الدعوى التحكيمية رقم MDY-OSI-KFH-26800 محكمة التحكيم غرفة التجارة الدولية الصادر بتاريخ 14/2/2024 وبطلانه فيما قضى به من إلزامها بالنفقات القانونية وأتعاب الاستشاريين والممثلين القانونيين المعينين من قبل الطاعنة بمبلغ مقداره 1,542376 دولارًا أمريكيًا.
علي سند من أن الطاعنة أقامت عليها الدعوى التحكيمية المشار إليها استنادًا إلى عقد مقاولة ليست طرفًا فيه ، ورغم عدم استنفاد الشروط المسبقة على اللجوء للتحكيم المنصوص عليها في العقد المشار إليه، وقد أصدرت هيئة التحكيم حكمها الذي تضمن إلزامها بأتعاب الممثل القانوني للطاعنة رغم خلو اتفاق التحكيم مما يخولها سلطة الفصل في تلك الأتعاب، ومن ثم أقامت الدعوى. دفعت الطاعنة بعدم قبول الدعوى لعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظرها واختصاص محاكم سوق أبوظبي المالي.
وبتاريخ 27/5/2024 قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم فيما حكم به بشأن النفقات القانونية للممثل القانوني للطاعنة ، وبرفض الدعوى فيما عدا ذلك.
طعنت الطاعنة في هذا الحكم بالتمييز رقم 756 لسنة 2024 تجاري بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 26/6/2024 طلبت فيها نقضه ، قدم محامي المطعون ضدها مذكرة بدفاعها -في الميعاد- طلب فيها رفض الطعن ، كما طعنت فيه المطعون ضدها بالتمييز رقم 760 لسنة 2024 تجاري بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 25/6/2024 طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه وببطلان كامل الحكم التحكيمي ، قدم محامي المطعون ضدها مذكرة بدفاعها -في الميعاد- دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلًا لانتهاء مدة وكالة وكيل الطاعنة في 30/4/2024 قبل تاريخ إيداع صحيفة الطعن إلكترونيًا ، ولعدم تسجيل رخصتها ، وإذ عُرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنهما جديران بالنظر وحددت جلسة لنظرهما ، وبها ضمت الطعن الثاني للطعن الأول للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد.
أولاً: الطعن رقم 760 لسنة 2024 تجاري
وحيث إن مبنى الدفع المبدَى من المطعون ضدها بعدم قبول الطعن شكلًا لانتهاء مدة وكالة وكيل الطاعنة في 30/4/2024 قبل تاريخ إيداع صحيفة الطعن إلكترونيًا فإن الطعن يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المستقر عليه -في قضاء هذه المحكمة- أنه لا يجوز أن تتصدى المحكمة لعلاقة الخصوم بوكلائهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وأنه لا محل لمنازعة الخصم في صفة رافع الطعن عن خصمه ، إذ إن صاحب المصلحة في التمسك بذلك هو الموكِل وحده. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تنكر وكالة وكيلها رافع الطعن، فضلاً عن أن الطاعنة قدمت في 3/10/2024 و قبل حجز الطعن للحكم وكالة حديثة صادرة منها من جمهورية الصين الشعبية بتاريخ 27/8/2024 لوكلائها -ومنهم المدعو/ محمد حسن رمضان- سارية حتي 30/4/2026 تبيح لهم الطعن بالتمييز وكان الأخير في 13/7/2020 قد وكل المحامي رافع الطعن الماثل بموجب الوكالة الصادرة منه أمام كاتب العدل بمحاكم دبي رقم 97054/1/2020 ، ومن ثم فإن منازعة المطعون ضدها الأولى في صفة رافع الطعن وسلامة التوكيل الصادر له تكون على غير أساس .
وحيث إن مبني الدفع بعدم قبول الطعن لعدم تسجيل رخصة الطاعنة لدى دائرة التنمية الاقتصادية فإنه يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن عدم تسجيل رخصة الطاعنة -وهي شركة أجنبية- لدى دائرة التنمية الاقتصادية لا يمنعها من مباشرة حق التقاضي، وليس من شأنه بطلان ما تم من تصرفات قانونية ، وأثر عدم التسجيل هو حظر مزاولة نشاطها داخل الدولة وفق المادة 336(1) من قانون الشركات التجارية الاتحادي رقم 32 لسنة 2021، فإذا زاولت نشاطها قبل اتخاذ إجراءات الترخيص فلا أثر لذلك عدا أن يكون الأشخاص الذين باشروا هذا النشاط مسؤولين عنه شخصيًا وبالتضامن عملًا بالفِقرة (2) من المادة المشار إليها و ومن ثم فإن هذا الدفع يكون علي غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم علي سبب واحد تنعَى به الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت ببطلان حكم التحكيم لصدوره على غير ذي صفة استنادًا إلى أنها شركة قائمة في الصين ولم تكن طرفًا في عقد المقاولة سند الدعوى المبرم بين المطعون ضدها وشركة مجموعة تشاينا جيزوبا المحدودة (فرع دبي) والذي يتضمن شرط التحكيم ، ولم توقع عليه، ومن ثم فلا تنصرف آثاره إليها ومن ثم فلا يوجد اتفاق تحكيم، وهو ما أقرت به المطعون ضدها عندما حاولت تصحيح شكل الدعوى التحكيمية بطلب إدخال الشركة التي وقعت معها على ذلك العقد، كما أقرت به أيضًا في مذكرتها بتاريخ 2-4-2024 عندما أوضحت فيها أن الطرف الفعلي للعقد هو الشركة الأخيرة، فضلًا عن أن السيد/ سونغ ويشين الذي وقع على العقد ليس لديه أي تفويض أو وكالة خاصة منها تبيح له الاتفاق على التحكيم نيابة عنها، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض دفعها تأسيسًا على أن ما تتمسك به في هذا الشأن يعد مسألة تتعلق بقواعد الإثبات وتقدير المحكمين مما لا يخضع لرقابته، على الرغم من أن ما تمسكت به يعد أحد أسباب بطلان حكم التحكيم المقبولة، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن النص في المادة 19 من القانون رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم على أن "1. تفصل هيئة التحكيم في أي دفع يتعلق بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفع المبني على عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع، ولهيئة التحكيم أن تفصل في ذلك إما في قرار تمهيدي أو في حكم التحكيم النهائي الصادر حول موضوع النزاع. 2. إذا قررت هيئة التحكيم في قرار تمهيدي أنها مختصة، فلأي من الأطراف خلال (15) خمسة عشر يومًا من تاريخ إعلانه بذلك القرار أن يطلب من المحكمة أن تفصل في تلك المسألة، وتفصل المحكمة في الطلب خلال (30) ثلاثين يومًا منذ تاريخ قيد الطلب لدى المحكمة ويكون قرارها غير قابل للطعن فيه وتقف إجراءات التحكيم لحين البت في هذا الطلب ما لم تقرر هيئة التحكيم الاستمرار فيها بناء على طلب أحد الأطراف. 3. ..." مُفاده أن المشرع قد استحدث ميعادًا للطعن على القرار التمهيدي الصادر من هيئة التحكيم باختصاصها، وذلك أمام المحكمة المختصة خلال 15 يومًا من تاريخ إعلانه بذلك القرار، وأنه متى حاز الحكم قوة الأمر المقضي، فإنه يمتنع على الخصوم في الدعوى التي صدر فيها العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصاد فيها، وأنه لا يجوز للمحكمة أن تخالف حجية حكم سابق حتى ولو خالف قاعدة قانونية آمرة تتصل بالنظام العام بحسبان أن قوة الأمر المقضي تسمو على قواعد النظام العام.
ومن المقرر كذلك أن الحكم إذا ما انتهى إلى نتيجة صحيحة قانونًا فإنه لا يبطله ما يكون قد اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة ، إذ لمحكمة التمييز أن تصحح هذه التقريرات دون أن تنقضه. ومن الأصول المقررة أن الطرف في اتفاق التحكيم ليس بالضرورة هو من وضع توقيعه عليه وإنما هو الطرف مُصدر التعليمات، ولهذا يمتد شرط التحكيم الموقَع من الشركة التابعة إلى الشركة الأم أو العكس، بالنظر إلى الطرف الذي كان له الكلمة النافذة سواء في مرحلة تكوين العقد أو تنفيذه ، لما كان ذلك ، وكانت هيئة التحكيم قد أصدرت قرارًا تمهيديًا بتاريخ 23/8/2022 باختصاصها ردًا على دفع الطاعنة محل النعي بما انتهت إليه من أنها طرف في العقد موضوع الدعوى، وأن الإجراءات أقيمت من المطعون ضدها ضد الخصم الصحيح، وأن طعن الطاعنة في هذا الشأن مرفوض، بما كان يتعين معه على الطاعنة الطعن على ذلك القرار التمهيدي وفقًا للمادة 19 من قانون التحكيم الاتحادي في الميعاد المقرر قانونًا ، وكانت الطاعنة قد قررت بأنها لم تتخذ ذلك الإجراء ، ومن ثم فلا يجوز لها معاودة التمسك بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر الدعوى ، ويضحى قضاؤها بشأن الاختصاص نهائيًا لا يجوز الطعن فيه ، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض دفع الطاعنة في هذا الشأن فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة، ولا يعيبه من بعد ما اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية فيما تضمنه من أسباب للرد على دفع الطاعنة، إذ لمحكمة التمييز تصحيح هذه الأسباب دون أن تنقضه، ويضحى ما تنعاه الطاعنة على الحكم بما سلف علي غير أساس.
وحيث إنه ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
ثانياً: الطعن رقم 756 لسنة 2024 تجاري
وحيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية
وحيث إن الطعن أقيم علي ثلاثة أسباب تنعَى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون و الخطأ في تطبيقه ، وفي بيان ذلك تقول إنه رفض دفعها بعدم اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ولائيًا واختصاص محاكم سوق أبوظبي العالمي استنادًا إلى أن الطرفين قد اتفقا على أن تكون دبي مقرًا للتحكيم، على الرغم من أن إجراءات التحكيم تمت تحت إدارة محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بسوق أبوظبي العالمي. وأن اتفاق التحكيم خلا من تحديد مقر التحكيم واقتصر على النص بأن يكون مكان التحكيم الإمارات العربية المتحدة. وأنهما اتفقا على أن تكون لغة التحكيم هي الإنجليزية وهي لغة محاكم سوق أبوظبي العالمي، فلا يمكن والحال كذلك أن يكونا قصدا أن تختص محاكم الدولة -ولغتها العربية- بالإشراف على التحكيم. وأنهما بتاريخ 21/7/2023 اتفقا على أن انعقاد جلسات التحكيم في مركز تحكيم سوق أبوظبي العالمي وفقًا لقواعد غرفة التجارة الدولية والتي يقع مقرها في السوق المشار إليه وانعقدت فيه جلسات التحكيم من 21 إلى 25 سبتمبر 2023، بما يؤكد إقرار المطعون ضدها بهذا المركز كمقر للتحكيم بدلًا من إمارة دبي. كما أنها قد تقدمت بطلب تصديق وتنفيذ حكم التحكيم أمام محاكم سوق أبوظبي العالمي وقيد طلبها برقم ADGMCFI-2024-073 . وقد استقر الاجتهاد القضائي على أن اتفاقيات التحكيم الخاضعة لقواعد غرفة التجارة الدولية تخضع لمحاكم سوق أبوظبي العالمي باعتبار أن مكتب غرفة التجارة الدولية يعتبر مقرًا للتحكيم ، واستقر أيضاً علي أن موقع مركز التحكيم يلعب دوراً حاسماً في تحديد الولاية القضائية الإشرافية والمكان الذي تتم فيه إجراءات التحكيم وكان مكان وجود العمليات الرئيسية لمركز التحكيم هو الاعتبار الأساسي ، وإذ كان إجراء التحكيم موضوع النزاع تم تحت رعاية فرع غرفة التجارة الدولية في أبو ظبي، مما يجعل الاختصاص لمحاكم سوق أبوظبي العالمي. كما أن خضوع التحكيم وحكم التحكيم للأمانة العامة لمحكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية المتواجدة في سوق ابوظبي العالمي في ابوظبي، يمنح الاختصاص الاشرافي الحصري على حكم التحكيم لمحاكم سوق ابوظبي العالمي ، وإذ خالف الحكم ذلك فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نص المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018 فيما تضمنه من تعاريف أن المقصود بالمحكمة هي المحكمة الاستئنافية الاتحادية أو المحلية التي اتفق عليها الأطراف أو يجرى ضمن دائرتها التحكيم، وأن نص المادة 41 (6) من ذات القانون يعتبر حكم التحكيم صادرًا في مكان التحكيم. ومن الأصول المقررة أن لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم، مع مراعاة ظروف الدعوى وملاءمة المكان لأطرافها، وأنه من سلطة هيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبًا للقيام بأي إجراء من إجراءات التحكيم، ومن ذلك إجراء المداولة بين أعضائها، فاختيار مكان معين للتحكيم لا يعني وجوب اتخاذ جميع إجراءات التحكيم في هذا المكان، وتبرز أهمية تحديد مكان التحكيم في بيان ما إذا كان حكم التحكيم وطنيًا أم أجنبيًا، وهي مسألة يترتب عليها آثار قانونية بتحديد المحاكم ذات الولاية بالنسبة لبعض مسائل التحكيم، وتحديد المحكمة المختصة بالطعن في الحكم، وإجراءات تنفيذه، ومن ناحية أخرى فإن اختيار الأطراف لمكان معين لإجراء التحكيم ينطوي ضمنًا على اختيارهم القانون الإجرائي لهذا المكان لتخضع له إجراءات التحكيم ما لم يعلنوا صراحةً عن إرادتهم باختيار قانون آخر، ولهذا يجب التفرقة بين المكان المادي للتحكيم الذي تنعقد فيه جلسات التحكيم ، وبين مكان التحكيم كفكرة قانونية -مقر التحكيم- تترتب عليها الآثار القانونية سالفة الذكر، فيجوز أن تنعقد جلسات التحكيم في أماكن مادية مختلفة ورغم ذلك يبقى مكان التحكيم كفكرة قانونية واحدًا. وعلي هذا فإن مكان التحكيم أو المقر القانوني للتحكيم هو الاختصاص القضائي الذي يجري فيه التحكيم-أي الدولة أو المدينة أو أي منطقة حرة مالية لها استقلال مالي وإداري وسلطة قضائية قائمة بذاتها- وتتحدد تبعًا له آثار هامة من بينها القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، والمحكمة المختصة بالإشراف على التحكيم ونظر دعوى البطلان ، وجنسية حكم التحكيم من حيث كونه وطنيًا أم أجنبيًا وفق نص المادة (أ 3/2/ ) من قانون التحكيم الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 ، والمكان الذي يُعتبر أن حكم التحكيم قد صدر فيه عملاً بالمادة ( 41/6 ) من ذات قانون التحكيم. والأصل أن يتفق الأطراف على اختيار مكان التحكيم صراحة، كما يجوز أن يتفقوا على اختياره ضمنًا من خلال اختيار قواعد تحكيم مؤسسية تشير إلى مكان تحكيم مفترض أو آلية واجبة الاتباع لتحديده في غيبة اتفاق صريح من الأطراف على خلاف ذلك، أو أخيرًا -عملاً بنص المادة 28 /1 من ذات قانون التحكيم المعدلة بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 15 لسنة 2023 - بمعرفة هيئة التحكيم في حالة عدم اتفاق الأطراف صراحة أو ضمنًا. ولا تلازم بين المقر القانوني للتحكيم -باعتباره فكرة قانونية مجردة- والمكان الفعلي الجغرافي لانعقاد جلسات التحكيم، إذ إن الأخير لا يترتب عليه أي أثر قانوني. كما أنه لا صلة بين مراكز التحكيم وقواعدها وبين تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان، والتي لا تتحدد إلا على أساس المقر القانوني للتحكيم، ومن ثم فلا عبرة على أي نحو بموقع مركز التحكيم عند تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان، وإنما العبرة بما اتفق عليه الأطراف صراحة عند اختيارهم للمقر القانوني للتحكيم. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق اتفاق الطرفين على تطبيق قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس ( ICC ) السارية اعتبارًا من الأول من يناير 2021 على إجراءات التحكيم ، ومن ثم تكون تلك القواعد هي الواجبة التطبيق على تلك الإجراءات، وكان النص في المادة 18 من تلك القواعد على أن "1-تحدد المحكمة مقر التحكيم، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك. 2- يجوز لهيئة التحكيم، بعد التشاور مع الأطراف، عقد جلسات الاستماع والاجتماعات في أي مكان تراه مناسبًا، ما لم تتفق الأطراف على خلاف ذلك. 3-يجوز لهيئة التحكيم التداول في أي مكان تراه مناسبًا"، يدل على حق الأطراف في تحديد المقر القانوني للتحكيم ، وكان الثابت من طلب التحكيم المقدم من وكيل الطاعنة بتاريخ 31/12/2021 إلى هيئة التحكيم في الفِقرة 156 أنه اقترح أن يتفق الطرفان على اختيار إمارة دبي مقرًا للتحكيم ، وكان الثابت بالبند 8-6 من رد وكيل المطعون ضدها على هيئة التحكيم بتاريخ 13/4/2022 موافقته على اقتراح الطاعنة بأن تكون إمارة دبي مقرًا للتحكيم ، والثابت بالفِقرة 26 من الشروط المرجعية اتفاق الطرفين على أن يكون مقر التحكيم في دبي، وهو ما أثبته حكم التحكيم في مدوناته، وجاء بذيله عبارة "مكان التحكيم: دبي، الإمارات العربية المتحدة"، ومن ثم ينعقد الاختصاص لمحكمة استئناف دبي بنظر دعوى بطلان هذا الحكم ، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر بما يضحى النعي عليه في هذا الخصوص في غير محله ، وكان غير صحيح ما تقوله الطاعنة من أن إجراءات التحكيم تمت تحت إدارة محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بسوق أبوظبي العالمي، وأن الاجتهاد القضائي قد استقر على أن اتفاقيات التحكيم الخاضعة لقواعد تلك الغرفة تخضع لمحاكم سوق أبوظبي العالمي، ذلك أنه لا صلة بين المكتب التمثيلي التابع لغرفة التجارة الدولية ICC Representative Office والذي أنشأته هذه الغرفة في سوق أبوظبي العالمي لتسهيل عمل القضايا التحكيمية الخاضعة لإشراف الغرفة في المنطقة، وبين مركز تحكيم سوق أبوظبي ADGM Arbitration Centre والذي لا يعد مؤسسة تحكيم بالمعنى الفني الدقيق، وإنما هو مجرد مرافق حديثة لعقد جلسات الاستماع في قضايا التحكيم، ولذلك فهو يستقبل ويقدم خدماته لكافة الأطراف بغض النظر عن مؤسسة التحكيم المشرفة على القضية التحكيمية دون أن يكون له شأن بذلك. كما لا يقدح فيما تقدم القول بأن لغة التحكيم هي اللغة الإنجليزية، وأنها قد تقدمت بطلب تصديق وتنفيذ حكم التحكيم أمام محاكم سوق أبوظبي العالمي، إذ إن كل ذلك ليس من شأنه أن يسلب الاختصاص بنظر دعوى البطلان من المحكمة التي يجرى ضمن دائرة اختصاصها التحكيم. كما لا يجدي الطاعنة القول بأن اتفاق التحكيم -في صورته الأولى- خلا من تحديد مقر التحكيم واقتصر على النص بأن يكون مكان التحكيم دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ إن ذلك لا يحول دون أن يتفق الطرفان لاحقًا على مقر التحكيم وإعمال أثر ذلك. كما لا يغير مما تقدم القول بأن الطرفين قد اتفقا بتاريخ 21/7/2023 على انعقاد جلسات التحكيم في مركز تحكيم سوق أبوظبي العالمي والذي انعقدت فيه جلسات التحكيم من 21 إلى 25 سبتمبر 2023، إذ إن الثابت بالأوراق أن هذا الاتفاق يتعلق بعقد جلسات المرافعة فيه لوجود أماكن شاغرة به، وهو ما لا صلة له بالمقر القانوني للتحكيم المعتبر لتحديد اختصاص محكمة البطلان، خاصةً وأن وكيل المطعون ضدها قد أشار بعبارة واضحة أنه درءًا للشك يظل مقر التحكيم وفق ما هو منصوص عليه بالفِقرة 26 من الشروط المرجعية المشار إليها، وأن سوق أبوظبي العالمي هو الأنسب لعقد جلسات المرافعة وفق ما تجيزه الفِقرة 27 من الشروط المرجعية التي تسمح بذلك ، ومن ثم فإن النعي علي الحكم بما سلف يكون قد جاء على غير أساس.
وحيث تنعَى الطاعنة بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن المطعون ضدها قدمت عند رفع دعوى البطلان بتاريخ 14/2/2024 نسخة من حكم التحكيم غير مصدق عليها من قِبل الأمين العام لغرفة التجارة الدولية وفق المادتين 34، 35 من قواعد التحكيم لدى الغرفة، مما يجردها من احد شروطها الجوهرية المنصوص عليها في المادة 35 من قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية يتعلق بإشراف هذه الغرفة على الأحكام التحكيمية الصادرة عنها ، كما أنه لم يتم التصديق على حكم التحكيم من قبل الأمينة العامة المساعدة لغرفة التجارة العالمية السيدة/ Ana Serra E Moura إلا بتاريخ 3/4/2024 وهو شرط يتعلق بالنظام العام يجوز لها إثارته لأول مرة أمام محكمة التمييز، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن القانون وإن خلا من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العليا للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه هذه المصلحة العامة على مصالح الأفراد، وتقوم فكرته على أساس مصلحة الجماعة بأسرها، بما مؤداه أن فكرة النظام العام تمس كيان الدولة أو تتعلق بمصلحة أساسية وعامة للجماعة ، وكان النص في المادة 35 من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس " ICC " السارية اعتبارًا من الأول من يناير 2021 على إجراءات التحكيم على أنه "1-بمجرد صدور حكم التحكيم، تخطر الأمانة (السكرتارية) الأطراف بنص الحكم الموقع من قبل هيئة التحكيم، ويشترط دائمًا أن يكون الأطراف أو أحدهم قد سدد مصاريف التحكيم بالكامل إلى غرفة التجارة الدولية. 2-يجب توفير نسخ إضافية -من الحكم- مصدقة من الأمين العام عند الطلب وفي أي وقت للأطراف، ولكن ليس لأي شخص آخر."، يدل على أنه فور إصدار هيئة التحكيم لحكم التحكيم تقوم الأمانة العامة -لمحكمة التحكيم الدولية بغرفة التجارة الدولية- بإخطار أطراف التحكيم بنص الحكم الموقع من هيئة التحكيم وحدها، إما في صورة إلكترونية أو ورقية حسب اتفاق الأطراف، وبغير أن يحمل أي أختام أو توقيعات لآخرين. وإنما تتاح نسخًا إضافية من حكم التحكيم مصدقة من الأمين العام Additional copies certified true by the secretary general بناء على طلب أي من أطراف التحكيم دون غيرهم. وهو ما يفصح في جلاء عن أن تصديق الأمين العام على حكم التحكيم ليس شرطًا من شروط إصداره، وإنما يتم فقط في حالة طلب الحصول على نسخ إضافية منه مصدقة بعد صدوره وإرساله للأطراف. لما كان ذلك، وكان تصديق الأمين العام لغرفة التجارة الدولية على حكم التحكيم لا يتعلق بإصدار حكم التحكيم وإنما يكون مطلوبًا في حالة وحدة فقط هي توفير نسخ إضافية من الحكم بعد أن يكون قد صدر بالفعل على نحو ما سلف بيانه، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في سبب النعي يكون قد جاء على غير أساس .
وحيث إن الطاعنة تنعَى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إنه قضى ببطلان حكم التحكيم جزئيًا فيما قضى به من إلزام المطعون ضدها بالنفقات القانونية للممثلين القانونين للطاعنة ، استنادًا إلى أن المادة 38 (1) من قواعد غرفة التجارة الدولية لم تنص صراحةً على صلاحية هيئة التحكيم للفصل في النفقات القانونية للممثلين القانونين للأطراف، في حين أن تلك المادة بعد أن ذكرت النفقات المنصوص عليها في النص المناظر لها في المادة 46 من قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018 أضافت إلى تلك النفقات التكاليف القانونية المعقولة والتي خلت منها المادة الأخيرة، كما أن مركز دبي للتحكيم والعديد من المراكز التحكيمية كمركز "محكمة لندن للتحكيم الدولي" LCIA وفق آخر تعديل لقواعده في 2022 تَعتبر النفقات القانونية لممثلي الطرفين من نفقات التحكيم، كما أن تفسير إحدى مواد قواعد غرفة التجارة الدولية ICC يجب الوقوف فيه على مقصود المشرع الذي وضع تلك القواعد وهي الغرفة ذاتها -وليس المشرع الوطني الإماراتي- والتي أصدرت عام 2015 تقريرًا رسميًا أشارت فيه إلى أن (( Costs in arbitration include not only the legal fees and costs of the parties (party costs) but also the costs of the tribunal, institution and any facilities used (sometimes called arbitration costs) )) وترجمتها "لا تشمل التكاليف في التحكيم الرسوم والتكاليف القانونية للأطراف (تكاليف الأطراف) فحسب، بل تشمل أيضًا تكاليف هيئة التحكيم والمؤسسة وأي مرافق مستخدمة (تسمى أحيانًا تكاليف التحكيم)." فتكون تلك الغرفة بينت أن التكاليف في التحكيم تشمل تكاليف الأطراف، خاصة وأن المطعون ضدها -المدعية في دعوى البطلان- تقدمت بتاريخي 10/11/2023 ، 11/12/2023 لهيئة التحكيم بطلب الحكم بنفقات التحكيم حيث أقرت بمنح هيئة التحكيم صلاحية البت في نفقات المحامين والاستشاريين، ولا ينال من ذلك استناد المطعون ضدها إلى أحد المبادئ التي قررتها محكمة التمييز بشأن أن منح الصلاحيات لهيئة التحكيم بشأن النفقات لا يمنعها من الطعن على تلك الصلاحيات أمام المحكمة، لاختلاف الواقع في الحالة المسترشد بها والذي يقوم على عدم اعتراض الخصم على النفقات القانونية أمام هيئة التحكيم، وبين الواقع في الدعوى المطروحة حيث أقرت المطعون ضدها نفسها للهيئة بصلاحية البت في تلك النفقات، فضلًا عن أن مصادقة الأمين العام المساعد لغرفة التجارة الدولية على حكم التحكيم تعد دليلًا على أن تقدير هيئة التحكيم لتلك النفقات لا يخالف إرادة الأطراف أو قواعد التحكيم لدى الغرفة، كما أن الحكم رفض اتفاق الطرفين اللاحق لاتفاق التحكيم على منح هيئة التحكيم صلاحية الفصل في تلك النفقات، رغم إقراره لاتفاقهما اللاحق على تعيين مقر التحكيم، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ارتضاء الأطراف إخضاع التحكيم بينهم للقواعد الإجرائية الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس، من شأنه حجب أحكام قانون التحكيم إلا ما يتعلق منها بالنظام العام. وأن الأصل متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة المشرع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التأويل أو التفسير أيًا كان الباعث على ذلك، ولا الخروج عن النص متى كان واضحًا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه. وأنه إذا كان النص عامًا مطلقًا فلا محل لتخصيصه أو تقييده عن طريق التفسير أو التأويل، بحيث إذا كان صريحًا جلي المعنى في الدلالة على المراد منه فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته وقصد الشارع منه، إذ في ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به النص عن طريق التأويل. وأن النفقات القانونية تدخل في مفهوم نفقات التحكيم إذا نص في اتفاق التحكيم بنص صريح وواضح عليها؛ باعتبار أن قضاء التحكيم هو قضاء اتفاقي تستمد هيئة التحكيم ولايتها فيه من شروط التحكيم الواردة في الاتفاق المبرم بين الطرفين باعتبارها مسألة تابعة ومتعلقة ومتصلة مباشرة بما يحكم به في موضوع الدعوى، وأن اتفاق التحكيم باعتباره عقدًا بين طرفيه يجوز أن يتفقا فيه على أي شرط يجداه مناسبًا بما لا يخالف النظام العام أو الآداب. لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن الطرفين قد اتفقا على تطبيق قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس ICC السارية اعتبارًا من 1 يناير 2021 على إجراءات التحكيم، ومن ثم تكون تلك القواعد هي الواجبة التطبيق على تلك الإجراءات والتي تحجب أحكام قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018 إلا ما يتعلق منها بالنظام العام. وكان النص في الفِقرة الأولى من المادة 38 من تلك القواعد على أن "تشمل تكاليف التحكيم أتعاب ونفقات المحكمين والنفقات الإدارية لغرفة التجارة الدولية التي تحددها المحكمة، وفقًا للجداول المعمول بها وقت بدء التحكيم، وكذلك أتعاب ونفقات أي خبراء تعينهم هيئة التحكيم والتكاليف القانونية وغيرها من التكاليف المعقولة التي يتكبدها الأطراف في التحكيم"، يدل على أن مصاريف التحكيم التي تقدرها وتحكم بها هيئة التحكيم واردة في هذا النص على سبيل المثال وليس الحصر، وآية ذلك أن تلك المادة لم تقتصر على ذكر أتعاب ونفقات المحكمين والنفقات الإدارية لغرفة التجارة الدولية وأتعاب ونفقات أي خبراء تعينهم هيئة التحكيم والتكاليف القانونية، بل ورد بها نص "وغيرها من التكاليف المعقولة التي يتكبدها الأطراف في التحكيم" وهو ما لا يمكن معه القول بأن مصاريف التحكيم بموجب هذه المادة واردة على سبيل الحصر؛ إذ إن العبارة الأخيرة جاءت عامة مطلقة تتسع لكافة التكاليف المعقولة التي يتكبدها الأطراف في التحكيم دون تخصيص، وهي بذلك تختلف عن النص في الفِقرة الأولى من المادة 46 من القانون رقم 6 لسنة 2018 -التي حجبتها قواعد غرفة التجارة الدولية المتفق على تطبيقها- على أنه "ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، يكون لهيئة التحكيم تقدير مصاريف التحكيم، ويشمل ذلك: الأتعاب والنفقات التي تكبدها أي عضو في هيئة التحكيم في سبيل تنفيذ مهامه، ونفقات تعيين الخبراء من قِبل هيئة التحكيم" والذي يبين منه أن مصاريف التحكيم التي تقدرها وتحكم بها هيئة التحكيم واردة فيها على سبيل الحصر. وكانت النفقات القانونية LEGAL COSTS والتي تشمل مقابل أتعاب المحامين والتي يدفعها الأطراف للممثلين القانونيين الذين يمثلونهم في إجراءات التحكيم تعد من التكاليف المعقولة التي يتكبدها الأطراف في التحكيم ، ومن ثم تعد من مصاريف التحكيم التي تقدرها وتحكم بها هيئة التحكيم وفقًا لنص الفِقرة الأولى من المادة 38 من القواعد المشار إليها. ولا يغير من ذلك القول بأن عدم النص صراحة فيها على أتعاب الممثلين القانونيين على غرار النص في الفِقرة الأولى من المادة 36 من قواعد التحكيم لمركز دبي للتحكيم الدولي 2022 من شأنه عدم اعتبارها من مصاريف التحكيم ، إذ أن ذلك لا يستدل منه على أن مقصود المشرع واضع قواعد غرفة التجارة الدولية بباريس ICC قد اتجه إلى عدم اختصاص هيئة المحكمين بالحكم بأتعاب المحامين بعد أن أورد عبارة "وغيرها من التكاليف المعقولة التي يتكبدها الأطراف في التحكيم" والتي تتسع إلى كافة التكاليف المعقولة التي يتكبدها الأطراف والتي منها التكاليف القانونية كأتعاب المحامين، كما أن القول بذلك يخالف ما تواترت عليه قواعد ICC حيث جاء في المادة 37(1) من قواعدها السارية اعتبارًا من سنة 2012 عبارة "المصاريف القانونية المعقولة وغيرها من المصاريف التي تكبدها الأطراف في التحكيم"، والذي جاء في دليل غرفة التجارة الدولية الذي يتضمن التعليق على تلك القواعد بالبند 1490(3) منها أن هيئة التحكيم تعتبر الفئات التالية من التكاليف القابلة للاسترداد: (أ) أتعاب ونفقات محامي الأطراف. وهو ذات النص الذي ورد في المادة 38(1) من قواعدها السارية منذ 2017 ، فضلًا عن أن الممارسات الدولية للتحكيم التي تطبق تلك القواعد جرت على أن أتعاب المحامين تدخل ضمن التكاليف المعقولة التي تكبدها الأطراف في التحكيم تقدرها وتحكم بها هيئة التحكيم. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم فيما حكم به بشأن النفقات القانونية للممثل القانوني للطاعنة ، علي سند من أن نفقات الممثلين القانونيين لا تدخل في مفهوم مصاريف التحكيم التي تختص هيئة التحكيم بتقديرها والحكم بها، بالمخالفة لما سبق بيانه ، فضلًا عن أنه استند إلى أنه لم يثبت أن هناك اتفاقًا على منح هيئة التحكيم سلطة الفصل في أتعاب الممثلين القانونيين للطرفين ، حال أن المطعون ضدها كانت قد تقدمت لهيئة التحكيم بتاريخي 10 نوفمبر 2023 و 11 ديسمبر 2023 وفق ما هو ثابت من حكم التحكيم -ترجمته المقدمة من المطعون ضدها- بالبندين رقمي 185 و 188 بطلب الحكم لها بنفقات التحكيم التي تكلفتها وأدرجت ضمنها نفقات المحامين التي طلبت الحكم لها بها كما ورد أيضاً ذات الطلب منها ببنود حكم التحكيم اعتباراً من البند 1107 وما بعده ، وهو ما يُعد إقرارًا منها بولاية وتفويض هيئة التحكيم في الفصل في تلك النفقات ، ولم تنازعها الطاعنة في ذلك أمام هيئة التحكيم ، بما يعيب الحكم ويوجب نقضه في هذا الشق.
وحيث أن الموضوع صالح للفصل ولما تقدم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: في الطعن رقم 760 لسنة 2024 تجاري برفض الطعن وبإلزام الطاعنة بالمصروفات وبمبلغ ألفي درهم مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة مبلغ التأمين.
ثانياً: في الطعن رقم 756 لسنة 2024 تجاري بنقض الحكم المطعون فيه جزئياً فيما قضي به من بطلان حكم التحكيم -موضوع الدعوي- فيما حكم به بشأن النفقات القانونية للممثل القانوني للطاعنة ، وبإلزام المطعون ضدها بالمصروفات ومبلغ ألفي درهم مقابل أتعاب المحاماة وبرد مبلغ التأمين ، وفي الموضوع برفض الدعوى في خصوص الشق المنقوض ?طلب المدعية (المطعون ضدها) ببطلان حكم التحكيم فيما قضى به من الزامها بالنفقات القانونية وأتعاب الاستشاريين والممثلين القانونيين المعينين من قبل المدعي عليها بمبلغ مقداره 1,542376 دولارًا أمريكيًا- وألزمت المدعية بالمصروفات ومبلغ الف درهم مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق