بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 09-09-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 1125 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
ج. ل. و. ل. ف. د.
مطعون ضده:
أ. م. ل. ا. ذ.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2025/499 استئناف تجاري بتاريخ 23-07-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي أعده وتلاه بالجلسة السيد القاضي المقرر د/ سيف الحداد الحازمي وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعنة الدعوى رقم 2122 لسنة 2024 تجاري أمام محكمة دبي الابتدائية بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 131,581,322 درهمًا، والفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. واحتياطيًا ندب الخبرة لبحث عناصر الدعوى. وقالت في بيان دعواها إنها المطور العقاري لمشروع مدينة أجمل مكان في واجهة الشارقة المائية، وأن الطاعنة وهي شركة متخصصة في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، عرضت عليها تمويل تلك المحطات وتشغيلها مقابل 75% من الأرباح لعوائد المعالجة، وبتاريخ 29-7-2019 تم التعاقد مع الطاعنة بموجب عقد تصميم وبناء وتملك وصيانة وتشغيل ونقل ملكية محطة معالجة الصرف الصحي لمدينة الشارقة للواجهات المائية بسعة 100 ألف متر مكعب معالجة يوميًا، ونفاذًا لذلك اشترت الأرض اللازمة لتنفيذ المشروع، واستصدرت موافقات الجهات الحكومية على تنفيذ المشروع وعلى المخططات الخاصة بتنفيذ محطة الصرف الصحي موضوع التعاقد، ونفذت شبكة التوصيلات والبنية التحتية الخاصة بالمحطة وتكبدت مبالغ ومصروفات ضخمة، إلا أنه بدون سبب توقفت الطاعنة عن تنفيذ المشروع، وسحبت عمالها، مما ألحق بها ضرر جسيم، ومن ثم كانت الدعوى. ندبت المحكمة لجنة ثنائية من الخبراء، وبعد إيداع التقرير عدلت المطعون ضدها طلباتها في الدعوى بموجب مذكرة مقدمة لجلسة 14-1-2025 إلى طلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تؤدي إليها مبلغ 14,679,572درهمًا على سبيل التعويض عن تكلفة شراء الأرض المخصصة لغرض إقامة عليها المحطة التي لم تنفذ بسبب إخلال الطاعنة مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وبإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 7,463,094 درهمًا على سبيل التعويض عن فوات كسب ثمن الأرض وقدرها 14,679,572درهمًا مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وبإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 19,861,931درهمًا إجمالي تكلفة تمديد وإنشاء شبكة الصرف الصحي والمياه المعالجة التي أنشأت لغرض الربط مع المحطة موضوع النزاع، والتي أصبحت هي والعدم سواء وغير مستخدمة، بسبب عدم تنفيذها للمحطة موضوع النزاع، مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وبإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 10,097,805 دراهم قيمة فوات كسب تكلفة تنفيذ شبكة الصرف الصحي والمياه المعالجة غير المستخدمة، والمخصصة للربط مع المحطة موضوع النزاع، مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وبإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 1,227,500درهم تكلفة محطة مشروع جزيرة الشمس المؤقتة (400 متر مكعب) / PS001-AHBC-AA-AM-L-010 ، مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وبإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 1,543,050 درهمًا قيمة تكلفة محطة مشروع البلو باي ووك المؤقتة (400 متر مكعب) رقم العقد ( SDC/SJ/CA-011 )، مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وبإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 100,000,000 درهم قيمة فوات كسب مشروع (بلوباي ووك ديستريكت) الذي تعطل نتيجة فشل الطاعنة في تنفيذ محطة الصرف الصحي، مع الفائدة بنسبة 9% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد التام. وعلى سبيل الاحتياط إعادة الدعوى للخبرة للرد على اعتراضاتها. بتاريخ 30-1-2025 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم 499 لسنة 2025 تجاري، أعادت المحكمة الدعوى للخبرة، وبعد إيداع التقرير قضت المحكمة بتاريخ 23-7-2025 بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام الطاعنة بأن تؤدي إلى المطعون ضدها مبلغ 50,000,000 درهم تعويضًا عن كافة الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بها، والفوائد القانونية بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد. طعنت الطاعنة على هذا الحكم بالتمييز بالطعن الماثل بموجب صحيفة اشتملت على أسباب الطعن طلبت في ختامها نقض الحكم المطعون فيه والإحالة. قدم محامي المطعون ضدها مذكرة بالرد. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة للفصل فيه.
وحيث ان حاصل ما تنعَى بها الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك تقول إنه قضى للمطعون ضدها بتعويض قدره 50,000,000 درهم عن كافة الأضرار التي لحقت بها، ومن ضمنها مبلغ 14,679,572 درهمًا عن قيمة الأرض المقام عليها المشروع، على الرغم من أن المطعون ضدها غير مالكة لتلك الأرض، وأنها مملوكة لشركة نجوم للتطوير، كما أن المطعون ضدها لم تقدم أي دليل على تكبدها أي نفقات في سبيل توفيرها لهذه الأرض، فضلًا عن أن الحكم قضى لها بمبلغ 19,861,931 درهمًا بدل تكلفة إنشاء شبكة الصرف الصحي، في حين أن المطعون ضدها لم تسدد أي مبالغ لإنشاء شبكة الصرف الصحي المزعومة، ذلك أن المبالغ المسددة لإنشائها لشركة الحنو -المقاول- هي مبالغ مسددة من شركة أخرى هي شركة نجوم للتطوير، ولم يتم سداد أي مبلغ من المطعون ضدها في هذا الخصوص، وأن تلك المبالغ المسددة من شركة نجوم للتطوير لا علاقة لها بأعمالها ولا ترتبط بها، فهي تتعلق بعقود وشركات ومشاريع أخرى لا علاقة لها بالعقد والمشروع محل التداعي، مما مؤداه عدم وجود أي التزام عليها في مواجهة شركة نجوم للتطوير لعدم وجود أي عقد مبرم معها، ولعدم اختصام الأخيرة في الدعوى، كما أن الشخصية الاعتبارية والذمة المالية لشركة نجوم للتطوير مستقلة تمامًا عن شخصية وذمة الشركة المطعون ضدها، ولا يغير من ذلك أن الشركتين المذكورتين لهما مدير واحد، ذلك أن لكل منهما شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة عن الأخرى. هذا بالإضافة إلى أن الحكم قضى للمطعون ضدها بمبلغ تعويض جزافي ومبالغ فيه دون سند أو دليل على وقوع أي ضرر للمطعون ضدها، وأنه لا يكفي للقضاء بالتعويض وقوع الخطأ وحده، بل يلزم إضافة لذلك توافر الشروط والأركان الموجبة للتعويض ومنها الضرر الذي لم يثبت بالأوراق. فضلًا عن أن الحكم انتهى إلى إخلالها في تنفيذ التزاماتها العقدية وفقًا لتقرير الخبرة الأخير الذي انتهى إلى أنها لم تستكمل الحصول على الاعتمادات المطلوبة، ولم تحصل على تصريح البناء من بلدية الشارقة، ولم تبدأ في أعمال الإنشاءات بدون سبب واضح أو تقصير محدد من جانب المطعون ضدها، على الرغم من أن ذلك التقرير قد جاء متناقضًا مع التقرير الأول المقدم أمام محكمة أول درجة، خاصة أنه لم يتم تقديم مستندات جديدة أمام الخبرة بشأن الدعوى، وأن البين من شروط وأحكام العقد في البند 8 منه أنه تم الاتفاق صراحة فيه على أن المطعون ضدها هي المسئولة عن توفير الوثائق والتصاريح، وبالتالي فإنه يكون من حقها التوقف عن استكمال أعمال الإنشاءات بسبب عدم تزويد المطعون ضدها لها بالتصاريح والموافقات والشهادات اللازمة والمطلوبة، مما دفعها في ضوء التقصير الواضح والإخلال الثابت من جانب المطعون ضدها إلى الانسحاب من المشروع، كما أن المطعون ضدها لم تتمكن من توفير الدعم المطلوب لها حتى تتمكن من تنفيذ بنود العقد مثل توفير المياه و الكهرباء والطرق اللازمة للعمل، كما أنها لم تقدم الحلول البيئية المطلوبة للحصول على جميع التصاريح الحكومية اللازمة للمشروع، ولم تتمكن من الحصول على الموافقات أو تصاريح البناء وشهادات عدم الممانعة من حكومة الشارقة للمشروع وفقًا للعقد، وأنه لا يجوز التمسك في مواجهتها بالعقد الموقع بينها وبين شركة الشارقة للاستشارات الهندسية بتاريخ 8-10-2019، ذلك أن هذا العقد هو عقد مبرم بينها وشركة أخرى ولم تكن المطعون ضدها طرفًا فيه، وأن الاجتماع الخاص ببدء التشغيل المعقود بتاريخ 6-8-2019 يؤكد ما سبق، وبالتالي فإن عدم توفير هذه الموافقات من قبل المطعون ضدها يعتبر سببًا قانونيًا يدل على استحالة تنفيذ العقد حيث نصت الفقرة (و) من المادة 8.2.1 من العقد على وجوب حصول المالك -المطعون ضدها- على إذن استخدام الأرض والموافقات القانونية الداعمة والتصاريح اللازمة لبناء محطة المعالجة والأعمال المدنية، وأنه يجب عليه مساعدة المقاول -الطاعنة- في الحصول على محطة معالجة مياه الصرف الصحي وجميع التصاريح الأخرى المطلوبة لتشغيل الخدمات، وأنه يجب عليه تعويض المقاول عن الخسائر الناجمة عن عدم الحصول على التصاريح، وهو ما يدل على التزام المطعون ضدها بالحصول على الشهادات والتصاريح "شهادات عدم الممانعة"، وأن مستشارها الهندسي "الشارقة للاستشارات الهندسية" قد انهى وأكمل تصميم محطة المعالجة، ثم أرسلت للمطعون ضدها رسائل إلكترونية تتضمن حزمة التصاميم النهائية للموافقة عليها قبل تقديمها إلى السلطات المختصة بحكومة الشارقة للحصول على الموافقات والحصول على تصريح البناء، إلا أنها لم تتلق أي تعليقات أو ملاحظات من المطعون ضدها بشأن الموافقة على حزمة التصاميم النهائية، مما تسبب في إيقاف جميع الأعمال المدنية الجارية في المشروع وانسحابها من المشروع، كما أن الخبرة قد أخطأت عندما قررت بأنه لا يوجد أعمال منجزة في الموقع عند معاينتها لموقع المشروع، ذلك أنها طلبت من الخبرة لسماح لها بإجراء أعمال الحفر لبيان الأعمال المنجزة من طرفها، إلا أن الخبرة تجاهلت ذلك الطلب، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث ان هذا النعي مردود. ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن العقد شريعة المتعاقدين، فإذا ما تم العقد صحيحًا غير مشوب بعيب من عيوب الرضا، وجب على كل من المتعاقدين الوفاء بما أوجبه العقد من التزامات، وأن استخلاص مدى تنفيذ كل طرف من المتعاقدين للالتزامات التي التزم بها في العقد هو مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغًا له ما يسانده في الأوراق. وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وإعطائها وصفها الحق وتكييفها التكييف القانوني الصحيح وتفسير الاتفاقات والعقود والمشارطات وسائر المحررات والشروط المختلف عليها واستظهار النية المشتركة للمتعاقدين بما تراه أوفى بمقصودهما مستهدية في ذلك بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة لمحكمة التمييز عليها في ذلك ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ولم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات المحرر. وأن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية، وما إذا كان المتعاقد قد أخل بما فرضه عليه العقد من التزامات، هو مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع التي لها في سبيل ذلك السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير الأدلة المقدمة إليها. وأن المسئولية سواء كانت عقدية أم تقصيرية لا تتحقق إلا بتوافر أركانها الثلاثة من خطأ وضرر وعلاقة سببية تربط بينها بحيث إذا انتفى ركن منها انتفت المسئولية، وأن ثبوت أو نفي توافر الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما هو من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها من واقع الأدلة المطروحة عليها في الدعوى ولا رقابة عليها في ذلك من محكمة التمييز طالما استندت في قضائها إلى أسباب سائغة مستمدة مما له أصل ثابت في الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي انتهت إليها. وأن عدم تنفيذ المتعاقد لالتزاماته الناشئة عن العقد أو الإخلال في تنفيذها أو التأخير فيه بغير مبرر يعد خطأ يوجب مسئوليته عن تعويض الضرر الناتج عنه، ويقع على الدائن عبء إثبات خطأ المدين وإثبات الضرر الذي أصابه من جراء ذلك، أما رابطة السببية فهي مفترضة بثبوت الخطأ والضرر ولا يستطيع المدين التخلص منها إلا بإثبات القوة القاهرة أو السبب الأجنبي أو خطأ الدائن أو فعل الغير، وأن الخطأ العقدي يدور مع الالتزامات العقدية وجودًا وعدمًا بحيث إذا وجد الالتزام الذي حصل الإخلال به أو التأخير فيه وجد الخطأ، وأن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية العقدية وما إذا كان المتعاقد قد أخل بما فرضه عليه العقد من التزامات هو مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع متى ما أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق. وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وبحث وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها والأخذ بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه، وتفسير العقود والإقرارات وسائر المحررات بما تراه أوفى بمقصود عاقديها أو أصحاب الشأن فيها، وتقدير عمل الخبير باعتباره عنصرًا من عناصر الإثبات فيها ويخضع لمطلق سلطتها في الأخذ به متى اطمأنت إليه ورأت فيه ما تقتنع به ويتفق مع ما ارتأت أنه وجه الحق في الدعوى، وأنها إذا رأت الأخذ به محمولًا على أسبابه، وأحالت إليه اعتبر جزءًا من أسباب حكمها دون حاجة لتدعيمه بأسباب خاصة أو الرد استقلالًا على الطعون الموجهة إليه، كما أنها لا تكون ملزمة من بعد بالتحدث عن كل قرينة غير قانونية يدلي بها الخصوم، ولا بتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد عليها، طالما كان في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، وطالما أن التقرير قد تناول نقاط الخلاف بين الطرفين وانتهى بشأنها إلى نتيجة سليمة ودلل عليها بأسباب سائغة، واقتصر في بحثها على المسائل الفنية دون المسائل القانونية التي تفصل فيها المحكمة بنفسها. وأنه لا يوجد في القانون ما يمنع الخبير من العدول في تقريره النهائي عن الرأي الذي تبناه في التقرير الأول، ولو بنى رأيه على فهم جديد للواقع المادي الثابت من نفس المستندات المقدمة إليه، وليس للخصوم سوى إبداء دفاعهم، والأمر يخضع جميعه في النهاية إلى تقدير محكمة الموضوع التي لا تتقيد قانونًا برأي الخبير، فلها أن تأخذ به أو أن تطرحه إذا لم تطمئن إليه. وأن تقدير الضرر ومراعاة الظروف الملابسة في تحديد مبلغ التعويض الجابر له هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع ما دام أن القانون لم يوجب اتباع معايير معينة للتقدير، إذ هي تقضي بما تراه مناسبًا وفقًا لما تتبينه من ظروف الدعوى، وأنها متى استقرت في تقديرها على مبلغ معين فلا تقبل المناقشة فيه، ولا معقب عليها في ذلك من محكمة التمييز ما دام أنها أبانت عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض عنها من واقع ما هو مطروح عليها في الأوراق. لا تثريب على الحكم إذ هو لم يحدد معيارًا حسابيًا لتقدير التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالمضرور، مادام أن القانون لم يوجب إتباع معايير معينة للتقدير، ولا معقب عليها في ذلك من هذه المحكمة طالما أنها أبانت عناصر الضرر التي تدخل في حساب التعويض ووجه أحقية طالب التعويض عنها من واقع ما هو مطروح عليها في الأوراق، كما أن لها أن تقضي بتعويض إجمالي دون أن تلتزم ببيان المبالغ المقضي بها لكل عنصر من عناصر الضرر على حدة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قضى بإلغاء الحكم المستأنف, والقضاء مجددا بإلزام الطاعنة بأن تؤدي إلى المطعون ضدها مبلغ 50,000,000 درهم تعويضًا عن كافة الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بها، والفوائد القانونية بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد, تأسيسًا على أنه ثبت من أوراق الدعوى ومستنداتها أنه بموجب العقد المؤرخ 29-7-2019 اتفقت المطعون ضدها بصفتها مالك مشروع مدينة الشارقة للواجهات البحرية مع الطاعنة بصفتها مقاول ومصنع وممول ومشغل على تصميم وبناء وصيانة وتشغيل محطة معالجة صرف صحى، وأنه نص في البند رقم 4 من العقد على التزام الطاعنة بتمويل وتصميم وتصنيع وإنشاء وإتمام محطات المعالجة وإصلاح أي عيوب قد تظهر بها ثم نقل الملكية للمطعون ضدها، وفي البند رقم 6 منه على التزامها بتنفيذ كافة الأعمال على نفقتها مقابل قيام المطعون ضدها بتوصيل الخدمات حتى حدود أرض المشروع، ونص في البند رقم 8 من العقد على أن المطعون ضدها حصلت على الموافقات اللازمة لإقامة المحطة من الجهات الحكومية المختصة، كما أنه ثبت من تقرير الخبرة المودع الأخير أن المطعون ضدها قد نفذت التزاماتها الناشئة عن عقد التداعي بالحصول على قطعة الأرض واستصدار الموافقات المتعلقة بإنشاء محطة معالجة الصرف الصحي عليها، وأن الطاعنة قد أخلت بالتزاماتها الناشئة عن ذات العقد لعدم استصدار كافة الاعتمادات المطلوبة وتصريح البناء من بلدية الشارقة، وأنها لم تبدأ في أعمال الإنشاءات بدون إبداء أسباب واضحة، وأن المطعون ضدها تستحق تعويضًا يقدر بقيمة الأرض بمبلغ 14,679,572 درهمًا في حال نقلت ملكيتها للطاعنة، وأن الأرض مسجلة باسم شركة نجوم للتطوير المملوكة لذات المالك للمطعون ضدها، وأن شبكة الصرف الصحي والتمديدات التي أنشأتها المطعون ضدها أصبحت غير ذات جدوى، وأنه تصفية الحساب وفقًا للمعاينة الهندسية لشبكة الصرف الصحي موضوع التداعي قد أسفرت عن انشغال ذمة الطاعنة لصالح المطعون ضدها بمبلغ 14,679,572 درهمًا قيمة أرض المشروع، ومبلغ 19,861,931 درهمًا قيمة تكلفة إنشاء شبكة الصرف الصحي، وخلص الحكم مما تقدم إلى أن الطاعنة هي الطرف المقصر في تنفيذ التزامها التعاقدي، ذلك أن المطعون ضدها قد أوفت بالتزامها الناشئ عن عقد التداعي بتوفير قطعة الأرض لإقامة محطة المعالجة عليها، كما أنها استصدرت الموافقات اللازمة من الجهات المختصة، وأنشأت شبكة الصرف اللازمة للمحطة، وأن الطاعنة قد أخلت بالتزامها الناشئ عن ذات العقد بعدم استصدار ترخيص بناء المحطة من بلدية الشارقة، وعدم البدء في أعمال الإنشاءات، وأن الطاعنة لم تقدم أي دليل جدي على أن هذا التقصير كان بسبب قوة قاهرة أو خطأ من المطعون ضدها، مما يتوافر معه ركن الخطأ في جانبها، وأن ذلك الخطأ قد ألحق بالمطعون ضدها ضرر تمثل في تكبدها نفقات توفير أرض المشروع بمبلغ 14,679,572 درهمًا، وتكلفة إنشاء شبكة الصرف بمبلغ 19,861,931 درهمًا، فضلًا عن فوات الكسب المحتمل والمتوقع وقت التعاقد من تشغيل المحطة والانتفاع بالمبالغ المذكورة، وتكون معه عناصر المسئولية العقدية قد تحققت في جانب الطاعنة، ورتب الحكم على ذلك إلزامها بتعويض المطعون ضدها عن كافة الأضرار التي لحقت بها بالمبلغ المقضي به، وأضاف الحكم من أنه لا ينال من ذلك أن أرض المشروع مملوكة لشركة خارجة عن العقد، إذ إن عدم ملكية الطاعنة لهذه الأرض ليس من شأنه إعفاء الطاعنة من المسئولية عن الضرر الذي لحق بها، طالما أنها وفرت الأرض بالفعل لإقامة المشروع، وهو ما ألزمها به العقد دون اشتراط ملكيتها لها، وأن الحكم لم يقض للمطعون ضدها بثمن الأرض، وإنما قضى لها بالتعويض عن حبسها على ذمة المشروع دون الاستفادة منها في أي وجه أخر. وهو من الحكم تسبيب سائغ له أصل ثابت بالأوراق ولا مخالفة فيه للقانون ويكفي لحمل قضائه وفيه الرد المسقط لكل حجة مخالفة، فإن النعي عليه لا يعدو أن يكون جدلًا فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات والموازنة بينها، وتفسير العقود والاتفاقات، والأخذ بتقرير الخبرة الذي يخضع في النهاية لتقديرها، وتحديد الجانب المقصر في العقد، واستخلاص الخطأ الموجب للمسئولية من عدمه، وتقدير التعويض الجابر للضرر، وهو ما تنحسر عنه رقابة محكمة التمييز. ولا ينال مما تقدم ما تنعى به الطاعنة على الحكم من كون الأرض المقام عليها المشروع هي ملك لشركة نجوم للتطوير وليست ملكًا للمطعون ضدها، وأن التعويض المقضي به قد جاء مبالغًا فيه وجزافيًا، ذلك أن البين من الأوراق أن المطعون ضدها قد التزمت وفقًا لبنود العقد محل التداعي بتوفير الأرض لإقامة المشروع عليها وحصلت على الموافقة اللازمة لذلك من الجهة المختصة، وذلك بغض النظر عن الطريقة التي وفرتها بها، إذ إن الأوراق قد خلت من أن اعتراض مالكة الأرض على ذلك، كما أنها لم تمنعها من تنفيذ المشروع المتفق عليه، ولم تدع الطاعنة ذلك، فضلًا عن أن الحكم لم يقض للمطعون ضدها بثمن الأرض، بل قضى لها بالتعويض عن حبسها على ذمة المشروع دون الاستفادة منها في أي وجه أخر، خاصة أنه قد ثبت من تقرير الخبرة أن قطعة الأرض المخصصة للمشروع محل الدعوى ملاصقة لمحطة الصرف الصحي لمنطقة الحمرية وهي منطقة خدمات، أي أنه لا يمكن استخدام قطعة الأرض لأغراض أخرى، كما أن المطعون ضدها قد أقامت محطات بديلة لخدمة مشروعها وشغلتها بعد توقف المشروع الخاص المحطة الأصلية مع الطاعنة، لا سيما أنه لا يعيب الحكم القضاء بتعويض إجمالي دون بيان المبالغ المقضي بها لكل عنصر من عناصر الضرر على حدة، ومن ثم يكون النعي في هذا الخصوص على غير أساس. كما أن النعي على أن المبالغ المسددة بشأن تكلفة إنشاء شبكة الصرف الصحي بمبلغ 19,861,931 درهمًا قد سددت من شركة نجوم للتطوير وليس من المطعون ضدها، وبالتالي لا يجوز للأخيرة المطالبة بها مردود، بأن العقد شريعة المتعاقدين وأنه يجب على الطاعنة الالتزام بما أوجبه عليها العقد، وأن المطعون ضدها قد نفذت التزامها التعاقدي بعمل شبكة الصرف، فضلًا عن أن البين من الأوراق من حافظة المستندات المقدمة من المطعون ضدها رفق مذكرتها المقدمة لجلسة 9-7-2025 أن شركة نجوم للتطوير قد قدمت شهادة موجهة للمطعون ضدها تفيد بأنها قد سددت تلك المبالغ لشركة حنو للمقاولات نيابة عن المطعون ضدها لوحدة الكيان الاقتصادي والمالي للشركتين. كما أن البين من تقرير الخبرة الأخير أن مسئولية استخراج واعتماد كافة أعمال التصاميم هي التزام على الطاعنة فقط، وأن التعاقد مع استشاري المشروع كان بتاريخ 8-10-2019 بين الطاعنة والاستشاري فقط، وفيه تم تكليف الاستشاري بإعداد كافة أعمال التصاميم من معماري وإنشائي ومخططات إلكتروميكانيكية، وكذلك الحصول على كافة الموافقات على المخططات واعتمادها وصولًا لاستصدار شهادة تصريح البناء من الجهات المختصة، وكذلك أعمال الإشراف على التنفيذ، كما أن مسئولية المطعون ضدها كانت تنحصر فقط في الحصول على موافقات الجهات المختصة على المشروع بصفة عامة مثل الحصول على موافقة دائرة التخطيط والمساحة وعدم الممانعة من بلدية الشارقة، وما إلى ذلك من موافقات عامة على المشروع ككل، وهو ما تحصلت عليه بالفعل، وأنه لا يوجد بالعقد ما يحمل المطعون ضدها مسئولية هذه الإعمال، ويؤكد ذلك قيام الطاعنة بالفعل بتجهيز الطرق المؤقتة التي عاينتها الخبرة، وأن البريد الإلكتروني المرسل من الطاعنة لم يوضح نوعية التعاون التي تطالب بها المطعون ضدها، كما أنه بخصوص محضر الاجتماع المؤرخ 6-8-2019 فإن الخبرة قامت بمراجعة هذا الاجتماع بالفعل، ولم تجد فيه مسئوليات محددة على المطعون ضدها، ولكن تم ذكر فيه شهادات عدم الممانعة التي استخرجتها الأخيرة بالفعل، وأنه بخصوص انسحاب الطاعنة من الموقع، فإن الانسحاب من المشروع له أصول فنية متعارف عليه تتمثل في إخطار أول بالإخلال، ثم إخطار بالتصحيح، ثم إخطار بالانسحاب، ولم تقدم الطاعنة أي مراسلات بهذا الشأن، كما أنها لم تقدم تكلفة مادية للإعمال المنجزة، وأنه عند معاينة الخبرة تبين عدم وجود أي أعمال بالمشروع بخلاف بعض الطرق المؤقتة، وهي أعمال مؤقتة لا تستطيع لجنة الخبرة تحديد تكلفتها وتحميلها على المطعون ضدها. بما يضحى معه الطعن قد أقيم على غير أساس متعينًا رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الطعن وبإلزام الطاعنة بالمصروفات وبمبلغ الفي درهم مقابل اتعاب المحاماة مع مصادرة مبلغ التامين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق