الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 نوفمبر 2018

دستورية معاقبة المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركات العاملة في سوق رأس المال

الدعوى رقم 186 لسنة 33 ق " دستورية " جلسة 13 /10 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
      بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من أكتوبر سنة 2018م، الموافق الرابع من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 186 لسنة 33 قضائية " دستورية ".
المقامة من
على عبد الله على عبده - بصفته عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة ثقات للاستشارات المالية
ضد
1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة
2- رئيس مجلــــس الـــوزراء
3- وزيــــر الماليــــة
4- رئيس الهيئة العامة للرقابة الماليـة
الإجراءات
      بتاريخ الحادي والعشرين من نوفمبر سنة 2011، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وقدمت الهيئة العامة للرقابة المالية مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى؛ لانعدام المصلحة، واحتياطيًّا: برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكـم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى - بناءً على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية - إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 1614 لسنة 2011 جنح اقتصادية القاهرة (المقيدة برقم 984 لسنة 2011 جنح مالية)، متهمة إياه بأنه في غضون أعوام 2008، 2009، 2010، بدائرة قسم العجوزة، بمحافظة الجيزة، بصفته المسئول عن الإدارة الفعلية لشركة ثقات للاستشارات المالية: (1) لم يقم بإمساك الدفاتر والسجلات اللازمة لمباشرة نشاط الشركة. (2) لم يقم بإخطـار الهيئة العامة للرقابة المالية بنقل مقر الشركة. (3) لم يحتفظ بالدفاتر التى توضح المركز المالي للشركة. (4) لم يحتفظ بمحاضر الجمعية العمومية للشركة. (5) لم يقم بتدوين محاضر جلسات مجلس إدارة الشركة بصفة منتظمة، وطلبت عقابه بالمادة (67) من قانون سوق رأس المال الصـادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (124/2، 135/7، 227) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 135 لسنة 1993، والمواد (75، 81، 163/5) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، وأثناء نظر الدعوى بجلسة 26/10/2011، عدلت المحكمة - في مواجهة المدعى - القيد، بإضافة نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، فدفع المدعى بعدم دستورية ذلك النص، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة.
وحيث إن المادة (67) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، بعد استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008 تنص على أن "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
وتنص الفقــرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاتـه على أن "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون"، وقد تم استبدال ذلك النص بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه - المعمول به اعتبارًا من 15/3/2018 - ليصير : "يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد أحالت المدعى للمحاكمة الجنائية - بصفته المدير المسئول عن الإدارة الفعلية لشركة ثقات للاستشارات المالية - بوصف ارتكابه عدة جرائم، من بينها: عدم إمساك الدفاتر والسجلات اللازمة لمباشرة نشاط الشركة، وعدم إخطار الهيئة العامة للرقابة المالية بنقل مقر الشركة، وعدم الاحتفاظ بالدفاتر التى توضح المركز المالى للشركة، وذلك بالمخالفة للمواد (124/2، 135/7، 227) من اللائحة التنفيذية لقانون ســوق رأس المال، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 135 لسنة 1993، والمعاقب عليها بنص المادة (67) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، التى ترصد عقوبة غرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه لكل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وحال نظر الدعوى، أضافت المحكمة لمواد القيد نص المادة (68) من القانون المشار إليه، الذى انصب عليه الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع، وتقدير تلك المحكمة لجدية هذا الدفع، وتصريحها له بإقامة الدعوى الدستورية، وانحصرت فيه طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه الدستورية المعروضة، ومن ثم فإن نطاق الدعوى والمصلحة فيها يتحددان بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، وذلك في مجال انطباق أحكامها على نص المادة (67) من القانون ذاته المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008، بحسبان الفصل في دستورية ذلك النص، سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ولا تستطيل إلى غير ذلك من أحكام، وترتيبًا على ما تقدم يكون الدفع المبدى من الهيئة العامة للرقابة المالية بعدم قبول الدعوى فاقدًا سنده، متعينًا الالتفات عنه.
