جلسة 2 من فبراير سنة 2022
برئاسة السيـد القاضي / خالد يحيى دراز نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عمرو محمد الشوربجي، أشرف عبد الحي القباني، عمرو ماهر مأمون ومحمد على محمد نواب رئيـس المحكمة.
-----------------
(26)
الطعن رقم 5579 لسنة 90 القضائية
(1) استئناف " الأثر الناقل للاستئناف ".
الأثر الناقل للاستئناف. مقتضاه. اعتبار الأسباب التي أقام المستأنف عليها طلباته مطروحة على محكمة الدرجة الثانية. لازمه. تعرض المحكمة الاستئنافية لها. شرطه. عدم التنازل عنها صراحةً أو ضمناً.
(2) استئناف " الأثر الناقل للاستئناف ". إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : انتهاء عقد الإيجار".
إقامة المطعون ضدهم بالبند أولاً دعواهم بطلب إنهاء عقد إيجار عين النزاع على سببين. القضاء برفض الدعوى لعدم ثبوت أحدهما. استئنافهم الحكم بذات السببين. لازمه. تصدي محكمة الاستئناف لهما وإقامة قضائها على أي منهما. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح. النعي عليه. على غير أساس.
(4،3) إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : وصف العين المؤجرة ".
(3) النص في عقد الإيجار على تأجير العين لغرض السكنى ولغير هذا الغرض دون تحديد كيفية استعمالها في أي منهما. تحديد طبيعة الإجارة. العبرة فيه بالعنصر الغالب في استعمال المستأجر لها أخذاً بحقيقة الواقع الفعلي دون الثابت بالعقد.
(4) تأجير مورث الطاعن والمطعون ضدهن بالبند ثانياً حجرتي النزاع - المؤجرتين له كمسكن ومكتب دون تحديد كيفية استغلالهما في العقد – من الباطن بتصريح من المؤجر كمدرسة حياكة وقعوده عن استعمالهما في غرض السكنى. مؤداه. صيرورة العنصر الغالب في الإجارة هو استعمال العين في غير غرض السكنى. علة ذلك. تمسك الطاعن بالإقامة الحكمية وبكون العين مؤجرة كمسكن خلافاً للواقع الفعلي. غير منتج وغير مقبول.
(5- 9) إيجار " تشريعات إيجار الأماكن : الامتداد القانوني لعقد الإيجار المبرم لمزاولة نشاط تجارى أو صناعي أو مهني أو حرفي ".
(5) عقد الإيجار المبرم لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي. امتداده بعد وفاة المستأجر الأصلي لصالح المستفيدين من ورثته. مناطه. ثبوت مزاولة أحد تلك الأنشطة بالعين حتى وفاة المستأجر واستعمال ورثته لها في ذات النشاط طبقاً للعقد وقت وقوع الامتداد. م 29/2 ق 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى ق 6 لسنة 1997. تخلف ذلك. أثره. خروج العقد عن نطاق تطبيق هذه المادة.
(6) تأجير الأماكن من الباطن بتصريح من المؤجر. لا يُعد بطبيعته عملاً تجارياً يخول امتداد العقد لورثة المستأجر الأصلي. اعتباره كذلك. شرطه.
(7) ترخيص المؤجر للمستأجر بتأجير الأماكن من الباطن. غايته. مؤداه. عدم اعتبار المستأجر من الباطن نائباً عن المستأجر الأصلي في مزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي بالعين. علة ذلك. أثره. لا محل لإعمال م 29 ق 49 لسنة 1977 المستبدلة بق 6 لسنة 1997.
(8) إخضاع ق 91 لسنة 2005 أرباح التأجير للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية. لا يُسبغ على تأجير الأماكن من الباطن بإذن المؤجر صفة العمل التجارى. علة ذلك.
(9) تأجير مورث الطاعن والمطعون ضدهن بالبند ثانياً حجرتي النزاع – المؤجرتين له – من الباطن كمدرسة حياكة بتصريح من المؤجر دون تقديم خدمة خاصة للمستأجر. عدم اعتباره من قبيل الاستغلال التجاري للعين. مزاولة المستأجر من الباطن لأحد الأنشطة الواردة بالمادة 29/2 ق 49 لسنة 1977 المستبدلة بالقانون 6 لسنة 1997 بها. لا أثر له. علة ذلك. مؤداه. عدم أحقية ورثة المستأجر الأصلي في استمرار عقد الإيجار لصالحهم. قضاء الحكم المطعون فيه بالإخلاء والتسليم. صحيح. النعي بشأن إغفاله تطبيق ق 6 لسنة 1997. غير منتج. اشتمال أسبابه على تقريرات قانونية خاطئة. لمحكمة النقض تصحيحها دون نقضه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن مقتضى الأثر الناقل للاستئناف، أنه يعتبر مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية الأسباب التي أقام المستأنف عليها طلباته بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف سواء في ذلك الأسباب التي فصل فيها لغير صالحه أو تلك التي لم تعرض لها محكمة أول درجة، وأنه على المحكمة الاستئنافية أن تعرض لها ما لم يتنازل المستأنف عن التمسك بها صراحةً أو ضمناً.
2- إذ كان الثابت من الصورة الرسمية لصحيفة افتتاح الدعوى - المقدمة من الطاعن رفق صحيفة طعنه - أن المطعون ضدهم في البند أولاً قد تساندوا في طلب الحكم بانتهاء عقد إيجار عين النزاع إلى السبب المشار إليه بوجه النعي بالإضافة إلى وفاة المستأجر باعتبار أن العقد قد انعقد لاعتبارات تتعلق بشخصه، فحكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى، وإذ استأنف سالفو الذكر الحكم الابتدائي بذات السببين فيكون لمحكمة الاستئناف أن تتصدى لهما وأن تقيم قضاءها على أي منهما، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون، ويضحى النعي عليه في هذا الشأن على غير أساس.
3- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه إذا نُصَ في عقد الإيجار على تأجير العين لاستعمالها في غرض السكنى وفي غير هذا الغرض في آن واحد، دون أن يُحدد بالعقد كيفية استغلالها في أي من الغرضين، فإن العبرة في تحديد طبيعة الإجارة تكون بالعنصر الغالب في استعمال مستأجر العين لها أخذاً بحقيقة الواقع الفعلي دون الثابت بالعقد.
4- إذ كان البين من الأوراق - وبما لا خلاف عليه بين طرفي الخصومة - أن حجرتي النزاع استأجرهما مورث الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً لاستعمالهما كمكتب ومسكن دون تحديد بالعقد لكيفية استغلالهما، وأنه أجرهما من الباطن بتصريح من المؤجر كمدرسة للحياكة وقعد عن استعمالهما للسكنى حتى وفاته، فيضحى معه العنصر الغالب في الإجارة هو استعمال العين في غير غرض السكنى، فلا يكون للطاعن أن يتمسك بالإقامة الحكمية، وبأن العين مؤجرة كمسكن خلافاً للواقع الفعلي، ويضحى ما ورد بوجه النعي من تعييب الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه بقضائه في هذا الشأن - وأياً كان وجه الرأي فيه - غير منتج، ومن ثم غير مقبول.
5- المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن النص في الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 يدل على أن مناط امتداد عقد الإيجار إلى ورثة المستأجر المشار إليهم في النص أن تكون العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، وأن تثبت هذه الصفة للنشاط الذي يمارسه المستأجر وقت وفاته، وأن يستعمل المذكورون العين استعمالاً فعلياً بذاتهم أو بواسطة نائب عنهم في ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد حال حياته، وذلك بالنظر في وقت امتداد العقد للمستفيدين من المستأجر الأصلي باعتباره ضابطاً استلزمه المشرع للحفاظ على الرواج المالي والتجاري، فإن انتفت إحدى هذه الشروط فإن العقد يخرج عن نطاق تطبيق هذه المادة.
6- المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن تأجير الأماكن من الباطن بناءً على تصريح المؤجر للمستأجر لا يُعد بذاته عملاً تجارياً يخول امتداد عقد الإيجار لورثة المستأجر الأصلي طالما لم يقترن التأجير بتقديم ضروب من الخدمة الخاصة للمستأجر، بحيث تغلب العناصر التجارية المتعددة على الجانب العقاري فيه.
7- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه لا يعني ترخيص المؤجر به ( بتأجير الأماكن من الباطن ) إلا رغبته في الحصول على علاوة التأجير من المستأجر، وتوقي الأخير دعوى الإخلاء التي قد يقيمها المؤجر عليه لهذا السبب، ولا مجال للقول بمزاولة المستأجر الأصلي لأحد الأنشطة - الواردة بالفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 – بالعين المؤجرة عن طريق المستأجر من الباطن بوصفه نائباً عنه، بحسبان أن استغلال الأخير للعين يعود غُنمه إليه ويقع غرمه عليه وحده وهو ما يتنافى مع الطبيعة القانونية لأحكام الإنابة، ومن ثم فلا محل لإعمال حكم القانون رقم 6 لسنة 1997 في حالة استغلال المستأجر للعين المؤجرة بطريق تأجيرها للغير من الباطن، ذلك بأن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه.
8- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه لا يغير من ذلك ( عدم اعتبار تأجير الأماكن من الباطن بناءً على تصريح المؤجر للمستأجر عملاً تجارياً ) صدور القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن الضريبة على الدخل والذي أخضع الأرباح الناتجة عن التأجير للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية، باعتبار أن ذلك استثناء من القواعد العامة التي تحكم طبيعة الأعمال التجارية، فإنه ينبغي عدم التوسع في تفسيره ويلزم تحديد نطاقه بالهدف الذي ابتغاه المشرع من وضعه، وهو إخضاع هذا النشاط الوارد به للضريبة حرصاً من المشرع على أن تحصل الدولة على مورد مالي من العائد المجزي الذي يحصل عليه المؤجر من التأجير.
9- إذ كان الثابت من الأوراق - وعلى النحو السالف وبلا خلاف بين الخصوم- أن حجرتي النزاع قد استأجرهما مورث الطاعن والمطعون ضدهن بالبند ثانياً ثم قام بتأجيرهما من الباطن حتى وفاته كمدرسة للحياكة بتصريح من المؤجر، ولا يماري الطاعن في أنه لم تُقدَّم للمستأجر أيٌ من الخدمات المشار إليها آنفًا ( تقديم ضروب من الخدمة الخاصة للمستأجر، بحيث تغلب العناصر التجارية المتعددة على الجانب العقاري فيه )، فإن هذا الترخيص بالتأجير من الباطن لا يغير من طبيعة الإجارة فيجعل الغرض من التأجير هو الاستغلال التجاري ولو كان المستأجر من الباطن يباشر في العين أياً من الأنشطة الواردة بالفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997، إذ لا يُعد نائباً عن المستأجر الأصلي، ومن ثم فإن تأجير حجرتي النزاع من الباطن لا يدخل ضمن الأنشطة الواردة بالقانون سالف الذكر بما لا يحق معه لورثة المستأجر الأصلي استمرار عقد إيجار عين النزاع لصالحهم، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالإخلاء والتسليم، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة قانوناً، ولا يعيبه ما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة، إذ لمحكمة النقض تصحيحها دون أن تنقضه، ويكون ما يثيره الطاعن بالوجه الثالث للطعن في شأن إغفال الحكم المطعون فيه تطبيق أحكام القانون المذكور غير منتج، طالما أنه لا يستند إلى أساس قانوني سليم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقـرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم في البند أولاً أقاموا على الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً الدعوى رقم.... لسنة 2015 إيجارات جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 1/4/1949 والإخلاء والتسليم، وقالوا بياناً لدعواهم: إنه بموجب هذا العقد استأجر مورث الأخيرين الحجرتين المبينتين بالصحيفة لاستعمالهما كمكتب ومسكن، وإذ توفى وكان العقد منعقداً لاعتبارات تتعلق بشخصه ولعدم ممارسة نشاط بالعين المؤجرة فقد قاموا بالتنبيه عليهم بالإخلاء بتاريخ 29/9/2015، ومن ثم أقاموا الدعوى، حكمت المحكمة برفضها، استأنف المطعون ضدهم في البند أولاً هذا الحكم بالاستئناف رقم.... لسنة 133 ق القاهرة، ندبت المحكمة خبيرا ً، وبعد أن أودع تقريره أقام الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً استئنافاً فرعياً بطلب الحكم بامتداد عقد الإيجار إليهم، وبتاريخ 13/1/2020 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبالإخلاء والتسليم، وبعدم قبول الاستئناف الفرعي، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرِضَ الطعن على هذه المحكمة -في غرفة مشورة- حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى بالشق الأول من الوجه الثاني من أوجه الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول : إن الحكم قضى بقبول السبب المبدى لأول مرة أمام محكمة الاستئناف من المطعون ضدهم في البند أولاً بانتهاء عقد إيجار عين النزاع بوفاة المستأجر وعدم استعمال ورثته لها في ذات النشاط الذي كان يمارسه وقت الوفاة تطبيقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك بأن المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن مقتضى الأثر الناقل للاستئناف، أنه يعتبر مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية الأسباب التي أقام المستأنف عليها طلباته بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف، سواء في ذلك الأسباب التي فصل فيها لغير صالحه أو تلك التي لم تعرض لها محكمة أول درجة، وأنه على المحكمة الاستئنافية أن تعرض لها ما لم يتنازل المستأنف عن التمسك بها صراحةً أو ضمناً. لما كان ذلك، وكان الثابت من الصورة الرسمية لصحيفة افتتاح الدعوى - المقدمة من الطاعن رفق صحيفة طعنه - أن المطعون ضدهم في البند أولاً قد تساندوا في طلب الحكم بانتهاء عقد إيجار عين النزاع إلى السبب المشار إليه بوجه النعي بالإضافة إلى وفاة المستأجر باعتبار أن العقد قد انعقد لاعتبارات تتعلق بشخصه، فحكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى، وإذ استأنف سالفو الذكر الحكم الابتدائي بذات السببين، فيكون لمحكمة الاستئناف أن تتصدى لهما وأن تقيم قضاءها على أي منهما، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون، ويضحى النعي عليه في هذا الشأن على غير أساس.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بباقي أوجه الطعن الثلاثة مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول: إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن مورثه استأجر حجرتي النزاع في ظل العمل بالقانون رقم 121 لسنة 1947 كمكتب ومسكن، وصرح له المالك بتأجيرهما من الباطن، فأقام الحكم المطعون فيه قضاءه بانتهاء عقد الإيجار بمقولة عدم توافر الإقامة بالعين استناداً لتقرير الخبير الباطل الذي عول على شهادة حارس العقار لصالح الملاك رغم توافر الإقامة الحكمية، ولم يعرض لدفاعه من أن تأجير العين من الباطن كمدرسة للحياكة بموافقة المالك هو في حقيقته استغلال تجاري وحرفي لا ينتهي به عقد الإيجار بوفاة المستأجر عملاً بالقانون رقم 6 لسنة 1997، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي بأوجهه مردود، ذلك أنه إذا نُصَّ في عقد الإيجار على تأجير العين لاستعمالها في غرض السكنى وفي غير هذا الغرض في آن واحد، دون أن يُحدد بالعقد كيفية استغلالها في أي من الغرضين، فإن العبرة في تحديد طبيعة الإجارة تكون بالعنصر الغالب في استعمال مستأجر العين لها أخذاً بحقيقة الواقع الفعلي دون الثابت بالعقد. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق - وبما لا خلاف عليه بين طرفي الخصومة - أن حجرتي النزاع استأجرهما مورث الطاعن والمطعون ضدهن في البند ثانياً لاستعمالهما كمكتب ومسكن دون تحديد بالعقد لكيفية استغلالهما، وأنه أجرهما من الباطن بتصريح من المؤجر كمدرسة للحياكة وقعد عن استعمالهما للسكنى حتى وفاته، فيضحى معه العنصر الغالب في الإجارة هو استعمال العين في غير غرض السكنى، فلا يكون للطاعن أن يتمسك بالإقامة الحكمية، وبأن العين مؤجرة كمسكن خلافاً للواقع الفعلي، ويضحى ما ورد بوجه النعي من تعييب الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه بقضائه في هذا الشأن - وأياً كان وجه الرأي فيه - غير منتج، ومن ثم غير مقبول، ولا يجدي الطاعن من بعد التحدي بأن تأجير العين من الباطن كمدرسة حياكة بموافقة المالك يُعد استغلالاً تجارياً وحرفياً لا ينتهي به عقد الإيجار بوفاة المستأجر، إذ إن النص في الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 يدل على أن مناط امتداد عقد الإيجار إلى ورثة المستأجر المشار إليهم في النص أن تكون العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، وأن تثبت هذه الصفة للنشاط الذي يمارسه المستأجر وقت وفاته، وأن يستعمل المذكورون العين استعمالاً فعلياً بذاتهم أو بواسطة نائب عنهم في ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد حال حياته، وذلك بالنظر في وقت امتداد العقد للمستفيدين من المستأجر الأصلي باعتباره ضابطاً استلزمه المشرع للحفاظ على الرواج المالي والتجاري، فإن انتفت إحدى هذه الشروط فإن العقد يخرج عن نطاق تطبيق هذه المادة، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن تأجير الأماكن من الباطن بناءً على تصريح المؤجر للمستأجر لا يُعد بذاته عملاً تجارياً يخول امتداد عقد الإيجار لورثة المستأجر الأصلي طالما لم يقترن التأجير بتقديم ضروب من الخدمة الخاصة للمستأجر، بحيث تغلب العناصر التجارية المتعددة على الجانب العقاري فيه، ولا يعني ترخيص المؤجر به إلا رغبته في الحصول على علاوة التأجير من المستأجر، وتوقي الأخير دعوى الإخلاء التي قد يقيمها المؤجر عليه لهذا السبب، ولا مجال للقول بمزاولة المستأجر الأصلي لأحد الأنشطة - الواردة بالفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 – بالعين المؤجرة عن طريق المستأجر من الباطن بوصفه نائباً عنه، بحسبان أن استغلال الأخير للعين يعود غُنمه إليه ويقع غرمه عليه وحده وهو ما يتنافى مع الطبيعة القانونية لأحكام الإنابة، ومن ثم فلا محل لإعمال حكم القانون رقم 6 لسنة 1997 في حالة استغلال المستأجر للعين المؤجرة بطريق تأجيرها للغير من الباطن، ذلك بأن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه، ولا يغير من ذلك صدور القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن الضريبة على الدخل والذي أخضع الأرباح الناتجة عن التأجير للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية، باعتبار أن ذلك استثناء من القواعد العامة التي تحكم طبيعة الأعمال التجارية، فإنه ينبغي عدم التوسع في تفسيره ويلزم تحديد نطاقه بالهدف الذي ابتغاه المشرع من وضعه، وهو إخضاع هذا النشاط الوارد به للضريبة حرصاً من المشرع على أن تحصل الدولة على مورد مالي من العائد المجزي الذي يحصل عليه المؤجر من التأجير. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق - وعلى النحو السالف وبلا خلاف بين الخصوم - أن حجرتي النزاع قد استأجرهما مورث الطاعن والمطعون ضدهن بالبند ثانياً ثم قام بتأجيرهما من الباطن حتى وفاته كمدرسة للحياكة بتصريح من المؤجر، ولا يماري الطاعن في أنه لم تُقدَّم للمستأجر أيٌ من الخدمات المشار إليها آنفا ً، فإن هذا الترخيص بالتأجير من الباطن لا يغير من طبيعة الإجارة فيجعل الغرض من التأجير هو الاستغلال التجاري ولو كان المستأجر من الباطن يباشر في العين أياً من الأنشطة الواردة بالفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997، إذ لا يُعد نائباً عن المستأجر الأصلي، ومن ثم فإن تأجير حجرتي النزاع من الباطن لا يدخل ضمن الأنشطة الواردة بالقانون سالف الذكر بما لا يحق معه لورثة المستأجر الأصلي استمرار عقد إيجار عين النزاع لصالحهم، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالإخلاء والتسليم، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة قانوناً، ولا يعيبه ما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة، إذ لمحكمة النقض تصحيحها دون أن تنقضه، ويكون ما يثيره الطاعن بالوجه الثالث للطعن في شأن إغفال الحكم المطعون فيه تطبيق أحكام القانون المذكور غير منتج، طالما أنه لا يستند إلى أساس قانوني سليم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق