الصفحات

البحث الذكي داخل المدونة

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأحد، 28 ديسمبر 2025

الدعوى رقم 9 لسنة 24 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 6 / 12 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من ديسمبر سنة 2025م، الموافق الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1447ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 24 قضائية "دستورية"

المقامة من

مدير فرع شركة ساييم "شركة مساهمة إيطالية" في جمهورية مصر العربية

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- رئيس مجلس الوزراء

3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)

4- الممثل القانوني لغرفة صناعة البترول والتعدين

-----------------

الإجراءات

بتاريخ الثامن من يناير سنة 2002، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، فيما تضمنته من إنشاء غرف صناعية واعتبارها من المؤسسات العامة، والمادة (3) من القرار ذاته، فيما تضمنته من وجوب انضمام كل منشأة صناعية لا يقل رأس مالها عن خمسة آلاف جنيه إلى الغرف الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها، والمادة (28) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها في الإقليم المصري، فيما تضمنته من تخويل رئيس الجمهورية إنشاء غرف صناعية واعتبارها من المؤسسات العامة، وقراري وزير الصناعة رقمي: 514 لسنة 1958 بشأن اللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية، و101 لسنة 1967 بشأن تحديد الغرف الصناعية، المعدل بقراره رقم 883 لسنة 1988، فيما تضمناه من الإلزام بالعضوية وأداء الاشتراكات.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.

وقدم المدعى عليه الرابع مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى عليه الرابع أقام أمام محكمة الجيزة الابتدائية الدعوى رقم 2102 لسنة 2000 مدني كلي، ضد المدعي، طالبًا الحكم بإلزامه بسداد مبلغ ثمانية عشر ألف جنيه، قيمة اشتراك عضوية فرع الشركة إدارته بغرفة البترول والتعدين، بواقع ثلاثة آلاف جنيه عن العام المالي 1996/1997، وخمسة آلاف جنيه سنويًّا عن الأعوام المالية من 1997/1998 إلى 1999/2000، وما قد يستجد من اشتراكات، وذلك على سند من أن النشاط الذي يزاوله فرع الشركة بمصر، وهو "حفر آبار بترول، ومد خطوط أنابيب بحرية، وتنفيذ منشآت بترولية"، يُعد من ضمن الأنشطة التي تشملها غرفة البترول والتعدين، المحددة بقرار وزير الصناعة رقم 101 لسنة 1967 بشأن تحديد الغرف الصناعية، المعدل بالقرار رقم 883 لسنة 1988، وذلك إعمالًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، الذي أوجبت المادة (3) منه على كل منشأة صناعية لا يقل رأس مالها عن خمسة آلاف جنيه أو يعمل بها خمسة وعشرون عاملًا على الأقل، أن تنضم إلى الغرفة الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها، وإذ تقدم المدعي بطلب لانضمام فرع الشركة إدارته للغرفة سالفة البيان بتاريخ 5/10/1995، مسددًا قيمة الاشتراك المقرر عن العام المالي 1995/1996، بيد أنه حال مطالبته بقيمة الاشتراك المقرر عن الأعوام المالية التالية ابتداءً من 1996/1997 إلى 1999/2000، امتنع عن السداد؛ مما حدا بالمدعى عليه الرابع إلى إقامة الدعوى الموضوعية. وفي أثناء نظر الدعوى، دفع المدعي بعدم دستورية المادتين (1 و3) من قرار رئيس الجمهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، والمادة (28) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها في الإقليم المصري، وقراري وزير الصناعة رقمي: 514 لسنة 1958 بشأن اللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية، و101 لسنة 1967 بشأن تحديد الغرف الصناعية، المعدل بالقرار رقم 883 لسنة 1988. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى المعروضة.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى ويتحدد بها موضوعها، وحتى يتاح لذوي الشأن -ومن بينهم الحكومة– الذين أوجبت المادة (35) من قانون هذه المحكمة إعلانهم بالقرار أو الصحيفة، أن يتبينوا كافة جوانبها ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها في المواعيد التي حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين بها، بعد انتهاء تلك المواعيد، تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدي فيها رأيها مسببًا، وفقًا لما تقضي به المادة (40) من قانون المحكمة الدستورية العليا السالف ذكره.

متى كان ما تقدم، وكانت صحيفة الدعوى الدستورية المعروضة، وإن حددت النصوص التشريعية المطعون بعدم دستوريتها بالمواد: (28) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها في الإقليم المصري، والمادة (1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، والمادة (5) من اللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية الصادرة بقرار وزير الصناعة رقم 514 لسنة 1958 فيما تضمنته من إلزام بالاشتراكات، وقرار وزير الصناعة رقم 101 لسنة 1967 بشأن تحديد الغرف الصناعية، المعدل بالقرار رقم 883 لسنة 1988، فإنها جاءت خلوًا من بيان أوجه المخالفة الدستورية التي تعيب هذه النصوص، ولم تفصح عنها، على نحو يمكّن المحكمة من تحريها، وتحديد مقاصدها في شأنها، فلم توجه مناعيَ دستورية إلى إنشاء غرف صناعية، ولا مطاعن إلى الكيفية التي تم على أساسها تحديد الغرف الصناعية مما يندرج تحت وصف المثالب الدستورية، كما لم تبين فيما يخص الإلزام بالاشتراكات الواردة باللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية ما إذا كان نعيها ينصرف إلى أساس فرضها، أو مقدارها أو اعتبارها من موارد الغرفة، فجاءت بهذه المثابة قاصرة عن بيان جوهري مما أوجبته المادة (30) من قانون هذه المحكمة، بما يصمها بالتجهيل؛ ولزامه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.

وحيث إن المادة (3) من قرار رئيس الجهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية تنص على أنه "يجب على كل منشأة صناعية لا يقل رأس مالها عن خمسة آلاف جنيه أو يعمل بها خمسة وعشرون عاملًا على الأقل أن تنضم إلى الغرفة الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها".

وتنص المادة (3) من اللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية الصادرة بقرار وزير الصناعة رقم 514 لسنة 1958 على أنه "يعتبر عضوًا بالغرفة كل منشأة صناعية لا يقل رأس مالها عن خمسة آلاف جنيه أو يعمل بها خمسة وعشرون عاملًا على الأقل وتزاول الصناعة أو الصناعات التي تمثلها الغرفة".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة –وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية– مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي تدور رحاه حول إلزام المدعي بأداء الاشتراكات المقررة على عضوية فرع الشركة إدارته بغرفة صناعة البترول والتعدين؛ بوصفها منشأة صناعية يزيد رأس مالها على خمسة آلاف جنيه وتباشر نشاطًا يندرج ضمن أنشطة تلك الغرفة، وكان مناط استحقاق هذه الاشتراكات هو الانضمام إلى تلك الغرفة، على نحو ما أوجبته المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، والمادة (3) من اللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية الصادرة بقرار وزير الصناعة رقم 514 لسنة 1958؛ ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على هذين النصين، وفيهما يتحدد نطاق الدعوى.

ولا ينال مما تقدم إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، بموجب نص المادة الرابعة من القانون رقم 70 لسنة 2019 بإصدار قانون تنظيم اتحاد الصناعات المصرية والغرف الصناعية، وإعادة تنظيم المسألة ذاتها بموجب ذلك القانون ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2406 لسنة 2020؛ إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن فيها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة؛ ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين؛ فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة وجرت آثارها خلال فترة نفاذها يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت الاشتراكات محل المطالبة في الدعوى الموضوعية تُعد أثرًا حتميًّا لإلزام المدعي بالانضمام إلى غرفة صناعة البترول والتعدين في ظل العمل بالنصين اللذين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى، والمطبقين على وقائع النزاع الموضوعي؛ ومن ثم فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي في الطعن على دستورية هذين النصين تظل قائمة.

وحيث إن المدعي ينعى على النصين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى، فيما تضمناه من وجوب انضمام المنشآت الصناعية للغرفة الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها، الإخلال بمبدأ المساواة والمساس بالحرية الشخصية والاعتداء على الملكية الخاصة، وذلك بالمخالفة للمواد (34 و40 و41) من دستور سنة 1971.

وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب مند صدوره؛ ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف –أصلًا- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتُشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات؛ ومن ثم يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات –أيًّا كان تاريخ العمل بها- لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتي بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم شرطًا لمشروعيتها الدستورية.

متى كان ما تقدم، وكان القراران المطعون فيهما –في حدود النطاق المتقدم- قد استمر العمل بأحكامهما حتى صدور القانون رقم 70 لسنة 2019 بإصدار قانون تنظيم اتحاد الصناعات المصرية والغرف الصناعية، ولائحته التنفيذية، في ظل العمل بأحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النصين المطعون فيهما تندرج ضمن المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة قاعدة في الدستور، من حيث محتواه الموضوعي؛ ومن ثم تباشر هذه المحكمة رقابتها الدستورية على النصين المطعون فيهما، في ضوء أحكام الدستور القائم.

وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني –وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم لا ينطوي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض حيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.

وحيث إن ضمان الحرية الشخصية لا يعني غل يد المشرع عن التدخل لتنظيمها؛ ذلك أن صون الحرية الشخصية يفترض بالضرورة إمكان مباشرتها دون قيود جائرة تعطلها، وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التي تقتضيها مصالح الجماعة، وتسوغها ضوابط حركتها؛ ذلك أن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها.

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود والقيود التي أوردها باعتبارها مترتبة –في الأصل- على الجهد الخاص الذي بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزه إلى الانطلاق والتقدم؛ إذ يختص دون غيره بالأموال التي يرد عليها حق الملكية وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وكانت الأموال التي يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التي لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقًّا مطلقًا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع، ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح الأولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، وفي ضوء ما تقدم يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا –بوجه خاص- بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة.

وحيث إن البين من استقراء النصين المطعون فيهما أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها في الإقليم المصري، قد عهد إلى رئيس الجمهورية – بموجب نص المادة (28) منه – الاختصاص بإنشاء الغرف الصناعية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وإدراجها ضمن المؤسسات العامة، وإعمالًا لذلك أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 453 لسنة 1958 بإنشاء غرف صناعية، ووفقًا للمادة (1) منه تنشأ غرف صناعية للصناعات التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصناعة، على أن تُعتبر تلك الغرف من المؤسسات العامة، وحدد دور تلك الغرف في المادة (2) منه بالعناية بالمصالح المشتركة لأعضائها وتمثيلهم لدى السلطات العامة، وكذا مساعدة تلك السلطات في العمل على تنمية الصناعة المصرية ورقيها وخفض تكاليف إنتاجها، وأوجب في المادة (3) منه – المطعون فيها - على كل منشأة صناعية لا يقل رأس مالها عن خمسة آلاف جنيه أو يعمل بها خمسة وعشرون عاملًا على الأقل الانضمام إلى الغرفة الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها، وأخضع في المادة (4) منه تلك الغرف الصناعية للائحة أساسية مشتركة، يصدر بها قرار من وزير الصناعة، بعد أخذ رأي اتحاد الصناعات، وبموجب ذلك التفويض أصدر وزير الصناعة قراره رقم 514 لسنة 1958 باللائحة الأساسية المشتركة للغرف الصناعية، متضمنًا نص المادة (3) منه -المطعون فيها– سالفة الذكر.

وحيث إن مفاد ما تقدم أن قرار رئيس الجمهورية، سالف الذكر، أبان في غير خفاء دور الغرف الصناعية في رعاية المصالح المشتركة لأعضائها، وناط بها التواصل مع السلطات العامة في الدولة، لتحقيق مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، تتمثل في تذليل ما قد يواجه تلك المنشآت الصناعية من عقبات في أثناء ممارستها لنشاطها، وكذلك مساعدة السلطات العامة في العمل على تنمية الصناعة المصرية، وتطويرها، وخفض تكاليف إنتاجها، بما لديها من إمكانيات، وهو ما تفصح عنه بجلاء المهام التي تتولاها غرفة البترول والتعدين من قيامها بإجراء الدراسات والبحوث الاقتصادية والفنية عن صناعات البترول والتعدين، وبيان المشكلات الاقتصادية الدولية المؤثرة فيها، وجمع البيانات وإعداد الإحصاءات عن كافة أنشطتها وإصدار تقرير سنوي بها، وتنمية وتنشيط العلاقات الصناعية والاقتصادية بين مصر والعالم الخارجي في مجالها، والتعريف بإمكانيات واحتياجات السوق المصرية وإمكانيات التصدير الخاصة بها، وكذا تقديم المشورة والتوصيات للجهات الحكومية المختصة بشأن مشروعات القوانين واللوائح والنظم المتعلقة بتلك الصناعة، والتعاون مع الغرف البترولية والتعدينية في الخارج وتنميتها من أجل تدعيم الاقتصاد القومي للبلاد والنهوض بمستويات العمل والحفاظ على سلامة العاملين في الأنشطة البترولية والتعدينية، بما يكشف عن حقيقة الدور الذي تضطلع به الغرف الصناعية في أحد القطاعات الاقتصادية المهمة.

متى كان ما تقدم، وكان المشرع، في إطار سلطته التقديرية، وعلى ما يقضي به النصان المطعون فيهما، قد ارتأى أن السبيل الأنسب لتحقيق هذه الغايات التشريعية مرهون بشمول كافة المنشآت الصناعية التي بلغ نشاطها حدًّا يكشف بذاته عن قدرتها على التأثير في حجم الصناعة التي تُباشرها، الذي ينعكس على معدلات الإنتاج والتصدير، فقد وضع ضابطًا موضوعيًّا يُمكن من خلاله حصر كافة المنشآت الصناعية التي تضطلع بهذا الدور الفاعل فيما تُباشره من نشاط صناعي، مستهديًا في ذلك بأحد ضابطين، الأول: ربطه برأس مال المنشأة، متى بلغ خمسة آلاف جنيه، أما الآخر: فقد قرنه بحجم العمالة في المنشأة الصناعية، محددًا إياه بخمسة وعشرين عاملًا على الأقل، فإذا توافر في المنشأة الصناعية أي من هذين الضابطين أو كلاهما، كان الانضمام إلى الغرفة الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها متعينًا، دون استثناء من ذلك، أو عسف يشوب أيًّا من الضابطين المذكورين، اللذين رأى المشرع ارتباطهما بتحقيق الأهداف التي سعى إلى تحقيقها برابطة منطقية، بما لا يكون معه النصان قد تضمنا تمييزًا تحكميًّا في مجال تحديد المنشآت الواجب انضمامها إلى الغرفة الخاصة بالصناعة أو الصناعات التي تباشرها، وذلك بمراعاة أن غاية النصين المطعون فيهما تحقيق أهداف النظام الاقتصادي للدولة، من تحقيق الرخاء، ورفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة، بإلزامهما المنشآت الصناعية -التي يتحقق فيها أحد الضابطين المذكورين أو كلاهما- الانضمام إلى الغرف الصناعية بهدف العمل على تنمية الصناعة المصرية، وتطويرها، وخفض تكاليف إنتاجها، من خلال التوعية بإمكانيات السوق المصرية واحتياجاته وإمكانياته التصديرية، وكذا التعاون مع الغرف الصناعية النظيرة لها بالخارج وسلامة العاملين في الأنشطة التابعة لهذه الغرف، فضلًا عن تقديم المشورة للجهات الحكومية بشأن مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بتلك الصناعة، وذلك كله في إطار المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع، التي حرص الدستور على توكيدها في المادة (36) منه، وألزم الدولة بموجبها العمل على تحفيز هذا القطاع على أدائها، وبما لا إخلال فيه بالوظيفة الاجتماعية التي تضطلع بها الملكية الخاصة في خدمة المجتمع؛ ومن ثم فقد جاء مسلك المشرع في النصين المطعون فيهما متفقًا وأحكام الدستور، وبما لا خروج فيه على مبدأ المساواة، أو الحرية الشخصية، أو الحماية المقررة لحق الملكية المنصوص عليها في المواد (35 و53 و54) منه.

وحيث إن النصين المطعون فيهما لا يتعارضان مع الدستور من أي وجه آخر؛ فإن القضاء برفض الدعوى يكون متعينًا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق