جلسة 11 من نوفمبر سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / محمد محجوب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمد العكازي ، عبد الله فتحي وعلاء البغدادي نواب رئيس المحكمة ووليد أبوليلة .
----------------
(89)
الطعن رقم 9960 لسنة 90 القضائية
(1) رشوة . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
جريمة الرشوة . مناط تحققها ؟
إثبات الحكم وقوع جريمة الرشوة في حق الطاعنة . نعيها بشأن عدم توافر أركانها . غير مقبول.
مثال .
(2) رشوة . قصد جنائي . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . توافره بعلم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أنه يفعل ذلك ثمناً لاتجاره بوظيفته . استنتاجه من الظروف التي صاحبت العمل . استظهار الحكم له استقلالاً . غير لازم . حد ذلك ؟
مثال .
(3) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها . غير مقبول .
مثال .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
قضاء المحكمة بناءً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين لا على الفرض والاحتمال . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي غير جائز أمام محكمة النقض . رد الحكم من بعد على أوجه الدفاع الموضوعية . غير لازم . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها .
(5) تسجيل المحادثات . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إيراد الحكم مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه . كفايته كيما يستقيم قضاؤه . عدم إيراد نصها بكل فحواها . لا ينال من سلامته .
نعي الطاعنة على الحكم عدم بيانه مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات . غير مقبول . ما دام لم يعول عليها إلا كقرينة معززة لأدلة الثبوت .
(6) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التسجيل . موضوعي .
اقتناع المحكمة بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن النيابة وكفايتها لتسويغ إصداره . المجادلة في هذا الشأن . غير جائزة أمام محكمة النقض .
ترديد التحريات لما أبلغ به متهم . لا ينال من صحتها . علة ذلك ؟
(7) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
من يقوم بإجراء باطل . لا تقبل منه الشهادة عليه . حد ذلك ؟
تعويل الحكم على أقوال ضابط الواقعة . صحيح . ما دام انتهى لصحة إجراءات القبض والتفتيش .
(8) دفوع " الدفع ببطلان إذن التسجيل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
الدفع بصدور الإذن من النيابة العامة وموافقة وزير المالية بعد إجراء التسجيلات والضبط . موضوعي . كفاية اطمئنان المحكمة إلى إجرائهما بناءً على الإذن أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها . التفاتها عنه . لا يعيب حكمها . علة ذلك ؟
(9) إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . حد ذلك ؟
(10) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
تقدير الدليل . موضوعي . نعي الطاعنة بشأن التسجيلات الصوتية بينها وبين المُبلغ والوسيط . غير مقبول .
(11) دفوع " الدفع ببطلان التسجيل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
إثارة النعي ببطلان التسجيلات السمعية والمرئية لتعرضها للعبث والتحريف لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .
(12) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . رشوة . دعوى جنائية " قيود تحريكها " .
مثال لرد سائغ على الدفع ببطلان الطلب المقدم لوزير المالية لتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام شكله القانوني في حكم صادر بالإدانة بجريمة طلب وأخذ رشوة .
(13) تسجيل المحادثات . مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم " .
استماع مأمور الضبط للأحاديث المسجلة . صحيح . ما دام تسجيلها مأذوناً به قانوناً .
(14) نقض " الصفة في الطعن " . دفوع " الدفع ببطلان الإجراءات " .
لا صفة لغير من وقع عليه الإجراء الباطل في أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه . علة ذلك؟
مثال .
(15) إثبات " اعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " .
تقدير صحة الاعتراف في المسائل الجنائية وقيمته في الإثبات . موضوعي .
للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وغيره وفي أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك . نعي الطاعنة في هذا الشأن . غير مقبول .
(16) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هى حاجة لاجرائه . غير جائز .
مثال .
(17) تزوير " الادعاء بالتزوير " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثارة الدفع بتزوير الطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية لأول مرة أمام محكمة النقض . غير مقبولة . علة ذلك ؟
(18) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
مثال .
(19) عزل . عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
إغفال الحكم القضاء بعقوبة العزل عن جريمة الرشوة . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . أساس وعلة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة طلب وأخذ رشوة التي دان الطاعنة بها ، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة مستقاة من اعترافات المتهمين الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة ومن أقوال الشاهدين وتقرير خبير الأصوات ، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان البيّن مما أورده الحكم المطعون فيه أن الطاعنة بصفتها موظفة عمومية " مأمور فحص ضرائب بمأمورية القيمة المضافة ب .... " والمختصة بفحص ملفات الضرائب بمأمورية ضرائب القيمة المضافة بـ .... طلبت من المتهم الثاني مبلغ أربعمائة وثلاثين ألف جنيه وأخذت منه ثلاثمائة واثنين وخمسين ألف جنيه كمقدم مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبي لملف شركته عن الفترة من .... حتى .... واعتماد المستندات غير الدقيقة المقدمة منه لذلك الفحص ، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعنة ، فإن ما تُثيرهُ في هذا الشأن يكون غير سديد .
2- من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المُرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعنة تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينها وبين المتهم الثاني - المُبلغ - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي – كما هو معرف به في القانون – ولا يُشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد .
3- لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تدفع بعدم سيطرتها على مبلغ الرشوة ، ومن ثم فليس لها أن تنعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يُبد أمامها .
4- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعنة ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين مُستمدة من وقائع وأدلة لها أصلها الثابت في الأوراق ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما تذهب إليه الطاعنة ، فإن ما تُثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ولم يكن الحكم بحاجة بعد هذا الذي أثبته في حق الطاعنة من أن يرد استقلالاً على ما أثارته من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعتها في مناحيها المختلفة ، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن منعى الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير سديد .
5- لما كان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه – وخلافاً لما تذهب إليه الطاعنة بأسباب الطعن – قد أورد مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المقام ، وفضلاً عن ذلك ، ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المُستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليه كقرينة تُعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة من عدم بيان مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات وببطلانها يكون غير مقبول .
6- من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها إذن النيابة وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق ، فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض ، ولا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المتهم الثاني ؛ لأن مفاد ذلك أن مُجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ .
7- لما كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة عليه ، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديداً إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابط الواقعة ويكون منعى الطاعنة في هذا الشأن غير قويم .
8- من المقرر أن الدفع بصدور الإذن من النيابة العامة وموافقة وزير المالية بعد إجراء التسجيلات والضبط هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى أن تلك التسجيلات والضبط قد تمت بناءً على الإذن وبعد موافقة وزير المالية أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها ، ومن ثم فلا جُناح على المحكمة إن هي التفتت عن هذا الدفاع القانوني الظاهر البطلان .
9- من المقرر في قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة في الدعوى ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله .
10- لما كان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه ، فلا معقب عليها في ذلك ، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنة للجريمة المسندة إليها ، فإن ما تُثيرهُ الطاعنة بصدد الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية التي جرت بينها وبين المُبلغ والوسيط يكون غير سديد .
11- لما كان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تُثر دفاعها القائم على بطلان التسجيلات السمعية والمرئية لتعرضها للعبث والتحريف والمونتاج من قبل رجل الضبط لكونها تزويراً في تاريخ المكالمات واستراقاً للسمع وتنصتاً على الحياة الخاصة للمواطنين ، فإنه لا يُقبل منها أن تُثير هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض لما هو مقرر أن الطعن بالنقض لا يعتبر امتداداً للخصومة ، بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام من قبيل أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عُرض عليها من طلبات وأوجه دفاع ، ولا تنظر محكمة النقض القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تطلب سائر طلبات التحقيق التي أشارت إليها في أسباب طعنها ، فليس لها - من بعد - أن تنعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه منها .
12- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنة ببطلان طلب وزير المالية بتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام الشكل القانوني له واطرحه في قوله ( وحيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى العمومية بمقولة أن الطلب المقدم للسيد وزير المالية قد ناقض شروط صحته ، فمردود بأنه لا يشترط للطلب المقدم للسيد وزير المالية شكل أو صيغة معينة إلا أنه يجب أن يتضمن على عبارات واضحة دالة على اعتزام الجهة المنوط بها ذلك اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الضريبة على القيمة المضافة . ولما كان ذلك ، وكان الطلب المقدم والثابت بالأوراق قد تضمن عبارات واضحة من قبل النيابة العامة المنوط بها اتخاذ الإجراءات إلى السيد وزير المالية والذي وافق سيادته على اتخاذها يُحقق مراد المشرع من اتخاذ هذا الإجراء المنصوص عليه مما ترى معه المحكمة أن الدفع المبدى قد أقيم على غير سند صحيح من الواقع والقانون ) وهو رد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن وزير المالية قد وافق على تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهمة الماثلة ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد .
13- لما كان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً ، فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره ، ويكون ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد غير قويم .
14- لما كان إذن التسجيل المؤرخ .... للمتهم الثالث - والوسيط – فلا صفة للطاعنة في النعي على الحكم ببطلان تنفيذه لتجاوزه حدود الإذن لما هو مقرر من أنه لا صفة لغير من وقع في حقه الإجراء أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ؛ لأن تحقق المصلحة لاحق لوجود الصفة ، فإن منعاها في هذا الخصوص غير سديد .
15- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وفي أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك ، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف ، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر مؤدى اعترافات المتهمين الثاني والثالث في التحقيقات وخلص إلى سلامة الدليل المُستمد من هذه الاعترافات لما ارتآه من مطابقتها الواقع ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد .
16- لما كان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة أو المدافعين عنها لم يطلب أيهم الاستماع إلى كافة تسجيلات المحادثات والاطلاع على الملف الضريبي للمتهم الثاني ، فليس للطاعنة - من بعد - النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه .
17- لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعنة أو المدافعين عنها لم يُثيروا شيئاً بشأن تزوير الطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية بإضافة كلمة " أوافق " ، وكان هذا الطلب إجراء سابق على المحاكمة ، فإنه لا يُقبل من الطاعنة إثارة أمر تزويره لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنها لم تدفع به أمام محكمة الموضوع .
18- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً ومُحدداً ، ولما كانت الطاعنة لم تُبيّن ماهية أوجه الدفاع التي أبدتها في مذكراتها بياناً واضحاً مُحدداً ، بل أرسلت القول إرسالاً دون تحديد ما قصدته من دفاع فيها أغفله الحكم ، وذلك لمراقبة ما إذا كان هذا الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تُجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
19- لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنة بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وتغريمها مبلغ خمسون ألف جنيه دون أن يقضي بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون ، ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة ولم تورد لفظ العزل ، ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص ، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها " الأمر الذي لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حالة معاملته بالرأفة فحسب والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذي يعامل بالرأفة في وضع أسوأ من ذلك الذي لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه وهو ما يؤذن لهذه المحكمة – محكمة النقض – أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون ، غير أنها لا تملك التعرض لما أنزل الحكم من عقوبة لكون الطاعنة هي المحكوم عليها ، فإن المحكمة لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ لما في ذلك من إضرار بالمحكوم عليها ، إذ من المقرر أنه لا يصح أن يُضار المتهم بناءً على الطعن المرفوع منه وحده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامـة كل من : 1- .... ( الطاعنة ) . 2- .... . 3- .... بأنهم :
أولاً : المتهمة الأولى :-
- بصفتها موظفة عمومية " مأمور فحص بمأمورية ضرائب القيمة المضافة بـ .... " طلبت وأخذت لنفسها عطايا مادية لأداء عمل من أعمال وظيفتها بأن طلبت من المتهم الثاني بواسطة المتهم الثالث مبلغ ستمائة وثمانين ألف جنيه مصري على سبيل الرشوة أخذت منه مبلغ أربعمائة واثنين ألف جنيه مصري مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبي لملف شركة المتهم الثاني واعتماد المستندات المقدمة منه لذلك الفحص الضريبي لملف شركة المتهم الثاني على النحو المُبيّن بالتحقيقات .
ثانياً: المتهم الثاني :-
- قدم رشوة لموظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته ، بأن قدم للمتهمة الأولى – بواسطة المتهم الثالث – عطايا الرشوة موضوع الاتهام الوارد بالبند " أولاً " على النحو المُبيّن بالتحقيقات.
ثالثاً: المتهم الثالث :-
- توسط في رشوة موظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته ، بأن توسط في رشوة المتهمة الأولى موضوع الاتهام الوارد بالبند " أولاً " على النحو المُبيّن بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 103 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادة 17 من القانون ذاته . أولاً: بمعاقبة .... " الطاعنة " بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وغرامة خمسون ألف جنيه عما أسند إليها . ثانياً: إعفاء كلا ً من .... ، .... من العقوبة .
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفتها ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه خلا من استظهار أركان جريمة الرشوة في حق الطاعنة المادي والمعنوي بدلالة المشاهد الواردة الخاصة بواقعة الضبط والتي تُفيد انعدام سيطرة الطاعنة على الكيس البلاستيكي ورفضها استلامه أكثر من مرة وأن من قام بوضعه داخل حقيبة يدها المتهم الثاني بدعوى أنها حلوى الشيكولاتة وليست مبالغ مالية ، وأغفل دفاع الطاعنة في هذا الشأن ، مما يُنبئ عن أن الحكم أقام قضاءه على أدلة ظنية وافتراضية ، ولم يُبيّن مضمون الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية والمرئية التي تم تسجيلها بصورة وافية وأطرافها ووجه استدلاله بها على ثبوت الجريمة في حق الطاعنة رغم خلوها مما يفيد طلب وأخذ رشوة ، وتمسك دفاع الطاعنة ببطلان إذن النيابة العامة بالتسجيلات لابتنائه على تحريات غير جدية وباطلة لشواهد عددّها بوجه النعي مما يدل على أنها جاءت ترديداً لأقوال المُبلّغ – المتهم الثاني – ولم توضح المحكمة عناصر التحريات وتمحصها ، وأن هذا البطلان يترتب عليه بطلان كافة الآثار المترتبة ، وكذا شهادة من أجراه وببطلان التسجيلات الفنية والمرئية لصدورها قبل إذن من النيابة العامة بها المؤرخ .... وقبل موافقة وزير المالية لشواهد عددّها ، ودون أن تعرض المحكمة للمستندات الرسمية المقدمة والتي تُثبت عدم إجراء مكالمات بين الطاعنة والمتهم الثالث يوم .... ودون أن تعن بإجراء تحقيق في هذا الشأن ، وببطلان التسجيلات لتعرضها للعبث والتحريف والمونتاج من قبل رجل الضبط ودون أن تعن المحكمة بإجراء تحقيق في هذا الشأن ، بما يُشكل جريمة التزوير في تاريخ المكالمات عملاً بالمادة 211 من قانون العقوبات وجريمة استراق السمع للقائم بالتسجيل عملاً بالمادة 309 مكرراً من قانون العقوبات ، وببطلان طلب وزير المالية بتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام الشكل القانوني له بالمخالفة لنص المادة 65 من القانون رقم67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة والمادة 72 من اللائحة التنفيذية له ، إذ إن الأوراق قد خلت من ذلك الطلب ، وببطلان كافة التسجيلات والدليل المستمد منها لتجاوز مأمور الضبط نطاق الندب الصادر له بالتسجيل فقط دون التفريغ والمشاهدة ، وببطلان تنفيذ إذن النيابة العامة المؤرخ .... لتجاوزه حدود الإذن بمراقبة الوسيط ، إلا أن الحكم رد على بعض هذه الدفوع بما لا يسوغ ، والتفت عن الرد على البعض الآخر ، كما عول الحكم في قضائه بالإدانة على اعتراف المتهمين الثاني والثالث رغم أنها لا تصلُح دليلاً وعلى الرغم من أنها جاءت مرسلة وكاذبة بغير حلف يمين ، ولم تقم المحكمة بالاستماع إلى كافة التسجيلات المقدمة ، والاطلاع على الملف الضريبي للمتهم الثاني ، وقام عضو الرقابة الإدارية بالتزوير المادي والمعنوي بإضافة كلمة " أوافق " المدونة بالطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية بدلالة تلاحق الإجراءات ، ولم تعرض لمذكرات الدفاع المكتوبة إيراداً لها ورداً عليها ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة طلب وأخذ رشوة التي دان الطاعنة بها ، وأورد على ثبوتها في حقها أدلة مستقاة من اعترافات المتهمين الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة ومن أقوال الشاهدين وتقرير خبير الأصوات ، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان البيّن مما أورده الحكم المطعون فيه أن الطاعنة بصفتها موظفة عمومية " مأمور فحص ضرائب بمأمورية القيمة المضافة ب .... " والمختصة بفحص ملفات الضرائب بمأمورية ضرائب القيمة المضافة بـ .... طلبت من المتهم الثاني مبلغ أربعمائة وثلاثين ألف جنيه وأخذت منه ثلاثمائة واثنين وخمسين ألف جنيه كمقدم مقابل إنهاء إجراءات الفحص الضريبي لملف شركته عن الفترة من .... حتى .... واعتماد المستندات غير الدقيقة المقدمة منه لذلك الفحص ، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ، وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعنة ، فإن ما تُثيرهُ في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المُرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها ، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعنة تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينها وبين المتهم الثاني - المُبلغ - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي – كما هو معرف به في القانون – ولا يُشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تدفع بعدم سيطرتها على مبلغ الرشوة ، ومن ثم فليس لها أن تنعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يُبد أمامها . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعنة ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين مُستمدة من وقائع وأدلة لها أصلها الثابت في الأوراق ولم يكن حكماً مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما تذهب إليه الطاعنة ، فإن ما تُثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ولم يكن الحكم بحاجة بعد هذا الذي أثبته في حق الطاعنة من أن يرد استقلالاً على ما أثارته من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعتها في مناحيها المختلفة ، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن منعى الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أنه – وخلافاً لما تذهب إليه الطاعنة بأسباب الطعن – قد أورد مضمون التسجيلات التي عول عليها في قضائه ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص التسجيلات بكل فحواها ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المقام ، وفضلاً عن ذلك ، ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المُستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليه كقرينة تُعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة من عدم بيان مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات وببطلانها يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها إذن النيابة وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق ، فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض ، ولا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المتهم الثاني ؛ لأن مفاد ذلك أن مُجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ . لما كان ذلك ، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة عليه ، إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى سديداً إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش ، فإنه لا تثريب عليه إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابط الواقعة ويكون منعى الطاعنة في هذا الشأن غير قويم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن من النيابة العامة وموافقة وزير المالية بعد إجراء التسجيلات والضبط هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى أن تلك التسجيلات والضبط قد تمت بناءً على الإذن وبعد موافقة وزير المالية أخذاً بالأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها ، ومن ثم فلا جُناح على المحكمة إن هي التفتت عن هذا الدفاع القانوني الظاهر البطلان . لما كان ذلك ، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة في الدعوى ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان تقدير الدليل موكولاً إلى محكمة الموضوع ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه ، فلا معقب عليها في ذلك ، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنة للجريمة المسندة إليها ، فإن ما تُثيرهُ الطاعنة بصدد الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية التي جرت بينها وبين المُبلغ والوسيط يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تُثر دفاعها القائم على بطلان التسجيلات السمعية والمرئية لتعرضها للعبث والتحريف والمونتاج من قبل رجل الضبط لكونها تزويراً في تاريخ المكالمات واستراقاً للسمع وتنصتاً على الحياة الخاصة للمواطنين ، فإنه لا يُقبل منها أن تُثير هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض لما هو مقرر أن الطعن بالنقض لا يعتبر امتداداً للخصومة ، بل هو خصومة خاصة مهمة المحكمة فيها مقصورة على القضاء في صحة الأحكام من قبيل أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عُرض عليها من طلبات وأوجه دفاع ، ولا تنظر محكمة النقض القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة لم تطلب سائر طلبات التحقيق التي أشارت إليها في أسباب طعنها ، فليس لها - من بعد - أن تنعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه منها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنة ببطلان طلب وزير المالية بتحريك الدعوى الجنائية لعدم صدوره منه وانعدام الشكل القانوني له واطرحه في قوله ( وحيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى العمومية بمقولة أن الطلب المقدم للسيد وزير المالية قد ناقض شروط صحته ، فمردود بأنه لا يشترط للطلب المقدم للسيد وزير المالية شكل أو صيغة معينة إلا أنه يجب أن يتضمن على عبارات واضحة دالة على اعتزام الجهة المنوط بها ذلك اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الضريبة على القيمة المضافة . ولما كان ذلك ، وكان الطلب المقدم والثابت بالأوراق قد تضمن عبارات واضحة من قبل النيابة العامة المنوط بها اتخاذ الإجراءات إلى السيد وزير المالية والذي وافق سيادته على اتخاذها يُحقق مراد المشرع من اتخاذ هذا الإجراء المنصوص عليه مما ترى معه المحكمة أن الدفع المبدى قد أقيم على غير سند صحيح من الواقع والقانون ) وهو رد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون ، وكان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن وزير المالية قد وافق على تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهمة الماثلة ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً ، فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره ، ويكون ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد غير قويم . لما كان ذلك ، وكان إذن التسجيل المؤرخ .... للمتهم الثالث - والوسيط – فلا صفة للطاعنة في النعي على الحكم ببطلان تنفيذه لتجاوزه حدود الإذن لما هو مقرر من أنه لا صفة لغير من وقع في حقه الإجراء أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ؛ لأن تحقق المصلحة لاحق لوجود الصفة ، فإن منعاها في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وفي أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك ، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف ، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر مؤدى اعترافات المتهمين الثاني والثالث في التحقيقات وخلص إلى سلامة الدليل المُستمد من هذه الاعترافات لما ارتآه من مطابقتها الواقع ، فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنة أو المدافعين عنها لم يطلب أيهم الاستماع إلى كافة تسجيلات المحادثات والاطلاع على الملف الضريبي للمتهم الثاني ، فليس للطاعنة - من بعد - النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم تطلبه ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعنة أو المدافعين عنها لم يُثيروا شيئاً بشأن تزوير الطلب الموجه من هيئة الرقابة الإدارية لوزير المالية بإضافة كلمة " أوافق " ، وكان هذا الطلب إجراء سابق على المحاكمة ، فإنه لا يُقبل من الطاعنة إثارة أمر تزويره لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنها لم تدفع به أمام محكمة الموضوع . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً ومُحدداً ، ولما كانت الطاعنة لم تُبيّن ماهية أوجه الدفاع التي أبدتها في مذكراتها بياناً واضحاً مُحدداً ، بل أرسلت القول إرسالاً دون تحديد ما قصدته من دفاع فيها أغفله الحكم ، وذلك لمراقبة ما إذا كان هذا الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تُجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها ، ومن ثم فإن ما تُثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن في حدود الأسباب التي بُنى عليها يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنة بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وتغريمها مبلغ خمسون ألف جنيه دون أن يقضي بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون ، ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة ولم تورد لفظ العزل ، ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص ، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها " الأمر الذي لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حالة معاملته بالرأفة فحسب والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذي يعامل بالرأفة في وضع أسوأ من ذلك الذي لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه وهو ما يؤذن لهذه المحكمة – محكمة النقض – أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون ، غير أنها لا تملك التعرض لما أنزل الحكم من عقوبة لكون الطاعنة هي المحكوم عليها ، فإن المحكمة لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ لما في ذلك من إضرار بالمحكوم عليها ، إذ من المقرر أنه لا يصح أن يُضار المتهم بناءً على الطعن المرفوع منه وحده .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق