جلسة 12 من نوفمبر سنة 2023
برئاسة السيد القاضي / منصور القاضي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / د. عادل أبو النجا ، محمد السعدني ، وائل صبحي ومصطفى محمد سيد نواب رئيس المحكمة .
----------------
(93)
الطعن رقم 15340 لسنة 92 القضائية
(١) حكم " بيانات التسبيب " " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها . لا قصور.
حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة ٣١٠ إجراءات جنائية .
المراد بالتسبيب المعتبر ؟
عدم رسم القانون شكلاً أو نمطاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(٢) محكمة الجنايات " نظرها الدعوى والحكم فيها " .
لمحكمة الجنايات أن تورد في حكمها أدلة الثبوت كما تضمنتها قائمة الأدلة المقدمة من النيابة العامة . حد ذلك ؟
(٣) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير الدليل . موضوعي . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال .
(4) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب . ما لا يقبل منها " .دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
تقدير أدلة الدعوى والموازنة بين أدلة الثبوت وأدلة النفي . موضوعي . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
تحدث الحكم عن الأدلة التي ساقها المتهم للتدليل على براءته . غير لازم . حد ذلك ؟
(6) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى على نحو يكشف عن وضوح فكرتها في عقيدة المحكمة . النعي باختلال فكرته عنها . غير مقبول .
(7) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بأقوال شاهد . مفاده ؟
عدم تقيد القاضي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . حد ذلك ؟
تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره . لا يعيب الحكم . متى استخلص الحقيقة منها بما لا تناقض فيه .
للمحكمة الأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية . متى اطمأنت إليها . علة ذلك ؟
لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والموائمة بينها وبين باقي الأدلة . إسقاط الحكم بعضها . مفاده : اطراحها .
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها . لها التعويل على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(8) إكراه على توقيع . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
جريمة الإكراه بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين . لا يشترط لثبوتها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة . للمحكمة تكوين عقيدتها بالإدانة من ظروف الدعوى وقرائنها .
(9) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد تناقضاً في الحكم .
(10) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم إفصاح الضابط عن مصدرها أو وسيلته فيها . لا يعيبها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(11) إكراه على توقيع . نيابة عامة . أمر بألا وجه . دفوع " الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه فيها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
ظهور إيصال الأمانة المتحصل من جريمة إكراه على توقيع سبق صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية عنها قبل انتهاء المدة المقررة لسقوطها . يجيز للنيابة العامة إلغاء ذلك الأمر والعودة للتحقيق ورفع الدعوى . نعي الطاعن على الحكم اطراحه الدفع بعدم جواز نظرها لسبق صدور أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامتها وعدم جواز إلغائه . غير مقبول . علة وأساس ذلك ؟
(12) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن . موضوعي .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال .
(13) إكراه على توقيع . مسئولية جنائية . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
جريمة الإكراه على توقيع سند مثبت لدين . تتحقق ولو اتجهت إرادة الجاني لإنشائه لغيره . نعي الطاعن بأن إيصال الأمانة موضوع الدعوى محرر لشخص آخر . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض . علة ذلك ؟
(14) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
دفع الطاعن بانتفاء صلته بالشخص المُحرر لصالحه إيصال الأمانة لأول مرة أمام محكمة النقض . غير مقبول . علة ذلك ؟
(15) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً . علة ذلك ؟
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة وما ثبت بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أورد مؤداها في بيانٍ وافٍ ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الشارع يوجب في المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم الصادر بالإدانة على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً ، والمراد بالتسبيب الذي يحفل به القانون هو تحديد الأسانيد والحجج التي انبنى عليها الحكم والمنتجة له سواءً من حيث الواقع أو القانون ، ولكي يحقق التسبيب الغرض منه يجب أن يكون في بيانٍ جلي مفصلٍ بحيث يتيسر الوقوف على مبررات ما قضى به ، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجملة مجهلة ، فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام ، ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ، كما أنه من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى وتحصيله لأدلتها كافٍ في استظهار أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والتدليل على ثبوتها في حقه بما يكفي لحمل قضائه بإدانته بها ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بقصور الحكم في بيان الواقعة ومؤدى أدلة الثبوت أو بخلوه من الأسباب الكافية لحمل قضائه بالإدانة يكون لا محل له .
2- من المقرر أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أدلة الثبوت كما تضمنتها قائمة الإثبات المُقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد - بفرض صحته - يكون على غير سند .
3- من المقرر أن تقدير الدليل موكول لمحكمة الموضوع ، وأنه متى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك ، ولما كانت الأدلة التي أوردها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها ، فإن ما يثيره الطاعن من أن الأوراق خلت من أي دليل للإدانة أو من أن المحكمة استندت إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية لعدم كفايتها لإدانته بما ينبئ عن أنها لم تعنَ بتمحيص الدعوى ولم تلم بعناصرها عن بصر وبصيرة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
4- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطقٍ سائغٍ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ، ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال - حسبما يذهب إليه الطاعن - فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
5- لما كان ما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم توازن بين أدلة الثبوت وأدلة النفي ، فمردود بما هو مقرر من أن تقدير الأدلة وترجيح بعضها على بعض من أخص خصائص محكمة الموضوع ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا تجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يكفي لسلامة الحكم أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم ، وليس عليه أن يتحدث عن الأدلة التي ساقها في سبيل التدليل على براءته ، والتي يريد المتهم لها معنى لم تر المحكمة مسايرته فيه فأطرحتها أخذاً بالأدلة القائمة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن التفات المحكمة عن أدلة البراءة يكون غير سديد .
6- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى على نحو يكشف عن وضوح فكرتها في عقيدة المحكمة ، وبما تتوافر به عناصرها القانونية ، فإن ما يدعيه الطاعن من اختلال فكرة الحكم عن موضوع الدعوى وعناصرها يكون غير سديد .
7- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن الشارع الجنائي لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة ، وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن له مأخذه الصحيح من الأوراق ، كما أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية طالما اطمأنت إليها ، إذ إن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه ، كما أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الأدلة ، فلها أن تجزئ أقوال الشاهد وأن توائم بين ما أخذته عنه بالقدر الذي رواه وبين باقي الأدلة ، فإن إسقاط الحكم لبعض ما ورد بأقوال الشاهد يفيد اطراحها ، كما أن المحكمة لا تلتزم - بحسب الأصل - بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى شهادة شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة وصحة تصويرهم للواقعة ، وحصلت أقوالهم بما لا تناقض فيه ، مطرحة بردٍ سائغٍ وكافٍ دفع الطاعن بتناقض أقوال شاهدي الإثبات الأول ( المجني عليه ) والثاني بمحضر جمع الاستدلالات عنها بتحقيقات النيابة العامة ، وبتناقض أقوال الضابط مجري التحريات - شاهد الإثبات الثالث - وبعدم معقولية تصوير الشهود للواقعة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في التصوير الذي أخذت به المحكمة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
8- من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة الإكراه بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين والحكم على مرتكبها وجود شاهد رؤية أو قيام أدلة معينة ، بل للمحكمة أن تكون عقيدتها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
9- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ، ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض ، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد .
10- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وكان لا يعيب تلك التحريات ألا يفصح الضابط عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى التحريات وأقوال الضابط – شاهد الإثبات الثالث – مجريها والتي عولت عليها كقرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة وفي سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
11- لما كان دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة بألا وجه لإقامتها ما زال قائماً ، سيما وأنه صدر أمر بإلغائه والعودة إلى التحقيق دون أن يستجد من الأدلة ما يجيز ذلك ، فضلاً عن مخالفته للمادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية مما يبطله ، إذ صدر بعد فوات الميعاد القانوني من غير مختص لصدوره من المحامي العام الأول لنيابة الاستئناف رغم اختصاص النائب العام بإلغائه والعودة إلى التحقيق ، مردوداً بأنه ولما كانت المادة 213 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى نصها على أن : ( الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى وفقاً للمادة 209 لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة طبقاً للمادة 197 ) ، وذلك قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية ، وقوام الدليل الجديد هو أن يلتقي به المحقق لأول مرة بعد التقرير في الدعوى بألا وجه لإقامتها ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بمدوناته أن النيابة العامة وإن كانت قد أصدرت بتاريخ .... أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الدعوى المطروحة ، إلا أنه وبتاريخ لاحق على ذلك – خلال سنة .... - تم استخدام إيصال الأمانة المتحصل من جناية الإكراه على توقيع سند مثبت لدين المنصوص عليها في المادة 325 من قانون العقوبات - محل الدعوى المطروحة والصادر فيها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية - وذلك بإقامة الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... ضد المجني عليه بموجبه ، ومن ثم فقد تكشف للنيابة العامة ظهور الورقة - إيصال الأمانة - محل الإكراه وتقديمها للمحكمة ، وهو ما يعد دليلاً جديداً لم يكن قد عرض على النيابة العامة حين أصدرت أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ، مما يجيز لها العودة إلى التحقيق ويطلق حقها في رفع الدعوى الجنائية على الطاعن بناءً على ما ظهر من تلك الأدلة التي جدت أمامها في الدعوى ، وذلك قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية إعمالاً للمادة ٢١٣ من قانون الإجراءات الجنائية ، وكانت النيابة العامة قد أصدرت بتاريخ .... أمراً بإلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية والعودة إلى التحقيق قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية استناداً للمادة ٢١٣ من قانون الإجراءات الجنائية - وليس المادة 211 من القانون ذاته والتي تجيز للنائب العام إلغاء الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره - وهو ما يكون معه هذا الأمر الأخير قد صدر متفقاً وصحيح القانون ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إذ انتهى إلى رفض دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامتها ما دامت الدعوى الجنائية في تلك القضية لم تسقط بعد ، ويضحى معه نعي الطاعن في هذا الصدد غير سديد .
12- من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه ، كما أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ، ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفع الطاعن بانتفاء صلته بإيصال الأمانة سند الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - عن إيصال الأمانة المُدعى إكراه المجني عليه على التوقيع عليه لكون أولهما يحمل توقيعين في حين أن ثانيهما يحمل توقيعاً وبصمة بردٍ كافٍ وسائغٍ استناداً إلى اطمئنان المحكمة - في نطاق سلطتها التقديرية - إلى أن إيصال الأمانة الذي أكره الطاعن المجني عليه بالقوة والتهديد على التوقيع عليه هو ذاته إيصال الأمانة الذي استخدم في الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - والذي ثبت بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن المجني عليه قد حرر توقيعه عليه الثابت أسفل لفظ ( المستلم ) وقرين لفظ ( التوقيع ) تحت ظرف مُلابس لواقعة الكتابة ألا وهو الإكراه ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون محض جدل في تقدير الدليل الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
13- لما كان ما يثيره الطاعن من أن إيصال الأمانة - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - مُحرر لصالح شخص آخر وهو الذي استخدمه بإقامته للدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... ضد المجني عليه بموجبه ، مردوداً بأنه لا أثر له على المسئولية الجنائية للطاعن عن جريمة إكراه المجني عليه بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين - إيصال الأمانة محل الاتهام في الدعوى المطروحة - المنصوص عليها في المادة 325 من قانون العقوبات والتي أثبت الحكم المطعون فيه توافرها في حقه ، إذ ليس من شأنه نفي توافر هذه الجريمة ، لا سيما وأن الإكراه على التوقيع بالإمضاء على سند مثبت لدين يتحقق متى ثبت أن الجاني قد أراد أن ينشئ سنداً على المجني عليه سواء كان لنفسه أو لغيره ، فضلاً عن أنه ليس من شأنه نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
14- لما كان دفع الطاعن بانتفاء صلته بالشخص المُحرر لصالحه إيصال الأمانة - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - والذي استخدمه بإقامته للدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... ضد المجني عليه بموجبه ، من أوجه الدفاع الموضوعية التي تتطلب تحقيقاً خاصاً تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض ، وكان الثابت بمحضري جلستي المحاكمة أن الطاعن لم يثر ذلك الدفع أمام محكمة الموضوع ، فلا يجوز له التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض .
15- من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له إيراداً ورداً ، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب الطعن عن ماهية الاضطراب والتخاذل اللذين عابهما على الحكم المطعون فيه ، بل ساق قوله مرسلاً مجهلاً ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
- أكره المجني عليه / .... بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين وهو إيصال الأمانة المحرر عنه القضية رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى مدنياً المجني عليه – بوكيل عنه - قبل المتهم بمبلغ أربعين ألف جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة ٣٢٥ من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات عما أُسند إليه ومصادرة المحرر المضبوط وألزمته المصاريف الجنائية وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الإكراه بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين ( إيصال أمانة ) قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه جاء في عبارات عامة مجملة ومبهمة ، ولم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومؤدى أدلة الثبوت بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها ، وخلا من الأسباب الكافية لحمل قضائه بالإدانة ، وعول في قضائه بالإدانة على ذات الأدلة الواردة بقائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة ، ودانه رغم خلو الأوراق من أي دليل للإدانة مستنداً إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية لعدم كفايتها لإدانة الطاعن بما ينبئ عن أن المحكمة لم تعنَ بتمحيص الدعوى ولم تلم بعناصرها عن بصر وبصيرة ، سيما وأنه بنى قضاءه على الفرض والاحتمال ، ولم يوازن بين أدلة الثبوت وأدلة النفي ، ملتفتاً عن أدلة البراءة ، مما ينبئ عن اختلال فكرته عن موضوع الدعوى وعناصرها ، واعتنق الحكم صورة للواقعة استقاها من أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها مع بعضها البعض ، وتناقض أقوال الشاهدين الأول ( المجني عليه ) والثاني بمحضر جمع الاستدلالات عنها بتحقيقات النيابة ، وتناقض أقوال الشاهد الثالث ( الضابط مجري التحريات ) ، وانفراد الشاهد الأول بالشهادة ، وتحصيل الحكم لأقوال الشاهدين الأول والثالث خلافاً للثابت بالأوراق ، سيما وأنه التفت عن بعضها لشواهد عددها ، فضلاً عن أن أقوال الشاهد الثاني سماعية ، ودان الحكم الطاعن رغم خلو الأوراق من شاهد رؤية ، واعتنق عدة صور متعارضة لواقعة الدعوى ، وعول في قضائه بالإدانة على التحريات وحدها رغم عدم صلاحيتها لشواهد عددها ، واطرح بما لا يسوغ قانوناً دفعي الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة بألا وجه لإقامتها ما زال قائماً ، سيما وأنه صدر أمر بإلغائه والعودة إلى التحقيق دون أن يستجد من الأدلة ما يجيز ذلك ، فضلاً عن مخالفته للمادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية مما يبطله لشواهد عددها ، وبانتفاء صلته بإيصال الأمانة سند الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - عن إيصال الأمانة المُدعى إكراه المجني عليه على التوقيع عليه لكون أولهما يحمل توقيعين في حين أن ثانيهما يحمل توقيعاً وبصمة ، ودان الحكم الطاعن رغم أن إيصال الأمانة محل الاتهام في الدعوى المطروحة مُحرر لصالح شخص آخر وهو الذي استخدمه بإقامته للجنحة سالفة الذكر ضد المجني عليه بموجبه ، فضلاً عن انتفاء صلة الطاعن بذلك الشخص ، وأخيراً فقد شاب الحكم الاضطراب والتخاذل ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة وما ثبت بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أورد مؤداها في بيانٍ وافٍ ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الشارع يوجب في المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم الصادر بالإدانة على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً ، والمراد بالتسبيب الذي يحفل به القانون هو تحديد الأسانيد والحجج التي انبنى عليها الحكم والمنتجة له سواءً من حيث الواقع أو القانون ، ولكي يحقق التسبيب الغرض منه يجب أن يكون في بيانٍ جلي مفصلٍ بحيث يتيسر الوقوف على مبررات ما قضى به ، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجملة مجهلة ، فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام ، ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ، كما أنه من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى وتحصيله لأدلتها كافٍ في استظهار أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والتدليل على ثبوتها في حقه بما يكفي لحمل قضائه بإدانته بها ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بقصور الحكم في بيان الواقعة ومؤدى أدلة الثبوت أو بخلوه من الأسباب الكافية لحمل قضائه بالإدانة يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أدلة الثبوت كما تضمنتها قائمة الإثبات المُقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد - بفرض صحته - يكون على غير سند . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير الدليل موكول لمحكمة الموضوع ، وأنه متى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك ، ولما كانت الأدلة التي أوردها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها ، فإن ما يثيره الطاعن من أن الأوراق خلت من أي دليل للإدانة أو من أن المحكمة استندت إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية لعدم كفايتها لإدانته بما ينبئ عن أنها لم تعنَ بتمحيص الدعوى ولم تلم بعناصرها عن بصر وبصيرة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطقٍ سائغٍ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ، ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال - حسبما يذهب إليه الطاعن - فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم توازن بين أدلة الثبوت وأدلة النفي ، فمردود بما هو مقرر من أن تقدير الأدلة وترجيح بعضها على بعض من أخص خصائص محكمة الموضوع ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا تجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يكفي لسلامة الحكم أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم ، وليس عليه أن يتحدث عن الأدلة التي ساقها في سبيل التدليل على براءته ، والتي يريد المتهم لها معنى لم تر المحكمة مسايرته فيه فأطرحتها أخذاً بالأدلة القائمة في الدعوى ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن التفات المحكمة عن أدلة البراءة يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى على نحو يكشف عن وضوح فكرتها في عقيدة المحكمة ، وبما تتوافر به عناصرها القانونية ، فإن ما يدعيه الطاعن من اختلال فكرة الحكم عن موضوع الدعوى وعناصرها يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن الشارع الجنائي لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة ، وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن له مأخذه الصحيح من الأوراق ، كما أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية طالما اطمأنت إليها ، إذ إن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه ، كما أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الأدلة ، فلها أن تجزئ أقوال الشاهد وأن توائم بين ما أخذته عنه بالقدر الذي رواه وبين باقي الأدلة ، فإن إسقاط الحكم لبعض ما ورد بأقوال الشاهد يفيد اطراحها ، كما أن المحكمة لا تلتزم - بحسب الأصل - بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى شهادة شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة وصحة تصويرهم للواقعة ، وحصلت أقوالهم بما لا تناقض فيه ، مطرحة بردٍ سائغٍ وكافٍ دفع الطاعن بتناقض أقوال شاهدي الإثبات الأول ( المجني عليه ) والثاني بمحضر جمع الاستدلالات عنها بتحقيقات النيابة العامة ، وبتناقض أقوال الضابط مجري التحريات - شاهد الإثبات الثالث - وبعدم معقولية تصوير الشهود للواقعة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في التصوير الذي أخذت به المحكمة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة الإكراه بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين والحكم على مرتكبها وجود شاهد رؤية أو قيام أدلة معينة ، بل للمحكمة أن تكون عقيدتها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ، ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض ، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وكان لا يعيب تلك التحريات ألا يفصح الضابط عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى التحريات وأقوال الضابط – شاهد الإثبات الثالث – مجريها والتي عولت عليها كقرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة وفي سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة بألا وجه لإقامتها ما زال قائماً ، سيما وأنه صدر أمر بإلغائه والعودة إلى التحقيق دون أن يستجد من الأدلة ما يجيز ذلك ، فضلاً عن مخالفته للمادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية مما يبطله ، إذ صدر بعد فوات الميعاد القانوني من غير مختص لصدوره من المحامي العام الأول لنيابة الاستئناف رغم اختصاص النائب العام بإلغائه والعودة إلى التحقيق ، مردوداً بأنه ولما كانت المادة 213 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى نصها على أن : ( الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى وفقاً للمادة 209 لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة طبقاً للمادة 197 ) ، وذلك قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية ، وقوام الدليل الجديد هو أن يلتقي به المحقق لأول مرة بعد التقرير في الدعوى بألا وجه لإقامتها ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بمدوناته أن النيابة العامة وإن كانت قد أصدرت بتاريخ .... أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الدعوى المطروحة ، إلا أنه وبتاريخ لاحق على ذلك – خلال سنة .... - تم استخدام إيصال الأمانة المتحصل من جناية الإكراه على توقيع سند مثبت لدين المنصوص عليها في المادة 325 من قانون العقوبات - محل الدعوى المطروحة والصادر فيها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية - وذلك بإقامة الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... ضد المجني عليه بموجبه ، ومن ثم فقد تكشف للنيابة العامة ظهور الورقة - إيصال الأمانة - محل الإكراه وتقديمها للمحكمة ، وهو ما يعد دليلاً جديداً لم يكن قد عرض على النيابة العامة حين أصدرت أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ، مما يجيز لها العودة إلى التحقيق ويطلق حقها في رفع الدعوى الجنائية على الطاعن بناءً على ما ظهر من تلك الأدلة التي جدت أمامها في الدعوى ، وذلك قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية إعمالاً للمادة ٢١٣ من قانون الإجراءات الجنائية ، وكانت النيابة العامة قد أصدرت بتاريخ .... أمراً بإلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية والعودة إلى التحقيق قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية استناداً للمادة ٢١٣ من قانون الإجراءات الجنائية - وليس المادة 211 من القانون ذاته والتي تجيز للنائب العام إلغاء الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره - وهو ما يكون معه هذا الأمر الأخير قد صدر متفقاً وصحيح القانون ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إذ انتهى إلى رفض دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامتها ما دامت الدعوى الجنائية في تلك القضية لم تسقط بعد ، ويضحى معه نعي الطاعن في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه ، كما أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ، ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير ، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفع الطاعن بانتفاء صلته بإيصال الأمانة سند الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - عن إيصال الأمانة المُدعى إكراه المجني عليه على التوقيع عليه لكون أولهما يحمل توقيعين في حين أن ثانيهما يحمل توقيعاً وبصمة بردٍ كافٍ وسائغٍ استناداً إلى اطمئنان المحكمة - في نطاق سلطتها التقديرية - إلى أن إيصال الأمانة الذي أكره الطاعن المجني عليه بالقوة والتهديد على التوقيع عليه هو ذاته إيصال الأمانة الذي استخدم في الدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - والذي ثبت بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن المجني عليه قد حرر توقيعه عليه الثابت أسفل لفظ ( المستلم ) وقرين لفظ ( التوقيع ) تحت ظرف مُلابس لواقعة الكتابة ألا وهو الإكراه ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو 0 أن يكون محض جدل في تقدير الدليل الذي تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من أن إيصال الأمانة - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - مُحرر لصالح شخص آخر وهو الذي استخدمه بإقامته للدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... ضد المجني عليه بموجبه ، مردوداً بأنه لا أثر له على المسئولية الجنائية للطاعن عن جريمة إكراه المجني عليه بالقوة والتهديد على إمضاء سند مثبت لدين - إيصال الأمانة محل الاتهام في الدعوى المطروحة - المنصوص عليها في المادة 325 من قانون العقوبات والتي أثبت الحكم المطعون فيه توافرها في حقه ، إذ ليس من شأنه نفي توافر هذه الجريمة ، لا سيما وأن الإكراه على التوقيع بالإمضاء على سند مثبت لدين يتحقق متى ثبت أن الجاني قد أراد أن ينشئ سنداً على المجني عليه سواء كان لنفسه أو لغيره ، فضلاً عن أنه ليس من شأنه نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان دفع الطاعن بانتفاء صلته بالشخص المُحرر لصالحه إيصال الأمانة - محل الاتهام في الدعوى المطروحة - والذي استخدمه بإقامته للدعوى رقم .... لسنة .... جنح .... والمستأنفة برقم .... لسنة .... جنح مستأنف .... ضد المجني عليه بموجبه ، من أوجه الدفاع الموضوعية التي تتطلب تحقيقاً خاصاً تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض ، وكان الثابت بمحضري جلستي المحاكمة أن الطاعن لم يثر ذلك الدفع أمام محكمة الموضوع ، فلا يجوز له التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له إيراداً ورداً ، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب الطعن عن ماهية الاضطراب والتخاذل اللذين عابهما على الحكم المطعون فيه ، بل ساق قوله مرسلاً مجهلاً ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق