جلسة 27 من يونيو سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
------------------
(115)
الطعن رقم 487 لسنة 30 القضائية
(أ) دعوى جنائية. انقضاؤها بالحكم البات.
الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه. ما يحقق الغيرية بين دعويين: مثال. واقعة تزوير صحيفة دعوى مدنية تغاير واقعة تزوير عقد البيع موضوع هذه الدعوى.
(ب) عقوبة. تعددها: الارتباط غير القابل للتجزئة.
آثار هذا الارتباط. متى ينظر إليها؟
عند الحكم بالعقوبة عن الجريمة الأشد دون البراءة منها.
(ج) إثبات صحة الأوراق. دعوى التزوير الفرعية.
مؤدى قواعد هذه الدعوى.
للنيابة وسائر الخصوم في أية حالة كانت عليها الدعوى أن يطعنوا بالتزوير في أية ورقة من أوراق القضية المقدمة فيها.
ماهية الطعن بالتزوير وآثاره.
هو من وسائل الدفاع وتطبيق خاص لحالة توقف الفصل في دعوى جنائية مطروحة على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى.
الطعن بالتزوير لا يحول دون مباشرة الدعوى الجنائية من النيابة العامة أو تحريكها بالطريق المباشر أو التبليغ عن الجريمة.
سلطة المحكمة بشأن إيقاف الدعوى المطروحة.
الإيقاف جوازي لا وجوبي.
(د) اختصاص. نقض.
المسائل الفرعية التي لا تختص بها المحاكم الجنائية. ما لا يعد منها: مثال. الدفع بوقف الدعوى. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(هـ) تزوير. بيانات التسبيب.
عدم لزوم تحدث الحكم صراحة عن ركن الضرر. يكفي أن يكون مستفاداً من الحكم.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: اشتركوا مع مجهول في ارتكاب تزوير في محرر عرفي هو عقد البيع المبين بالمحضر والمنسوب صدوره إلى....... ببيع منزلين إلى المتهمة الأولى وكان ذلك بوضع إمضاء مزور للمجني عليه على عقد البيع بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم المجهول بأن اتفقوا معه على ارتكاب الجريمة وساعدوه بالتوقيع على العقد - المتهمة الأولى كمشترية، والمتهمين الثاني والثالث كشاهدين - والمتهمة - الأولى استعملت العقد سالف الذكر مع علمها بتزويره بأن قدمته في القضية 4954 سنة 1953 كلي مصر. وطلبت النيابة توقيع أقصى العقوبة المنصوص عليها في المواد 211 و215 و40/ 2 و3 و41 من قانون العقوبات وادعى المدعي بالحق المدني قبل المتهمين بقرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً. وأمام محكمة الجنح الجزئية دفع الحاضر مع المتهمين ببطلان الإجراءات، والمحكمة قضت حضورياً ببطلان الإجراءات وبراءة المتهمين مع رفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي بالحق المدني المصاريف وأتعاب المحاماة. استأنفت النيابة هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبحبس المتهمة الأولى عن التهمتين ثلاثة أشهر مع الشغل وكل من المتهمين الثاني والثالث ثلاثة أشهر مع الشغل وذلك عملاً بمواد الاتهام بالنسبة إلى المتهمين مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول. فطعن نائب الوكيل عن المتهمين في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب كما أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه اعتمد في قضائه بإدانة الطاعنين بجريمة الاشتراك في تزوير محرر عرفي على أن عملية المضاهاة التي قام بها قسم أبحاث التزييف والتزوير في 3 مايو سنة 1955 قد دلت على أن الإمضاء المنسوب إلى المجني عليه الموقع بها على عقد البيع المقول بتزويره يختلف عن إمضاء المذكور الموقع بها في ورقة الاستكتاب والإمضاءين الموقع بهما على أوراق المضاهاة، وفات الحكم أن بالأوراق تقريرين آخرين صادرين من القسم سالف الذكر تضمن الأخير منهما أن التوقيع المنسوب إلى المجني عليه على عقد البيع موضوع الفحص وجد على هيئة "فرمة" معقودة بشكل خاص بما لا يمكن معه نسبة أو نفي كتابة هذا التوقيع إلى صاحبه، ومؤدى ذلك أن الحكم استند إلى ما يناقض ما جاء بالأوراق، وكان من المتعين على الحكم أن يتصدى إلى ما جاء بالتقرير الأخير فيفنده - ولكنه التفت عنه على الرغم مما أثاره الدفاع عن الطاعنين في هذا الشأن. كما أنه في الوقت الذي أقيمت فيه الدعوى المطروحة بشأن تزوير عقد البيع، كان قد نسب إلى الطاعنين الأولى والثاني ارتكاب تزوير في محرر رسمي - هو عريضة الدعوى المدنية رقم 4954 لسنة 1953 مدني كلي مصر بطلب صحة ونفاذ عقد البيع سالف الذكر - وأقيمت الدعوى الجنائية قبلهما أمام محكمة الجنايات وقد راعت المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه قيام الارتباط بين الدعويين فأمرت بوقف الدعوى المطروحة حتى يتم الفصل في الجناية والتي قضي فيها بالبراءة، مما كان يقتضى تبرئة الطاعنين من تهمة الجنحة أخذاً بما أوردته المحكمة المذكورة من مبررات لوقف الفصل فيها، ولحجية الحكم الصادر في الجناية والأسباب التي قام عليها والتي تؤدي إلى انتفاء تهمة التزوير عن الطاعنين، أما وقد تغاضى الحكم المطعون فيه عن دلالة الحكم المذكور والتفت عن الإشارة إليه فإنه يكون قد وقع في تضارب يعيبه، هذا إلى أن الدعوى المدنية كانت قائمة في شأن المحرر موضوع دعوى التزوير المطروحة عندما تقدم المجني عليه إلى النيابة العامة ببلاغ عن تزويره مما كان يقتضي إعمال حكم المادتين 296 و297 من قانون الإجراءات الجنائية اللتين رسمتا طريق الطعن بالتزوير وإجراءاته وعدم الالتجاء إلى اتخاذ إجراءات الاتهام على خلاف المادتين سالفتي الذكر. وإذ خرج الحكم على ذلك مخالفاً قضاء محكمة أول درجة الذي انتهى بتبرئه الطاعنين فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون - كما أن الحكم قد قصر في استيعاب عناصر الدعوى وظروفها كاملة ولم يعن باستظهار ركن الضرر الذي هو شرط قيام جريمة التزوير في المحرر العرفي وخصوصاً أن الورقة التي يحتج بها على المجني عليه ما تزال بين يدي القضاء المختص والطعن في أمرها ما زال قائماً. ولا يجوز القول بأن الضرر يستشف من صدور حكم ابتدائي بصحة ونفاذ هذه الورقة لأن هذا الحكم قد أصدرت فيه محكمة الجنايات قضاءها ضمناً عندما برأت الطاعنين من تزوير إعلان الدعوى ومحضر جلستها، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله - "إن... أبلغ نيابة باب الشعرية أن "الطاعنة الأولى" زورت عقد بيع نسبت صدوره منه ويتضمن بيعه المنزلين رقمي 3، 5 عطفة الجميزة وأنها رفعت بموجب العقد المذكور الدعوى رقم 4954 سنة 1953 كلي مدني القاهرة بطلب صحته ونفاذه وأنه لم يعلن بهذه الدعوى ورغم ذلك فقد تمكنت السيدة المذكورة من إحضار شخص مثل أمام المحكمة وصادقها على عقد البيع المزور فقضي لها بصحته ونفاذه وقد قام البوليس بتحقيق هذه الشكوى - وقد تبين من التحقيق أن الشاكي قد استأنف الحكم الصادر في القضية سالفة الذكر، ومن ثم طلبت منه النيابة أن يطعن بالتزوير في محضر الجلسة وفي العقد أمام المحكمة الاستئنافية وأمرت النيابة بقيد الأوراق برقم شكوى وقررت بحفظها إدارياً" فتظلم الشاكي من هذا القرار الذي لم يسبقه تحقيق، ومن ثم أعيدت الأوراق إلى التحقيق الذي باشرته النيابة العامة... وقد استبان لها من التحقيق بعد أن ضمت القضية رقم 4954 سنة 1953 كلي مصر واستئنافها أن ثمة تزوير في عريضة الدعوى رقم 4954 لسنة 1953 ك. مصر إذ تقدمت سيدة وانتحلت اسم زوجة (المجني عليه) وأعلنت بصفتها بعريضة الدعوى ووقعت ببصمة إبهامها على العريضة، وأن ثمة تزوير في محضر جلسة 3/ 11/ 1953 - حيث أثبت به أن (المجني عليه) قد حضر بالجلسة وأقر بصدور العقد منه وبصحته والحال أنه لم يحضر وقد أفردت النيابة العامة التحقيقات الأصلية لهاتين الواقعتين وقيدتها جناية برقم 3057 سنة 1956 جنايات باب الشعرية، وقد أحيلت إلى غرفة الاتهام التي قررت بإحالة الأوراق لمحكمة الجنايات بالنسبة لتهمة تزوير عريضة الدعوى وأمرت بأن لا وجه لإقامة الدعوى بالنسبة لتهمة التزوير الذي وقع بمحضر الجلسة، وقد قضت محكمة الجنايات فيما عرض عليها بالبراءة، كما استبان للنيابة أن ثمة تزوير في عقد البيع وأن المتهمة الأولى استعملته في القضية رقم 4954 لسنة 1953 كلي مصر مع علمها بتزويره فقدمت المتهمين بالتزوير في هذه الواقعة إلى محكمة باب الشعرية....." وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه ومن تقريري قسم أبحاث التزييف والتزوير المؤرخين 3 مايو سنة 1955 و6 فبراير سنة 1956 وانتهى إلى أن إمضاء المجني عليه......... الذي وضع على عقد البيع المطعون عليه ليس إمضاءه - وإنما هو إمضاء مزور عليه وقد تم هذا التزوير من مجهول لم تفصح عنه التحقيقات، وأن ذلك كان باشتراك كل من المتهمين (الطاعنين) بطريقي الاتفاق والمساعدة، إذ ثبت أن لكل منهم توقيعاً على عقد البيع المزور وأن الطاعنة الأولى قد استعملت العقد المذكور في القضية رقم 4954 سنة 1953 كلي القاهرة على رغم علمها بتزويره ودان الطاعنين بجريمتي الاشتراك في التزوير والاستعمال. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع إذ هو يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه، ولها كامل الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها - فإذا كان الحكم قد اطمأن إلى بعض التقارير الفنية التي أشار إليها والمقدمة في الدعوى واستند إليها في إدانة الطاعنين فذلك يفيد أنه قد أطرح باقيها ولا يلزم أن يرد عليها استقلالاً، ولا يصح للطاعنين أن يصادروا المحكمة فيما اطمأنت إليه وعولت فيه على الأدلة السائغة التي أوردتها، وكان ما أورده الحكم في مدوناته في شأن قضية الجناية رقم 3057 سنة 1956 باب الشعرية - وموضوعها تزوير عريضة الدعوى المدنية رقم 4954 سنة 1953 مدني كلي القاهرة يبين منه أن واقعتها مختلفة عن واقعة تزوير عقد البيع - موضوع الدعوى المطروحة - ومستقلة عنها إذ لكل منهما ذاتية وظروف خاصة تتحقق بها الغيرية التي يمتنع معها إمكان القول بوحدة الواقعة في الدعويين - هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن قضاء محكمة الجنايات ببراءة المتهمين من تهمة الجريمة الأشد وهي جناية تزوير عريضة الدعوى لا يمنع محكمة الجنح من القضاء في دعوى الجنحة بالإدانة، ومن ثم فلا يكون صحيحاً ما يقوله الطاعنون من أن الحكم في الجناية بالبراءة كان يقتضي التبرئة من تهمة الجنحة إذ الارتباط الذي تتأثر به المسئولية عن الجريمة الصغرى طبقاً للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات ينظر إليه عند الحكم في الجريمة الكبرى بالعقوبة دون البراءة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى ما يثيره الطاعنون في شأن نعيهم عليه خروجه على مقتضى ما رسمته المادتان 269 و297 من قانون الإجراءات الجنائية من تنظيم لإجراءات دعوى التزوير الفرعية فقال "إنه مما لا شك فيه أن التزوير جريمة، ومتى كان ذلك، وكان من المقرر طبقاً لنص المادة 25 إجراءات أن لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة.... ومن ثم فلا تثريب على المجني عليه الذي علم بأنه قد نسب إليه عقد بيع فلجأ إلى النيابة العامة مبلغاً عن هذه الواقعة المؤثمة في القانون والمعاقب عليها طبقاً لأحكام قانون العقوبات، كما أنه لا تثريب على النيابة إذا ما قامت بإجراء التحقيق في هذه الواقعة وغيرها من وقائع متعلقة بتزوير عريضة الدعوى وما وقع بمحضر الجلسة. لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد انتهت في هذه الجرائم إلى تحريك الدعوى الجنائية بشأنها وهي ليست من الجرائم التي يتوقف رفع الدعوى عنها على شكوى أو إذن من تلك الجرائم المنصوص عليها في المادة 3 من قانون الإجراءات، كان هذا الإجراء سليماً في القانون، أما النعي بأنه متى كانت الدعوى خاصة بصحة ونفاذ عقد البيع المطعون عليه بالتزوير ما زالت منظورة بالاستئناف ولم يطعن عليه بالتزوير - ومن ثم فلا يجوز للمضرور أن يلجأ إلى الدعوى العمومية - فهو نعي خاطئ غير سديد لا سند له من القانون - فمتى كان المقرر أن التزوير عمل مؤثم في القانون وكان من حق كل من علم بوقوع جريمة أن يبلغ النيابة العامة عنها، وكان من حق النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية عن كل جريمة غير تلك المنصوص عليها في المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان ما ذهبت إليه محكمة أول درجة قولاً مرسلاً يورد قيداً على حق الأفراد وحق النيابة ولا سند له من القانون. أما عن الإجراءات التي قال عنها الدفاع عن المتهمين (الطاعنين) وسايرته فيها المحكمة (محكمة أول درجة) من وجوب توافرها وهي تلك الإجراءات المنصوص عليها في المادتين 296 و297 إجراءات من ضرورة أن يكون الطعن بالتزوير بتقرير في قلم كتاب المحكمة فإنها إجراءات غير خاصة بخصوص الدعوى الماثلة وإنما هي إجراءات رسمها قانون الإجراءات لمباشرة التزوير الذي يكوّن نطاق الدعوى الجنائية والذي يبدي أثناء سيرها - فهو في حقيقته تنظيم للطعن بالتزوير بحالة محدودة بحدود دعوى قائمة ونطاقه لا يتجاوز هذه الدعوى إذا ما رأى فيها صاحب الشأن أن يطعن بتزوير سند يحتج به في مواجهته في تلك الدعوى، ففي هذه الحالة أوجب عليه القانون إجراءات معينة هي المنصوص عليها في المادتين 296 و297 من قانون الإجراءات - فهي كما سبق القول إجراءات تنظيمية يحددها المشرع لينظم بها طريق الطعن بالتزوير أمام المحكمة الجنائية إذا ما طعن بالتزوير كدفع فرعي تدفع به الدعوى، ولا يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن المشرع حين قضى بهذا قد أراد أن يمنع المجني عليه في جريمة التزوير أن يلجأ إلى دعوى التزوير الأصلية بإجراءاتها التي نظمها القانون أو أن يلجأ إلى النيابة العامة مبلغاً إياها عن الجريمة بمقتضى حقه المخول له قانوناً وباعتبارها صاحبة الدعوى الجنائية..." لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من ذلك صحيحاً في القانون ذلك أن القواعد التي نص عليها قانون الإجراءات الجنائية في الفصل الثامن من الباب الثاني من الكتاب الثاني منه في خصوص دعوى التزوير الفرعية لم يكن لها مقابل في قانون تحقيق الجنايات الملغي الذي اكتفى في المادة 72 منه بالإحالة على قواعد قانون المرافعات المدنية فيما يتعلق "بتحقيق عين الأوراق التي تحصل المضاهاة عليها في مواد التزوير" وقد عللت المذكرة التفسيرية المرافقة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية وضع هذا الفصل بأن المشروع "توخي في ذلك تبسيط الإجراءات ولم يشأ الأخذ بما ورد في قانون المرافعات عن دعوى التزوير الفرعية - ومما ينبغي الإشارة إليه أن هذه القواعد قد وضعت للعمل بها سواءً أكانت الدعوى الأصلية لا تزال في مرحلة التحقيق أم كانت منظورة لدى المحكمة" ومؤدى ما تقدم أن للنيابة العامة ولسائر الخصوم في أية حالة كانت عليها الدعوى أمام القضاء الجنائي أن يطعنوا بالتزوير في أية ورقة من أوراق القضية بشرط أن تكون قد قدمت فيها فعلاً - وهو غير الشأن في دعوى التزوير الفرعية التي نظم قانون المرافعات وإجراءاتها. وهذا الطعن هو من وسائل الدفاع التي لا يجوز أن تقف في سبيل حرية النيابة العامة في مباشرة الدعوى الجنائية في حدود القانون، أو أن تعطل الأفراد عن ممارسة الحق المخوّل لهم قانوناً في التبليغ عن الجرائم، أو الالتجاء إلى الطريق الجنائي المباشر عند الاقتضاء, وهو من جهة أخرى يعد تطبيقاً خاصاً لحالة توقف الفصل في الدعوى الجنائية المطروحة على الفصل في دعوى جنائية أخرى طبقاً للإجراءات التي رسمها القانون - وفي نطاق هذه الإجراءات دون التوسع فيها أو القياس عليها. وقد جعل القانون هذا الإيقاف جوازياً للمحكمة لا وجوبياً - إذ قد ترى المحكمة أن التزوير واضح فتستبعد الورقة من تلقاء نفسها، أو أن الورقة نفسها لا لزوم لها للفصل في الدعوى أو أن الدفع بالتزوير غير جدي. ولما كان ما ينعاه الطاعنون على الحكم من سيره في الدعوى المطروحة على الرغم من قيام دعوى صحة ونفاذ عقد البيع المطعون عليه أمام القضاء المدني مردوداً بأنه فضلاً عن أنه لا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين أو المدافع عنهم قد أثاروا هذا الدفع - فلا يقبل منهم طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض فإنه من المقرر أن القاضي الجنائي غير مكلف بوقف الدعوى الجنائية في هذه الحال لخروجها عن نطاق المسائل الفرعية التي عناها الشارع بالإيقاف في المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية، ولعدم اتصالها بأركان الجريمة المرفوع بها الدعوى الجنائية أو بشروط تحقق وجودها. لما كان ذلك، وكانت الواقعة الثابتة في الحكم هي أن الطاعنين قد اشتركوا مع مجهول في اصطناع عقد بيع منزلين نسباه كذباً إلى المجني عليه ومن شأن هذا العقد إنشاء التزامات وكانت طبيعة هذا التزوير أن ينطوي على الإضرار، فإنه لا يشترط لصحة الحكم بالإدانة في جريمة التزوير أن يتحدث صراحة عن ركن الضرر بل يكفي أن يكون قيامه مستفاداً من مجموع عبارات الحكم، وهو ما حققته أسباب الحكم المطعون فيه - فلا محل لما يعيبه الطاعنون على الحكم في هذا الشأن، لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دين الطاعنون بها، وخلص إلى ذلك بأدلة سائغة، فإن ما ينعاه عليه الطاعنون لا يكون له وجه، مما يتعين معه رفض الطعن موضوعاً.
(1) المبدأ ذاته في الطعن رقم 124 لسنة 30 ق (جلسة 13/ 6/ 1960).