ولا ينال من ذلك سبق صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015، القاضي برفض الدعوى - والذى نشر في العدد رقم 12 مكرر (ب) من الجريدة الرسمية بتاريخ 25/3/2015 - ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى الدستورية المشار إليها قد اقتصر على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 في مجال انطباقه على نص الفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 143 لسنة 2004، ومن ثَمَّ فإن حجية ذلك الحكم تكون بدورها مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكامهما. ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من ذلك القانون، في خارج النطاق المتقدم، قابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه، بشأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور.
كما لا يغير مما تقدم إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018، بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال المشار إليه، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التى اعتنقتها المحكمة عند تفسير ذلك النص، والذى ضمنته مدونات حكمها الصادر في الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية "دستورية" الآنف الذكر، وعينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، والتي تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة في حقه، وبذلك أتى النهج الذى سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التى أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا على النحو المتقدم ذكره، وعلى ذلك، لم يأت النص بعد استبداله بأحكام جديدة تخالف في مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه قبل استبداله بالنص الجديد، وهو بذلك لا يُعَدُّ قانونًا أصلح للمتهم، ومن ثم يظل المدعى مخاطبًا بحكم ذلك النص قبل استبداله.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته نصوص المواد (41، 66، 67، 86، 165) من دستور سنة 1971، والإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، قولاً منه إنه يخل بمبدأى شخصية العقوبة، وشخصية المسئولية الجنائية، لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره، بما يمثل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، ويحول دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة للجريمة، فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار لأصل البراءة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التى تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المطعون فيه في الإطار المار ذكره مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستوريته من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن المقرر أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابى، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائى، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالى وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التى أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التى يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
      وحيث إن الأصل في الجرائم، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واع خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائى ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادى، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها، لتنحل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التى يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا - وكأصل عام - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، إلا أن معناها - وبوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التى يكون الخداع قوامها، أو التى تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تتمثل في الإخلال بنص عقابى، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثَمَّ تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بالمادة (67) من قانون سوق رأس المال، المستبدلة بالقانون رقم 123 لسنة 2008 كل فعل يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وعَدَّ تلك الجريمة جنحة معاقبًا عليها بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، ويسأل عن هذه الجريمة المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته، والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يُعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعية؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحة له، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، دون أن يقيم النص المشار إليه مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشركة، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، والتى يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التى نصت عليها المادة (68) المطعون عليها مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية .

وحيث إنه بشـأن ما نعاه المدعى على نص المادة (68) من القانون المشار إليه من إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (96) منه على أن: "المتهم برىء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فمؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التى عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التى تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية التى عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعى - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.
وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هى التى يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، فقد ولد حرًا مبرءًا من الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لا زال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التى طرحتها بأدلة النفى التى يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة، إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص بموجب المادة (101) منه السلطة التشريعية بسن القوانين، كما نص في المادتين (184، 188) منه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندها الدستور للسلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، في مجال انطباق أحكامه على الأفعال المؤثمة بنص المادة (67) من القانون ذاته، ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة المسئولية الجنائية عن مخالفة أى من الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لذلك القانون، وقرن ثبوت هذه الجريمة في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانونى، الذى عَدَّ المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما في ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه ونفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أى قرينة قانونية تعارض أصـل البراءة، ومن ثَمَّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.
وحيث إن النص المطعـون فيه لا يتعارض مع أى نص آخر من نصوص الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية إسقاط مدة الخدمة العسكرية للمحامي من مدة عمله بالمحاماة عند حساب معاشه


الدعوى رقم 44 لسنة 28 ق " دستورية" جلسة 13 / 10 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
  بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من أكتوبر سنة 2018م، الموافق الرابع من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعـى عمرو ورجب عبد الحكيـم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتــو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان                         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع          أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 44 لسنة 28 قضائية " دستورية ".

المقامة من
ورثة المرحوم أحمد يوسف محمد حسنين الشريف وهم : رشيدة عبد الحميد راجح محمد، ولبنى، وهبة، ويوسف أحمد يوسف محمد حسنين الشريف
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- وزير العـدل
3- رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى
4- نقيب المحامــــين
الإجراءات
      بتاريخ الثانى والعشرين من مارس سنة 2006، أودع المرحوم / أحمد يوسف أحمد حسنين الشريف - مورث المدعين - صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما لم يتضمنه من احتساب مدة التجنيد ضمن مدة استحقاق المعاش إذا قضيت بالجدول العام.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.


المحكمــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المرحوم أحمد يوسف محمد حسنين الشريف كان قد أقام الدعوى رقم 4815 لسنة 2004 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليه الرابع، طالبًا الحكم بأحقيته في احتساب مدة السنوات الأربع التي قضاها في الخدمة العسكرية، وتم إسقاطها من مدة عمله بالمحاماة عند حساب معاشه، على سند من القول بأنه مقيد بنقابة المحامين في 15/4/1968 بالجدول العام كمحامٍ حر، وبتاريخ 16/7/1968 تم تجنيده، وانتهت مدة خدمته العسكريــة الإلزامية في شهر يوليو سنة 1973 بعد أن أمضى خمس سنوات كان يسدد خلالها الاشتراك في المعاش عن كل عام، وفى عام 1976 قيد اسمه بجدول الابتدائي، وعند بلوغه سن المعاش عام 2001 فوجئ بإسقاط الأربع سنوات التي قضاها في التجنيد من مدة اشتراكه، فأقام دعواه بالطلبات سالفة البيان، وبجلسة 27/2/2005 قضت المحكمة برفض الدعوى بحالتها، استأنف المدعى هذا الحكم بالاستئناف رقم 10478 لسنة 122 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، وأثناء نظر الاستئناف دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.

      وبجلسة 2/6/2018، طلب الحاضر عن الحكومة الحكم بانقطاع سير الخصومة لوفاة المدعى، وإذ ثبت بالأوراق وفاة المدعى بتاريخ 8/12/2012، وإنه تم تصحيح شكل الدعوى بحضور وكيل عن ورثته وهم: رشيدة عبد الحميد راجح محمد، ولبنى، وهبة، ويوسف أحمد يوسف محمد حسنين الشريف، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن هذا الطلب.
      وحيث إن المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أن "للمحامي الحق في معاش كامل إذا توافرت فيه الشروط الآتية: ...........
2- أن يكون قد مارس المحاماة ممارسة فعلية مدة ثلاثين سنة ميلادية متقطعـة أو متصلة بما فيها مدة التمرين على أَلاَّ تزيد على أربع سنوات".
      وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة المبدى من هيئة قضايا الدولة فهو مردود بأن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب إعادة تسوية المعاش المستحق للمدعى من صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للمحامين عن كامل مدة القيد بما فيها المدة التى تزيد على السنوات الأربع في التمرين التى قضاها في التجنيد ، وكان نص البند (2) من المادة (196) من قانون المحاماة المشار إليه قد وضع حدًا أقصى لمدة التمرين التي تحتسب ضمن المدة المشترطة لاستحقاق المعاش مقداره أربع سنوات، ولم يستثن مدة التجنيد من هذا الحكم، ومن ثم فإن الفصل في دستورية عجز هذا البند في حدود هذا النطاق، يرتب انعكاسًا مباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية وقضاء محكمة الموضوع فيها، وبالتالي تكون المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى المعروضة متوافرة.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (17، 34، 40) من دستور سنة 1971، بما يشكله من عدوان على الحق في الملكية، كما أنه مايز بين المقيدين بالجدول العام ممن أمضى منهم أربع سنوات في التمرين، وبين من أمضى مدة تزيد على ذلك رغم أنهما يرتبطان بنقابة المحامين بذات الرابطة من قيدهما بالجدول العام وسدادهما الاشتراكات المقررة قانونًا.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائـم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهــدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.



      وحيث إن البين من نص المادة (2) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 أنه يُعد محاميًا كل من يقيد بجداول المحامين التي ينتظمها هذا القانــــــون، وأنه أجاز - بنص المادة (4) - للمحامي أن يمارس مهنة المحاماة في الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والخاص والمؤسسات الصحفية وفى البنوك والشركات الخاصة والجمعيات طبقًا لأحكامه، وأوجب بنص المادة (10) أن يقيد المحامون المشتغلون في جدول عام، تبين فيه أسماؤهم ومحال إقامتهم ومقار ممارستهم المهنة، على أن تنبثق منه جداول ملحقة به بتصنيفهم وفقًا للفئات المبينة بهذه المادة، وتضمن نص المادة (13) منه شروطًا عامة يلزم توافرها - ابتداء - فيمن يطلب قيده في الجدول العـام، واستمراره مقيدًا فيه، أما الجداول الملحقة فقد عنى ذلك القانون بالنص على الشروط الخاصة التى يتعين تحققها لقيد المحامي في أى منها، ومنح المشرع - بالنصوص التى تضمنها الباب الثانى من القانون المشار إليه - المحامين حقوقًا بعينها، وفرض عليهم واجبات بذاتها، وأخضعهم جميعًا لنظام موحد للمساءلة التأديبية عما يقع منهم من إخلال بواجباتهم، كما تقضى المادة (120) من ذلك القانون بأن نقابة المحامين مؤسسة مهنية مستقلة ترعى مصالح أعضائها من المحامين المقيدين بجداولها، وتتكون مواردها من المصادر التى بينتها المادة (166) من هذا القانون، ومن بينها رسوم قيد المحامين في هذه الجداول والاشتراكات السنوية المفروضة عليهم، وقد رتبت المادة (170) منه جزاءً على من يتخلف عن تأدية الاشتراكات حتى موعد محدد استبعاد اسمه من الجدول بقوة القانون، فإن أوفى بالاشتراكات المستحقة عليه، أعيد اسمه إلى الجدول بغير إجراءات واحتسبت له مدة الاستبعاد في الأقدمية والمعاش.
      وحيث إن المشرع أنشأ - بنص المادة (176) من القانون المشـار إليه - صندوقًا للرعاية الاجتماعية والصحية يهدف إلى رعاية أعضاء النقابة من المحامين المقيدين بالجدول العام اجتماعيًا وصحيًا بما في ذلك ترتيب معاشات لهم عند تقاعدهم أو للمستحقين عنهم في حالة الوفاة، على أن يكون للصندوق شخصية اعتبارية مستقلة، وأوكل إلى لجنة تشكل وفقًا لأحكام المادة (177) منه إدارة هذا الصندوق وتصريف شئونه، واختصها بمباشرة المهام التي أوردتها المادة (178)، وحدد المشرع - بنص المادة (181) - موارد الصندوق، والتي تتكون من: حصيلة صندوق الإعانات والمعاشات بالنقابة وقت العمل بأحكام هذا القانون، وحصيلة طوابع دمغة المحاماة التي خول المشرع نقابة المحامين إصدارها بالفئات وفى الأحوال المبينة في المواد (182، 183، 184، 185)، وحصيلة أتعاب المحاماة التى تحكم بها المحاكم في جميع القضايا، وعائد استثمار أموال الصندوق، والهبات والتبرعات والإعانات التي يتلقاها الصندوق ويوافق على قبولها، وبينت المادة (190) المزايا والإعفاءات الممنوحة لأموال الصندوق الثابتة والمنقولة وجميع عملياته الاستثمارية أيًا كان نوعها، كما رسمت المادة (195) الإجراءات التي يتم من خلالها سد العجز في أموال الصندوق أو تصريف فائضه، أما المادتان (196) - المطعون على عجز البند الثانى منها - و(198) فقد بينتا ضوابط استحقاق المعاش وشروطه وأحواله.
      وحيث إن مؤدى ما تقدم أن المحامين - متى تقرر قيدهم في الجدول العام - فقد غدوا أعضاء في نقابة المحامين، وباتوا إزاءها في مراكز قانونية متماثلة، وأصبحوا - بوصفهم كذلك - مؤمنًا عليهم وفقًا لأحكام النظام التأميني الذى قرره قانون المحاماة، ويسهمون جميعًا في تمويله، بحسبان أغلب مصادره من نتاج أعمال المحاماة التى يباشرونها، وحق لهم وللمستحقين عنهم عند بلوغ سن الستين أو الوفاة أو العجز الكامل المستديم صرف المعاش الذى يكفله هذا النظام لمن توافرت في شأنه شرائط استحقاقه حال تحقق الواقعة القانونية المنشئة له.
      وحيث إن المادة (196) من قانون المحاماة المشار إليه قد حددت شروط استحقاق المحامي المعاش تحديدًا حصريًا تنصرف إلى قيده بجدول المحامين المشتغلين، والممارسة الفعلية للمحاماة المدة المقررة قانونًا - ثلاثين سنة ميلادية - بما فيها مدة التمرين، فضلاً عن شرط أساس مؤداه سداد المحامي رسوم الاشتراكات المستحقة عليه ما لم يكن قد أعفى منها، وتأتى أهمية هذا الشرط في ارتباطه الوثيق بالصبغة المالية لصندوق المعاشات باعتباره الجهة المنوط بها صرف المعاشات المستحقة للمحامين، وأن الاشتراكات هى المصدر الرئيسي لتمويله.
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الحق في المعاش - إذا توافر أصل استحقاقه وفقًا للقانون - إنما ينهض التزامًا على الجهة التى تقرر عليها، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعي - على تعاقبها - إذ يتبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامه شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقًا للنظام المعمول به، يُعَدُّ التزامًا مترتبًا بنص القانون في ذمة الجهة المدينة، وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي، حين ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية - الاجتماعية منها والصحية - بما في ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التى بينها القانون؛ فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي - التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيها آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمان الحق في الحياة أهم روافدها، وللحقوق التى يقوم عليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش في محيطها، مقوماتها، بما يؤكد انتماءه إليها، وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها، والتى تُعَدُّ المادة (8) من الدستور مدخلاً إليها.
      وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، وكان مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة؛ ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على بعضهم أم من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم أَلاَّ تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها؛ ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها، منطقيًا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
      وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (86) على اعتبار الدفاع عن الوطن وحماية أرضه شرفًا وواجبًا وطنيًّا مقدسًا، ومن أجل ذلك جعل التجنيد إجباريًّا وفقًا للقانون، بوصف أن التجنيد يعد أحد الروافد الأساسية لإمداد القوات المسلحة بأفرادها الذين يتحملون عبء القيام بهذا الواجب، ولازم ذلك أنه لا يجوز بحال أن يكون تكليف المواطن بأداء هذا الواجـب الوطني سببًا في الإضرار به أو المساس بحقوقه أو الانتقاص منها، ومن ثَمَّ فقد بات كفالة تحقيق ذلك التزامًا دستوريًا على عاتق المشرع والنقابات، وفى الطليعة منها نقابة المحامين باعتبارها أحد أشخاص القانون العام التي أوكل إليها الدستور بمقتضى نص المادة (76) منه مهمة حماية حقوق أعضائها، والدفاع عنهم، وحماية مصالحهم، الأمر الذى يضحى معه عدم تضمين النص المطعون فيه استثناء مدة التجنيد من مدة الأربع سنوات المحددة كحد أقصى لمدة التمرين التي تحتسب في المدة المشترطة لاستحقاق المعاش، مصادمًا نص المادتين (76، 86) من الدستور، لما تضمنه من إهدار للالتزام الدستوري بكفالة حقوق المجندين من أعضاء النقابة، خلال مدة تجنيدهم وأدائهم واجبهم الوطني، ومتضمنًا في الوقت ذاته مخالفة لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، بوصف أن التنظيم الذى سنه المشرع قد جاء منفصلاً عن الأهداف التي رصدها كل من الدستور والقانون وسعى إلى تحقيقها بتقرير الحق في المعاش والتأمين الاجتماعي، وفرض التجنيد الإجباري، وكان يتعين على المشرع تهيئة الوضع القانوني في مختلف أفرعه ليتواكب مع هذه الغايات ، ويكفل تحقيقها؛ ليصير ذلك التنظيم متضمنًا تمييزًا تحكميًا بين المحامين أعضاء نقابة المحامين المستحقين المعاش المتكافئة مراكزهم القانونية في هــذا الشـأن، لا يستند إلى أسس موضوعية.
      وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتدخل المشرع فيها، ومن أجل ذلك وضع الدستور في المادة (92) منه قيدًا عامًا على سلطة المشرع في تنظيم الحقوق والحريات، بموجبه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارستها أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، لما يتضمنه ذلك من هدم لها، والتأثير في محتواها بما ينال منها، فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليمًا من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدوانًا عليها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد توخى اقتطاع جزء مما استحقه المؤمن عليهم - الذين عناهم - من المعاش، مخلاً بذلك بمركزهم القانوني الذى اكتملت في شأنهم شرائط تكوينه، بما مؤداه حرمان هؤلاء المؤمن عليهم من مزية تأمينية كفلتها أحكامه، وكان استحقاقهم المعاش المقرر طبقًا لقانون المحاماة، مخالفًا بذلك ما استهدفه الدستور من ضمان حق المواطن في المعاش، فإن النص المطعون فيه يتمخض عدوانًا على حقوق هذه الفئة من المواطنين أعضاء نقابة المحامين، مجاوزًا بذلك نطاق السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور، بالمخالفة لنص المادتين (92، 128) من الدستور.
      وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية سواء أكان هذا الحق شخصيًّا أو عينيًّا، أم كان من حقوق الملكية الأدبية أم الصناعية، وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام، وكان النص المطعون فيه قد انتقص - دون مقتضٍ - من الحقوق التى تثرى الجانب الإيجابي للذمة المالية للمخاطبين بحكمه، فإنه يكون قد انطوى بذلك على عدوان على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادة (35) من الدستور.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم دستورية عجـز البند الثاني من المادة (196) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 فيما لم يتضمنه من استثناء مدة التجنيد من مدة السنوات الأربع المحددة كحد أقصى لمدة التمرين التي تحتسب في المدة المشترطة لاستحقاق المعاش، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية العقاب على التعدي على أملاك الدولة بالمادتين 115 مكررًا، 372 مكررًا عقوبات

الدعوى رقم 17 لسنة 28 ق " دستورية " جلسة 13 / 10 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
      بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من أكتوبر سنة 2018م، الموافق الرابع من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولـس فهمى إسكندر ومحمـود محمـد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 17 لسنة 28 قضائية " دستورية "
المقامة من
منال محمد العراقى
ضــــــد
1- رئيس الجمهوريـــة
2- رئيس مجلس الـوزراء
3- وزير العــــــدل
الإجراءات
      بتاريخ الثالث عشر من فبراير سنة 2006، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالبة الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (372 مكررًا) من قانون العقوبات.



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
  بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
    حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعية إلى المحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 4587 لسنة 2005 جنح قسم منشأة ناصر، متهمة إياها بأنها في يوم 7/3/2005 بدائرة قسم منشأة ناصر: أقامت أعمال بناء بدون ترخيص على أرض مملوكة للدولة؛ وطلبت عقابها بالمادتين (119، 372/1-2) من قانون العقوبات، وبجلسة 2/7/2005، قضت محكمة جنح منشأة ناصر الجزئية غيابيًّا بمعاقبة المدعية بالحبس لمدة سنة، فعارضت المدعية هذا الحكم، وبجلسة 24/12/2005، قدمت المدعية مذكرة دفعت فيها بعدم دستورية نص المادة (372 مكررًا) من قانون العقوبات، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
  وحيث إن المادة (372 مكررًا) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 34 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات تنص على أن: " كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيرى أو لإحدى شركات القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألفين من الجنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبانى أو غراس أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلاً عن دفع قيمة ما عاد عليه من منفعة.
            فإذا وقعت الجريمة بالتحايل أو نتيجة تقديم إقرارات أو الإدلاء ببيانات غير صحيحة مع العلم بذلك تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
            وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين في حالة العود".
            وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه غموضه وإبهامه، وإخلاله بمبدأ المساواة، وإهداره للحق في السكن، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (25، 40، 65، 66، 187) من دستور سنة 1971.
            وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
وحيث كان ذلك، وكانت المدعية قـد قُدمت للمحاكمة الجنائيـة، بوصف تعديها بالبناء على أرض مملوكة للدولة بإقامة منشآت عليها، وكان ذلك الفعل من بين صور التجريم المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (372 مكررًا) من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 34 لسنة 1984، ومن ثم فإن الفصل في دستورية الفقرة الأولى من النص المطعون فيه، يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر للمدعية - من ثم - المصلحة الشخصية المباشرة في الطعن عليه.




            وحيث إن الأصل في الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية النصوص التشريعية أنها رقابة شاملة تتناول كافة المطاعن الموجهة إليها أيًّا كانت طبيعتها، وأنها بالتالى لا تقتصر على العيوب الموضوعية التى تقوم على مخالفة نص تشريعى للمضمون الموضوعى لقاعـدة واردة في الدستور، وإنما تمتد هذه الرقابة إلى المطاعن الشكلية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور، سواء في ذلك ما كان منها متصلاً باقتراح النصوص التشريعية، أو إقرارها، أو إصدارها.
  وحيث إنه من المقرر - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - أن التحقق من استيفاء النصوص القانونية لأوضاعها الشكلية يُعَدُّ أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها الموضوعية، ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص القانونية هى من مقوماتها، لا تقوم إلا بها ولا يكتمل بنيانها أصلاً في غيابها، وبالتالى تفقد بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية تتوافر لها خاصية الإلـزام، ولا كذلك عيوبها الموضوعية، إذ يفترض بحثها أن تكون هذه النصوص مستوفية لأوضاعها الشكلية، ذلـك أن المطاعن الشكلية - وبالنظر إلى طبيعتها - لا يتصور أن يكون تحريها وقوفًا على حقيقتها، تاليًا للنظر في المطاعن الموضوعية، ولكنها تتقدمها، ويتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تتقصاها - من تلقاء نفسها - بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها مختصرًا في المطاعن الموضوعية دون سواها، منصرفًا إليها وحدها.
وحيث إن من المقرر كذلك أن كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها وإقرارها وإصدارها وشروط نفاذها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في شأن المشمولين بحكمها - مع افتقارها لقوالبها الشكلية - لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التى لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها للقانون وسموه عليها باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها.
            وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها، إنما تتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أضيف إلى قانون العقوبات، بالقانون رقم 34 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، الصادر في ظل العمل بأحكام دستور سنة 1971، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها الدستورية على استيفاء النص المطعون فيه لأوضاعه الشكلية طبقًا لأحكام ذلك الدستور.
وحيث إن نص المادة (195) من دستور سنة 1971 - المضاف طبقًا لنتيجة الاستفتاء الذى جرى بتاريخ 26/6/1980، قبل تعديله وفق نتيجة الاستفتاء الحاصل في 26/3/2007 - قد جرى على أن "يؤخذ رأى مجلس الشورى فيما يلى : 1- .......2- مشروعات القوانين المكملة للدستور 3-...... 4-...... 5- ......6-........
ويبلغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب". ومؤدى ذلك - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن عرض مشروعات هذه القوانين على مجلس الشورى لقول كلمته فيها لا يكون إلا وجوبيًّا، فلا فكاك منه ولا محيص عنه، ولا يسوغ التفريط فيه أو إغفاله، وإلا تقوض بنيان القانون برمته من أساسه، فإذا تحققت المحكمة من تخلف هذا الإجراء، تعيّن إسقاط القانون المشوب بذلك العوار الشكلى بكامل النصـوص التى تضمنهـا، ولبات لغوًا - بعدئذ - التعرض لبحث اتفاق بعضها مع الأحكام الموضوعية للدستور، أو منافاتها لها.
            وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن ثمة شرطين يتعين اجتماعهما معًا لاعتبار مشروع قانون معين مكملاً للدستور (أولهما) أن يكون الدستور ابتداء قد نص صراحة في مسألة بعينها على أن يكون تنظيمها بقانون، أو وفقًا للقانون، أو في الحدود التى بينها القانون، أو طبقًا للأوضاع التى يقررها، فإن هو فعل دل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ في تقديره درجة من الأهمية والثقل لا يجوز معها أن يُعهد به إلى أداة أدنى. (ثانيهما) أن يكون هذا التنظيم متصلاً بقاعدة كلية مما جرت الوثائق الدستورية على احتوائها وإدراجها تحت نصوصها، وتلك هى القواعد الدستورية بطبيعتها التى لا تخلو منها في الأعم أية وثيقة دستورية، والتى يتعين كى يكون التنظيم التشريعى مكملاً لها أن يكون محددًا مضمونها، مفصلاً حكمها، مبينًا حدودها، بما مؤداه أن الشرط الأول وإن كان لازمًا كأمر مبدئى يتعين التحقق من توافره قبل الفصل في أى نزاع حول ما إذا كان مشروع القانون المعروض يُعَدُّ مكملاً للدستور أو لا يُعد مكملاً له، إلا أنه ليس الشرط الوحيد، بل يتعين لاعتبار المشروع كذلك أن يقوم الشرطان معًا متضافرين استبعادًا لكل مشروع قانون لا تربطه أية صلة بالقواعـد الدستورية الأصلية، بل يكون غريبًا عنها مقحمًا عليها. واجتماع هذين الشرطين مؤداه أن معيار تحديد القوانين المكملة للدستور، والتى يتعين أن يؤخذ فيها رأى مجلس الشورى قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية لا يجوز أن يكون شكليًا صرفًا، ولا موضوعيًا بحتًا، بل قوامه مزاوجة    بين ملامح شكلية، وما ينبغى أن يتصل بها من العناصر الموضوعية، على النحو المتقدم بيانه.
            وحيث إن المواثيق الدولية قد اهتمت بالنص على قواعد شرعية النصوص العقابية، ومن ذلك ما نصت عليه المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، من أن "1- كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2- لا يدان أى شخص بجريمة بسبب أى عل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرمًا بمقتضى القانون الوطني أو الدولى، كما لا توقع عليه أى عقوبة أشد من تلك التى كانت سارية في الوقت الذى ارتكب فيه الفعل الجرمى".
            وحيث إن البين من استقراء الدساتير المصرية المتعاقبة أنها حرصت على النص على أن الجريمة لا ينشؤها إلا نص قانوني، فلا يجوز افتراض وجودها، ولا تعيين أركانها بما يجهل بها، وقد صار أصلاً في تلك الدساتير، أَلاَّ جريمة بغير قانون أو في حدوده، ويتصل بهذا الأصل أَلاَّ عقاب بغير جريمة، ولا جريمة بغير عقوبـة، ولا رجعية للقوانين الجنائية، ولا عقوبة بغير حكم قضائي. وعلى هدى ما تقدم نصت المادة (6) من دستور سنة 1923 على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها"، وقـــد سايرتهـا في المبنى والمعنى نصوص المواد (6) من دستـور سنة 1930، و(32) من دستور سنة 1956، و(8) من دستور سنة 1958، و(25) من دستور 1964، كما اعتنق حكمها وأضاف إليها نص المادة (66) من دستور 1971 الذى جـــرى على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبـة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، وقد تابع نص المادة (76) من دستور سنة 2012، ونص المادة (95) من دستور سنة 2014 النهج الذى سار عليه دستور سنة 1971 فيما سلف بيانه.
            وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص القانون المطعون فيه قـــــــد انصرف حكمه إلى إنشاء الجريمة التى انطوى عليها - محددًا أركانها والعقوبة المقررة لها - ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون مرتبطًا بالعديد من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، أخصها الحرية الشخصية ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فضلاً عن تنظيم النص المذكور ضوابط توقيع العقوبات الأصلية منها والتبعية، وهو أمر وثيق الصلة بولاية القضاء والحق في التقاضي، والتي تدخل جميعها ضمن المسائل التى تتصف بالطبيعة الدستورية الخالصة والتي حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة على تفويض القانون في تنظيمها، وهو ما تناوله دستور سنة 1971 في المواد (66 و67 و68 و165 و167)، التى تقابلها نصوص المواد (94 و95 و96 و97 و168) من دستور سنة 2014، ومن ثَمَّ فإنه يكون قد توافر في القانون المطعون فيه العنصران اللازمان لاعتباره من القوانين المكملة للدستور، وإذ كان البين من كتاب أمين عام مجلس النواب رقم 823 بتاريخ 3/2/2018، المرفق بالأوراق، أن القانون رقم 34 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات - الذى أضاف النص المطعون فيه - لم يتم عرضه على مجلس الشورى لأخذ الرأى فيه، فإنه يكون مشوبًا بمخالفة نص المادة (195) من دستور سنة 1971.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان العيب الدستوري المشار إليه قد شمل القانون رقم 34 لسنة 1984 الذى نص في مادته الأولى على أن "تضاف إلى قانون العقوبات مادتان جديدتان برقمى (115 مكررًا، 372 مكررًا)"، ونشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بالعدد 13 (مكرر) في 31 مارس سنة 1984، وبدأ العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره، فإن القضاء بعدم دستورية هذا القانون برمته يكون متعينًا، وذلك دون حاجة إلى الخوض فيما قد يتصل ببعض نصوصه من عوار دستوري موضوعي.
فلهـذه الأسبـاب
      حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون رقم 34 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.