عودة الى صفحة التعليق على اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، 1949 👈 (هنا)
توطئة
Commentary of 2016
رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر
كانت أهوال الحرب العالمية الثانية لا تزال حاضرة في الأذهان عندما كُتب أول تعليق على اتفاقية جنيف الأولى في عام 1952، لكن كانت حاضرةً كذلك الروحُ الإنسانيةُ التي سادت في المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في عام 1949، والتي جعلت من إقرار اتفاقيات جنيف أمرًا ممكنًا. وها نحن نجد أنفسنا في مواجهة تناقض مماثل بعد انقضاء نيف وستين سنة بعد ذلك التاريخ.
فمن جهة، نشهد تزايدًا في تشظي وتعقد النزاعات المسلحة هذا اليوم، التي تتسم في أغلب الأحيان بعدم احترام القانون. وتنقل لنا وسائل الإعلام المتنوعة، يوميًّا، المأساة التي تخلقها تلك النزاعات، مثل معاناة الأطفال، ويأس الأسر العالقة في الحصارات أو المُكرَهة على الفرار من ديارها، وإساءة معاملة الجرحى والمرضى. ومن الجهة الأخرى، اتفق المجتمع الدولي على إطار من القواعد القانونية أكثر قوةً وشمولًا من ذي قبل. ونحن ندرك أن القيم التي وَجدت طريقها إلى اتفاقيات جنيف أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تراثنا الإنساني المشترك، حيث يؤمن عدد متزايد من الناس حول العالم إيمانًا راسخًا، قانونيًّا وأخلاقيًّا، بتلك القيم.
هذا الواقع المتناقض في ذاته هو تحدٍّ لقدرتنا على العمل: للتصدي للمعاناة وانتهاك القانون، ولمنع وقوع تلك المعاناة وذلك الانتهاك من الأساس.
ويبرز في تلك الجهود العمل للوصول إلى فهمٍ مشترك للقانون الدولي الإنساني، وهو جزءٌ من دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر وولايتها، عبر التواصل مع جميع الأطراف المعنية، لا سيما الزعماء السياسيين والدينيين، وصُنّاع الرأي والسياسات الرئيسيين، والدوائر الأكاديمية، والقضاء، وأخيرًا وليس آخرًا، حاملي السلاح.
تقدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر طي التعليق المحدث على اتفاقية جنيف الأولى الماثل بين أيديكم أداةً جديدةً يفيد منها الممارسون والباحثون بحسبانها جزءًا من سعينا المشترك نحو سد الهوة بين القانون بحالته الراهنة والقانون كما هو مُطبّق على أرض الواقع.
نحن ندرك أن الطبعات الأولى للتعليق على اتفاقيات جنيف الأربع كانت مفيدة للممارسين من العسكريين والمدنيين وكذلك للقضاة والأكاديميين. وقد مر وقت طويل منذ نشر تلك الطبعات اكتسبنا خلاله خبرة طويلة في تطبيق اتفاقيات جنيف وتفسيرها في سياقات تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك التي أدت إلى إقرارها. ولهذا السبب، أخذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على عاتقها، منذ سنوات خمس مضت، مهمة جسيمة هي تحديث جميع التعليقات القائمة وإعداد دليل جديد اعتمدت فيه على مجموعة متنوعة من المصادر، من بينها تفسيرات للدول والمحاكم صدرت خلال العقود الماضية. وبنشر الجزء الأول، وهو التعليق على اتفاقية جنيف الأولى، نكون قد حققنا أول هدفٍ مرحليٍّ.
تحتل اللجنة الدولية للصليب الأحمر موقعًا فريدًا يمكّنها من الإشراف على تحديث التعليقات. فهي تجمع بين منظوري القانون وواقع العمل، وتستفيد التعليقات المحدثة من مساهمات الزملاء الذين يمثلون تلك الجوانب من عملنا. وعلى القدر نفسه من الأهمية، انفتح التعليق المحدث على آراء خارجية غير مسبوقة أطلقتها شبكة عالمية من الباحثين والممارسين الذين صاغوا تعليقاتٍ على مواد بعينها في اتفاقية جنيف، وراجعوا كل المسودات، وقدموا المشورة. وبهذا جاء النص النهائي نتاجًا لعملية تضافرت فيها جهود عدد من الباحثين.
ويقدم التعليق الجديد إرشادًا بشأن قواعد اتفاقية جنيف كما يضع تلك القواعد في سياقها. فهو يعرض تفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون، ويوضح في الوقت عينه وجهات النظر الرئيسة المتباينة والمسائل التي تتطلب المزيد من النقاش والإيضاح. وستلتفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحق إلى هذا التعليق المحدث في عملها اليومي، مع إدراكها أن الممارسات والتفاسير قد تتطور مع مرور الوقت.
وتعرب اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن امتنانها للخبراء الذين أعطوا، دون ضن، الجزيل من وقتهم وخبرتهم، وتخص بالذكر المساهمين الخارجيين والمراجعين القرناء (peer reviewers). كما تتوجه بالشكر إلى أعضاء لجنة التحرير وفريق المشروع وأعضاء هيئة العاملين الآخرين، الذين يرجع إليهم الفضل في أن يؤتي التعليق المحدَّث ثمارَه.
واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتقديمها هذا المجلد إلى الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف وإلى جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية، وإلى القضاة والباحثين، وإلى الأطراف المهتمة الأخرى، يحدوها أمل صادق في أن يوضح هذا التعليق، إلى جانب التعليقات الأخرى التي ستصدر في السنوات المقبلة، معنى اتفاقيات جنيف ومغزاها، وأن يساعد في كفالة قدر أكبر من الحماية لضحايا الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق