جلسة 12 من يناير سنة 1984
برياسة السيد المستشار/ الدكتور إبراهيم علي صالح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد يونس ثابت نائب رئيس المحكمة ومحمد نجيب صالح وعوض جادو ومصطفى طاهر.
---------------
(7)
الطعن رقم 5840 لسنة 53 القضائية
مواد مخدرة. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب".
مناط الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن أولاً: جلب جوهراً مخدراً (حشيشاً) إلى جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. ثانياً: شرع في تهريب البضائع المبينة بالتحقيقات إلى داخل الجمهورية العربية مخالفاً بذلك النظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة وذلك بأن أحضرها معه من الخارج ولم يوضحها في الإقرار الجمركي بقصد الخلاص من أداء الرسوم والضرائب الجمركية المقررة وخاب أثر الجريمة بسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبطه والجريمة متلبساً بها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك.
ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1، 2، 37, 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم (1) المرفق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المضبوطات باعتبار أن التهمة الأولى المسندة إليه هي إحراز مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة للحكم فيها مجدداً مشكلة من قضاة آخرين.
والمحكمة الأخيرة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية (أولاً) ببراءة المتهم من التهمة الأولى المسندة إليه ومصادرة المخدر المضبوط. (ثانياً) بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وإلزامه بأن يدفع لمصلحة الجمارك مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية. وهذه المحكمة قضت في 27 من ديسمبر 1979 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة للحكم فيها مجدداً مشكلة من قضاة آخرين.
والمحكمة الأخيرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 33/ أ 42، من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمواد 5، 13، 28، 30، 121، 122، 124 من القانون رقم 66 لسنة 1973 مع تطبيق المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط وبإلزامه بأن يدفع لمصلحة الجمارك مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض وذلك عن التهمتين المسندتين إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض - للمرة الثالثة... إلخ.
وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بنقض الحكم المطعون فيه والرجوع عن الحكم الصادر من محكمة النقض بجلسة 27/ 12/ 1979 في الطعن رقم 494 لسنة 49 قضائية في شقه الخاص بإحالة الدعوى إلى محكمة جنايات القاهرة وتحديد جلسة لنظر الموضوع.
المحكمة
حيث إن هذه المحكمة قضت بنقض الحكم المطعون فيه وحددت جلسة لنظر الموضوع عملاً بالمادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
بعد سماع أمر الإحالة وطلبات النيابة العامة وأقوال المتهم والمرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن واقعة الدعوى على ما يبين من التحقيقات التي تمت فيها وما دار في الجلسة تتحصل في أنه في ظهر يوم 9 فبراير سنة 1972 وصل المتهم إلى مطار القاهرة الدولي قادماً من بيروت على طائرة شركة طيران الشرق الأوسط وأنه عندما تقدم إلى المساعد الإداري بجمرك مطار القاهرة لاتخاذ الإجراءات الجمركية لاحظ الأخير ارتباك المتهم فعرض الأمر على رئيسه مأمور الجمرك بالمطار الذي أيد هذا الاشتباه وكلفه بتفتيش المتهم ذاتياً وبإجراء التفتيش عثر على قطعتين من مخدر الحشيش مثبتين أسفل إبط المتهم وثمانية قطع من ذات الجوهر مثبتة حول ساقيه وجميع القطع مثبتة بواسطة بلاستر لاصق وبلغ وزنها جميعاً 1.630 كيلو جرام.
وحيث إن الواقعة على الصورة المتقدمة قد قام الدليل على صحتها في حق المتهم من أقوال كل...... و....... من بالتحقيقات ومن اعتراف المتهم بالتحقيقات وبالجلسة ومن تقرير المعامل الكيماوية. فقد شهد المساعد الإداري بجمرك مطار القاهرة - أنه في يوم 9/ 2/ 1972 حوالي الساعة 12 ظهراً وصل المتهم إلى مطار القاهرة الدولي قادماً من بيروت على طائرة الشرق الأوسط وعند قيامه بالتفتيش على أمتعته لاحظ ارتباكه مما دعاه إلى الاشتباه فعرض الأمر على الشاهد الثاني الذي تأيدت لديه هو الآخر حالة الاشتباه فأمره بتفتيش المتهم ذاتياً وإذ أجرى تفتيشه عثر على قطعتين من مخدر الحشيش مثبتتين أسفل إبطه وعلى ثمان قطع من ذات المخدر حول ساقيه وكانت القطع جميعها مثبتة ببلاستر لاصق, وبمواجهة المتهم بالمضبوطات أقر له بأنه جلبها معه من بيروت إلى داخل البلاد وبوزنها تبين أنها 1.630 كيلو جرام. وشهد مأمور جمرك مطار القاهرة الدولي - بمضمون ما قرره الشاهد السابق.
وحيث إن المتهم اعترف بالتحقيقات وأمام المحكمة بأنه أحضر معه المخدر المضبوط من بيروت مبرراً ذلك بأن شخصاً يدعى...... هو الذي سلمه له في بيروت ليوصله إلى القاهرة مقابل ما سدده له من ديون أثناء إقامته في بيروت وأنه كان ينتظره خارج الدائرة الجمركية وبالبحث عنه لم يجده. وثبت من تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي أن العينات المأخوذة من المادة المضبوطة هي لمخدر الحشيش.
وحيث إن الدفاع عن المتهم تمسك في مرافعته أمام المحكمة بطلب الحكم بإعفاء المتهم من العقاب تطبيقاً لنص المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 تأسيساً على أن المتهم هو الذي بادر بإبلاغ رجال الجمارك بما يحمله من مخدر قبل كشف أمره وأفصح عن اسم من سلمه المخدر بالخارج وأرشد عن محل إقامته.
وحيث إن المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 تنص على أنه "يعفى من العقوبات المقررة في المواد 33، 34، 35 كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات العامة بالجريمة قبل علمها بها، فإذا حصل الإبلاغ بعد علم السلطات بالجريمة تعين أن يوصل الإبلاغ فعلاً إلى ضبط باقي الجناة". وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير مبلغ، بما مفاده أنه حتى يتوفر موجب الإعفاء يتعين أولاً أن يثبت أن عدة جناة قد ساهموا في اقتراف الجريمة المبلغ عنها - فاعلين كانوا أو شركاء وأن يقوم أحدهم بإبلاغ السلطات العامة بها فيستحق بذلك منحه الإعفاء المقابل الذي قصده الشارع وهو تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي الجرائم الخطيرة التي نص عليها القانون فإذا لم يتحقق صدق البلاغ بأن ما يثبت أصلاً أن هناك جناة آخرين ساهموا مع المبلغ في ارتكاب الجريمة فلا إعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع بعدم بلوغ النتيجة التي يجزي القانون عنها بالإعفاء وهو تمكين السلطات من الكشف عن تلك الجرائم الخطيرة. وإذا كانت المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 تفرق بين حالتين. الأولى اشترط القانون فيها فضلاً عن المبادرة بالإخبار أن يصدر هذا الإخبار قبل علم السلطات بالجريمة - والثانية لم يستلزم القانون فيها المبادرة بالإخبار بل اشترط في مقابل الفسحة التي منحها للجاني في الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من ضبط باقي الجناة مرتكبي الجريمة, فإن المقصود بالمبادرة في الحالة الأولى هو المبادأة بالتبليغ عن الجريمة قبل علم السلطات بها. وذلك يقتضي أن يكون الجاني في موقف المبلغ عن جريمة لا موقف المقترف لها حين يستجوب أو يسأل فيجزى على كشفه عن مرتكبي تلك الجرائم بالإعفاء من العقاب أما في الحالة الثانية فإن موجب الإعفاء يتوافر إذا كان إخباره السلطات بالجريمة - بعد علمها بها - هو الذي مكنها من ضبط باقي الجناة. وإذ كان ضبط هؤلاء هو الغاية التي تغياها الشارع في هذه الحالة فإنه يلزم أن يكون ذلك الإخبار قد اتسم بالجدية والكفاية ووصل بالفعل إلى ضبط باقي الجناة الذين ساهموا في اقتراف الجريمة فلا يكفي أن يصدر من الجاني في حق آخرين قول مرسل عار عن الدليل وإلا انفسح المجال لإلصاق الاتهامات بهم جزافاً بغية الإفادة من الإعفاء وهو ما ينأى عنه قصد الشارع فإذا كان ما أدلى به الجاني لم يحقق غرض الشارع من ضبط باقي الجناة وكشف صلتهم بالجريمة المخبر عنها فلا حق له في الانتفاع بالإعفاء المقرر بالمادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 لتخلف المقابل المبرر له.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، وإذ كان الثابت من التحقيقات في هذه الدعوى أن ما صدر من المتهم لا يعد مبادرة منه بإبلاغ السلطات بالجريمة قبل علمها بها وإنما محض اعتراف بارتكابها بعد ضبط الجواهر المخدرة ملصقة تحت إبطه وحول ساقيه. ولم يكن إخباره بمساهمة من يدعى...... معه في ارتكاب الجريمة جدياً إذ لم يوصل إلى أي دليل قبل هذا الأخير ولم يؤد إلى تمكين السلطة العامة من ضبطه محرزاً أو حائزاً لمخدر بعد تفتيش مسكنه بل كان اتهاماً أرسله المتهم على غير سند فإن طلب الدفاع تطبيق المادة 48 وإعفاء المتهم من العقاب يكون غير سديد.
وحيث إنه بالنسبة للتهمة الثانية فالثابت بالأوراق أن مصلحة الجمارك طلبت رفع الدعوى الجنائية قبل المتهم وإلزامه بأن يدفع لها مائتي جنيه تعويضاً طبقاً للقانون رقم 66 لسنة 1963.
وحيث إنه لما تقدم يكون قد ثبت للمحكمة أن المتهم....... في يوم 9/ 2/ 1972 بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة. أولاً: جلب جوهراً مخدراً "حشيشاً" إلى جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. ثانياً: شرع في تهريب البضائع المبينة بالتحقيقات إلى داخل جمهورية مصر العربية بأن أحضرها معه من الخارج دون أن يوضحها في الإقرار الجمركي بقصد الخلاص من الرسوم والضرائب الجمركية المقررة وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه والجريمة في حالة تلبس. ويتعين من ثم - إعمالاً للمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية - معاقبته بمقتضى المواد 1، 2، 33/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون 66 لسنة 1963.
وحيث إن الجريمتين المسندتين للمتهم انتظمها نشاط إجرامي واحد فقد ارتبطت ارتباطاً لا يقبل التجزئة ويتعين بالتالي الحكم عليه بعقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات مع التعويض المستحق لمصلحة الجمارك عن الجريمة الثانية إذ أنه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يعتبر عقوبة تكميلية تنطوي على عنصر التعويض المدني ويلزم الحكم بها مع العقوبة الأشد.
وحيث إن بالنظر إلى ظروف الواقعة وملابساتها فإن المحكمة تأخذ المتهم بالرأفة طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات منزلة بالعقوبة إلى الحد الذي تسمح به المادة 36 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق