برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة
المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح.
------------
- 1 بلاغ كاذب
القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب شروط توافره : اقدام المبلغ علي
التبليغ مع علمه بكذب الوقائع المبلغ عنها وبراءة المبلغ ضده مما ينسبه اليه ، وأن
يكون ذلك بنية الاضرار به تقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع.
يشترط لتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف به في
القانون، أن يكون المبلغ عالماً بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وأن يكون منتوياً
الكيد والإضرار بالمبلغ ضده، وتقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التي
لها مطلق الحق في استظهاره من الوقائع المعروضة عليها.
- 2 بلاغ كاذب
تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر موكول الي محكمة الموضوع شرط ذلك أن
تكون قد اتصلت بالوقائع المنسوب الي المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر
في حكمها الأمر المبلغ عنه .
من المقرر أن تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع
التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب بشرط أن تكون قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم
التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر في حكمها الأمر المبلغ عنه ليعلم إن كان من
الأمور التي يرتب القانون عقوبة التبليغ عنها كذباً أم لا.
------------
الوقائع
أقام المدعي بالحقوق المدنية هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة كوم حمادة
الجزئية ضـد المتهمين بعريضة أعلنت إليهم قال فيها: إنهم في يوم 2 نوفمبر سنة 1961
بدائرة مركز كوم حمادة: قذفوا في حقه وأبلغوا كذبا ضده بأنه اعتمادا على سلطة
وظيفته اعتدى عليهم وسلب أراضيهم بالقوة وبأبخس الأثمان وأنه يستخدم بعض العساكر
من رجال الجيش في خدمة أراضيه الخاصة والعمل فيها. وطلب عقابهم بالمواد 302 و303
و305 و171 من قانون العقوبات كما طلب القضاء له قبلهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل
التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بتاريخ 4 من أبريل سنة 1963 عملا
بالمادتين 303 و305 من قانون العقوبات: أولا - بعدم قبول الدعويين الجنائية
والمدنية بالنسبة لجريمة القذف. ثانيا - (بالنسبة لتهمة البلاغ الكاذب) (أ) حبس كل
من المتهمين أسبوعا واحدا مع الشغل وكفالة مائة قرش لكل منهم لوقف التنفيذ. (ب)
إلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على
سبيل التعويض ومصاريف الدعوى المدنية. فاستأنف المتهمون هذا الحكم. ومحكمة دمنهور
الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 5 يونيه سنة 1963 بقبول
الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهمين
المصروفات المدنية الاستئنافية. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
-----------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون
والقصور في التسبيب ذلك أن الحكم قد استند في التدليل على كذب البلاغ المقدم من
الطاعنين إلى صورة المذكرة المقدمة من رئيس النيابة العسكرية والتي انتهى فيها إلى
أن الأمر لا يعدو سوى محاولة الكيد للمدعي بالحق المدني نتيجة فشل الطاعنين في
القضايا المدنية المرفوعة منه ضدهم وأنه لم يرتكب أي جناية عسكرية وطلب حفظ البلاغ
لعدم الصحة وإحالة الأوراق للنيابة العامة للنظر في أمر الطاعنين في حين أن هذا
الرأي لم يأخذ به مدير إدارة القضاء العسكري الذي أمر بحفظ البلاغ مع إخطاره
الوحدة التابع لها المدعي بالحق المدني للتنبيه عليه بمراعاة أن يكون دائماً في
سلوكه في الخارج مشرفاً للقوات العسكرية التي ينتمي إليها وهو ما يفيد أن الشكوى
لم يتقرر حفظها لعدم الصحة وإنما لعدم كفاية الأدلة كما يبين من هذه الشكوى أنها
تضمنت عدة وقائع لم يجحدها المدعي بالحق المدني, أما الواقعة الوحيدة التي قيل إنه
ثبت كذبها فكل ما ذكره الطاعنون بشأنها هو أن المدعي بالحق المدني كان ولا يزال
يعطي تصاريح بالإجازة للجنود الخاضعين لرئاسته لكي يعملوا في زراعة أرضه وأنه سبق
تقديم شكاوى من آخرين في هذا الصدد وهذه الواقعة لم يثبت كذبها على وجه اليقين كما
تمسك الدفاع عن الطاعنين الأول والثالث بانعدام سوء القصد لديهما إذ قرر المدعي
بالحق المدني أنه لا توجد منازعات بينه وبينهما وثبت من أقوالهما أنهما لم يعرفا
مضمون الشكوى وإنما وقعا عليها بناء على طلب الطاعن الثاني ورد الحكم المطعون فيه
على هذا الدفاع بقوله" إنه لا يدرأ عنهما المسئولية طالما أنهما تقدما بهذه
الشكوى ونسبا إلى المدعي المدني أموراً تبين كذبها وكان ذلك بسوء القصد لوجود
منازعات مدنية بينهما وبينه". وكان الحكم الابتدائي قد تحدث عن سوء القصد
بقوله: "إن المحكمة تستشفه من وجود المنازعات القضائية التي دلت عليها
الأحكام المقدمة من الطرفين" دون أن يعرض الحكم لبيان هذه المنازعات ونتيجة
الفصل فيها.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه
بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعنين قدموا شكوى ضد المدعي بالحق المدني إلى
رؤسائه بالسلاح البحري بالإسكندرية أسندوا إليه فيها أنه اعتدى عليهم وسخر بعض
الجنود من مرءوسيه في خدمته الخاصة والعمل في زراعته الكائنة بزمام ناحية زاوية
فريج مركز كوم حمادة وقد حققت النيابة العسكرية بإدارة القضاء العسكري هذه الشكوى
وانتهت بحفظها, وتحدث الحكم عن توافر أركان جريمة البلاغ الكاذب بقوله: "وحيث
إنه بسؤال المتهم الأول في التحقيق الإداري المضموم أوراقه قرر أنه يوجد نزاع بينه
وبين المدعي المدني بخصوص الأرض وأنكر حصول اعتداء عليه من المتهم أو استغلال
لسلطته العسكرية وقال إن المقصود من تقديم الشكوى هو الحيلولة بينه وبين رفع
الدعاوى ضدهم. وحيث إنه بسؤال المتهم الثاني قرر أنه سمع من أهل بلدته أن المدعي
المدني يستغل سلطته العسكرية ليستخدم بعض العساكر في زراعة أرضه. كما علم منهم أنه
يضطهدهم ونفى وجود أي خلاف بينه وبين المدعي المدني سوى النزاع بينهما على الأرض.
كما قرر المتهم الثالث أنه يوجد بينه وبين المتهم خلاف حول الأرض وقرر أنه علم أن
عسكرياً يدعى ........ اشتغل في أرض المدعي المدني بعد خروجه من العسكرية وذلك منذ
عشرة أعوام. وحيث أن الثابت من أقوال المتهمين أنهم ما قدموا شكواهم ضد المدعي
المدني إلا لوجود أنزعة بينهم وبينه بخصوص أرض زراعية وذلك للحيلولة دون تماديه في
منازعتهم ومقاضاتهم حسبما هو مستفاد من المستندات المقدمة من المدعي المدني
والمتهمين والدالة على قيام أنزعة قضائية بين الطرفين. وحيث إن المحكمة قد استبان لها
من ظروف الدعوى وملابساتها ومن أقوال المتهمين فيها أنهم أبلغوا ضد المدعي المدني
وهو ضابط بالسلاح البحري بشكوى قدموها إلى رؤسائه ضمنوها أنه يستغل سلطته ويستخدم
بعض الجنود في فلاحة أطيانه وذلك نقلاً عما سمعوه من أهل البلدة ثم قرر المتهم
الثالث في التحقيقات الإدارية العسكرية أن أحد العساكر اشتغل في أرض المدعي المدني
بعد تسريحه (أي العسكري) من الخدمة العسكرية منذ عشرة أعوام. وحيث إنه بسؤال
المدعي المدني في تلك التحقيقات قرر أن هذا الجندي عمل حقيقة في أرضه كأجير وكان
ذلك بعد أن ترك الخدمة العسكرية ونفى حصول اعتداء منه على أحد من المتهمين أو من
أهل بلدته وإن اعترف بوجود منازعات قضائية بينه وبين المتهمين". وحيث إنه
ابتناء على أقوال ذات المتهمين وما أسفر عنه التحقيق الإداري الذي أجراه قسم
القضاء العسكري بالقوات البحرية فقد اتضح كذب ما رمى به المتهمون المدعي المدني في
هذا الخصوص. وحيث إنه ينبغي أن يكون التبليغ عن واقعة مكذوبة وهي تعد كذلك إذا
كانت مختلفة من أساسها أو إذا كان إسنادها إلى المبلغ ضده متعمداً فيه الكذب ولو
كان للواقعة أساس من الواقع ولا يلزم أن يكون الإسناد إلى المبلغ ضده على سبيل
الجزم والتأكيد بل يكفي أن يكون على سبيل الإشاعة أو الظن أو الاحتمال أو بطريق
الرواية عن الغير ما دام وقع ذلك بسوء قصد وبنية الإضرار ولا شك أن واقعة التبليغ
عن تشغيل المدعي المدني لأحد العساكر مرءوسيه في خدمة أرضه وفلاحتها أثناء وجوده
بالخدمة العسكرية أمر إن صح مستوجب لعقوبة تأديبية عن مخالفة إدارية بحتة فمن ثم
فإن إبلاغ المتهمين ضد المدعي المدني وهو موظف عمومي عن هذا الأمر إلى رؤسائه
الإداريين بالسلاح البحري يعتبر تبليغاً كاذباً معاقباً عليه, والمحكمة كشفت سوء
نية المتهمين المبلغين مع قصد الإضرار بالمدعي المدني من وجود المنازعات القضائية
بينهما والتي كشفت عنها الأحكام المدنية والجنائية المقدمة من الطرفين الأمر الذي
توافرت بها الضغائن بين المتهمين وبين المبلغ ضده والتي من شأنها جعلت المتهمين
يتلمسون سبيل النكاية بالمدعي المدني إضراراً به وذلك رغم أن المتهمين يعلمون أن
هذه الواقعة مكذوبة غير صحيحة وأن واقعة تشغيل العسكري في أرض المدعي المدني كانت
بعد ترك هذا العسكري الخدمة العسكرية على ما هو ثابت بأقوال المتهمين لدى سؤالهم
تفصيلاً في التحقيقات المنضمة". كما عرض الحكم المطعون فيه لدفاع الطاعنين
الأول والثالث بأنهما لم يعرفا مضمون الشكوى المقدمة منهما وإنما وقعا عليها بناء
على طلب الطاعن الثاني وأنهما قد شهدا لمصلحة المدعي المدني في التحقيق وأن هذا
التحقيق لم يسفر عن كذب البلاغ وإنما عن عدم كفاية الأدلة ورد عليه بقوله:"
وحيث إن الثابت من التحقيقات التي أجريت بشأن البلاغ المقدم من المتهمين ضد المدعي
بالحق المدني أن ما جاء بتلك الشكوى لا أساس له من الصحة والواقع وأن الأمر لا
يعدو محاولة الكيد للمدعي المدني نتيجة فشلهم في القضايا المدنية المرفوعة عليهم
الأمر الذي دفعهم إلى محاولة الانتقام منه عن طريق تقديم الشكاوى إلى عدة جهات
مختلفة لمحاولة التشهير به وتسوئ سمعته والنيل من كرامته وانتهى المحقق إلى أن
المدعي المدني لم يرتكب أي جناية عسكرية وحفظ الموضوع لعدم الصحة وإحالة الأوراق
إلى النيابة العامة للنظر في أمر مقدمي هذه الشكاوى التي ثبت عدم صحتها. وحيث أنه
تأسيساً على ذلك يكون القول بأن المتهم الأول والثالث شهدا لمصلحة المدعي المدني
لا يدرأ عنهما المسئولية طالما أنهما تقدما بهذه الشكوى ونسبا إليه أموراً تبين
كذبها وأن ذلك بسوء القصد لوجود نزاعات مدنية بينهما ولا محل للقول بأنهما لا
يعلمان مضمونها إذ أنهما لم ينفيا تقديمها وإنما قرر الثالث أنه لا يعلم بوجود
عسكري يعمل طرف المدعي المدني بعد أن ترك الجندية كما ذكر النزاع المدعى بينهما
كما اعترف المتهم الأول بتقديم تلك الشكاوى". لما كان ذلك, وكان من المقرر أن
تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب
بشرط أن تكون قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها
وأن تذكر في حكمها الأمر المبلغ عنه ليعلم إن كان من الأمور التي يرتب القانون
عقوبة التبليغ عنها كذباً أم لا, وكان الحكم على ما سلف إيراده قد بين واقعة
الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب التي دان
الطاعنين بها وأقام قضاءه بثبوت كذب البلاغ على ما أسفر عنه التحقيق الإداري الذي
أجراه قسم القضاء العسكري بالقوات البحرية وأقوال الطاعنين أنفسهم في هذا التحقيق
وكان ما قاله الحكم عن توافر ركن سوء القصد لدى الطاعنين يكفي لإثبات القصد
الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف به في القانون, وهو أن يكون المبلغ
عالماً بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وأن يكون منتوياً الكيد والإضرار بالمبلغ ضده
وتقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التي لها مطلق الحق في استظهاره من
الوقائع المعروضة عليها, ولا يعتد بعدئذ بما يثيره الطاعنان الأول والثالث من
أنهما شهدا بالتحقيقات لمصلحة المطعون ضده بعد أن تحقق لدى المحكمة أنهما حين
أقدما على التبليغ ضده كانا يعلمان بكذب الواقعات المبلغ بها - وأن نيتهما كانت
منصرفة إلى الإضرار بالمجني عليه والإساءة إليه أما دعواهما بعدم العلم بمضمون
البلاغ فهو دفاع موضوعي وقد أبدى الحكم عدم ثقته به بما لا تجوز المجادلة فيه
وإثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة
بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن ما أسنده الحكم إلى المحقق وإلى الطاعنين وما قاله عن
وجود منازعات قضائية بينهم وبين المدعي بالحق المدني له أصل ثابت في الأوراق. لما
كان ما تقدم, وكان ما يثيره الطاعنون لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوى
وتقدير الأدلة مما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض فإن الطعن يكون على غير أساس
ويتعين رفضه موضوعاً.