الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 ديسمبر 2024

الدعوى رقم 28 لسنة 18 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 9 / 11 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م، الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني  نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري  رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 18 قضائية "دستورية"

المقامة من

شركة النصر لصناعة السيارات

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- النائب العام

3- رئيس مجلس الوزراء

4- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)

5- نقابة المهن الفنية التطبيقية

---------------

الإجراءات

      بتاريخ الرابع من أبريل سنة 1996، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية البنود (أ، ب، ج) من المادة (52)، والمادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وقدمت نقابة المهن الفنية التطبيقية مذكرة، طلبت فيها الحكم بما انتهت إليه مذكرة هيئة قضايا الدولة.

      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/11/2010، وفيها قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي، وأعيد نظر الدعوى بجلسة 1/9/2024، وفيها قدمت النقابة المدعى عليها الخامسة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------

المحكمة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النقابة المدعى عليها الخامسة أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 10025 لسنة 1993 مدني كلي، ضد الشركة المدعية، طالبة الحكم - وفق طلباتها الختامية - بإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغًا مقداره سبعة ملايين وخمسمائة وثلاثة وأربعون ألفًا ومائة جنيه، قيمة دمغة النقابة المستحقة عن إنتاج الشركة للسيارات خلال سنوات المطالبة حتى عام 1995، وذلك على سند من استحقاق النقابة قيمة تلك الدمغة إعمالًا لنص المادتين (52 و53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، وحال نظر الدعوى دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية النصين السالف بيانهما، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت لها باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من النقابة المدعى عليها الخامسة بعدم قبول الدعوى؛ لورود تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية على غير محل، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ولايتها في مجال الفصل في المسائل الدستورية التي تعرض عليها، مناطها اتصالها بها وفقًا للأوضاع المنصوص عليها في المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ وذلك إما بإحالة هذه المسائل مباشرة إليها من محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيها، وإما من خلال دفع بعدم دستورية نص تشريعي يبديه خصم أثناء نظر نزاع موضوعي، وتقدر المحكمة جديته، لترخص بعدئذ للخصم - وخلال أجل لا يجاوز ثلاثة أشهر - برفع الدعوى الدستورية في شأن المسائل التي تناولها هذا الدفع. وهذه الأوضاع الإجرائية – سواء ما تعلق منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها – من النظام العام، باعتبارها من الأشكال الجوهرية التي تغيَّا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، وفي الموعد الذي حدده. وكان من المقرر – أيضًا – في قضاء هذه المحكمة أن تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية تختص به محكمة الموضوع، شريطة أن يكون من أبداه قد عين النص محل الدفع بما ينفي التجهيل به، وأن يكون ذلك النص لازمًا للفصل في النزاع المعروض على محكمة الموضوع، وأن تكون المناعي الدستورية المدعى بها بشأنه لها ما يظاهرها، وهو ما يعني جديتها من وجهة مبدئية. ولئن كان الفصل في اتصال النص التشريعي المطعون فيه بالنزاع الموضوعي من مسائل القانون التي لا ترخص فيها، فإن تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الموجهة إليه هو مما يدخل في نطاق سلطتها التقديرية، التي تباشر من خلالها نوعًا من التقييم المبدئي لمضمون هذه المطاعن وسلامة أسسها.

متى كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية قد ضمَّنت المذكرة التي قدمتها بجلسة 24/12/1995، أمام محكمة الموضوع، دفعًا بعدم دستورية نص المادتين (52 و53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979، ناعية عليهما مخالفة أحكام المواد (38 و61 و115 و116 و119 و120) من الدستور، وأعادت ترديده بجلسة 10/3/1996، ومن ثم؛ فإن تقدير محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، والتصريح للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، قد صادف محلًّا، وله سنده من الأوراق، مما لزامه الالتفات عن الدفع المبدى من النقابة المدعى عليها الخامسة بعدم قبول الدعوى المعروضة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، لخلو صحيفتها من بيان أوجه مخالفة النصين المطعون عليهما لأحكام الدستور، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما تغياه المشرع من نص المادة (30) من قانونها السالف الذكر، هو أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى الدستورية البيانات الجوهرية التي تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التي يُعرض على هذه المحكمة أمر الفصل فيها، وكذلك نطاقها، بما ينفي التجهيل بها، كي يحيط كل ذي شأن – ومن بينهم الحكومة التي يتعين إعلانها بقرار الإحالة أو بصحيفة الدعوى إعمالًا لنص المادة (35) من قانون هذه المحكمة – بجوانبها المختلفة، وليتاح لهم جميعًا – على ضوء تعريفهم بأبعاد المسألة الدستورية المعروضة عليها – إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيباتهم في المواعيد التي حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين – بعد انقضاء هذه المواعيد – تحضير الموضوع المعروض عليها، وإعداد تقرير يشتمل على زواياه المختلفة، محددًا بوجه خاص المسائل الدستورية والقانونية المتصلة بها، ورأي الهيئة في شأنها، وفقًا لما تقضي به المادة (40) من قانون هذه المحكمة. وكان ما تغياه المشرع، على النحو المتقدم، يُعد متحققًا كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة الدستورية، سواء كان ذلك بطريق مباشر أم غير مباشر؛ إذ ليس لازمًا للوفاء بالأغراض التي استهدفتها المادة (30) من قانون هذه المحكمة أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى تحديدًا مباشرًا وصريحًا للنص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه تلك المخالفة، بل يكفي أن تكون المسألة الدستورية التي يُراد الفصل فيها قابلة للتعيين، بأن تكون الوقائع التي تضمنها قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى – في ترابطها المنطقي – مفضية إليها، جلية في الإفصاح عنها.

متى كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية قد ضمنت صحيفة دعواها المعروضة بيانًا بالنصوص التشريعية المطعون عليها - البنود (أ، ب، ج) من الفقرة الأولى من المادة (52)، والمادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979، واشتملت صحيفة الدعوى على نصوص الدستور المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة؛ ومن ثم فإن صحيفة الدعوى المعروضة تكون قد استوفت سائر أوضاع قبولها الشكلية، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى في هذا الخصوص مفتقدًا سنده، جديرًا بالالتفات عنه.

وحيث إن المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، تنص في فقرتها الأولى على أنه "يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًّا على الأوراق والدفاتر والرسومات الآتية:

(أ) أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يقوم بها عضو النقابة لحسابه الخاص وأوامر التوريد الخاصة بها، وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا ويعتبر العقد أصلًا إذا حمل توقيع الطرفين مهما تعددت الصور.

(ب) أوامر التوريد بالأمر المباشر وأوامر التكليف بالأعمال الفنية التطبيقية وعقود التوريد عن السلع والأدوات والأجهزة والمعدات التي تلزم للأعمال الفنية التنفيذية، وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة وتعتبر الفواتير الخاصة بهذه التوريدات كعقود إذا لم تحرر لها عقود.

(ج) تقارير الخبراء الفنيين من أعضاء النقابة .........".

      وتنص الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أنه "ويتحمل قيمة الدمغة الطرف المسند إليه تنفيذ الأعمال أو التوريد......".

      وتنص المادة (53) من القانون ذاته – في فقرتيها الأولى والثالثة – على أنه "لا يجوز أن تقبل الوزارات أو المصالح العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأيهما التعامل بالأوراق أو المستندات المنصوص عليها في المادة السابقة إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر".

      " وتتحمل المؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها قيمة الدمغة المستحقة عليها في الأحوال وبالفئات المنصوص عليها في المادة السابقة".

      وتنص المادة (54) من ذلك القانون على أنه "يتقادم الحق في المطالبة برسم الدمغة المستحق طبقًا لأحكام المادة (52) بمضي خمس سنوات من يوم تقديم أو استعمال العقد أو الرسم أو الصورة أو المحرر الخاضع للرسم وينقطع التقادم بالمطالبة بأداء الرسم بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول.

      ويسقط الحق في طلب رد الرسم المحصل بغير وجه حق بمضي سنة من يوم أدائه.

      ولا يقبل طلب رد قيمة الطوابع الملصقة لأي سبب من الأسباب".

      وتنص الفقرة الثالثة من المادة (107) من النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية، الصادر بقرار وزير الصناعة والثروة المعدنية رقم 543 لسنة 1979، على أنه "ويقصد بالعقود الفنية وعقود الأعمال الصناعية عقود الأعمال الفنية التطبيقية على اختلاف أنواعها كالإنشاءات والمباني وأعمال الري والصرف والطرق والشهر العقاري والمساحة وعمليات الحفر للبترول وإنتاجه والغزل والنسيج وكل ما يشترك أو يشرف عليه عضو النقابة. وعقود الأعمال الصناعية كعقود توريد أو بيع العربات والقاطرات والسفن والطائرات والمركبات والسيارات والآلات والأجهزة الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية ومستلزماتها وكل ما يشترك أو يشرف عضو النقابة على إنتاجه أو فحصه أو تشغيله أو خلافه".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص التشريعي المطعون فيه انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.

متى كان ما تقدم، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية تدور رحاه حول مدى أحقية نقابة المهن الفنية التطبيقية – المدعى عليها الخامسة – في طلب الحكم بإلزام الشركة المدعية بأن تؤدي إليها مبلغًا مقداره سبعة ملايين وخمسمائة وثلاثة وأربعون ألفًا ومائة جنيه، قيمة دمغة النقابة المستحقة على عقود الأعمال الفنية التنفيذية لإنتاج السيارات خلال فترة المطالبة، وكان الفصل في تلك الطلبات يتوقف على القضاء في دستورية ما ورد بالشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، فيما نصت عليه من عبارة: "وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات، وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، والفقرتين الأولى والثالثة من المادة (53) من القانون ذاته، فيما نصتا عليه من أنه "لا يجوز أن تقبل الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأيهما التعامل بالأوراق أو المستندات المنصوص عليها في المادة السابقة إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر، وتتحمل قيمة الدمغة المستحقة عليها في الأحوال وبالفئات المنصوص عليها في المادة السابقة". ومن ثم تتوافر للشركة المدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية تلك النصوص؛ لما للفصل في دستوريتها من أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع بشأنها، ويتحدد فيها – وحدها - نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر أحكام المادتين المطعون عليهما.

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصوص التشريعية التي تحدد بها نطاق الدعوى المعروضة مخالفتها أحكام المواد (38 و61 و115 و116 و119 و120) من دستور سنة 1971 - الذي أقيمت الدعوى الدستورية في ظل العمل بأحكامه- لكون الفريضة المالية المقررة بموجبها تُعد ضريبة عامة، خالف فرضها مبدأ العدالة الضريبية، فضلًا عن عدم إيداع حصيلتها في الخزانة العامة للدولة، وإدراجها في الموازنة العامة لها، مما يخالف الضوابط الدستورية لفرض الضرائب العامة.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث توافقها مع القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا – على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوصه تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارتها الشركة المدعية على نصوص المواد التي تحدد فيها نطاق الدعوى المعروضة، تندرج تحت نطاق المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية تلك النصوص، التي مازال معمولًا بأحكامها، في ضوء أحكام دستور سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دمغة نقابة المهن الفنية التطبيقية تعد ضريبة عامة، تأسيسًا على أن الإلزام بتلك الدمغة النقابية لا يقابله خدمة فعلية بذلتها النقابة لمن يتحملون بعبئها، ومن ثم لا تُعد رسمًا، وإنما تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية الدستورية، وأن تخصيص حصيلتها مباشرة لتؤول لتلك النقابة، دون أن تدخل الخزانة العامة للدولة، كان إعمالًا لمفهوم المخالفة لعجز نص الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور القائم، الذي يجيز – استثناءً من أصل أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة في الخزانة العامة – أن يحدد المشرع على سبيل الاستثناء وفي أضيق الحدود ما لا يودع منها في الخزانة العامة، شريطة أن يكون ذلك بقانون، وفي حدود تنضبط بضوابط الدستور، وهو ما التزم به المشرع في القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية؛ إذ تم إنشاؤها بموجب قانون، وفق أحكام المادتين (76 و77) من الدستور، ومنحها القانون الشخصية الاعتبارية، وجعل من بين أهدافها رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، ورعاية مصالحهم، كما منحها قسطًا من السلطة العامة بالقدر الذي يمكنها من أداء رسالتها، ومن ثم فإنها تُعد من الأشخاص الاعتبارية العامة، وقد رصد المشرع العادي لصالحها حصيلة تلك الضريبة العامة، ليكفل لها موردًا ماليًّا يعينها على القيام بالأعباء الملقاة على عاتقها، وتقديم الخدمات المنوطة بها، التي تُعد كفالتها واجبًا والتزامًا على الدولة، غايته تحقيق مصلحة جوهرية أولاها الدستور اهتمامه وعنايته، ممثلة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة، وتوفير خدمات التأمين الاجتماعي، على نحو ما توجبه المادتان (8 و17) من الدستور، ويتوافق مع ما نصت عليه المادة (38) منه، في فقرتها الأولى، بأن من بين أهداف النظام الضريبي تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية؛ ومن ثم يكون تخصيص حصيلة تلك الدمغة لنقابة المهن الفنية التطبيقية قد وافق الغايات الصريحة للدستور، وإعمال أحكامه.

وحيث إن النص في الفقرة الثانية من المادة (38) من الدستور الحالي– المقابلة لنص المادة (119) من دستور سنة 1971 – قد جرى على أنه "لا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، إلا في حدود القانون"، ومؤداه – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الدستور قد مايز بين الضريبة العامة وبين غيرها من الفرائض المالية من حيث أداة إنشاء كل منها؛ ذلك أن الضريبة العامة لا يفرضها أو يعدلها أو يلغيها إلا القانون، أما غيرها من الفرائض المالية فيكفي لتقريرها أن يكون واقعًا في حدود القانون؛ تقديرًا من الدستور لخطورة الضريبة العامة، بالنظر إلى اتصالها بمصالح القطاع الأعرض من المواطنين، ومن ثم نص الدستور على ضرورة أن يكون القانون مصدرًا مباشرًا لها، بما مؤداه أن تكون السلطة التشريعية – وحدها – هي التي تقبض بيدها على زمام تلك الضريبة، لتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، يتضمن تحديدًا لنطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، وتحديد الملتزمين أصلًا بأدائها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضًا عليها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها؛ إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية، أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، اختصاصًا ما بتنظيم أمر الضريبة العامة في الحدود المشار إليها، وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين، فلا يجوز لها أن تتسلب من هذا الاختصاص، وتحيل الأمر بشأنها للسلطة التنفيذية، فإن فعلت كان ذلك تخليًا منها عن الاختصاص الأصيل المقرر لها بموجب المادة (101) من الدستور، ساقطًا – من ثمَّ - في هوة المخالفة الدستورية.

وحيث كان ما تقدم، وكان الشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، بعد أن نص على الإلزام بلصق دمغة النقابة على "عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات"، أعقب ذلك بالنص على أنه "وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، وكان النص في المادة (100) من القانون المشار إليه قد ناط بوزير الصناعة إصدار قرار بلائحة النظام الداخلي للنقابة بعد موافقة جمعيتها العمومية، بما مؤداه أن يكون تحديد الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى المشار إليها - التي تمثل وعاء الضريبة – صار أمرًا موكولًا إلى الجمعية العمومية للنقابة، التي تستأثر وحدها بحصيلة تلك الفريضة المالية، ومن ثم فإن عبارة: "وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، الواردة في النص المشار إليه، تُعد في حقيقتها إعراضًا من جانب السلطة التشريعية عن مباشرة ولايتها الأصلية في تحديد وعاء هذه الضريبة، ونقل مسئولية تحديده لنقابة المهن الفنية التطبيقية، بما يمس بنيان تلك الضريبة، حال كونه مجالًا محجوزًا للسلطة التشريعية – دون غيرها – إعمالًا لحكم الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (38) من الدستور، كما تمثل أحكام النص المطعون فيه تسلبًا من السلطة التشريعية للاختصاص الذي عهد به الدستور إليها بمقتضى المادة (101) منه، بتوليها سلطة التشريع، مما لزامه الحكم بعدم دستورية عبارة "وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة"، الواردة بنص الشطر الثاني من البند ( ب ) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، لمخالفتها أحكام المادتين (38 و101) من الدستور.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان عَجُز البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52)، والفقرة الثانية من المادة ذاتها، والفقرتان الأولى والثالثة من المادة (53)، والفقرة الأولى من المادة (54) من القانون رقم 67 لسنة 1974 السالف البيان، والفقرة الثالثة من المادة (107) من النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية، الصادر بقرار وزير الصناعة والثروة المعدنية رقم 543 لسنة 1979 بلائحة النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية، ترتبط ارتباطًا غير قابل للانفصال عما انتهى إليه قضاء هذه المحكمة من عدم دستورية ما ورد في الشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون السالف البيان؛ الأمر الذي يتعين معه الحكم بسقوطها بقدر اتصالها بالنص المقضي بعدم دستوريته

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

أولًا: بعدم دستورية الشطر الثاني من البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 40 لسنة 1979، فيما تضمنه من تخويل النظام الداخلي للنقابة تحديد الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها التي تخضع لدمغة النقابة المذكورة.

ثانيًا: بسقوط عَجُز البند (ب) من الفقرة الأولى من المادة (52)، والفقرة الثانية من المادة ذاتها، والفقرتين الأولى والثالثة من المادة (53)، والفقرة الأولى من المادة (54) من القانون رقم 67 لسنة 1974 السالف البيان، والفقرة الثالثة من المادة (107) من لائحة النظام الداخلي لنقابة المهن الفنية التطبيقية الصادرة بقرار وزير الصناعة والثروة المعدنية رقم 543 لسنة 1979، بقدر اتصالها بالنص المقضي بعدم دستوريته.

ثالثًا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق