باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من ديسمبر سنة 2025م، الموافق
الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب
رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 48 لسنة 23 قضائية "دستورية"
المقامة من
رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- رئيس مجلس الشورى (الشيوخ حاليًّا)
5- وزير العدل
6- النائب العام
7- محمد أحمد يحيى
--------------
الإجراءات
بتاريخ التاسع والعشرين من مارس سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية ما تضمنته
الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة
1937، بعد تعديلها بالقانون رقم 93 لسنة 1995، من اشتراط إثبات القاذف حقيقة كل
فعل أسنده إلى المجني عليه، ولا يغني عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق–
في أن النيابة العامة، بناءً على ادعاء مباشر من المدعى عليه الأخير، قدمت صحفيًّا
بجريدة الوفد إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح الدقي، في الدعوى رقم 9826
لسنة 1999 جنح الدقي، بوصف: أنه في يوم 17/5/1999، بدائرة قسم الدقي، قذف في حق
المدعى عليه الأخير، المكلف في مهمة رسمية ليكون طبيب الاتحاد المصري لكرة اليد،
وذلك بسبب أداء المهمة المكلف بها، وكان ذلك بطريق النشر، بأن أسند إليه واقعة لو
صحت لأوجبت عقابه، واحتقاره عند أهل وطنه. وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد
(171 و302 و303 و307) من قانون العقوبات، والمادتين (21 و22) من القانون رقم 96
لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، وطلب المدعى عليه الأخير الحكم بإلزام المتهم بأن
يؤدي إليه مبلغ 501 جنيه، على سبيل التعويض المدني المؤقت. وفي أثناء نظر الدعوى، تدخل
المدعي، بصفته رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد، والمسئول عن الحقوق المدنية. وبجلسة
26/12/2000، قضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعويين الجنائية والمدنية؛
فأحالت النيابة العامة المتهم إلى محكمة جنايات الجيزة. وفي أثناء نظر الدعوى
بجلسة 2/1/2001، دفع المدعي بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون
العقوبات، في شأن العبارة المضافة إليها بموجب القانون رقم 93 لسنة 1995، من أنه
"ولا يغني عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل". وإذ قدرت المحكمة جدية هذا
الدفع، وصرحت للمدعي باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية؛ فقد أقام الدعوى
المعروضة.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون العقوبات الصادر
بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 93 لسنة 1995،
تنص على أنه "ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو
مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى
أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل
فعل أسنده إليه، ولا يغني عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل".
وتنص الفقرة ذاتها بعد أن استبدل بها نص المادة الثالثة من القانون
رقم 147 لسنة 2006 على أنه "ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة
نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة
نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبشرط أن يثبت
المتهم حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه، ولسلطة التحقيق أو المحكمة، بحسب
الأحوال، أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من أوراق أو مستندات
معززة لما يقدمه المتهم من أدلة لإثبات حقيقة تلك الأفعال".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة
يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية،
وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد مباشرتها لولايتها
في شأن هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على
النزاع الموضوعي. ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعي
-وفى حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون عليه- الدليل على أن ضررًا واقعيًّا
-اقتصاديًّا أو غيره- قد لحق به، سواء أكان الضرر الذي يتهدده وشيكًا أم كان قد
وقع فعلًا. ويتعين دومًا أن يكون هذا الضرر مباشرًا، منفصلًا عن مجرد مخالفة النص
المطعون فيه للدستور، مستقلًّا بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا تصوره ومواجهته
بالترضية القضائية تسوية لآثاره. ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص
المطعون فيه، وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلًا أو مجهلًا، فإذا لم يكن هذا النص قد
طبق أصلًا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان
الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دلَّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية
المباشرة؛ ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة
عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان
عليه قبلها.
وحيث إن من المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أنه لا يكفي توافر شرط
المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية، وإنما يتعين أن تظل هذه المصلحة قائمة حتى
الفصل فيها، فإذا زالت المصلحة بعد رفع الدعوى الدستورية، وقبل الفصل فيها، فلا
سبيل للتطرق إلى موضوعها.
وحيث إن نص الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون العقوبات، بعد أن
استبدل به نص المادة الثالثة من القانون رقم 147 لسنة 2006، قد انتظم سببًا لإباحة
فعل كل من يطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة،
وحدده في أن يكون فعله قد حصل بسلامة نية ولا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو
الخدمة العامة، وأن يثبت المتهم حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه، وناط بسلطة
التحقيق أو المحكمة -بحسب الأحوال– أن تلزم الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من
أوراق أو مستندات معززة لما يقدمه المتهم لإثبات حقيقة تلك الأفعال.
وحيث إن المادة (32) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى
لتنظيم الإعلام، الصادر بالقانون رقم 180 لسنة 2018، تنص على أنه "لا يعاقب
الصحفي أو الإعلامي جنائيًّا على الطعن في أعمال موظف عام، أو شخص ذي صفة نيابية
عامة، أو مكلف بخدمة عامة بطريق النشر أو البث إلا إذا ثبت أن النشر أو البث كان
بسوء نية، أو لا أساس له من الصحة، أو كان عديم الصلة بأعمال الوظيفة أو الصفة
النيابية أو الخدمة العامة". ولما كان مفاد هذا النص ومقتضاه أن المشرع قد خص
الصحفي أو الإعلامي بسبب لإباحة طعنه في أعمال موظف عام، أو شخص ذي صفة نيابية
عامة، أو مكلف بخدمة عامة، يغاير في نطاقه وحدوده سبب الإباحة المنصوص عليه في
الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون العقوبات، المستبدل بها نص المادة الثالثة
من القانون رقم 147 لسنة 2006؛ ذلك أنه لم يكلف الصحفي أو الإعلامي، في حال الطعن
في أعمال الفئات الثلاث المار بيانها، بإثبات سلامة نيته وعدم تعدي الطعن إلى غير
أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وإثبات حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني
عليه، وإنما ناط بسلطة التحقيق أو المحكمة، بحسب الأحوال، أن تثبت طبقًا للقواعد
العامة للإثبات في المواد الجنائية أن الطعن في أعمال أي من الفئات الثلاث، الذي
يتم بطريق النشر أو البث، كان بسوء نية، أو لا أساس له من الصحة، أو كان عديم
الصلة بأعمال الوظيفة أو الصفة النيابية أو الخدمة العامة، بما مؤداه أن المتهم في
الدعوى الجنائية –بصفته صحفيًّا– لم يعد اعتبارًا من تاريخ العمل بالقانون رقم 180
لسنة 2018 الفائت ذكره، مخاطبًا بنص الفقرة الثانية من المادة (302) من قانون
العقوبات، المطعون فيه.
حيث كان ما تقدم، وكان للمسئول عن الحقوق المدنية التمسك بالدفوع
ذاتها التي يتمسك بها المتهم في الدعوى الجنائية لدفع المسئولية الجنائية عنه،
بحسبان انتفاء المسئولية الجنائية عن المتهم ينعكس أثره بالتبعية على المسئولية
المواجه بها المسئول عن الحقوق المدنية؛ ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة
للمدعي، بصفته مسئولًا عن الحقوق المدنية، في الطعن على نص الفقرة الثانية من
المادة (302) من قانون العقوبات، بعد أن استبدل به نص المادة الثالثة من القانون
رقم 147 لسنة 2006، قد زالت بصدور القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة
والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على النحو السالف بيانه، مما لزامه القضاء
بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي
المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق