جلسة 22 من أكتوبر سنة 2023
برئاسة السيد القاضي / عابد راشد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد أحمد خليل ، أحمد محمود شلتوت ، أحمد عبد الوكيل الشربيني ومحمد صلاح عبد التواب نواب رئيس المحكمة
---------------
(81)
الطعن رقم 4661 لسنة 92 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها . لا قصور.
عدم رسم القانون شكلاً أو نمطاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤدياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
المقصود بعبارة بيان الواقعة ؟
(2) مواد مخدرة . مسئولية جنائية . قصد جنائي.
المسئولية والقصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة المخدر . مناط تحققهما ؟
مثال .
(3) مواد مخدرة . عقوبة " عقوبة الجريمة الأشد " . نقض " المصلحة في الطعن " .
معاقبة الطاعن عن جريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي باعتبارها الأشد . النعي على الحكم بشأن باقي الجرائم . غير مجد .
(4) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر . لا يعيبه . ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها .
(5) إثبات " إقرار " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
إيراد الحكم من إقرار الطاعن ما يحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ٣١٠ إجراءات جنائية . لا قصور .
مثال .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير حالة المتهم النفسية " . دفوع " الدفع بانعدام المسئولية الجنائية " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية . موضوعي . ما دام سائغاً .
اطراح الحكم سائغاً دفع الطاعن بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض نفسي استناداً لاطمئنان المحكمة إلى مسئوليته عن الاتهام المسند إليه وما تضمنه تقرير إدارة الطب النفسي الشرعي . النعي عليه في هذا الشأن . غير مقبول .
(7) إثبات " بوجه عام " " أوراق رسمية " " خبرة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها .
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات . موضوعي . المجادلة في هذا الشأن . غير جائزة . حد ذلك ؟
للمحكمة التعويل على تقرير طبي يتفق وشهادة شهود الإثبات واطراح آخر لا يتفق معها . علة ذلك ؟
استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى . مفاده : اطراح التقرير الاستشاري المقدم فيها دون التزام بالرد عليه استقلالاً .
(8) إثبات " اعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
تقدير صحة الاعتراف في المسائل الجنائية وقيمته في الإثبات وعما إذا كان قد صدر عديم الأثر لانعدام الإرادة . موضوعي .
اطراح الحكم سائغاً الدفع ببطلان الاعتراف لاطمئنان المحكمة لصحته وصدوره عن إرادة حرة واعية استناداً لما انتهى إليه التقرير الطبي النفسي . النعي عليه في هذا الشأن . غير مقبول .
(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم التزام المحكمة بالأخذ بنص اعتراف المتهم وظاهره . لها استنباط الحقيقة منه بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية . المجادلة في هذا الشأن . غير جائزة أمام محكمة النقض . حد ذلك ؟
(10) إثبات " اعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(11) قتل خطأ . مواد مخدرة . دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " . نيابة عامة . تلبس . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
دفع الطاعن ببطلان إجراءات أخذ عينتي الدم والبول منه لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائز . علة ذلك ؟
صدور أمر من النيابة العامة بسحب عينة من دماء أو بول الطاعن بعد ضبطه متلبساً بجريمة قتل خطأ نتيجة تعاطيه مسكراً أو مخدراً واطلاعها على محضر الضبط والتقارير الطبية للمجني عليهم . تعرض بالقدر الذي يبيحه التفتيش . أخذ المحكمة بالدليل المستمد منه . صحيح . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض . علة وأساس ذلك ؟
(12) إثبات " خبرة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات . موضوعي . عدم التزام المحكمة بتعيين خبير آخر في الدعوى . حد ذلك ؟
(13) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الخطأ المادي في ذكر الاسم الصحيح للشاهد . لا يؤثر في سلامة الحكم .
(14) حكم " وضعه والتوقيع عليه وإصداره " .
صدور الحكم من دائرة شكلت من ثلاثة قضاة استئناف . صحيح . لا يؤثر في ذلك أن تضم الدائرة أربعة قضاة . علة ذلك ؟
(15) مواد مخدرة . غرامة . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه " .
إغفال الحكم القضاء بالغرامة المقررة لجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحوٍ يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يُفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان المقصود من عبارة بيان الواقعة هو أن يُثبت قاضي الموضوع في حكمه الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وكان الحكم قد بيَّن بوضوح سواء في معرض إيراده لواقعة الدعوى أو في سرده لأدلة الثبوت فيها تفصيل الوقائع والأفعال المثبتة لأركان واقعة الدعوى ، فإن النعي على الحكم بالقصور يكون غير سديد .
2- من المقرر أن مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية ، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المُحرز أو الحائز بأن ما يُحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته من اعتراف الطاعن في تحقيقات النيابة العامة بتعاطيه مخدر الحشيش ومن أنه تم سحب عينة من دمه وبوله بأمر من النيابة العامة أثبتت التحاليل الفنية احتوائها على نواتج أيض الحشيش المخدر ، كل ذلك كافٍ في الدلالة على إحراز الطاعن لجوهر الحشيش المخدر وعلى علمه بكنهه ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد غير سديد .
3- لما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن مقارفته لجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً استناداً إلى الأدلة السائغة التي أوردها ، فإنه لا يُجدي الطاعن ما يُثيره بشأن باقي الجرائم طالما أن الحكم المطعون فيه قد طبَّق في حقه حكم المادة ٣٢ من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد فيها .
4- لما كان الحكم قد أورد مؤدى شهادة كل من / .... و .... و .... تعقيباً على شهادة سابقيهم بأنها لا تخرج عن مضمون شهاداتهم التي أوردها ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يُحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم مُتفقة مع ما استند إليه منها ، وكان الطاعن لا ينازع في سلامة هذا الإسناد ، ومن ثم فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً .
5- لما كان الحكم بعد أن أورد واقعة الدعوى وحصَّل أقوال شهودها بما يتلاءم وتصويرها ، أردف ذلك بتحصيل إقرار الطاعن في قوله : ( وقد ثبت للمحكمة إقرار المتهم بتحقيقات النيابة العامة بتعاطيه لجوهر الحشيش المخدر وبارتكابه الحادث ) ، فإن ما أورده الحكم - فيما سلف - بالنسبة لإقرار الطاعن يُحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة ، بما ينحسر به عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في هذا الصدد .
6- من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية هي من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تُقيم تقديرها على أسباب سائغة ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى اطراح دفاع الطاعن بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض نفسي وأفصح عن اطمئنانه إلى مسئوليته عن الاتهام المسند إليه وإلى ما تضمنه تقرير إدارة الطب النفسي الشرعي من أن المتهم لا يُعاني في الوقت الحالي أو وقت ارتكاب الواقعة من أي أعراض دالة على وجود اضطراب نفسي أو عقلي يُفقده الإدراك والاختيار ومعرفة الخطأ من الصواب والحكم الجيد على الأمور مما يجعله مسئولاً عن الاتهام المسند إليه ، فإنه يكون قد برئ من أي شائبة في هذا ، ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد .
7- من المقرر أن المحكمة غير مُلزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، كما أنه من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يُوجه إليه من اعتراضات ، وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد لا يُجافي المنطق والقانون ، فلا تجوز مجادلتها في ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية - أن تُعوِّل على تقرير طبي يتفق مع شهادة شهود الإثبات في تعزيز شهادتهم ، وأن تطرح تقريراً آخر لا يتفق معها باعتبار كل ذلك من أدلة الدعوى ، فضلاً عن أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يُفيد اطراحها التقرير الاستشاري والمستندات المقدمة فيها ، وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً ، ومن ثم فإن مُجادلة الطاعن في أن المحكمة عوَّلت على التقرير الطبي الشرعي وأغفلت التقرير الاستشاري ومستندات أخرى لها دلالتها في نفي الاتهام لا يكون له محل .
8- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد صدر منه عديم الأثر لانعدام إرادته ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - كان لها أن تأخذ به بما لا مُعقِّب عليها ، وكان الحكم قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى اطراح الدفع ببطلان اعتراف الطاعن لصدوره وليد إرادة منعدمة وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف لصدوره عن إرادة حُرة واعية ، وإلى ما انتهى إليه التقرير الطبي النفسي الشرعي ، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون له محل .
9- لما كان لا ينقص من قيمة الاعتراف الذي تساند إليه الحكم في قضائه ما يذهب إليه الطاعن من أن أقواله التي أورد الحكم مؤداها لا تُعَد اعترافاً بالجريمة لأنها لم تكن نصاً في اقترافها ، ذلك بأن محكمة الموضوع ليست مُقيدة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره ، بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى الحقيقة التي تصل إليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق . وإذ كان ذلك ، وكانت المحكمة قد استظهرت - من ظروف الدعوى وملابساتها - تعاطي الطاعن لجوهر الحشيش المخدر وأقامت على توافره في حقه - توافراً فعلياً - أدلة سائغة اقتنع بها وجدانها ، فإنه لا تجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض .
10- من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً ، والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه ، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أخذ به الحكم من الاعتراف له أصله من الأوراق ، وكان ما أخذ به الحكم من اعتراف الطاعن يتفق وأقوال شهود الإثبات وتقرير المعمل الكيماوي ، فإن ما يُثيره الطاعن بشأن ما كان يقصده باعترافه إنما ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
11- لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إجراءات أخذ عينة الدم والبول منه على النحو الوارد بوجه النعي ، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم لا تحمل مقوماته ، لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة ، فإنه لا يُقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض ، لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى ، هذا فضلاً عن أن المادة ٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت لرجل الضبط القضائي القبض على المتهم في أحوال التلبس بالجنح بصفة عامة إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر ، وإذ كانت جريمة من يتسبب خطأ في موت شخص آخر نتيجة إخلاله إخلالاً جسيماً بما تُفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نتج عنه الحادث الذي قارفه الطاعن قد ربط لها القانون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين أو الغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة ۲۳۸ من قانون العقوبات ، ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة في المادة ٤٦ منه على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يُفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً كان التفتيش الذي يُجريه من خُوِّل له إجراؤه على المقبوض عليه صحيحاً ، أياً كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص ، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير مُعقِّب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، كما أن ما يتخذه مأمور الضبط القضائي - المُخوَّل له حق التفتيش - من إجراءات سحب عينة من دماء أو بول المتهم وبمعرفة الممرض الذي ندبته النيابة العامة لا يعدو أن يكون تعرُّضاً للمتهم بالقدر الذي يُبيحه التفتيش ذاته وتوافر حالة التلبس في حقه لتسببه خطأ في موت شخص نتيجة تعاطيه مسكر أو مخدر ، فإن الأمر الصادر من النيابة العامة بتحليل عينة دماء وبول الطاعن بعد اطلاعها على محضر الضبط وما تضمنه من أقوال الشهود والتقارير الطبية الخاصة بالمجني عليهم هو إذن صحيح ، وتحليل عينة دمائه وبوله بُناءً على ذلك يكون صحيحاً أيضاً ، ومتى كان الأمر كذلك فلا يصح الطعن على الحكم من جهة استشهاده على المتهم بالدليل المستمد من الإجراءات التي تمت على هذا الأساس ، فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
12- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يُوجَّه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضي الموضوع ، فهو في هذا غير مُلزم بتعيين خبير آخر ما دام قد استند في أخذه برأي الخبير الذي اعتمده إلى ما لا يُجافي المنطق والقانون ، وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد أخذت في حكمها بتقرير المعمل الكيماوي الذي أُثبت به أن العينة المأخوذة من المتهم تحتوي على نواتج أيض الحشيش المخدر ، وكان الطاعن على ما هو ظاهر من محاضر جلسات المحاكمة لم يطلب من المحكمة صراحةً ندب خبير آخر أو استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ، فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل .
13- لما كان ما يقوله الطاعن عن خطأ الحكم في ذكر الاسم الصحيح للشاهد السادس لا يعدو أن يكون خطأً مادياً لا يؤثر في سلامة الحكم ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل .
14- لما كان الثابت بالحكم المطعون فيه أنه صدر من دائرة شُكِّلت من ثلاثة من قضاة محكمة الاستئناف ، فإنه يكون قد صدر من هيئة مشكلة وفق القانون ، ولا يؤثر في هذا أن تلك الدائرة تضم أربعة قضاة إذ لا يعدو أن يكون تنظيماً إدارياً بين دوائر المحكمة المختصة ، وليس من شأن ذلك التوزيع أن يخلق نوعاً من البطلان ، فإن النعي في هذا الصدد يكون على غير أساس من القانون .
15- لما كان الحكم المطعون فيه قد أعمل في حق الطاعن حكم المادة ٣٢ من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة جريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي باعتبارها الجريمة الأشد إلا أنه أغفل القضاء على الطاعن بعقوبة الغرامة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ٣٧ من القانون رقم ١٨٢ لسنة ۱۹٦٠ المعدل في شأن مكافحة المخدرات ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن على هذا الحكم فإنه لا سبيل لتصحيح هذا الخطأ حتى لا يُضار الطاعن بطعنه إعمالاً لحكم المادة ٤٣ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم ٥٧ لسنة 1959 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :-
1- أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدراً ( الحشيش ) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .
2- قاد مركبة تحت تأثير المخدر محل الاتهام السابق وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
3- تسبب خطأ في موت شخصين وهما المجني عليهما / .... ، .... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قام بقيادة سيارته تحت تأثير مخدر ( الحشيش ) وبحالة تعرض حياة المارة بالطريق العام للخطر فصدم المجني عليهما وأحدث بهما الإصابات الموصوفة بتقريري مفتش الصحة المرفقين بالتحقيقات والتي أودت بحياتهما وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
4- تسبب خطأً في جرح وإيذاء ثلاثة أشخاص وهم المجني عليهم / .... ، .... ، .... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قام بقيادة سيارته تحت تأثير مخدر ( الحشيش ) وبحالة تعرض حياة المارة بالطريق العام للخطر فصدم المجني عليهم وأحدث بالمجني عليه الأول الإصابة المبينة بتقرير الطب الشرعي وكذا التقارير الطبية المرفقة بالأوراق والتي نشأ عنها عاهة مستديمة تُقدر نسبتها بخمسة وخمسين بالمائة (55%) ، كما أحدث بالمجني عليهما الثاني والثالث الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية المرفقة بالأوراق وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى ورثة المجني عليهم مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد ۱/۱ ، ۲ ، 37 /1 من القانون رقم ۱۸۲ لسنة ١٩٦٠ المعدل بالقانون رقم ۱۲۲ لسنة ۱۹۸۹ والبند رقم (٥٦) من القسم الثاني من الجدول رقم (۱) الملحق بالقانون الأول المعدل بقرار وزير الصحة رقم ٤٦ لسنة ۱۹۹۷ ، وبالمواد ۱ ، ۳ ، ٤ ، 66/ 1 ، ٧٦/ 4،1 من القانون رقم ٦٦ لسنة ۱۹۷۳ المعدل بالقوانين أرقام ۲۱۰ لسنة 1980 ، ١٥٥ لسنة ۱۹۹۹ ، ١٢١ لسنة ۲۰۰۸ ، ١٤۲ لسنة ۲۰۱٤ ، وبالمادتين رقمي ۲۳۸/ 2،1 ، ٢٤٤ /2،1 من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادة 32 من القانون الأخير ، أولاً : بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح لما نُسب إليه بالتهمة الثالثة ( القتل الخطأ ) ، ثانياً : بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح لما نُسب إليه بالتهمة الرابعة فيما يخص إصابة المجني عليه / .... ، ثالثاً : إثبات ترك المدعين بالحق المدني لدعواهم المدنية ، رابعاً : بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات عما أُسند إليه بالتهمتين الأولى والثانية ، وكذا التهمة الرابعة فيما تضمنته من إصابة المجني عليهما الثاني والثالث .
فطعن المحكوم عليـه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً والإصابة الخطأ وقيادة سيارة تحت تأثير مخدر قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وران عليه البطلان ؛ ذلك بأنه ورد في عبارات عامة مُجملة خلت من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً تتحقق به أركان الجرائم والظروف التي وقعت فيها ومؤدى أدلة الثبوت عليها ، ولم يُبيِّن تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها الطاعن والمثبتة لارتكابه الجرائم ، واطرح الدفع بانتفاء أركان الجرائم المُسندة إليه ، وتساند في قضائه بالإدانة إلى شهادة كل من .... و .... و .... وإلى إقرار المتهم أمام النيابة العامة دون أن يورد مضمونها ومؤداها ، ورد بما لا يصلح ولا يسوغ على الدفع بانتفاء المسئولية الجنائية كون المتهم يُعاني من أمراض نفسية ، واطمأن إلى تقرير الطب النفسي الشرعي رغم بطلانه ومخالفته للحقيقة دون أن يعرض للتقرير الطبي الاستشاري والمستندات الرسمية التي قدمها الطاعن تأييداً لدفعه ، واطرح الدفع ببطلان الاعتراف المنسوب صدوره إلى المتهم كونه وليد إرادة منعدمة ، وأخذ باعترافه بارتكاب الواقعة في حين أن ما أدلى به من أقوال لا يُعَد اعترافاً ، واجتزأ من إقرار المتهم قوله أمام النيابة العامة أنه تعاطى المواد المخدرة قبل أسبوع من تاريخ الواقعة بما ينفي عنه ارتكابها تحت تأثير المخدر ، والتفت الحكم عن الدفع ببطلان الدليل المستمد من إجراءات أخذ العينة وتحليلها لانتفاء حالة التلبس وأخذ العينة من المتهم بعد تاريخ الواقعة بالمخالفة للقانون ، وعدم الاعتداد بشهادة من قام بالإجراء الباطل ، فضلاً عن قصور تقرير المعمل الكيماوي في بيان تاريخ تعاطي المخدر ومدة استمرار تأثيره في الدم ، وقد كان على المحكمة أن تطلب من الطب الشرعي إثبات ما إذا كان المتهم قد ارتكب الواقعة تحت تأثير المخدر من عدمه ، وأسند الحكم شهادة الشاهد السادس إلى الشاهد / .... ، وأخيراً فإن الدائرة التي تداولت في الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه مشكلة من أربعة قضاة بالمخالفة للقانون ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحوٍ يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يُفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان المقصود من عبارة بيان الواقعة هو أن يُثبت قاضي الموضوع في حكمه الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وكان الحكم قد بيَّن بوضوح سواء في معرض إيراده لواقعة الدعوى أو في سرده لأدلة الثبوت فيها تفصيل الوقائع والأفعال المثبتة لأركان واقعة الدعوى ، فإن النعي على الحكم بالقصور يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية ، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المُحرز أو الحائز بأن ما يُحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته من اعتراف الطاعن في تحقيقات النيابة العامة بتعاطيه مخدر الحشيش ومن أنه تم سحب عينة من دمه وبوله بأمر من النيابة العامة أثبتت التحاليل الفنية احتوائها على نواتج أيض الحشيش المخدر ، كل ذلك كافٍ في الدلالة على إحراز الطاعن لجوهر الحشيش المخدر وعلى علمه بكنهه ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن مقارفته لجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً استناداً إلى الأدلة السائغة التي أوردها ، فإنه لا يُجدي الطاعن ما يُثيره بشأن باقي الجرائم طالما أن الحكم المطعون فيه قد طبَّق في حقه حكم المادة ٣٢ من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد فيها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أورد مؤدى شهادة كل من / .... و .... و .... تعقيباً على شهادة سابقيهم بأنها لا تخرج عن مضمون شهاداتهم التي أوردها ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يُحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم مُتفقة مع ما استند إليه منها ، وكان الطاعن لا ينازع في سلامة هذا الإسناد ، ومن ثم فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الحكم بعد أن أورد واقعة الدعوى وحصَّل أقوال شهودها بما يتلاءم وتصويرها ، أردف ذلك بتحصيل إقرار الطاعن في قوله : ( وقد ثبت للمحكمة إقرار المتهم بتحقيقات النيابة العامة بتعاطيه لجوهر الحشيش المخدر وبارتكابه الحادث ) ، فإن ما أورده الحكم - فيما سلف - بالنسبة لإقرار الطاعن يُحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة ، بما ينحسر به عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في هذا الصدد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية والنفسية هي من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تُقيم تقديرها على أسباب سائغة ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى اطراح دفاع الطاعن بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض نفسي وأفصح عن اطمئنانه إلى مسئوليته عن الاتهام المسند إليه وإلى ما تضمنه تقرير إدارة الطب النفسي الشرعي من أن المتهم لا يُعاني في الوقت الحالي أو وقت ارتكاب الواقعة من أي أعراض دالة على وجود اضطراب نفسي أو عقلي يُفقده الإدراك والاختيار ومعرفة الخطأ من الصواب والحكم الجيد على الأمور مما يجعله مسئولاً عن الاتهام المسند إليه ، فإنه يكون قد برئ من أي شائبة في هذا ، ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة غير مُلزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، كما أنه من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يُوجه إليه من اعتراضات ، وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد لا يُجافي المنطق والقانون ، فلا تجوز مجادلتها في ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية - أن تُعوِّل على تقرير طبي يتفق مع شهادة شهود الإثبات في تعزيز شهادتهم ، وأن تطرح تقريراً آخر لا يتفق معها باعتبار كل ذلك من أدلة الدعوى ، فضلاً عن أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يُفيد اطراحها التقرير الاستشاري والمستندات المقدمة فيها ، وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً ، ومن ثم فإن مُجادلة الطاعن في أن المحكمة عوَّلت على التقرير الطبي الشرعي وأغفلت التقرير الاستشاري ومستندات أخرى لها دلالتها في نفي الاتهام لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد صدر منه عديم الأثر لانعدام إرادته ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - كان لها أن تأخذ به بما لا مُعقِّب عليها ، وكان الحكم قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى اطراح الدفع ببطلان اعتراف الطاعن لصدوره وليد إرادة منعدمة وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف لصدوره عن إرادة حُرة واعية ، وإلى ما انتهى إليه التقرير الطبي النفسي الشرعي ، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان لا ينقص من قيمة الاعتراف الذي تساند إليه الحكم في قضائه ما يذهب إليه الطاعن من أن أقواله التي أورد الحكم مؤداها لا تُعَد اعترافاً بالجريمة لأنها لم تكن نصاً في اقترافها ، ذلك بأن محكمة الموضوع ليست مُقيدة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره ، بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى الحقيقة التي تصل إليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق . وإذ كان ذلك ، وكانت المحكمة قد استظهرت - من ظروف الدعوى وملابساتها - تعاطي الطاعن لجوهر الحشيش المخدر وأقامت على توافره في حقه - توافراً فعلياً - أدلة سائغة اقتنع بها وجدانها ، فإنه لا تجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً ، والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه ، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أخذ به الحكم من الاعتراف له أصله من الأوراق ، وكان ما أخذ به الحكم من اعتراف الطاعن يتفق وأقوال شهود الإثبات وتقرير المعمل الكيماوي ، فإن ما يُثيره الطاعن بشأن ما كان يقصده باعترافه إنما ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إجراءات أخذ عينة الدم والبول منه على النحو الوارد بوجه النعي ، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم لا تحمل مقوماته ، لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة ، فإنه لا يُقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض ، لأنه في حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة في سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى ، هذا فضلاً عن أن المادة ٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت لرجل الضبط القضائي القبض على المتهم في أحوال التلبس بالجنح بصفة عامة إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر ، وإذ كانت جريمة من يتسبب خطأ في موت شخص آخر نتيجة إخلاله إخلالاً جسيماً بما تُفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نتج عنه الحادث الذي قارفه الطاعن قد ربط لها القانون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين أو الغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة ۲۳۸ من قانون العقوبات ، ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة في المادة ٤٦ منه على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يُفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً كان التفتيش الذي يُجريه من خُوِّل له إجراؤه على المقبوض عليه صحيحاً ، أياً كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص ، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير مُعقِّب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، كما أن ما يتخذه مأمور الضبط القضائي - المُخوَّل له حق التفتيش - من إجراءات سحب عينة من دماء أو بول المتهم وبمعرفة الممرض الذي ندبته النيابة العامة لا يعدو أن يكون تعرُّضاً للمتهم بالقدر الذي يُبيحه التفتيش ذاته وتوافر حالة التلبس في حقه لتسببه خطأ في موت شخص نتيجة تعاطيه مسكر أو مخدر ، فإن الأمر الصادر من النيابة العامة بتحليل عينة دماء وبول الطاعن بعد اطلاعها على محضر الضبط وما تضمنه من أقوال الشهود والتقارير الطبية الخاصة بالمجني عليهم هو إذن صحيح ، وتحليل عينة دمائه وبوله بُناءً على ذلك يكون صحيحاً أيضاً ، ومتى كان الأمر كذلك فلا يصح الطعن على الحكم من جهة استشهاده على المتهم بالدليل المستمد من الإجراءات التي تمت على هذا الأساس ، فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يُوجَّه إلى تقاريرهم من اعتراضات مما يختص به قاضي الموضوع ، فهو في هذا غير مُلزم بتعيين خبير آخر ما دام قد استند في أخذه برأي الخبير الذي اعتمده إلى ما لا يُجافي المنطق والقانون ، وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد أخذت في حكمها بتقرير المعمل الكيماوي الذي أُثبت به أن العينة المأخوذة من المتهم تحتوي على نواتج أيض الحشيش المخدر ، وكان الطاعن على ما هو ظاهر من محاضر جلسات المحاكمة لم يطلب من المحكمة صراحةً ندب خبير آخر أو استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ، فإن ما يُثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان ما يقوله الطاعن عن خطأ الحكم في ذكر الاسم الصحيح للشاهد السادس لا يعدو أن يكون خطأً مادياً لا يؤثر في سلامة الحكم ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالحكم المطعون فيه أنه صدر من دائرة شُكِّلت من ثلاثة من قضاة محكمة الاستئناف ، فإنه يكون قد صدر من هيئة مشكلة وفق القانون ، ولا يؤثر في هذا أن تلك الدائرة تضم أربعة قضاة إذ لا يعدو أن يكون تنظيماً إدارياً بين دوائر المحكمة المختصة ، وليس من شأن ذلك التوزيع أن يخلق نوعاً من البطلان ، فإن النعي في هذا الصدد يكون على غير أساس من القانون . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أعمل في حق الطاعن حكم المادة ٣٢ من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة جريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي باعتبارها الجريمة الأشد إلا أنه أغفل القضاء على الطاعن بعقوبة الغرامة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة ٣٧ من القانون رقم ١٨٢ لسنة ۱۹٦٠ المعدل في شأن مكافحة المخدرات ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن على هذا الحكم فإنه لا سبيل لتصحيح هذا الخطأ حتى لا يُضار الطاعن بطعنه إعمالاً لحكم المادة ٤٣ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم ٥٧ لسنة 1959 . لما كان ما تقدم ، فإن الـطعن برمته يكون على غير أساس متعيـناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق