باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من ديسمبر سنة 2025م، الموافق
الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 17 لسنة 27
قضائية "دستورية"
المقامة من
عبد الفتاح أحمد سليم
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- وزير القوى العاملة والهجرة
3- رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر
الإجراءات
بتاريخ السادس عشر من يناير سنة 2005، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادتين (11
و12) من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 148 لسنة 2001 بشأن إجراءات الترشيح
والانتخاب لتشكيلات المنظمات النقابية العمالية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر مذكرة، طلب فيها الحكم برفض
الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، أعقبته
بتقرير تكميلي، بعد أن أعادت المحكمة الدعوى إليها لاستكمال التحضير.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا
الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى،
واحتياطيًّا: بعدم قبولها لانتفاء المصلحة، وعلى سبيل الاحتياط: برفضها، وقررت
المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعي كان قد أقام الدعوى التي آل قيدها أمام محكمة جنوب القاهرة
الابتدائية برقم 700 لسنة 2004 مدني كلي، طالبًا الحكم ببطلان انتخابات مجلس إدارة
اللجنة النقابية بشركة النصر لصناعة المطروقات، والتعويض عن الأضرار المادية
والأدبية من جراء هذا البطلان. وقال شرحًا لدعواه إنه من العاملين بالشركة
المذكورة، وكان من المرشحين لعضوية مجلس إدارة اللجنة النقابية بالشركة في الانتخابات
التي جرت يوم 23/10/2001، وإذ شابها البطلان لإجرائها بالمخالفة لحكم المادة (41)
من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976؛ فكانت دعواه
الموضوعية. وبجلسة 18/10/2004، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادتين (11 و12) من
قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 148 لسنة 2001، لمخالفتهما أحكام المواد (47
و54 و55 و62 و86 و144) من دستور سنة 1971. وإذ قدَّرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت
للمدعي باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية؛ فأقام دعواه المعروضة.
وحيث إن المادة (41) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم
35 لسنة 1976، المستبدل بها المادة الأولى من القانون رقم 12 لسنة 1995 -قبل
إلغائه بالمادة الأولى من القانون رقم 213 لسنة 2017 بإصدار قانون المنظمات
النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي- تنص على أن "مدة الدورة
النقابية لمستويات المنظمات النقابية خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نشر نتيجة
انتخاب مجالس إدارة المنظمات النقابية بكافة مستوياتها في الوقائع المصرية.
ويجب إجراء الانتخابات لتجديد هذه المجالس بالاقتراع السري المباشر
خلال الستين يومًا الأخيرة من الدورة النقابية على الأكثر، ويراعى توحيد مواعيد
إجراء الانتخابات بالنسبة لكل مستوى من مستويات البنيان النقابي ويتم الترشيح
والانتخاب تحت إشراف لجان يرأسها أعضاء من الهيئات القضائية بدرجة قاض أو ما
يعادلها على الأقل يرشحهم وزير العدل بناء على طلب الوزير المختص.
وتحدد مواعيد وإجراءات الترشيح والانتخابات لمجالس إدارة المنظمات
النقابية بقرار يصدر من الوزير المختص بعد موافقة الاتحاد العام لنقابات
العمال".
وحيث إنه تنفيذًا للنص المتقدم، أصدر وزير القوى العاملة والهجرة
القرار رقم 148 لسنة 2001 –الذى أُلغي فيما بعد بالقرار رقم 296 لسنة 2006– ونص في
المادة (11) منه على أن "تحدد المديرية التي في دائرتها مقر اللجنة النقابية
موعد الانتخاب في حدود البرنامج الزمني وتخطر به المديريات التي تقع في دائرتها
فروع لهذه اللجنة"، كما نصت المادة (12) من ذلك القرار على أن "تشكل
لجنة الانتخاب الفرعية برئاسة أحد العاملين بوزارة القوى العاملة والهجرة أو
مديرياتها الإقليمية وعضوين يختارهما الرئيس من بين أعضاء الجمعية العمومية".
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن البحث في اختصاصها بنظر
الدعوى سابق بالضرورة على الخوض في شرائط قبولها، أو الفصل في موضوعها، وتواجهه
المحكمة من تلقاء نفسها، وكانت هيئة قضايا الدولة قد دفعت في أثناء نظر الدعوى
بعدم اختصاص المحكمة بنظرها؛ لكون القرار المطعون فيه مجرد قرار تنفيذي لا يتضمن
قواعد عامة مجردة تسبغ عليه وصف القرار اللائحي الذي تختص المحكمة الدستورية
العليا بالرقابة على دستوريته.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد؛ ذلك أن النصين المطعون فيهما تضمنا
أحكامًا موضوعية تتصل بكيفية إجراء الانتخابات وتحديد مواعيدها، والإشراف عليها،
هي في حقيقتها أحكام تنظيمية تتسم بالعموم والتجريد، الذي يسبغ عليها الطابع
اللائحي، ويخضعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة، مما يتعين معه رفض
الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية
يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية، وفي الحدود التي تقدر فيها محكمة الموضوع
جديته، كما أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناطها أن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المثارة في النزاع الموضوعي
المرتبطة بهذه المسألة دون أن تتعداها. متى كان ذلك، وكان مبنى النزاع الموضوعي
طلب الحكم ببطلان انتخابات مجلس إدارة اللجنة النقابية بالشركة التي يعمل بها
المدعي، والتعويض عن الضرر المادي والأدبي الذي أصابه جراء هذا البطلان، بوصفه من
بين المرشحين لعضوية اللجنة النقابية بالشركة، ولم يكن من بين الفائزين بها؛ لما شاب
العملية الانتخابية من بطلان، ناعيًا على النصين المطعون فيهما مخالفتهما الدستور،
على سند من أن أولهما -المادة (11) من القرار الوزاري رقم 148 لسنة 2001 المشار
إليه- قد ناط بمديرية القوى العاملة تحديد مواعيد وإجراءات الترشيح والانتخابات،
وهو ما يتعارض ونص الفقرة الأخيرة من المادة (41) من قانون النقابات العمالية
الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، التي عهدت بهذا الاختصاص إلى وزير القوى
العاملة، ولم تسمح له بالتفويض فيه، ومن ثمَّ يكون قد خرج على نص المادة (144) من
دستور سنة 1971، كما أن ثانيهما -المادة (12) من القرار ذاته- قد استبعد العنصر
القضائي من تشكيل لجان انتخابات مجالس إدارات المنظمات النقابية، بالمخالفة لنص
الفقرة الرابعة من المادة (41) من قانون النقابات العمالية المشار إليه، التي
أوجبت أن تتم إجراءات الترشيح والانتخاب تحت إشراف لجنة يرأسها أحد أعضاء الهيئات
القضائية بدرجة قاض أو ما يعادلها على الأقل، وأدخل نص القرار المشار إليه تعديلًا
على نص القانون، خروجًا على ضوابط الاختصاص الدستورية، وذلك كله بالمخالفة لأحكام
المواد (47 و54 و55 و62 و86 و144) من دستور سنة 1971، وكان الفصل في دستورية نص
المادتين (11 و12) من القرار الوزاري رقم 148 لسنة 2001 المشار إليه، يرتب أثرًا
مباشرًا وانعكاسًا أكيدًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع
بشأنها؛ الأمر الذي يتوافر معه للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الفصل في
دستوريتهما، فيما تضمنتاه من أحكام اتصلت بسلطة تحديد مواعيد الانتخاب، وكيفية
تشكيل اللجان التي تُجرى أمامها، ويتحدد بهما معًا نطاق الدعوى المعروضة، ويكون
الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة جديرًا
بالالتفات عنه.
ولا ينال من توافر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة إلغاء قرار وزير
القوى العاملة والهجرة رقم 148 لسنة 2001 –المشتمل على النصين المطعون فيهما–
بموجب القرار الوزاري رقم 296 لسنة 2006؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
الأصل في القاعدة القانونية هو سريانها اعتبارًا من تاريخ العمل بها على الوقائع
التي تتم في ظلها، وحتى إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة جديدة تعين تطبيقها
اعتبارًا من تاريخ نفاذها، وإهمال القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد
مجال كل من القاعدتين من حيث الزمان، فما نشأ مكتملًا من المراكز القانونية
–وجودًا وأثرًا- في ظل القاعدة القانونية القديمة، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان
ذلك، وكانت إجراءات الانتخاب التي كان المدعي مرشحًا فيها وإعلان نتيجتها قد تمت
وفقًا لأحكام قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 148 لسنة 2001 المشار إليه، ومن
ثم يكون نص المادتين (11 و12) من ذلك القرار هما محل الرقابة الدستورية التي تضطلع
بها هذه المحكمة في الدعوى المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مخالفة نص في قانون لقانون
آخر، وإن كانت لا تشكل في ذاتها خروجًا على أحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة
صونها وحمايتها، فإن ذلك لا يستطيل إلى حالة إذا ما كانت تلك المخالفة تشكل
إخلالًا بأحد المبادئ الدستورية التي تختص هذه المحكمة بحمايتها والذود عنها. متى
كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارها المدعي بشأن نص المادتين (11 و12) من القرار
المطعون فيه لم تقتصر على بيان تعارضها مع أحكام مناظرة، وردت في قانون النقابات
العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، وإنما نسب إليها –على ما سلف بيانه–
مآخذ تتعلق بعوار دستوري؛ الأمر الذي يتوافر معه مناط الرقابة على دستورية النصين
المطعون فيهما.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حمايتها للدستور إنما تنصرف
إلى الدستور القائم، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعى، فإنه يتعين
إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر التشريع المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه،
ما دام هذا التشريع قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه، أو استبدال نص آخر به خلال
مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه قد أُلغي بموجب قرار
وزير القوى العاملة والهجرة رقم 296 لسنة 2006، قبل نفاذ الدستور القائم الصادر
بتاريخ 18 يناير سنة 2014؛ ومن ثم فإنه يتعين الاحتكام بشأنه إلى ما ورد بدستور
سنة 1971، الذي صدر القرار المشتمل على النصين محل الطعن وأُلغي في ظل العمل
بأحكامه.
وحيث إن المادة (144) من دستور سنة 1971 كانت تنص على أن "يصدر
رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها
أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر
القرارات اللازمة لتنفيذه".
وحيث إن الأصل في اللوائح التنفيذية التي تصدر وفقًا لنص المادة (144)
من دستور سنة 1971 – كما هو شأن القرار المطعون فيه– أنها تُفصّل ما ورد إجمالًا
من النصوص القانونية، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها؛ إذ إن
ما تتغياه اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في وضع القواعد اللازمة
لتنفيذه، دون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء أو تعطيل لنصوصه. لما كان ذلك، وكان
المشرع قد أوجب بنص المادة (41) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم
35 لسنة 1976 أن يكون تحديد مواعيد وإجراءات الترشيح للانتخابات بقرار من الوزير
المختص -وزير القوى العاملة والهجرة- بعد موافقة الاتحاد العام لنقابات العمال،
ولم يسمح له بتفويض غيره في هذا الاختصاص؛ وهو ما يتطلب أن يباشر الوزير المختص
هذا الاختصاص بنفسه دون أن يعهد به إلى غيره، كما أوجبت المادة ذاتها أن يتم
الترشيح والانتخاب لمجالس إدارة المنظمات النقابية بالاقتراع السرى المباشر تحت
إشراف لجان يرأسها أعضاء من الهيئات القضائية بدرجة قاض أو ما يعادلها على الأقل،
يرشحهم وزير العدل بناء على طلب الوزير المختص، ولما كانت عبارة "لجان يرأسها
أعضاء من هيئات قضائية" تفيد العموم والشمول، وكان من الأصول المسلمة أن
العام يبقى على عمومه ما لم يخصص، فإن مؤدى ذلك ولازمه أن رئاسة أعضاء الهيئات
القضائية للجان الترشيح والانتخاب لمجالس إدارة المنظمات النقابية إنما تشمل
اللجان الفرعية والعامة على سواء.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت أحكام المادتين (11 و12) من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 148 لسنة 2001 قد تضمنت مخالفة لأحكام المادة (41) من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976؛ إذ بموجب أولاهما تسلب الوزير من الاختصاص الذي عُهِد به إليه بموجب نص المادة (41) من هذا القانون في شأن تحديد مواعيد وإجراءات الانتخابات؛ بأن عهد بها –دون تفويض من القانون– إلى مديرية القوى العاملة والهجرة التي يقع في دائرتها مقر اللجنة النقابية، كما افتأت بموجب ثانيتهما على نص تلك المادة، معدلًا لأحكامه؛ بأن عهد برئاسة اللجان الفرعية للانتخابات لأحد العاملين بوزارة القوى العاملة، وبذلك يكون النصان المطعون فيهما قد تضمنا تعديلًا لأحكام المادة (41) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، وتعطيلًا لها، بما يبعدها عن الغاية من تقريرها، ويفرغها من مضمونها، فتغولا بذلك على اختصاص السلطة التشريعية، وتجاوزا النطاق المحدد دستوريًّا للوائح التنفيذية للقوانين؛ الأمر الذى يصمهما بعيب مخالفة المادتين (86 و144) من دستور سنة 1971
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادتين (11 و12) من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 148 لسنة 2001 بشأن إجراءات الترشيح والانتخاب لتشكيلات المنظمات النقابية العمالية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق