(1) كسب غير مشروع . إثبات
" قرائن " . جريمة " أركانها " . قانون " تفسيره
" . حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب
معيب ". عقوبة " تطبيقها " .
وجوب اشتمال حكم الإدانة على الأسباب التي بني عليها
وإلا كان باطلاً . أساس ذلك ؟
المراد بالتسبيب المعتبر؟
إفراع الحكم في عبارات
عامة معماة أو وضعه في صورة مجملة مجهلة . لا يحقق غرض الشارع من إيجاب التسبيب .
الكسب غير المشروع .
ماهيته وصورتاه المنصوص عليهما في القانون 62 لسنة 1975 ؟
وجوب إثبات الحكم توافر الزيادة غير المبررة في
مال الموظف وكون نوع وظيفته تتيح له فرص الاستغلال حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات
مصدر الزيادة في ثروته قرينة قانونية على الكسب غير المشروع .
ثبوت مصدر الزيادة في ثروة المتهم وأن من شأنه
إنتاج الزيادة في ماله . لا يجوز معه اعتباره عاجزاً عن إثبات مصدره . رجوع
الزيادة في ثروة المتهم إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعًا كان أو غير مشروع .
إسنادها بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة . غير صحيح .
وجوب أن يكون الحكم منبئاً بذاته عن قدر العقوبة
المحكوم بها لا يكمله أي بيان آخر خارج عنه .
عدم تدليل الحكم على استفادة كل وارث من أموال
المورث التي نسب إليه الحصول عليها نتيجة كسب غير مشروع . قصور . علة ذلك ؟
مثال لتسبيب معيب لحكم صادر بالإدانة في جريمة
الكسب غير المشروع .
(2) كسب غير مشروع . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب.
إغفال الحكم باقي صور الكسب غير المشروع
المنسوبة إلى المطعون ضده وعدم بيان واقعة الدعوى فيها وعدم عرض أدلة الاتهام عليها
ووجه التفاته عنها . تبريره قضائه بقول مبتسر. قصور.
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة
الدعوى في قوله :" ... أن واقعات القضية كما استخلصتها المحكمة واطمأنت إلى
صحتها من التحقيقات ، وما دار بجلسات المحاكمة تحصلت في أن المتهم / ..... قد شغل
منصب رئيس وزراء مصر في الفترة من عام .... حتى بداية عام .... ، وقد استغل مكانته
هذه في الخروج عن مقتضيات الوظيفة العامة ، وما توجبه من النزاهة ، والبعد عن تلمس
المنافع ، والإثراء بلا سبب مشروع اعتماداً على سلطان الوظيفة العامة ، فتحصل لزوجته
المرحومة / ..... قبل وفاتها على شقة سكنية في أبراج .... للاستثمار العقاري بثمن
بخس قدره 1544000 جنيه يقل عن سعرها الذي تباع به لأفراد الناس بنسبة 69% ، كما
قبل لنفسه في الفترة من عام .... حتى عام .... منافع مادية عديدة في صورة هدايا
عينية من مؤسسة .... متمثلة في ساعات يد وأربطة عنق وغيرها بلغت قيمتها 1145350
جنيه ، ما كان ليحصل عليها جميعاً لولا وظيفته وسلطانه التي تخولها له تلك الوظيفة
، وقد قام الدليل على ثبوت وقائع الكسب غير المشروع سالفة الذكر وصحة إسنادها
للمتهم / ...... من واقع :-
1- الاطلاع على صورة عقد شراء الشقة سالفة
البيان والموقف المالي لها .
2- معاينة الخبراء المنتدبين في القضية للشقة .
3- شغل المتهم منصب رئيس الوزراء في تاريخ
الشراء وتلقي الهدايا .
4- بيان ما كانت تملكه المرحومة / ....... في
تاريخ الشراء .
5- سداد المتهم أقساط ثمن الشقة من ماله .
6- كشف الهدايا الصادرة من مؤسسة ..... والتي
منحت للمتهم .
7- ما شهد به ..... رئيس القطاع القانوني
لمجموعة ...... و.... عضو مجلس إدارة مؤسسة ....... .
واستند في إثبات توافر أركان جريمة الكسب غير
المشروع في حق الطاعن الأول إلى افتراض أن الزوجة الأولى المتوفاة أنفقت جانباً من
المال ، وما تبقى لديها لا يفي بسداد ثمن الشقة ، وبالتالي فإن الطاعن الأول –
زوجها – هو الذي قام بسداد باقي الأقساط الخاصة بالشقة الكائنة بـــ..... من ماله
الخاص ، وأنه كان على بيِّنة من السعر الحقيقي والسعر المتفق عليه ، ويعلم أن
الثمن لم يخفض لتلك الدرجة لولا منصبه . لما كان ذلك ، وكان الشارع يوجب في المادة
310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم بالإدانة على الأسباب التي بنى
عليها ، وإلَّا كان باطلاً ، والمراد بالتسبيب الذي يحفل به القانون هو تحديد
الأسانيد والحجج التي إنبنى عليها الحكم والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو
القانون، ولكي يحقق التسبيب الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل ، بحيث يتيسر
الوقوف على مسوغات ما قضى به ، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في
صورة مجملة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام ، ولا
يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في
الحكم ، وكان المقصود من الكسب غير المشروع هو كل ما تَمّْلَكَهُ الموظف أو من في
حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته ، أو
يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون مما يمس ما يفترض في
الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة، والكسب غير المشروع أخذاً من نص
قانونه رقم 62 لسنة 1975 له صورتين : الأولى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من
المادة الأولى من القانون سالف الذكر ، وهي التي يثبت فيها على الموظف أو من في
حكمه أياً كان نوع وظيفته استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ وظيفته أو مركزه وحصوله
كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال ، والثانية المنصوص عليها في
الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر، وهي التي لا يثبت فيها هذا الاستغلال
الفعلي على الموظف ومن في حكمه ، ولكن يثبت أن لديه في ماله زيادة عَجَزَ عن إثبات
مصدرها ، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون نوع وظيفة الموظف مما تتيح له فرص
الاستغلال على حساب الغير ، ويتعين على قاضي الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت
في حكمه توافر هذين الأمرين وهما الزيادة غير المبررة في مال الموظف ، وكون نوع
الوظيفة بالذات تتيح له فرص ذلك الاستغلال حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر
الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه الزيادة تمثل كسباً غير مشروع كما أنه من المقرر أنه متى ثبت مصدر
الزيادة في ثروة المتهم ، وأن هذا المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله ،
فقد انتفت القرينة التي افترضها الشارع ، ولم يجز من بعد اعتباره عاجزاً عن إثبات
مصدره ، وأنه متى كانت الزيادة في ثروة المتهم ترجع إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة
مشروعاً كان أو غير مشروع، فلا يصح إسنادها بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة .
لما كان ذلك ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى قد شابه الغموض ،
ولا تتوافر به أركان الجريمة المسندة إلى الطاعن ، إذ لم يبين أن الطاعن الأول حصل
على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لأعمال، أو نفوذ وظيفته ، أو مركزه ، أو أن نوع
وظيفته مما يتيح فرص الاستغلال من واقع أدلة يقينية، بل بنى اعتقاده على أمور
افتراضية مبناها افتراض أنه هو الذي تحمل الأقساط الخاصة بشقة .... من ماله الخاص
، وأنه كان على بيِّنة من السعر الحقيقي للعقار ويعلم أن الثمن لم يخفض لتلك
الدرجة لولا منصبه، كما أنه لم يدلل على اتصال باقي الطاعنين بالأموال محل الكسب
غير المشروع ، وأنهما على علم بمصدر تلك الأموال ، فإن الحكم المطعون فيه يكون فوق
قصوره في التسبيب ، قد أخطأ في تطبيق القانون ، هذا إلى أنه يتعين أن يكون الحكم منبئاً
بذاته عن قدر العقوبة المحكوم بها ولا يكمله في ذلك أي بيان خارج عنه ، وكانت
المادة 18 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع قد نصت على
أن:" كل من حصل لنفسه أو لغيره على كسب غير مشروع يعاقب بالسجن وبغرامة
مساوية لقيمة الكسب غير المشروع فضلاً عن الحكم بردٍّ هذا الكسب ولا يمنع انقضاء
الدعوى الجنائية بالوفاة من رد الكسب غير المشروع بحكم من محكمة الجنايات المختصة
بناءً على طلب إحدى الهيئات المنصوص عليها في المادة (5) خلال ثلاث سنوات من تاريخ
الوفاة ، وعلى المحكمة أن تأمر في مواجهة الزوج والأولاد القصر الذين استفادوا من
الكسب ، ويجوز لها كذلك أن تأمر بـإدخـال كـل مـن اســتـفـاد فـائـدة جدية من غير
من ذكروا في الفقرة السابقة ليكون الحكم بالرد في مواجهته ، ونافذاً في أمواله
بقدر ما استفاد " ، وكان الحكم المطعون فيه لم يدلل على استفادة كل وارث من الجريمة
من الأموال التي نسب لمورثتهما والطاعن الأول الحصول عليها نتيجة كسب غير مشروع ،
والتي يعتبر إلزامهما بردها بمثابة عقوبة ، فإنه يكون قاصراً بما يوجب نقضه
والإعادة.
2- لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن
أورد محصل الواقعة بالنسبة للمتهم عن صورتين من صور الكسب غير المشروع استطرد من
ذلك مباشرة إلى القول :" ... أما بالنسبة لباقي الاتهامات المنسوبة للمتهم بأمر الإحالة فلم يتوافر لدى المحكمة الدليل
اليقيني على ثبوتها في حق المتهم فتلتفت المحكمة ." لما كان ذلك، وكان
البين من الحكم المطعون فيه أنه أغفل باقي صور الكسب غير المشروع المنسوبة إلى
المطعون ضده الأول ، فلم يورد بيان واقعة الدعوى فيها ، ولم يعرض لأدلة الاتهام
التي ساقتها النيابة العامة ، ويبين حجته في اطراحها ، واقتصر في تبرير قضائه على
مُجَرَّد القول المبتسر سالف البيان بغير أن يوضح وجه التفاته عن تلك الأدلة فجاءت
العبارة المرسلة على هذه الصورة المبهمة المجملة وبرغم ما لذلك من أثر على احتساب
قيمة المبالغ التي حققها كسباً غير مشروع ومقدار عقوبتي الغرامة النسبية والرد،
فإن ذلك ينبئ عن أن المحكمة أصدرت حكمها دون أن تحيط بعناصر الدعوى عن بصر وبصيرة
ودون إلمام شامل بأدلتها ، مما يعيب حكمها بالقصور الذي يوجب نقضه والإعادة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـــع
اتهمت هيئة
الفحص والتحقيق بإدارة الكسب غير المشروع الطاعن الأول بأنه أولاً : بصفته من
العاملين في الجهاز الإداري بالدولة " أستاذاً بالجامعة ووزيراً للاتصالات ثم
رئيساً لمجلس الوزراء " استغل سلطات وظيفته في الحصول لنفسه ولزوجته المتوفاة
السيدة/ .... وزوجته الحالية السيدة / .... وولديه / .... ، .... على كسب غير
مشروع بسبب استغلاله للوظائف التي تولاها ، وذلك بما مقداره مبلغ 59646435 جنيه (
تسعة وخمسين مليوناً وستمائة وستة وأربـعـيـن ألـفـاً وأربـعـمـائـة وخـمـسـة
وثـلاثين جنيهاً ) ، وتمثل ذلك الاستغلال في أ – حصوله منالمؤسسات الصحفية القومية
المملوكة للدولة على هدايا عينية بلغ مقدارها 1299016 جنيه (مليوناً ومائتين
وتسعة وتسعين ألفاً وستة عشر جنيهاً) ،
وذلك باستغلاله وظيفته وتأثيرها على المؤسسات " .... ، .... ، .... " في
الحصول على تلك الهدايا وعلى النحو المبين بالتحقيقات.
ب- حصوله لزوجته المتوفاة سالفة الذكر على شقة
ببرج مشروع .... والذي تساهم فيه الدولة وقتها بنصيب ، وذلك بثمن بخس ، وبتسهيلات
في السداد لا تتفق مع معايير البيع التي اتبعت مع آحاد الناس مما ظفرها بتلك الشقة
، والتي تبلغ قيمتها 11580000 جنيه (أحد عشر مليوناً وخمسمائة وثمانين ألف جنيهاً) ، وعلى النحو المبين بالتحقيقات . ج – حصوله لنفسه على قطعة أرض من جهاز مدينة
الشيخ زايد بثمن بخس ، وبالمخالفة لإجراءات التخصيص ثم قيامه بالتنازل عنها
لأجنبية بمبلغ مائتين وخمسين ألف جنيه ، فضلاً عن محاباته واستغلاله لوظيفته بعدم تحصيل رسوم التنازل البالغ مقدارها مائة ألف
جنيه . د – حصوله لمؤسسة ادعى أنها للنفع العام قام بتأسيسها وإدارتها
زوجته المتوفاة وابناه على مبلغ 34116019 جنيه (أربعة وثلاثين مليوناً ومائة وستة
عشر ألفاً وتسعة عشر جنيهاً) ، وذلك بأن استغل سلطات وظيفته آنفة البيان كرئيس
للوزراء في الحصول على ما يسمى بتبرعات لتلك المؤسسة ، والتي اتخذت مظهر المؤسسة
ذات النفع العام ، حالة أنه وذويه سالفي الذكر هم من يستأثرون بأرباحها ، وعلى
النحو المبين بالتحقيقات . ه – حصوله لنفسه ولنجله مستغلاً سلطات وظيفته وما له من
نفوذ على الجهة الإدارية على قطعة أرض لبناء مقابر بالمخالفة لإجراءات التخصيص
المتبعة قانوناً ، مما مكنه من تحقيق كسب غير مشروع بلغ مقداره 130000 جنيه (مائة
وثلاثين ألف جنيهاً). و- حصوله لزوجته الحالية مستغلاً سلطات وظيفته على كسب غير
مشروع بلغ مقداره 1171000 جنيه (مليوناً ومائة وواحد وسبعين ألف جنيهاً) في غضون
الفترة من عام .... وحتى عام .... ، وذلك بأن مكنها من عضوية مجلس إدارة الجهاز
القومي لتنظيم الاتصالات وحصولها على مكافآت بالمخالفة للقانون بصفتها ممثلة لشركة
القرى الذكية ، وتقاضت هذه المكافآت لنفسها ، حال وجوب إضافتها للجهة الممثلة لها
، وعلى النحو المبين بالتحقيقات .
ثانياً : بصفته آنفة البيان حصل لنفسه على كسب
غير مشروع بلغ مقداره ، 4707098 جنيه (أربعة ملايين وسبعمائة وسبعة آلاف وثمانية
وتسعين جنيهاً) ، وذلك بأن طرأت على ثروته زيادة بالمبلغ المذكور لا تتناسب مع
موارده طوَّعتها له وظيفته ، وعلى النحو المبين بالتحقيقات
وأحالتهما
إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى كل من .... ، .... مدنياً ، الأول بمبلغ
مائة ألف جنيه والثاني بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2/1 ، 18/1 ، 3 من القانون رقم 62 لسنة 1975
في شأن الكسب غير المشروع أولاً : بمعاقبة .... بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه
مبلغ 4586120 جنيه (أربعة ملايين وخمسمائة وستة وثمانين ألفاً ومائة وعشرين
جنيهاً) ، وألزمته برد مثل هذا المبلغ في مواجهة ولديه من المرحومة / .... ، وهما
.... ، .... بقدر ما استفادا من كسب غير مشروع . ثانياً : بعدم قبول الدعوى
المدنية وألزمت المدعي بالحق المدني بمصاريفها .
فطعن المحكوم
عليه الأول بشخصه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
وطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض
.... إلخ.
كما
طعن الأستاذ / ... المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليهما / ... ، ... في هذا
الحكم بطريق النقض ... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر قانوناً .
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون
فيه أنه إذ دان الأول بجريمة الكسب غير المشروع ، وألزم الباقين بالرد بقدر ما
استفاد كل منهم ، قد شابه القصور في التسبيب ، والخطأ في تطبيق القانون ، ذلك بأن
الحكم أخطأ في فهم واقعة الدعوى ، وحصلها على نحو يشوبه الإبهام والغموض ، ولم
يستظهر أركان الجريمة التي دانهم بها ، ولم يدلل على ثبوتها في حقهم ، وفي بيان
ذلك يقول الطاعنون أن الحكم افترض واقعة غير صحيحة مبناها إنفاق زوجة الطاعن الأول
المتوفاة مبلغاً من المال وما تبقى لديها لا يكفي لشراء شقة .... ، ورتب على ذلك
أن الطاعن الأول هو الذي سدد أقساط الشقة من ماله ، كما خلت الأوراق مما يفيد
استغلال الأول لوظيفته للحصول من مؤسسة ...... المملوكة للدولة على هدايا عينية
، كما أن الحكم ألـزم بـاقي الـطاعـنين بـرد مـا اسـتفاد مـن كسب غـير
مشروع ، دون أن يقيم الدليل الجازم على استفادة كل منهما من الجريمة ، سيما وأن
الأوراق خلت من انتقال أموال الطاعن الأول إلى ذمة باقي الطاعنين ، مما يعيب الحكم
ويوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى
في قوله :" ... أن واقعات القضية كما استخلصتها المحكمة واطمأنت إلى صحتها من
التحقيقات ، وما دار بجلسات المحاكمة تحصلت في أن المتهم / ..... قد شغل منصب رئيس
وزراء مصر في الفترة من عام .... حتى بداية عام ....، وقد استغل مكانته هذه في
الخروج عن مقتضيات الوظيفة العامة ، وما توجبه من النزاهة ، والبعد عن تلمس المنافع
، والإثراء بلا سبب مشروع اعتماداً على سلطان الوظيفة العامة، فتحصل لزوجته
المرحومة / ..... قبل وفاتها على شقة سكنية في أبراج .... للاستثمار العقاري بثمن
بخس قدره 1544000 جنيه يقل عن سعرها الذي تباع به لأفراد الناس بنسبة 69% ، كما
قبل لنفسه في الفترة من عام .... حتى عام .... منافع مادية عديدة في صورة هدايا
عينية من مؤسسة .... متمثلة في ساعات يد وأربطة عنق وغيرها بلغت قيمتها 1145350
جنيه ، ما كان ليحصل عليها جميعاً لولا وظيفته وسلطانه التي تخولها له تلك الوظيفة
، وقد قام الدليل على ثبوت وقائع الكسب غير المشروع
سالفة الذكر وصحة إسنادها للمتهم / ...... من واقع :-
1- الاطلاع على صورة عقد شراء الشقة سالفة
البيان والموقف المالي لها .
2- معاينة الخبراء المنتدبين في القضية للشقة .
3- شغل المتهم منصب رئيس الوزراء في تاريخ
الشراء وتلقي الهدايا .
4- بيان ما كانت تملكه المرحومة / ....... في
تاريخ الشراء .
5- سداد المتهم أقساط ثمن الشقة من ماله .
6- كشف الهدايا الصادرة من مؤسسة ..... والتي
منحت للمتهم .
7- ما شهد به .... رئيس
القطاع القانوني لمجموعة .... و.... عضو مجلس إدارة مؤسسة .... .
واستند في إثبات توافر أركان جريمة الكسب غير
المشروع في حق الطاعن الأول إلى افتراض أن الزوجة الأولى المتوفاة أنفقت جانباً من
المال ، وما تبقى لديها لا يفي بسداد ثمن الشقة ، وبالتالي فإن الطاعن الأول – زوجها – هو
الذي قام بسداد باقي الأقساط الخاصة بالشقة الكائنة بــــ..... من ماله الخاص ،
وأنه كان على بيِّنة من السعر الحقيقي والسعر المتفق عليه ، ويعلم أن الثمن لم
يخفض لتلك الدرجة لولا منصبه . لما كان ذلك ، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من
قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم بالإدانة على الأسباب التي بُني عليها ،
وإلَّا كان باطلاً ، والمراد بالتسبيب الذي يحفل به القانون هو تحديد الأسانيد
والحجج التي إنبنى عليها الحكم والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو القانون،
ولكي يحقق التسبيب الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل ، بحيث يتيسر الوقوف
على مسوغات ما قضى به ، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة
مجملة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام ، ولا يمكن
محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ،
وكان المقصود من الكسب غير المشروع هو كل ما تَمّْلَكَهُ الموظف أو من في حكمه
فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته ، أو
يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون مما يمس ما يفترض في
الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة، والكسب غير المشروع أخذاً من نص
قانونه رقم 62 لسنة 1975 له صورتين : الأولى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من
المادة الأولى من القانون سالف الذكر ، وهي التي يثبت فيها على الموظف أو من في
حكمه أياً كان نوع وظيفته استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ وظيفته أو مركزه، وحصوله
كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال ، والثانية المنصوص عليها في
الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر ، وهي التي لا يثبت فيها هذا الاستغلال
الفعلي على الموظف ومن في حكمه ، ولكن يثبت أن لديه في ماله زيادة عَجَزَ عن إثبات
مصدرها ، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون نوع وظيفة الموظف مما تتيح له فرص
الاستغلال على حساب الغير ، ويتعين على قاضي الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت
في حكمه توافر هذين الأمرين وهما الزيادة غير المبررة في مال الموظف ، وكون نوع
الوظيفة بالذات تتيح له فرص ذلك الاستغلال حتى يـصـح اعـتـبـار عـجـزه عـن إثـبـات
مـصـدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه الزيادة تمثل كسباً غير
مشروع ، كما أنه من المقرر أنه متى ثبت مصدر الزيادة في ثروة المتهم ، وأن هذا
المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله، فقد انتفت القرينة التي افترضها الشارع ،
ولم يجز من بعد اعتباره عاجزاً عن إثبات مصدره ، وأنه متى كانت الزيادة في ثروة
المتهم ترجع إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعاً كان أو غير مشروع ، فلا يصح
إسنادها بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم
المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى قد شابه الغموض ، ولا تتوافر به أركان الجريمة
المسندة إلى الطاعن ، إذ لم يبين أن الطاعن الأول حصل على الكسب بسبب استغلاله
بالفعل لأعمال ، أو نفوذ وظيفته ، أو مركزه ، أو أن نوع وظيفته مما يتيح فرص
الاستغلال من واقع أدلة يقينية ، بل بنى اعتقاده على أمور افتراضية مبناها افتراض
أنه هو الذي تحمل الأقساط الخاصة بشقة .... من ماله الخاص ، وأنه كان على بيِّنة
من السعر الحقيقي للعقار ويعلم أن الثمن لم يخفض لتلك الدرجة لولا منصبه ، كما أنه
لم يدلل على اتصال باقي الطاعنين بالأموال محل الكسب غير المشروع ، وأنهما على علم
بمصدر تلك الأموال ، فإن الحكم المطعون فيه يكون فوق قصوره في التسبيب ، قد أخطأ
في تطبيق القانون ، هذا إلى أنه يتعين أن يكون الحكم منبئاً بذاته عن قدر العقوبة
المحكوم بها ولا يكمله في ذلك أي بيان خارج عنه ، وكانت المادة 18 من القانون رقم
62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع قد نصت على أن :" كل من حصل لنفسه أو
لغيره على كسب غير مشروع يعاقب بالسجن وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع
فضلاً عن الحكم بردٍّ هذا الكسب ولا يمنع انقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة من رد
الكسب غير المشروع بحكم من محكمة الجنايات المختصة بناءً على طلب إحدى الهيئات
المنصوص عليها في المادة (5) خلال ثلاث سنوات من تاريخ الوفاة ، وعلى المحكمة أن تأمر في مواجهة الزوج والأولاد القصر الذين
استفادوا من الكسب ، ويجوز لها كذلك أن تأمر بإدخال كل من استفاد فائدة
جدية من غير من ذكروا في الفقرة السابقة ليكون الحكم بالرد في مواجهته ، ونافذاً
في أمواله بقدر ما استفاد " ، وكان الحكم المطعون فيه لم يدلل على استفادة كل
وارث من الجريمة من الأموال التي نسب لمورثتهما والطاعن الأول الحصول عليها نتيجة
كسب غير مشروع ، والتي يعتبر إلزامهما بردها بمثابة عقوبة ، فإنه يكون قاصراً بما
يوجب نقضه والإعادة ، دون حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن المقدم منهم .
ثانياً : الطعن
المقدم من النيابة العامة :
وحيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون
فيه أنه إذ دان الأول بجريمة الكسب غير المشروع ، وألزم الباقين بالرد بقدر ما
استفاد كل منهم ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في
تطبيق القانون ، ذلك بأن النيابة قدمت المتهم للمحاكمة بصورة متعددة للكسب غير
المشروع إلَّا أن الحكم دانه بصورتين فقط هما حصوله على هدايا من مؤسسة .... ،
ومن تخفيض ثمن شقة .... ، والتفت عن باقي صور الكسب غير المشروع رغم وجود أدلة
يقينية على تلك الوقائع مما يؤثر في احتساب قيمة المبالغ التي حققها كسباً غير
مشروع ، ومقدار عقوبتي الغرامة النسبية والرد مما يدل على أن المحكمة أصدرت حكمها
بغير تمحيص عناصر الدعوى والإحاطة بظروفها، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد محصل
الواقعة بالنسبة للمتهم عن صورتين من صور الكسب غير المشروع استطرد من ذلك مباشرة
إلى القول :" ... أما بالنسبة لباقي الاتهامات المنسوبة للمتهم بأمر الإحالة
فلم يتوافر لدى المحكمة الدليل اليقيني على ثبوتها في حق المتهم فتلتفت المحكمة
عنها ." لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه أغفل باقي صور
الكسب غير المشروع المنسوبة إلى المطعون ضده الأول ، فلم يورد بيان واقعة الدعوى
فيها ، ولم يعرض لأدلة الاتهام التي ساقتها النيابة العامة ، ويبين حجته في
اطراحها ، واقتصر في تبرير قضائه على مُجَرَّد القول المبتسر سالف البيان بغير أن
يوضح وجه التفاته عن تلك الأدلة فجاءت العبارة المرسلة على هذه الصورة المبهمة
المجهلة وبرغم ما لذلك من أثر على احتساب قيمة المبالغ التي حققها كسباً غير مشروع
ومقدار عقوبتي الغرامة النسبية والرد، فإن ذلك ينبئ عن أن المحكمة أصدرت حكمها دون
أن تحيط بعناصر الدعوى عن بصر وبصيرة ودون إلمام شامل بأدلتها ، مما يعيب حكمها
بالقصور الذي يوجب نقضه والإعادة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