بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 02-09-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 1056 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
ب. ل.
مطعون ضده:
ك. إ. م. س. ?. 2. ر. م. ح.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2025/1282 استئناف تجاري بتاريخ 02-07-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الملف الإلكتروني وسماع تقرير التلخيص الذي تلاه بالجلسة القاضي المقرر أحمد محمد عامر وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن- تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها أقامت على الشركة الطاعنة الدعوى رقم 4598 لسنة 2024 تجاري كلي بطلب الحكم بإلزامها أن تؤدي إليها مبلغ 2,700000 دولار أمريكي أو ما يعادله بالدرهم الإماراتي والفائدة القانونية بواقع 9% من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد. وذلك تأسيساً علي إنها دأبت من خلال صفقات علي توريد الغازولين للطاعنة ، وفي سبتمبر 2022 تم اجراء مناقشات هاتفية بينهما لتوريد 5000 طن متري من الغازولين للطاعنة ب ميناء داكار _ السنغال- ، وفي 9/11/2022 أرسلت للطاعنة عبر البريد الإلكتروني فاتورة مبيعات كعرض لإبرام الصفقة متضمنة اسم السفينة والكمية وشروط التسليم ونقطتي التحميل والتفريغ ، فأرسلت الطاعنة إليها بتاريخ 18/11/2022 رسالة بقبول العرض تلقتها بمكتبها بإمارة دبي، وقد طلبت الطاعنة منها بتوجه السفينة إلى ميناء داكار على أن ترتب عمليات سداد المبلغ المتفق عليه، وبوصول السفينة للمكان المقرر في 7/12/2022 تم الحجز عليها ومصادرة الحمولة نتيجة مديونية الطاعنة للغير. وإذ أوفت المطعون ضدها بالتزاماتها بأن وردت كامل الكمية المتفق عليها إلا أنها لم تتسلم سوى نصف قيمتها، ومن ثم أقامت الدعوى ، ندبت المحكمة خبيرًا في الدعوى وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ 14/4/2025 بإلزام الطاعنة أن تؤدي إلى المطعون ضدها المبلغ المطالب به أو ما يعادله بالدرهم الإماراتي والفائدة بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف 1282 لسنة 2025 تجاري ، وبتاريخ 2/7/2025 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف ، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بالتمييز الماثل بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 31/7/2025 طلبت فيها نقضه ، قدم محامي المطعون ضدها مذكرة بدفاعها ? في الميعاد- طلب فيها رفض الطعن ، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة المشورة ورأت أنه جدير بالنظر قررت اصدار الحكم فيه بجلسة اليوم بغير مرافعة.
وحيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أُقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقصور فى التسبيب والفساد ، وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم اختصاص محاكم دبي ولائياً بنظر الدعوى كون أن مقرها يقع?بدولة نيجيريا- وليس لها فروع أو ممتلكات بدولة الإمارات العربية ولا تمارس نشاط الإتجار في المنتجات البترولية فيها وإنما تسويقها وفقًا لشهادة التسجيل المقدمة من المطعون ضدها ، وتم تنفيذ الاتفاق كليًا خارج الدولة ولا يوجد عقـد أو اتفاق بينها وبين المطعون ضدها على تنفيذه داخلها كما أن التعامل موضوع النزاع للمنتجات البترولية قد تم في دولة السنغال ، فلا ينعقد الاختصاص بنظر الدعوى لمحاكم دبي وبما يتفق لنص المادة 17 من المرسوم الاتحادي رقم 40 لسنة 2018 بالتصديق على اتفاقية التعاون القانوني والقضائي في المسائل المدنية والتجارية بين الإمارات وجمهورية نيجيريا الاتحادية. إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع على ما أورده من أن العقد موضوع التداعي تم بين غائبين لم يضمها مجلس واحد وجرى عن طريق المراسلة وأنها لم تنازع في أن المطعون ضدها هي التي بادرت أولاً بالتعبير عن إرادتها بإيجاب قبلته الطاعنة وعلمت به المطعون ضدها في مقرها بدبي، في حين أنها ليست المشترية للبضاعة وما هي إلا ممثلة ونائبة عن المطعون ضدها في البيع وتحصيل القيمة من المشترين وفقًا لإقرار الأخيرة في الدعوى المستعجلة التي أقامتها أمام محكمة داكار لرفع الحجز عن البضائع التي أرسلتها إلى الطاعنة وتكليفها ببيعها في غرب أفريقيا وقدمت الطاعنة سند التحويل الثابت منه إرسالها للمطعون ضدها المبلغ الذي قامت بتحصيله من المشتري لبضاعة المطعون ضدها مبلغ مقداره 2,700000 دولار أمريكي باعتبارها ممثل ونائبة عن المطعون ضدها في بيع البضاعة وليست مشترية لها فإذا ما خالف الحكم ذلك فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن النص في المادة 20/3 من قانون الإجراءات المدنية يدل على أن الاختصاص الدولي للمحاكم هو من النظام العام وأن محاكم الدولة تختص بنظر الدعاوى التي تُرفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة بها إذا كانت الدعوى متعلقة بالتزام أُبرم أو نُفذ أو كان مشروطًا تنفيذه في الدولة ، وأنه وفق ما تقضي به المادة 33/3 من ذات القانون أن الاختصاص في المواد التجارية يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو للمحكمة التي تم الاتفاق أو نُفذ كله أو بعضه في دائرتها أو للمحكمة التي يجب تنفيذ الاتفاق في دائرتها وهذه المحاكم قسائم متساوية وضعها القانون تحت رغبة المدعي يتخير منها ما يشاء دون أن يلتزم بالالتجاء إلى محكمة معينة منها، وأنه لا يجوز لمحاكم دبى أن تتخلى عن اختصاصها بنظر الدعوى متى توافر فيها أحد أسباب اختصاصها ولو كانت هناك محكمة أخرى مختصة بنظرها، وأن مفاد نصوص المواد 125، 126، 129، 130، 132، 140، 141 من قانون المعاملات المدنية أن وصف العقد يصدق على كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني، وأن إسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة آخر على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه ، وأنه يشترط لانعقاد العقد مطابقة الإيجاب للقبول وارتباطه به، وأن المقصود بالإيجاب هو العرض الذى يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين بحيث إذا ما اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد، ويعتبر التعاقد قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص في القانون يقضي بغير ذلك مما مفاده أن المتعاقد الذي يتمسك بإعمال حكم هذا النص هو الذي يقع عليه عبء اثبات أن علم الموجب بالقبول قد تم في المكان الذي يدعيه ، ولمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها واستظهار توافق إرادتي الطرفين على إنشاء العقد وانعقاده وتنفيذه والإقالة منه، واستخلاص مدى اختصاص محاكم دبي بنظر الدعوى وتوافر شروط هذا الاختصاص سواء من حيث كون النزاع المعروض عليها متعلقًا بمادة تجارية أو من حيث مكان إبرام العقد ومكان تنفيذه كله أو بعضه أو المكان الذي كان متعينًا تنفيذه ومكان وزمان علم الموجب بقبول العقد ، وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت الدليل عليها وأقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله ، لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع بعدم اختصاص محاكم دبي بنظر الدعوى على ما خلص إليه من أن البين من الأوراق والمراسلات المقدمة من المطعون ضدها أن الفاتورة الأولى تضمنت تحديد كمية زيت الغاز المباعة والمبلغ، وأن العقد موضوع التداعي تم بين المطعون ضدها ومقرها إمارة دبي والطاعنة ومقرها السنغال وهما غائبتان لم يضمها مجلس واحد، وجرى عن طريق المراسلة ولم تنازع الطاعنة في أن المطعون ضدها هي التي بادرت أولًا بالتعبير عن إرادتها بإرسالها الفاتورة المار ذكرها وثابت بها كمية زيت الغاز والثمن فقبلته الطاعنة وأرسلت إليها تحويلًا بنكيًا، مما مُفاده صدور الإيجاب البات للعقد في صورته النهائية من المطعون ضدها والذي قابله قبول الطاعنة، وقد علمت المطعون ضدها بهذا القبول في مقرها بدبي، وخلت أوراق الدعوى من دليل على أن هذا العلم كان في غير هذا المقر، فإن مكان العقد بين الطرفين يكون هو إمارة دبي باعتبارها مكان إقامة المطعون ضدها الذي علمت فيه بقبول الطرف الآخر-الطاعنة- ، وتختص محاكم دبي بنظر الدعوى، وكان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغًا وله معينه من الأوراق ويكفي لحمل قضائه ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وفيه الرد الضمني المسقط لكل حُجة مخالفة، لا ينال من ذلك ما أثارته الطاعنة من عدم اختصاص محاكم دبي وفقًا للمرسوم الاتحادي رقم 40 لسنة 2018 بشأن التصديق على اتفاقية بين الدولة وجمهورية نيجيريا الاتحادية حول التعاون القانوني والقضائي في المسائل المدنية والتجارية ذلك أن النص في هذه المادة 17 من هذا المرسوم على أنه:1- تكون محاكم الطرف الذي توجد فيه الممتلكات غير المنقولة مختصة بالتقرير في الحقوق المتعلقة بتلك الممتلكات. 2- بالنسبة للمسائل غير المتعلقة بالأهلية أو وضع شخص أو ممتلكات غير منقولة يكون الاختصاص لمحاكم طرف في الحالات التالية إذا ... هـ- خضع المدعى عليه صراحة أو ضمنًا إلى اختصاص محاكم ذلك الطرف وأن قانون ذلك الطرف يسمح بذلك. والنص في المادة 21 منه على أن تكون السلطة القضائية المختصة لأي طرف مختصة بالنظر في تسوية مطالبة تُقدم وتُرفع إليها وفقًا لقانونها الوطني معترف بها ونافذة في أراضي الطرف الآخر. مُفاده-أن أحكام هذه الاتفاقية بالنسبة لتحديد نطاق الاختصاص الدولي لمحاكم أي من الدولتين بنظر النزاعات التي تعرض عليها- قد أحالت على قواعد الاختصاص المقررة في كل دولة منهما أو قواعد الاختصاص المقررة في هذه الاتفاقية- فيجب على القاضي في دولة الإمارات إذا ما ثار خلافًا حول الاختصاص الدولي للنزاع المطروح عليه أن يُعمل قواعد الاختصاص المقررة في دولته أو في هذه الاتفاقية- مما لازمه أن حالات الاختصاص الواردة في الاتفاقية- ما هي إلا مكملة للحالات الواردة في قوانين دولة الإمارات وليست معدلة لها. وإذ واجه الحكم المطعون فيه الخلاف على مسألة الاختصاص الدولي بتطبيق المادة 33/3 من قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات -على النحو المتقدم- فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وكانت الطاعنة لم تقدم دليلاً علي أن علم المطعون ضدها بالقبول قد تم في المكان الذي تتعديه خارج إمارة دبي ، ويكون النعي عليه بهذا السبب مجرد جدل فيما لمحكمة الموضوع من سلطة في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها واستخلاص توافر دواعي اختصاص محاكم دبي بنظر الدعوى وانتفاء وجود هذه الدواعي وتوافر شروط هذا الاختصاص، وهو ما تنحسر عنه رقابة محكمة التمييز. ومن ثم على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفه الثابت بالأوراق، إذ قضي بإلزامها بالمبلغ المقضي معولاً في ذلك علي تقرير الخبرة المنتدبة الذي اعتبر أن العلاقة بين طرفي الدعوى علاقة بائع بمشترٍ واستند الحكم في ذلك إلى الفاتورة الصادرة من المطعون ضدها إليها بتاريخ 8/11/2022 وسند تحويل المبلغ الصادر منها في 21/12/2022 ، في حين أنها تمسكت في دفاعها من أنها ووفق ما هو ثابت من شهادة تسجيلها رقم 268514 الصادرة من لجنة شئون الشركات في جمهورية نيجيريا هي شركة قائمة ومسجلة في أفريقيا تجري فيها عمليات وساطة لتسويق المنتجات البترولية والنفط الخام والمنتجات الصناعية والمواد الكيمياوية ، وأن العلاقة الفعلية بينها وبين المطعون ضدها هي علاقة وساطة عملت خلالها الطاعنة كوسيط عنها في تسويق منتجاتها في السوق الأفريقية وتوفير العملاء وتيسير بيع هذه المنتجات فيها، وكا ن استلامها للفواتير وسدادها لمبالغ عن الصفقات المبرمة -ومنها بينها موضوع الدعوي- كان يتم بصفتها وسيط مقابل عمولات تتقاضها لاكتساب عملاء للشركات المختلفة وتسهيلاً لعمليات السداد التي تتم من خلالها، وأن تيسير المعاملة -موضوع الدعوي- فيما بين المطعون ضدها والمشتريين لبضائعها لا يُنشئ علاقة بيع وشراء بينها وبين المطعون ضدها ، وأن إصدارها لفاتورة -دون عقد- لا يُنشئ في حد ذاته علاقة تعاقدية بالبيع والشراء بينهما ، وتظل هي وسيطاً في التعامل لتسهيل وإتمام عمليات البيع مع المشتريين الفعليين. وأن ما حوَّلته للمطعون ضدها من مبالغ بتاريخ 21/12/2022 يمثل نصف قيمة ثمن هذه البضاعة التي حصلتها كوسيط في عملية بيع البضائع، فالثابت من المستند الصادر منها للمطعون ضدها بتاريخ 18/11/2022 أنها ممثل ووسيط عنها في بيع بضائعها إلى المشتري الفعلي -شركة توميت انرجي ليمتد- ، و المطعون ضدها من طلبت توجيه السفينة المحملة بالبضاعة إلى رصيف ميناء داكار في السنغال ? على أن يتم إتمام عملية السداد لقيمتها من المشتري الذي سيتحمل جميع تكاليف الرسو ومغادرة الرصيف ، ولم تبين الخبرة المنتدبة المواصفات الفنية للبضاعة موضوع الدعوى وكيفية تسليمها ومستنداتها التي تتعلق بالسعر ، فما اعتمدته من فواتير لم يرد فيها رقم التسجيل الضريبي وهو شرط إلزامي لصحة المعاملة. كما أن الثابت أن الطاعنة قد تضامنت مع المطعون ضدها في إقامة دعوى بدولة السنغال قبل المرسل إليهم البضاعة للمطالبة باستردادها لعدم سداد قيمتها، وفيها أقرت المطعون ضدها -وفق ما هو ثابت في الحكم الصادر من محكمة استئناف السنغال- من تكليفها للطاعنة ببيع منتجاتها في منطقة غرب إفريقيا فتكون هي وسيطاً في بيع البضائع. فإذا ما خالف الحكم ذلك فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول -ذلك لما هو مقرر -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن العقد شريعة المتعاقدين وأنه يتعين على كل من المتعاقدين الوفاء بما أوجبه العقد عليه وفقًا لطبيعة التصرف ومقتضيات تنفيذه بحسن نية، وأن التزام المتعاقد ليس مقصورًا على ما ورد في العقد ولكنه يشمل أيضًا كل ما هو من مستلزماته وفقًا للقانون، و أن عقد البيع من العقود الرضائية التي تتم بمجرد تلاقي الإيجاب مع القبول وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه، والمقصود بالإيجاب هو العرض الذي يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين بحيث إذا ما أقترن به قبول مطابق له أنعقد العقد، ولا يجوز بعد ذلك لأي من الطرفين بإرادته المنفردة التنصل منه أو التحلل من أثاره ، ومن المقرر أيضًا إن استخلاص ما إذا كان الإيجاب باتًا واقترن به قبول مطابق له هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بغير معقب من محكمة التمييز ما دام استخلاصها سائغًا ومستمدًا من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها، ومن المقرر كذلك أن تقدير تقابل الالتزامات في العقود الملزمة للجانبين واستخلاص الجانب المقصر في العقد أو نفي التقصير عنه من الأمور التي تدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع التقديرية متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله . ومن المقرر أيضاً أن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل وفهم الواقع فى الدعوى وبحث وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة قيها والموازنة بينها والأخذ بما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه، وأن تكييف العلاقة القائمة بين الخصوم وتكييف الدعوى ليس بما يصفها بها هم بل بما تتبينه المحكمة من وقائع ومن تطبيق القانون عليها وإعطائها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، ولها التحقق من انشغال الذمة المالية بالمديونية ثبوتًا أو نفيًا وتقدير أدلتها ومنها الرسائل الإلكترونية التى لها حجيتها فى الإثبات، ولها السلطة المطلقة في تقدير عمل أهل الخبرة باعتباره عنصرًا من عناصر الإثبات في الدعوى ويخضع لمطلق سلطتها في الأخذ به متى اطمأنت إليه ورأت فيه ما تقتنع به ويتفق مع ما ارتأت إنه وجه الحق في الدعوى، وإنه إذا رأت الأخذ به محمولًا علي أسبابه وأحالت إليه اعتبر جزءً من أسباب حكمها دون حاجة لتدعيمه بأسباب أو الرد استقلالًا على الطعون الموجهة إليه أو إعادة المأمورية للخبير أو ندب غيره لمباشرتها، كما أنها لا تكون ملزمة من بعد بالتحدث عن كل قرينة غير قانونية يدلي بها الخصوم ولا بتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد عليها طالما كان فى قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات وكانت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها ما يساندها من أوراق الدعوى بما يكفي لحمله. ولا إلزام على الخبير بأداء عمله على وجه معين وحسبه أن يقوم بما نُدب له على النحو الذب يراه محققًا للغاية من ندبه طالما كان عمله في النهاية خاضعًا لتقدير محكمة الموضوع، والتى لها الاكتفاء بما أجراه الخبير من أبحاث وما توصل إليه من نتائج تعينها على تكوين عقيدتها للفصل في موضوع الدعوى. لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم القواعد الواردة بالمساق المتقدم وانتهي لتأييد الحكم المستأنف بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضدها المبلغ المقضي به وأقام قضاءه علي ما أورده بمدوناته من أن (( الثابت من مستندات الدعوى وتقرير لجنة الخبرة المنتدبة أمام محكمة أول درجة أن العلاقة بين طرفى الاستئناف تتمثل في قيام المستأنف ضدها -المطعون ضدها- ببيع كمية قدرها 5000 طن متري من زيت الغاز للمستأنفة بموجب الفاتورة النهائية المؤرخة 11/11/2022 ، الصادرة من المستأنف ضدها نظير مبلغ مقداره 5400000 دولار أمريكي شامل النقل حتى ميناء دكار بنيجيريا عن طرق الشاحن شركة أفريست أنيرجي ، وقد قامت المستأنفة بسداد مبلغ وقدره 2,700000 دولار أمريكي من قيمة الشحنة من حسابها لدى البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير إلى الحساب البنكي للمستأنف ضدها , وان المستأنفة هي من استلمت الشحنة وفقًا للعرف المتبع في النقل البحري للمنتجات البترولية كون الثابت في بوليصة الشحن أن المرسل إليه هو المستأنفة , بما ينهض قواماً لاستخلاص المحكمة أن المستأنفة هي المشتري لتلك البضائع آية ذلك ودليله إن الفاتورة الصادرة من المستأنف ضدها صدرت باسم المستأنفة وقبلتها الأخيرة , وردت ببريد إلكتروني للمستأنف ضدها طلبت فيه السماح للسفينة بالتوجه إلى داكار والرسو في الميناء وترتيب عمليات الدفع والسداد للمبلغ المتفق عليه ، وأن ما قالت به المستأنفة أنها كانت وسيط لصالح مشترى أخر ... فهو أمر لم يقم عليه دليل في الأوراق , لا سيما وأن المستأنفة هي من قامت بتاريخ 21/12/2022 بإجراء تحويل بنكي بسداد نصف قيمة الفاتورة الصادرة من المستأنف ضدها بمبلغ مقداره 2,700000 دولار أمريكي وارسلت بريداً الكترونياً للمستأنف ضدها تؤكد هذا السداد ونتيجة لذلك اصدرت المستأنف ضدها فاتورة نهائية بالمبلغ المتبقي لها في ذمة المستأنفة بأجمالي مبلغ مقداره 2,700000 دولار أمريكي , ولم تقدم المستأنفة من المستندات ما يقطع فى دلالته بما قالت به من أنها وسيط في التعاقد خلافاً للثابت في المراسلات المتبادلة بينها وبين المستأنف ضدها ، وأن ما تساندت إليه المستأنفة من حكم صادر من محكمة داكار التجارية في الدعوى رقم 605 لسنة 2023 فإن البين من المستندات وتقرير اللجنة أن الشحنة قد تم الحجز عليها في ميناء داكار بسبب نزاع بين المستأنف ضدها وشركات أخرى قامت المستأنفة بإعادة بيع كميات زيت الغاز إليها ، وهو أمر لا يرقى في دلالته الى اعتبار المستأنفة وسيط تجارى وليس مشترى من المستأنف ضدها , بما مؤداه أنها هي المسؤولة عن سداد باقي قيمة الشحنة التي تطالب بها المستأنف ضدها , ولما كانت اللجنة المنتدبة قد انتهت في تقريرها الى أن المستأنفة ذمتها مشغولة لصالح المستأنف ضدها بمبلغ 2,700000 دولار أمريكي ، وكان الحكم المستأنف قد انتهى الى إلزام المستأنفة بذلك المبلغ اعمالا لحقه في الأخذ بتقرير الخبرة كون أنه أورد في أسبابه الرد المسقط على اعتراضات المستأنفة والتي كانت هي ذاتها أسباب الاستئناف , الامر الذى يكون معه الاستئناف في جملة أسبابه غير قائم على سند صحيح من الواقع واحكام القانون وتنتهى المحكمة إلى رفضه وتأييد الحكم المستأنف لأسبابه وحملاً على ما سلف ،.....،)) ، وإذ كان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق ومما يدخل في حدود سلطة محكمة الموضوع التقديرية وبالأخذ بتقرير الخبرة المنتدبة الذي تكفل بالرد علي اعتراضات الطاعنة التي أثارتها بوجه النعي ولا مخالفة فيه للقانون وكافياً لبيان مدي التزام الطاعنة بالمبلغ المقضي به ويتضمن الرد المسقط لكل حجج الطاعنة وأوجه دفاعها ، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما سلف لا يعدو أن يكون جدلاً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره من الأدلة المطروحة عليها في الدعوى بغرض الوصول إلى نتيجة مغايرة لتلك التي انتهت إليها وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة التمييز.
وحيث إنه ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: برفض الطعن وبإلزام الطاعنة بالمصروفات وبمبلغ ألفي درهم مقابل أتعاب المحاماة للمطعون ضدها مع مصادرة مبلغ التأمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق