باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من نوفمبر سنة 2024م،
الموافق السابع من جمادى الأولى سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 141 لسنة 30
قضائية دستورية
المقامة من
منصور عبد المقصود عبد المتعال عد
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزير المالية
3- رئيس مصلحة الجمارك
4- رئيس مجلس إدارة بنك المصرف المتحد
----------------
" الإجراءات "
بتاريخ السادس من مايو سنة 2008 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرتين الرابعة
والسادسة من المادة (98) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 66 لسنة 1963.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم، وصرحت بمذكرات في أسبوعين، وانقضى هذا الأجل دون تقديمها.
----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعي أقام أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 24493 لسنة 2003
مدني كلي، طلبًا للحكم، أولًا: ببراءة ذمته من دين مصلحة الجمارك محل الحجز
الإداري المؤرخ 30/ 9/ 2003، وفاءً لمبلغ مقداره 227034,95 جنيهًا، ثانيًا: بندب
خبير حسابي من خبراء وزارة العدل لبيان مدى أحقية مصلحة الجمارك في مطالبته
بالمبلغ المشار إليه، وسندها، وما يُستحق له من المبالغ المقدمة كضمان لشهادة
الإجراءات الجمركية رقم 29 لسنة 2000 سماح مؤقت، المؤرخة 16/ 10/ 2000، وذلك على
سند من القول إن المدعي مالك لشركة تعمل في مجال تصنيع الملابس الجاهزة
والمفروشات، وتستورد الشركة الأقمشة والمستلزمات اللازمة للتصنيع من الخارج بنظام
السماح المؤقت، وتصنيعها داخل البلاد وإعادة تصديرها للخارج، وقد تم توقيع الحجز
الإداري على تلك الشركة بناءً على أمر الحجز الإداري الصادر من مصلحة الجمارك،
استئداءً لقيمة الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة على شهادة الإجراءات الجمركية
المار ذكرها، على الرغم من عدم أحقية مصلحة الجمارك في مطالبته بالمبالغ محل الحجز
الإداري الموقع على شركته، فأقام دعواه. ندبت المحكمة خبيرًا أودع تقريرًا خلص فيه
إلى أن المدعي لم يقدم مستندات تفيد قيامه بإعادة تصدير المواد المستوردة قبل
انقضاء المدة التي استلزمها القانون، وتصرَّف في مشمول الرسالة الجمركية دون
الرجوع إلى مصلحة الجمارك، وأن مصلحة الجمارك طالبت المدعي بأداء ضريبة إضافية
إعمالًا لنص المادة (98) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون
رقم 66 لسنة 1963، والمستبدل بها القانون رقم 157 لسنة 2002، بواقع (4٪) شهريًّا
من قيمة الضرائب والرسوم المستحقة عن كل شهر تأخير للتصرف في المواد المستوردة في
غير الأغراض التي استوردت من أجلها، ودون الرجوع إلى مصلحة الجمارك. وحال نظر
الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية نص الفقرتين الرابعة والسادسة من المادة (98) من
قانون الجمارك المشار إليه. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للمدعي
بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (98) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 66 لسنة 1963 - والمستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 157 لسنة
2002 بتعديل بعض أحكام قانون الجمارك المشار إليه، والمعمول به اعتبارًا من 21/ 6/
2002 - تنص على أن تعفى بصفة مؤقتة من الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم
المواد الأولية والسلع الوسيطة المستوردة بقصد تصنيعها وكذا مستلزمات إنتاج السلع
المصدرة والأصناف المستوردة لأجل إصلاحها أو تكملة صنعها.
ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير المالية والوزير
المختص بالتجارة الخارجية، يبين الحالات والشروط والإجراءات التي يتم فيها الإعفاء
المؤقت مقابل إيداع تأمين أو ضمان لقيمة الضرائب والرسوم المستحقة والحالات التي
لا يتم فيها إيداع التأمين أو الضمان.
كما تعفى هذه المواد والأصناف من القواعد الاستيرادية المنصوص عليها
في القوانين الخاصة بالاستيراد.
ويجوز التصرف في المواد والأصناف المذكورة في غير الأغراض التي
استوردت من أجلها بعد استيفاء القواعد الاستيرادية وسداد الضرائب والرسوم المستحقة
في تاريخ دخول هذه المواد والأصناف إلى البلاد مضافًا إليها ضريبة إضافية بواقع
(2٪) شهريًّا من قيمة الضرائب والرسوم المستحقة عن كل شهر تأخير.
وعلى المستورد بإشراف مصلحة الجمارك تقديم جرد سنوي مستوفٍ إليها تبين
فيه المواد التي تم التصرف فيها في غير أغراضها ويتم تسوية المبالغ المستحقة عليها
طبقًا لأحكام الفقرة السابقة.
وفي غير الأحوال المنصوص عليها في الفقرات السابقة من هذه المادة
يستوجب التصرف في تلك المواد والأصناف في غير الأغراض التي استوردت من أجلها دون
الرجوع إلى مصلحة الجمارك سداد الضرائب والرسوم المستحقة في تاريخ دخول هذه المواد
والأصناف إلى البلاد مضافًا إليها ضعف الضريبة الإضافية المنصوص عليها في هذه
المادة.
ويرد التأمين أو الضمان المشار إليه فورًا بنسبة ما تم نقله من
المصنوعات والأصناف بمعرفة المستوردين أو عن طريق الغير إلى منطقة حرة أو تصديرها
إلى خارج البلاد أو بيعها إلى جهات تتمتع بالإعفاء الكلي من الضرائب والرسوم أو
سددت عنها الضرائب والرسوم وفقًا لأحكام هذه المادة وذلك خلال سنتين من تاريخ
الإفراج، فإذا انقضت المدة دون إتمام ذلك أصبحت تلك الضرائب والرسوم واجبة الأداء،
ويجوز إطالة هذه المدة لمدة أو لمدد أخرى بما لا يجاوز سنتين بقرار من وزير
المالية أو من ينيبه........
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة
يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس
من معطياتها النظرية، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على
النزاع الموضوعي، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعي،
وفي الحدود التي اختصم فيها النص المطعون فيه، الدليل على أن ضررًا واقعيًّا،
اقتصاديًّا أو غيره قد لحق به، وثانيهما: أن يكون الضرر عائدًا إلى النص المطعون
فيه وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلًا أو مجهلًا، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلًا
على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال
بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة،
ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية
يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه
قبلها.
وحيث كان ما تقدم، وكان المدعي يبتغي من دعواه الموضوعية الحكم ببراءة
ذمته من دين مصلحة الجمارك، محل الحجز الإداري على شركته مقابل الضريبة الإضافية
المقررة بواقع (4٪) شهريًّا من قيمة الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة على شهادة
الإجراءات الجمركية رقم 29 لسنة 2000 وذلك عن كل شهر تأخير في السداد، فإن مصلحة
المدعي الشخصية والمباشرة تتحقق في الطعن على نص الفقرة السادسة من المادة (98) من
قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، والمستبدل
بها المادة الأولى من القانون رقم 157 لسنة 2002 بتعديل بعض أحكام هذا القانون،
وبهذا النص وحده يتحدد نطاق الدعوى المعروضة دون نص الفقرة الرابعة من المادة
ذاتها، الذي لم يطبق في شأن المدعي، ولم يرتب أية آثار قانونية في مواجهته، ولا
ينال من ذلك استبدال النص المطعون عليه بالقانون رقم 172 لسنة 2018 بتعديل أحكام
قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، ثم إلغاء
قانون الجمارك المشار إليه بموجب نص المادة الخامسة من القانون رقم 207 لسنة 2020
بإصدار قانون الجمارك؛ إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة
قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها من قِبَل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها
وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية
المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي
تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية
جديدة سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من
تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من
المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة وجرت آثارها خلال فترة نفاذها
يظل محكومًا بها وحدها.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه - محددًا بالنطاق السالف
الذكر - إخلاله بالعدالة الاجتماعية التي يهدف إليها النظام الضريبي، وبمبدأ
المساواة والحماية المقررة للملكية الخاصة، إذ فرض ضريبة إضافية رغم إجازته التصرف
في المواد المستوردة بنظام السماح المؤقت، كما فُرضت هذه الضريبة بمعدلات فائدة
مرتفعة بواقع (4٪) شهريًّا، واستتبع ذلك وصولها لنسبة (48٪) سنويًّا من قيمة
الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة، مما أوجد تمييزًا غير مبرر بين المستورد بنظام
السماح المؤقت وبين المستورد العادي الذي تفرض عليه فائدة تأخير بواقع (5٪)
سنويًّا عند تأخره في سداد الرسوم الجمركية، رغم كونهما في مركز قانوني واحد، مما
يُشكل مصادرة للأموال الخاصة بدون حكم قضائي، وذلك جميعه بالمخالفة للمواد (36 و38
و40) من دستور سنة 1971.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة الدستورية على
القوانين؛ من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام
الدستور القائم دون غيره؛ إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلًا صون الدستور القائم
وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول
التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين
التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد
الآمرة. متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أدرك الدستور الحالي، إذ استمر
العمل بأحكامه إلى أن استبدل به القانون رقم 172 لسنة 2018 بتعديل أحكام قانون
الجمارك المشار إليه، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النص المطعون فيه تندرج
ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفته لقاعدة في الدستور، من حيث
محتواها الموضوعي؛ ومن ثم تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية النص المطعون
فيه، في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من إخلال النص المطعون فيه - محددًا بالنطاق
السالف بيانه - بمبدأ العدالة الاجتماعية التي يهدف إليها النظام الضريبي، فإنه
مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن النص في الفقرة الأولى من المادة
(38) من الدستور على أنه يهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية
موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية مؤداه: أن اتخاذ العدالة الاجتماعية
مضمونًا وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضي بالضرورة أن يقابل حق الدولة
في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، لمواجهة أعباء الإنفاق العام، ولإجراء ما يتصل
بالضريبة من آثار عرضية بحق الملتزمين أصلًا بها والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم
وفق أسس موضوعية، لا تتبنى تمييزًا غير مسوغ بينهم، يكون إنصافها نائيًا لتحيفها،
وحيدتها ضمانًا لاعتدالها، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية
المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها
إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.
وحيث إن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة
العامة؛ إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنًا تحديد وعائها،
وأسس تقديره، وبيان مبلغها والملتزمين بأدائها، وقواعد ربطها، وتحصيلها، وتوريدها،
وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من الطعون اعتراضًا عليها،
ونظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة،
عدا الإعفاء منها؛ إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية
ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة
التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يُقدر أنه أنسبها لمصلحة
الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم.
وحيث إن البين من الأعمال التحضيرية لمشروع القانون رقم 157 لسنة
2002، المستبدل للمادة (98) من قانون الجمارك، أن نظام السماح المؤقت كأحد الأنظمة
الجمركية يقضي بالإفراج الجمركي عن السلع الأولية المستوردة دون سداد الرسوم
الجمركية المستحقة عليها مؤقتًا، بقصد تصنيعها وإعادة تصديرها للخارج، تنمية
للصادرات، مما زاد معه الاهتمام بهذه النظم الجمركية وبرزت الحاجة إلى المراجعة
المستمرة لها حتى تظل دائمًا مواكبة للغرض الذي صيغت من أجله، ويحتل نظام السماح
المؤقت مكانًا بارزًا في تلك الأنظمة الجمركية لاعتبارين، أولهما: ما يؤديه
للاقتصاد القومي من خدمة ملحوظة، بما يحققه من تأثير في الإنتاج المحلي وفي تنمية
الصادرات وإدخال التكنولوجيا المتطورة في أساليب الإنتاج، وثانيهما: ما يتطلبه
تطبيق هذه النظم من إجراءات متميزة ومرونة فائقة، تساعد على نجاحها في تحقيق
الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وكان نص المادة (98) من قانون الجمارك المشار
إليه قبل أن يُستبدل بها القانون رقم 157 لسنة 2002 يعتبر التصرف في السلع الأولية
المستوردة تحت هذا النظام الجمركي تهربًا جمركيًّا، رغم أنه مقدم عنها ضمان
بالضرائب والرسوم، بما يوقع عديدًا من الوحدات الإنتاجية تحت طائلة أحكام التهرب،
في حين أن أغلب السلع المستوردة لا توجد قيود على استيرادها، وقد أباحت قواعد
الاستيراد التحول من السماح المؤقت إلى الإفراج النهائي عن السلع المستوردة بعد
استيفاء القواعد الاستيرادية، وفي ضوء مقارنة التشريعات في الدول المحيطة، فقد
تبين أنه لا يوجد تجريم عند التصرف في السلع المستوردة بنظام السماح المؤقت، حيث
تكتفي الدول الأخرى بتحصيل نسبة إضافية من الضرائب والرسوم الجمركية عن الفترة من
تاريخ الاستيراد إلى تاريخ التصرف، ولكون التصرف في السلع المستوردة بنظام السماح
المؤقت وعدم إعادة تصديرها يُشكل جريمة تهريب جمركي، فأضحى ذلك سيفًا مسلطًا على
المصدرين رغم ما يقدمونه من جهود لتشجيع وتنمية الصادرات، وكانت هذه الأنظمة
الجمركية، ومنها السماح المؤقت، تخدم أساسًا التصدير، لذا كان من الضروري إلغاء
هذا التجريم واستبداله بترتيبات مالية تشجيعًا للمصدرين مع الحصول على بعض
الضمانات والتأمينات مقابل الإفراج عن هذه السلع المستوردة بدون سداد الرسوم
الجمركية المستحقة، فإذا ما قام المستورد بالتصرف فيها دون إعادة تصديرها، التزم
بسداد الرسوم الجمركية المستحقة مع تعويض الخزانة العامة بضريبة إضافية لسداده هذه
الرسوم الجمركية بعد فترة زمنية.
وحيث إن المشرع ولئن أجاز التصرف في المواد الأولية والأصناف
المستوردة وفقًا لنظام السماح المؤقت في غير الأغراض التي استوردت من أجلها، فقد
ضمّن المادة (98) من قانون الجمارك، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم
157 لسنة 2002، الضوابط الحاكمة لذلك، فألزم المستورد وفقًا لهذا النظام بسداد
الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة على هذه المواد والأصناف المستوردة مضافًا إليها
ضريبة إضافية، وغاير في هذا الشأن بين حالة إخطار مصلحة الجمارك بالمواد الأولية
التي تم التصرف فيها في غير أغراضها وحالة التصرف في تلك المواد دون إخطارها، وفرض
في الحالة الأولى - فضلًا عن الضرائب والرسوم المستحقة - ضريبة إضافية بواقع (2٪)
عن كل شهر تأخير، فيما ضاعف تلك الضريبة في الحالة الثانية، وبذلك جعل المشرع رجوع
المستورد إلى مصلحة الجمارك مناطًا حاكمًا في التسوية الضريبية المستحقة، مستهدفًا
تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الضريبية، وابتنائها على أسس موضوعية في الممايزة
بين نسبة الضريبة الإضافية في الحالتين، بما يكفل لخزانة الدولة الموارد المالية
التي تعينها على مواجهة أعبائها ونفقاتها وتكاليفها العامة، كما أن الضريبة
الإضافية المقررة بالنص المطعون فيه تتغيا بلوغ أهداف ثلاثة؛ أولها: حمل المخاطبين
بنظام السماح المؤقت على الالتزام بالغرض الذي تقرر هذا النظام من أجله، وذلك
بإعادة التصدير أو التصرف لإحدى الجهات التي تتمتع بالإعفاء كليًّا أو جزئيًّا.
ثانيها: تعويض الخزانة العامة عن التأخير في سداد الضرائب والرسوم الجمركية وقت
استحقاقها. ثالثها: ردع المكلفين بسداد هذه الضريبة عن التقاعس في سدادها لمصلحة الجمارك
وحثهم على المبادرة إلى إيفائها. وهي أهداف لا يجافي أي منها مبدأ العدالة
الاجتماعية، ومن ثم فإن ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه يكون قد التزم بالضوابط
الدستورية الحاكمة لسلطته التقديرية في مجال فرض الضريبة التي أوردتها المادة (38)
من الدستور
- سواء ما يتعلق منها بتنمية موارد الدولة المالية وتحقيق العدالة
الاجتماعية والتنمية الاقتصادية- متخيرًا من بين البدائل أنسبها وأكفلها لتحقيق
الأغراض التي يتوخاها، ليضحى الادعاء بإخلال النص المطعون فيه بمبدأ العدالة
الاجتماعية التي يهدف إليها النظام الضريبي في غير محله، حقيقًا بالرفض.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة،
على نحو ما تقدم ذكره، فإنه مردود بما هو مقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا
من أن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره
إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية،
وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع
المواطنين أمام القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي
سبب، إلا أن ذلك لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها
القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور
التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي - من ثمَّ -
على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه
بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر
مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي
يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه - بما
انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيًّا ربطه بها أو
اعتباره مدخلًا إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند - من ثمَّ - إلى أسس
موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
متى كان ما تقدم، وكان الاستيراد بنظام السماح المؤقت يرتب إعفاء
المستورد مؤقتًا من سداد الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة عن المواد الأولية
والأصناف المستوردة مقابل إعادة تصديرها بعد تصنيعها خلال مدة محددة، ولا كذلك
الأمر بالنسبة للمستورد العادي الذي يلتزم بسداد الضرائب والرسوم الجمركية
المستحقة مجرد الإفراج جمركيًّا عنها؛ ومن ثم فإن التمييز بينهما يستند إلى اختلاف
المركز القانوني لكل منهما، فالاستيراد بنظام السماح المؤقت، طبقًا لضوابطه
الواردة بالنص المطعون فيه، لا يفرض ضريبة إضافية على المستورد إلا لتحقيق التوازن
بين ما قصد المشرع من تشجيع دمج المواد الأولية المستوردة في المنتجات الوطنية
وإعادة تصديرها، سواء بحالتها أو بعد تحويلها إلى منتجات نهائية، وبين تعويض
الخزانة العامة عن التأخير في تحصيل الضريبة الجمركية لدى دخول هذه السلع إلى
البلاد، مما مؤداه حمل المستوردين بنظام السماح المؤقت على الالتزام بضوابط هذا
النظام والحكمة من تقريره، والحيلولة دون الخروج عن الغرض المستوردة لأجله هذه
السلع، وهو ما يستهدف تنظيم المجتمع الضريبي وانضباطه وإقامة التوازن بين مصالح
الأطراف المختلفة، وقد أقر المشرع ذلك كله بقواعد عادلة مجردة في أثرها ومضمونها
ولا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامها، وجاءت الأهداف التي
توخاها المشرع من تقرير هذا النص -من تحصيل ضريبة إضافية على السلع المستوردة
بنظام السماح المؤقت وفقًا للضوابط الواردة به- متصلة اتصالًا منطقيًّا ووثيقًا
بالتنظيم الذي أتى به النص المطعون فيه، بما يكون قد استند إلى أسس موضوعية تبرره
ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا بين المخاطبين بأحكامه، وعلى ذلك فإن التمحل بالمساواة
بين المستورد بنظام السماح المؤقت والمستورد العادي يكون في غير محله؛ ومن ثم فإن
قالة مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة تكون فاقدة لسندها، جديرة بالإعراض
عنها.
وحيث إنه عما نعى به المدعي من إخلال النص المطعون فيه بالحماية
المقررة للملكية الخاصة فإنه غير سديد؛ ذلك أن الإخلال بهذه الحماية لا يتحقق - في
الأعم من الأحوال - إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلًا بمقوماتها، فلا
يكون لها من أساس عادل ولا سند مبرر لتقريرها. متى كان ذلك وكان المشرع قد فرض
الضريبة الإضافية بالنص المطعون فيه - طبقًا للنطاق المحدد سلفًا - لتكون بمثابة
تعويض عن الأضرار الناشئة عن الخروج على نظام السماح المؤقت، وحثًّا للمستورد على
الالتزام بالضوابط التي شُرع من أجلها هذا النظام، جاعلًا أساس تقريرها تصرف
المستورد في المواد الأولية المستوردة في غير الأغراض التي استوردت من أجلها، دون
الرجوع إلى مصلحة الجمارك، فإن ما جاء به النص المطعون فيه لا يمثل افتئاتًا على
الحماية المقررة للملكية الخاصة المصونة بمقتضى نص المادتين (33 و35) من الدستور.
وحيث كان ما تقدم جميعه، وكان النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على
النحو السابق بيانه - لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء
برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات
ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق