جلسة 19 من ديسمبر سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطية إسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، وحسن خالد المستشارين.
---------------
(178)
الطعن رقم 1450 لسنة 30 القضائية
(أ - ب) غش. قانون. إثبات.
قرينة افتراض العلم بالغش المقررة بالقانون 522 لسنة 1955: نطاقها:
انعطاف أثرها - لعموم النص - على كافة الأغذية والعقاقير الطبية والحاصلات الزراعية أو الطبيعية المشار إليها بالمادة الثانية من ق 48 لسنة 1941.
أثرها:
عدم مساسها بالركن المعنوي لجنحة الغش. سلطة محكمة الموضوع في استظهار هذا الركن من عناصر الدعوى.
وسيلة دحضها:
عدم اشتراط أدلة معينة في ذلك، تدليل الحكم على جهل المتهم بفساد المادة المعروضة للبيع يقتضي اعتبار الواقعة مخالفة بالمادة 7 من ق 48 لسنة 1941 - لا تبرئة المتهم.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده وآخر بأنهما باعا وعرضا للبيع ملبناً مغشوشاً مع علمهما بذلك حالة كونه من مأكولات الإنسان وطلبت عقابهما بالمواد 1 و2 و8 و9 و11 و13 و15 من القانون رقم 48 لسنة 1941. والمحكمة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بالنسبة إلى المتهم الأول بتغريمه خمسمائة قرش والمصادرة وببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه بلا مصاريف. استأنفت النيابة هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المواد المضبوطة بلا مصاريف. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون حين قضى بإلغاء الحكم الابتدائي الذي دان المطعون ضده بجريمة عرض ملبن مغشوش للبيع مع علمه بذلك وبتبرئته منها تأسيساً على أنه لم يقع منه فعل إيجابي نشأ عنه تغيير في الشيء موضوع الغش بإضافة مادة غريبة إليه أو بانتزاع عنصر من عناصره بدعوى أن التحجر الذي طرأ على الملبن المضبوط لديه داخل علب مقفلة مرده إلى عوامل طبيعية كشدة الحرارة التي تسود الجو في المنطقة الموجود بها محل المطعون ضده ونفي الحكم علمه بالفساد لوجود الملبن داخل علب مقفلة. وهذا الذي ذهب إليه الحكم مردود بأن الظاهر من واقعة الدعوى أن الجزء الثاني من الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 في شأن قمع التدليس والغش الذي يؤثم طرح الأغذية المبينة به أو عرضها أو بيعها مع العلم بغشها أو بفسادها هو الواجب التطبيق على الواقعة المطروحة وهو ما لا يقتضي تدخلاً ايجابياً من المطعون ضده، وقد التفت الحكم عن أن القانون رقم 522 لسنة 1955 قد أضاف فقرة إلى المادة الثانية سالفة البيان تقضي بافتراض العلم بالغش أو بالفساد إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة أو من الباعة المتجولين - وهو شأن المطعون ضده - وعلى فرض انتفاء علمه بالفساد فإن الواقعة مع هذا الفرض الجدلي تكوّن المخالفة المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون المطبق عليها مما كان يقتضي إنزال حكمها عليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن مراقب صحة "فاو بحري" أخذ عينة من "ملبن فاخر" كان المطعون ضده - وهو تاجر بقالة - يعرضه للبيع في محله وتبين من تحليلها أنها متحجرة وتعتبر غير صالحة للاستهلاك الآدمي. ولما سئل المطعون ضده قرر أنه اشترى الملبن من تاجر جملة أرشد عنه وأدخل معه في التهمة وقضي ببراءته وأنه لم يكن يعلم شيئاً عن حالة الملبن. ثم عرض الحكم إلى ما تمسك به المدافع عن المطعون ضده في جلسة المحاكمة الاستئنافية من أن "الملبن كان بداخل علب من ورق الكرتون وأن المتهم (المطعون ضده) لم يكن يعلم بالغش لأن العلم إذا كان مفروضاً فهو مفروض في الأشياء الظاهرة" وتناوله في قوله "وحيث إنه لما كان الواقع في الدعوى يفيد بأن الملبن الذي وجد لدى المتهم (المطعون ضده) كان موضوعاً بداخل علب مقفلة من الورق المقوى - (الكرتون) وكان الثابت من نتيجة تحليله أن الملبن وجد متحجراً فقط فإن ذلك يفيد بداهة بأن هذا التغير لم يحصل بفعل إيجابي وقع من المتهم على الشيء نفسه بإضافة مادة غريبة إليه أو انتزاع عنصر من عناصره المكونة له ذلك أن التحجر الذي طرأ على ذلك الشيء إنما طرأ عليه نتيجة عوامل طبيعية كشدة الحرارة التي تسود الجو في هذه المنطقة من الجمهورية، وما دام واقع الأمر كذلك فلا يمكن مساءلة المتهم عن تلك الحالة التي طرأت على الشيء المذكور إذ لم تكن له يد على الإطلاق فيما طرأ عليه من تحجر، فضلاً عن أن هذا التحجر في ذاته إنما هو تصلب لم يفقد الشيء خواصه أو ذاتيته أو أي شيء آخر من عناصره - وحيث إنه لما كان ذلك، وكان الثابت فوق ما تقدم أن الملبن كان مودعاً داخل علبة مقفلة من الورق المقوى السميك. فمن الواضح أن المتهم لم يكن يعلم بحالة التحجر الذي طرأت عليه ما دام الشيء لم يكن ظاهراً أمامه، ولما كانت جريمة غش الأشياء وهي جريمة عمدية يشترط لقيامها ثبوت القصد الجنائي وهو علم المتهم بالغش الحاصل في الشيء فإن القصد الجنائي يكون منتفياً ومن ثم تكون التهمة على أي وجه لا أساس لها" وخلص الحكم من ذلك إلى إلغاء الحكم المستأنف وتبرئة المطعون ضده. لما كان ذلك وكانت القرينة القانونية التي أوردها الشارع بالقانون رقم 522 لسنة 1955 بتعديل المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش حين افترض العلم بالغش أو بالفساد إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة أو من الباعة المتجولين - وهو شأن المطعون ضده على ما يبين من الحكم، تلك القرينة التي رفع الشارع فيها عبء إثبات العلم بالغش أو بالفساد عن كاهل النيابة العامة تحقيقاً للمصلحة العامة ومحافظة منه على مستوى الألبان على ما أفصح عنه في مذكرته الإيضاحية للقانون المذكور. وهو ما ينعطف أثره على كافة الأغذية والعقاقير الطبية والحاصلات الزراعية أو الطبيعية المشار إليها بالمادة الثانية منه لعموم النص، وكانت هذه القرينة القابلة لإثبات العكس لم تمس الركن المعنوي في جنحة الغش المؤثمة بالقانون رقم 48 لسنة 1941 الذي يلزم توافره للعقاب عليها ولم تنل من سلطة محكمة الموضوع في استظهار هذا الركن من عناصر الدعوى ولم تشترط أدلة معينة لدحض تلك القرينة، وكانت المحكمة قد اطمأنت للأدلة السائغة التي أوردتها إلى أن المطعون ضده لم يقع منه غش عن طريق قيامه بنفسه بفعل إيجابي معين من شأنه إحداث تغيير بالمادة المضبوطة لديه واستشفت حسن نيته وجهله بالتحجر الذي طرأ على تلك المادة من حصوله عليها داخل علب مقفلة واستبعدت بذلك قرينة العلم المفترض في حقه، إلا أنه لما كانت المادة السابعة من القانون رقم 48 لسنة 1941 إذ نصت على أنه "تعتبر الجرائم التي ترتكب ضد أحكام المواد الثانية والثالثة والخامسة مخالفات إذا كان المتهم حسن النية على أنه يجب أن يقضي الحكم بمصادرة المواد أو العقاقير أو الحاصلات التي تكون جسم الجريمة" وكانت محكمة الموضوع مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً، وكان هذا الإلزام يسري على محكمة الدرجة الثانية وهي في معرض الفصل في الاستئناف المعروض عليها بأن تعطي الوقائع الثابتة في الحكم الابتدائي وصفها الصحيح، وكل ما عليها من قيد في هذا الشأن ألا توجه أفعالاً جديدة إلى المتهم وألا تشدد عليه العقاب إذا كان هو المستأنف وحده. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ أثبت على المطعون ضده طرحه للبيع الملبن موضوع الاتهام مع فساده لتحجره وعدم صلاحيته للاستهلاك الآدمي مما كان يقتضي إنزال حكم المادة السابعة من القانون رقم 48 لسنة 1941 على الواقعة طالما أنه ثبت للمحكمة حسن نية المطعون ضده - أما وهو لم يفعل فإن ما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه من هذه الناحية يكون في محله ويتعين لذلك نقض الحكم وتصحيحه واعتبار الواقعة مخالفة طبقاً للمادتين الثانية والسابعة من القانون رقم 48 لسنة 1941 ومعاقبة المطعون ضده بتغريمه مائة قرش بالإضافة إلى عقوبة المصادرة المقضى بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق