جلسة 15 من يونيه سنة 1961
برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: صبحي الصباغ، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، وفرج يوسف المستشارين.
---------------
(84)
الطعن رقم 664 لسنة 25 القضائية
حكم. "عيوب التدليل". خطأ في الإسناد. قصور.
إذا كان الحكم المطعون فيه قد حصل فهم الواقع في الدعوى تحصيلاً صحيحاً وأنزل حكم القانون على ما حصله بأسباب سائغة تكفي لحمله فإن النعي عليها بالخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب يكون في غير محله.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنة رفعت الدعوى رقم 2268 سنة 1953 مدني كلي مصر ضد المطعون عليهما طالبة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 2525 جنيهاً و973 مليماً وقالت بياناً لذلك إن المطعون عليه الأول كان يشغل وظيفة معيد بكلية الطب بجامعة فؤاد الأول وفي شهر نوفمبر سنة 1946 أوفدته في بعثة إلى انجلترا للحصول على شهادة الدكتوراه في علم التشريح ولكنه راح يدرس للحصول على شهادة الزمالة في الجراحة دون إذن منها وعلى الرغم من رفضها لأي تغيير في الغرض الذي بعث من أجله فلما قررت استدعاءه وطلبت إليه العودة إلى مصر رفض وعندئذٍ أصدرت قراراً بفصله من وظيفته، ولما كان المطعون عليه الأول قد تعهد في شهر أغسطس سنة 1946 بأن يرد كل ما تصرفه عليه الحكومة في حالة ما إذا ترك البعثة كما وقع والده المطعون عليه الثاني على هذا التعهد بصفته ضامناً متضامناً فقد رفعت عليهما الدعوى مطالبة بالمبلغ سالف الذكر استناداً إلى المادة 87 من لائحة البعثات ثم رفع المطعون عليه الأول دعوى فرعية على الطاعنة ومدير الجامعة وعميد كلية الطب طالباً الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 25 ألف جنيه تعويضاً له عن فصله فصلاً تعسفياً عن غير طريق مجلس التأديب. ثم طلب إلى المحكمة أن توقف الفصل في الدعويين الأصلية والفرعية حتى تقضي محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 7326 سنة 8 ق التي رفعها أمامها طالباً الحكم بإلغاء قرار الفصل، قضى في 10 من فبراير سنة 1955 بما طلبته الطاعنة وبوقف السير في الدعوى الفرعية حتى تفصل محكمة القضاء الإداري في الدعوى المرفوعة أمامها، استأنف المطعون عليهما هذا الحكم بالنسبة لما قضى به في الدعوى الأصلية وقيد الاستئناف برقم 335 سنة 72 ق استئناف القاهرة وفي 17 من نوفمبر سنة 1955 قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى... فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقدمت النيابة مذكرة برأيها فقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة. وفي الجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها طالبة رفض الطعن.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه خطأ في الإسناد وقصوراً في التسبيب من أربعة أوجه حاصل الوجهين الأول والثاني منها أن الحكم أقام قضاءه على ما يخالف الثابت من المستندات التي يضمها مبلغ المطعون عليه الأول فقد جاء به أن مكتب البعثات بلندن لم يتيسر له إلحاق المطعون عليه الأول بجامعة لندن لدراسة التشريح لما تبين من عدم كفاية معلوماته في هذا العلم وأن الأستاذ جولدبي أستاذ التشريح بجامعة لندن ينصح بعودته إلى مصر للاستزادة من المعلومات وقد عاد فعلاً في شهر يناير سنة 1948 ولكنه لم يلبث أن سعى ليعود إلى إنجلترا فوافقت الطاعنة على عودته بعد أن تعهد كتابة في 8 من يوليو سنة 1948 بالتفرغ لدراسة التشريح وقد أوجد له مكتب البعثات مكاناً بكلية سانت ماري بجامعة لندن فالتحق بها ولكنه لم يلبث أن عاد إلى دراسة الجزء الثاني من شهادة زمالة كلية الجراحين فرسب فيه وقد كتب الأستاذ نيكول المشرف على دراسة التشريح أن المطعون عليه الأول غير منتظم في دراسته وأنه كثير الغياب وتقول الطاعنة إن هذا كله ثابت بالمستندات ولكن الحكم المطعون فيه التفت عنه وقضى بما يخالفه حيث قال إن إدارة البعثات بلندن عجزت عن إيجاد محل للمطعون عليه لدراسة التشريح وأنه اضطر بسبب ذلك إلى دراسة الجراحة وأن إدارة البعثات وافقت على تصرفه بدليل أنها دفعت مصروفات دراسة الجراحة وأن الجامعة مدت أجل البعثة سنة ثم مدتها سنة أخرى واستدلال الحكم بهذه الأسباب استدلال فاسد لا يؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهى إليها وهي رفض دعوى الطاعنة وذلك لأن إدارة البعثات لم تدفع مصروفات دراسة الجراحة إلا حرصاً منها على هيبة الدولة وكرامة مبعوثها هذا فضلاً عن مخالفة المطعون عليه الأول لما تعهد به في 8 من يوليو سنة 1948 من تفرغه لدراسة الدكتوراه للتشريح والانصراف عن دراسة شهادة الزمالة لكلية الجراحين.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على قوله "ومن حيث إن الأوراق التي انطوى عليها ملف البعثة قد تحدثت عما تلا هذا السفر منبئة بأن مكتب البعثات بلندن لم يوفق في إيجاد مقعد له في إحدى جامعات إنجلترا لتلقي ما يدرس لنيل الدكتوراه في التشريح مما اضطر المستأنف الأول - المطعون عليه الأول - إلى أن يلتحق بكلية الجراحين الملكيين بلندن لنيل شهادة الزمالة في الجراحة وأقرت الجامعة تصرفه بدفعها مصروفاتها في 17 من يناير سنة 1947 وفي حين أنه نجح في القسم الأول لتلك الشهادة استعادته الجامعة إلى مصر في فبراير سنة 1948 وبقي بها حتى أعادته في أغسطس عامين حيث هيئ له مكان في كلية الملك بجامعة لندن لدراسة التشريح... وهناك سجل اسمه للدكتوراه في مادة التشريح لينالها في يوليو سنة 1951 ولما كانت مدة بعثته تنتهي في يوليو سنة 1949 فقد وافقت الجامعة بكتابها الرقيم 17 من مايو سنة 1949 على تجديدها لمدة سنة ثم لمدة سنة أخرى تنتهي في 12 من يوليو سنة 1951 وفي خلال ذلك وفي يناير سنة 1951 كان قد تقدم بالتماس يطلب فيه السماح له بالحصول على القسم الثاني من شهادة الزمالة كجزء متمم للبعثة مع دراسة التشريح إن لم يسمح له بتغيير موضوع البعثة إلى أمراض النساء والولادة فرفض التماسه وأعقب لذلك إصابته بانهيار عصبي أوصى من أجله القومسيون الطبي بلندن بمنحه أجازة لمدة ثلاثة أشهر فلما أحيطت الجامعة بذلك طلبت في خطابها المؤرخ 24 من مايو سنة 1951 وبناءً على طلب كلية الطب في كتابها الرقيم 23 من أبريل سنة 1951 عودته للعمل بتلك الكلية حتى تزول عنه أعراض مرضه فرفض العودة مؤثراً البقاء للحصول على القسم الثاني من شهادة الزمالة فقررت اللجنة الوزارية الاستشارية لبعثات الحكومة بتاريخ 31 من مايو سنة 1951 أنه إن لم يعد لمصر يوقف صرف مرتبه... ثم قررت الجامعة بتاريخ 3 من أبريل سنة 1952 فصله من الخدمة" ثم استطرد الحكم من ذلك إلى قوله "ومن حيث إن تخلف المستأنف عن أن يستجيب لطلب الجامعة أن يغادر مقر البعثة إلى مصر لا يمكن أن يحمل في طياته المعنى الذي اتخذ تكأة وسبباً لهذه الخصومة قولاً بأنه ترك البعثة من تلقاء نفسه فاستوجب تحديد ووالده المستأنف الثاني - المطعون عليه الثاني - بالمادة 87 من لائحة البعثات وبتعهدهما الذي التزما فيه النزول عند حكمها، فإنه ما ترك وقتئذٍ الكلية التي ألحق بها ولا مقر البعثة بلندن ذلك أنه وإن تبدى أنه كانت تحدوه الرغبة في الحصول على القسم الثاني من شهادة الزمالة فإنه لم يتخلف عن الالتحاق بكلية الملك بجامعة لندن لما أعد له مقعد فيها وسجل بها في يناير سنة 1949 للحصول على الدكتوراه في التشريح ويؤكد ذلك أنه لما كانت مدة بعثته تنتهي في يوليه سنة 1949 وكانت المدة المقررة لنيل الدكتوراه تمتد إلى يوليه سنة 1951 فإن الجامعة مدت مدة البعثة إلى هذا التاريخ سنة بعد أخرى وفي ذلك أوضح الدلالة على أنه لم تكن ترى وقتئذ ما يستدعي التحدي بنص المادة 87 من لائحة البعثات" وهذا الذي أقام الحكم قضاءه عليه لا يعيبه ما تنعاه الطاعنة ذلك أنه كما هو واضح من أسبابه قد استخلص وقائع الدعوى من المستندات التي حواها ملف بعثة المطعون عليه الأول ثم رتب النتيجة التي انتهى إليها من المقدمات الثابتة في تلك المستندات بعد أن وازن بينها ثم خلص من ذلك إلى أن المطعون عليه الأول لم يخل بما تعهد به وأنه لا محل لتحدي الطاعنة بنص المادة 87 من لائحة البعثات وهو استخلاص سليم محمول على مقدمات لها أصل ثابت في الأوراق ومن ثم يتعين رفض هذين الوجهين.
وحيث إن حاصل الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه قد قرر أن النزاع بين الطاعنة والمطعون عليه الأول يرجع إلى أن الطاعنة كانت ترى أن يقضي المطعون عليه أجازة الثلاثة أشهر - التي قرر القومسيون الطبي بلندن أنه في حاجة إليها بسبب إصابته بالانهيار العصبي في القاهرة بينما أراد هو أن يقضي هذه المدة في لندن للحصول على شهادة الزمالة في الجراحة وهذا مخالف للواقع إذ أن جوهر النزاع ومقطعه هو أن المطعون عليه ترك بعثة دراسة التشريح واتجه إلى دراسة الجراحة واستناد الحكم إلى نقطة ثانية ليست هي مقطع النزاع يشوبه بقصور يبطله وحاصل الوجه الرابع أن الحكم استند في رفض دعوى الطاعنة إلى أن امتناع المطعون عليه من العودة إلى مصر ليس معناه ترك البعثة لأن البعثة مقرها لندن وقد ظل بها وهذا الذي استند إليه الحكم فيه خروج عن الأساس الواقعي والقانوني الذي أسست عليه الطاعنة دعواها وهو أن المطعون عليه ترك دراسة التشريح التي بعث من أجلها ويستوي بعد ذلك أن يكون قد عاد إلى مصر أو بقي في لندن.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهيه بما سبق الرد به على الوجهين الأول والثاني من أن الحكم المطعون فيه قد حصل فهم الواقع في الدعوى تحصيلاً صحيحاً ثم أنزل حكم القانون على ما حصله بأسباب سائغة تكفي لحمله أما ما أورده في أسبابه من أن منشأ النزاع هو الخلاف على الجهة التي يمضي المطعون عليه الأجازة فيها وأنه لم يترك البعثة فتزيد لا أثر له على النتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إنه يبين من ذلك أن الطعن لا يقوم على أساس ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق