الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

الطعن 12996 لسنة 91 ق جلسة 11 / 3/ 2023 مكتب فني 74 ق 23 ص 279

جلسة 11 من مارس سنة 2023
برئاسة السيد القاضي / خالد الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد كمال الخولي ، عبد الهادي محمود وهاني نجاتي نواب رئيس المحكمة وشادي الضرغامي
-----------------
(23)
الطعن رقم 12996 لسنة 91 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . إثبات " شهود " . محكمة الجنايات " نظرها الدعوى والحكم فيها " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها . لا قصور.
عدم رسم القانون شكلاً أو نمطاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
صيغة الاتهام المبينة في الحكم . جزء منه . كفاية الإحالة إليها في بيان الواقعة .
لمحكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال الشهود كما تضمنتها قائمة الأدلة المقدمة من النيابة العامة . حد ذلك ؟
(2) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إيراد الحكم مؤدى أقوال شهود الإثبات في بيانٍ وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها . لا قصور .
(3) إثبات " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه . لا ينال من سلامة الحكم .
مثال .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات . موضوعي . للمحكمة الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه .
اطمئنان المحكمة إلى التقرير الطبي الشرعي . مفاده : اطراحها التقرير الاستشاري المقدم من الطاعن . ردها عليه استقلالاً . غير لازم .
(5) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم تعرض الحكم لإصابات المجني عليها التي أثبتها تقرير الطب الشرعي ولم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها الدعوى . لا يعيبه . حد ذلك ؟
(6) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم إيراد الحكم لمؤدى مذكرة النيابة العامة المرسلة لمصلحة الطب الشرعي . لا يعيبه . متى لم يعتمد عليها وكانت الأدلة التي أوردها تكفي لحمل قضائه بالإدانة . علة ذلك ؟
(7) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن في الحكم .
مثال .
(8) ضرب " ضرب أفضى إلى موت " . قصد جنائي . مسئولية جنائية .
جرائم الضرب وإحداث الجروح عمداً . مناط تحققها ؟
تحمل الجاني مسئولية تغليظ العقاب في جريمة إحداث الجرح عمداً ولو لم يقصد نتيجة الجرح الذي أحدثه ومضاعفاته . علة ذلك ؟
مثال .
(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر رابطة السببية " . نقض " المصلحة في الطعن " . عقوبة " العقوبة المبررة " .
تقدير قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت . موضوعي . حد ذلك ؟
نعي الطاعن بشأن جريمة الضرب المفضي إلى الموت . غير مجد . متى كانت العقوبة المقضي بها عليه تدخل في الحدود المقررة للضرب البسيط .
(10) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إلمام المحكمة بواقعة الدعوى وإحاطتها بالاتهام المسند للطاعن وإدانته بالأدلة السائغة . المجادلة في ذلك بدعوى عدم استقرار صورتها في ذهن المحكمة لخلطها بين دفعيه بانقطاع علاقة السببية وعدم صلاحية الفعل لإحداث الوفاة . منازعة موضوعية فيما تستقل به بغير معقب .
(11) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال .
(12) إثبات " بوجه عام " " إقرار " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا في الأحوال التي يقررها القانون . علة ذلك ؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها . كفاية استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات .
عدم التزام المحكمة بالأخذ بنص إقرار المتهم وظاهره . لها استنباط الحقيقة منه ومن العناصر الأخرى التي أوردتها . ما دام سائغاً . نعي الطاعن في هذا الشأن . غير مقبول .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(13) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم إفصاح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو وسيلته في التحري . لا يعيبها . ترديدها لأقوال الشهود . لا ينال من صحتها . علة ذلك ؟
إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التحريات لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(14) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر حاجة لإجرائه . غير مقبول .
(15) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
النعي على المحكمة التفاتها عن طلب الطاعن بمذكرة دفاعه سماع أقوال كبير الأطباء الشرعيين أو مُساعِده . غير مقبول . متى أمسك عن المطالبة به في مرافعته الختامية .
(16) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . محضر الجلسة . تزوير " الادعاء بالتزوير " .
الأصل في الإجراءات الصحة . عدم جواز الادعاء بما يخالف الثابت بمحضر الجلسة أو الحكم إلا بطريق الطعن بالتزوير .
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من إقراره بتحقيقات النيابة العامة ومن أقوال شهود الإثبات ومن الاستعلام بشأن المجني عليها من قطاع الأحوال المدنية ومن معاينة النيابة العامة لشقة المجني عليها ومما ثبت بتقرير الطب الشرعي وتقرير المعمل الطبي وتقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية ، وهي أدلة سائغة لا ينازع الطاعن في أن لها معينها الصحيح في الأوراق ، ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءاً منه فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها ، كما أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها قائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة وإيراده لمؤدى الأدلة التي استند إليها في قضائه كما تضمنتها قائمة أدلة الإثبات المقدمة من النيابة العامة - بفرض صحته - يكون غير سديد .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال شهود الإثبات - على خلاف ما يزعمه الطاعن - في بيانٍ وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب .
3- لما كان فيما حصله الحكم من التقارير الفنية - التي عول عليها في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذه التقارير ، فلا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه ، ومن ثم تنتفي عن الحكم قالة القصور في هذا الصدد .
4- من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي واطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري ، وإذ كان من المقرر أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يُفيد اطراحها التقرير الاستشاري المُقدم فيها ، وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً.
5- من المقرر أنه لا تثريب على المحكمة إن هي لم تتحدث عن الإصابات الأخرى التي أثبتها تقرير الصفة التشريحية ، وذلك لما هو مقرر من أنه متى كان الحكم قد انصبّ على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى ، ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحى على غير أساس .
6- لما كانت المحكمة غير مطالبة ببيان مؤدى مذكرة النيابة العامة المرسلة إلى مصلحة الطب الشرعي إلا إذا كانت قد استندت إليها في حكمها بالإدانة ، أما إذا كانت لم تعتمد على شيء من تلك المذكرة ، فإنها لا تكون مكلفة بأن تذكر عنها شيئاً ، ومن ثم فإن عدم إيراد المحكمة لمؤدى مذكرة النيابة العامة المشار إليها لا يعيب حكمها ما دامت قد أفصحت في مدونات حكمها عن كفاية الأدلة التي أوردتها لحمل قضائها بالإدانة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل.
7- لما كان القول بخلو مذكرة النيابة العامة المرسلة إلى الطب الشرعي من تصوير كامل للواقعة لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم .
8- من المقرر أن جرائم الضرب وإحداث الجروح عمداً تتحقق كلما ارتكب الجاني فعل الضرب أو إحداث الجرح عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ، ومتى ثبتت عليه جريمة إحداث الجرح العمد تحمل قانوناً مسئولية تغليظ العقاب على حسب نتيجة الجرح الذي أحدثه ومضاعفاته ولو كان لم يقصد هذه النتيجة مأخوذاً في ذلك بقصده الاحتمالي إذ كان يجب عليه أن يتوقع إمكان حصول النتائج التي قد تترتب على فعلته التي قصدها ، ولما كان ما أثبته الحكم من وقائع تتوافر به عناصر جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد .
9- من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى فصلت في شأنها - إثباتاً أو نفياً - فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت قد أقامت قضاءها في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن واقعة الضرب المفضي إلى الموت وقيام رابطة السببية بين فعله وإحداث تلك النتيجة طالما أن العقوبة المقضي بها عليه مقررة لجريمة الضرب البسيط المنطبق عليها المادة 242 /1 من قانون العقوبات.
10- لما كان الحكم المطعون فيه لم يخلط في أسبابه بين دفع الطاعن بانقطاع علاقة السببية ودفعه بعدم صلاحية الفعل في إحداث الوفاة - على نحو ما يثيره الطاعن بوجه طعنه - بل إن ما أورده الحكم في مدوناته قاطع الدلالة على توافر علاقة السببية بين فعله والنتيجة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تنبئ عن أن المحكمة ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بها وبالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بينة من أمرها ، فإن مجادلتها في ذلك بدعوى عدم استقرار صورة الواقعة في ذهن المحكمة واضطرابها تنطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب .
11- لما كان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها كافياً وسائغاً ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
12- من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أية بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها ، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها بإقرار المتهم أن تلتزم نصه وظاهره ، بل لها أن تستنبط منه ومن كافة العناصر الأخرى التي أوردتها الحقيقة كما كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام استنتاجها سائغاً في حكم العقل والمنطق ، ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم بشأن تعويله في إدانته على إقراره بالتحقيقات رغم خلوه مما يقطع بارتكابه للجريمة لا يكون مقبولاً ، إذ لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع لأدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه لدى محكمة النقض .
13- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعويله على تحريات الشرطة رغم عدم جديتها في التدليل على مقارفته لما أدين به ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو وسيلته في التحري ، ولا ينال من صحتها أن تكون ترديداً لأقوال الشهود لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق هذه الأقوال ، هذا فضلاً عن أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع بعدم جدية التحريات للأساس الذي يتحدث عنه بأسباب طعنه - عدم توصلها إلى تعاطي المجني عليها للمواد المخدرة وطبيعة الخلافات بينهما - وكان من المقرر أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التحريات أمام محكمة النقض ما دام أنه في عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع ما لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان ، فإنه لا تقبل إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير قويم .
14- لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما فيما يثيره بوجه النعي فليس له - من بعد - أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة لإجرائه ، ويضحى منعاه في هذا غير مقبول .
15- لما كان ما ينعاه الطاعن على المحكمة من التفاتها عن طلب سماع أقوال كبير الأطباء الشرعيين أو مساعده مردوداً بأن البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن قدم مذكرة بدفاعه إلا أنه ترافع شفاهة في الدعوى ولم يتمسك في مرافعته تلك بسماع أقوال كبير الأطباء الشرعيين أو مساعده ، ومن ثم فإنه وعلى فرض أن تلك المذكرة التي كانت معدة سلفاً تضمنت ذلك الطلب، فإنه لا يقبل من الطاعن النعي على المحكمة عدم إجابتها إلى طلب أمسك هو عن المطالبة به في مرافعته الختامية ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله .
16- لما كان الزعم بأن المحكمة قررت نظر الدعوى بعد أن أجبرت الدفاع على المرافعة غير مقبول لما هو مقرر أن الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت بمحضر الجلسة أو الحكم إلا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يسلكه الطاعن أو يزعم القيام به .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :-
- ضرب عمداً المجني عليها / .... بأن صفعها على وجهها ولكمها في بطنها فأحدث إصاباتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق والتي أصابتها بانفعال نفسي شديد تطور إلى صدمة نفسية نشأ عنها الصدمة الرئوية التي أودت بحياتها ، ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أفضى إلى موتها على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعت والدة المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236 /1 من قانون العقوبات ، مع إعمال المواد 17 ، 55 ، 56 /1 من ذات القانون ، أولاً : بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليه وبإلزامه المصاريف الجنائية وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس المقضي بها لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من تاريخ الحكم مع جعل الإيقاف شاملاً لكافة آثاره الجنائية المترتبة على الحكم ، ثانياً : في الدعوى المدنية بإلزام المحكوم عليه بأن يؤدي للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ مائة ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت مع المصروفات المدنية ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه اكتفى في بيان واقعة الدعوى ومضمون الأدلة التي استند إليها في قضائه بالإدانة بما ورد في وصف الاتهام وبقائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة العامة ، ولم يورد أقوال شهود الإثبات في بيانٍ جلي ومفصلٍ ، واكتفى بإيراد نتيجة التقارير الفنية " الطب الشرعي ، الطب المعملي ، قسم الأدلة الجنائية " دون مضمونها ، وعوّل على تقرير الطب الشرعي دون أن يبين الأسس التي قام عليها ، فضلاً عما شابه من قصور لشواهد عددها منها خلوه مما يفيد الاطلاع على تقرير قسم الأدلة الجنائية والملف الطبي الخاص بالمجني عليها والتقرير الاستشاري المقدم منه الذي اطرحته المحكمة ودلالتهم في أن وفاة المجني عليها كانت نتيجة تعاطيها لجوهر الحشيش المخدر ، كما خلا من بيان وصف إصابات المجني عليها سيما الموصوفة في البنود من الثامن إلى العاشر والتي انتهت إلى أنها حدثت بتاريخ سابق على الوفاة دون أن يبين سببها ومحدثها ومدى تأثيرها على حدوث الوفاة ، ولم يورد مذكرة النيابة العامة المرسلة إلى الطب الشرعي سيما وأن التقرير أشار بأن الواقعة جائزة الحدوث وفقاً للتصوير الوارد بالمذكرة فضلاً عن خلو المذكرة من تصوير كامل للواقعة ، ولم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر القصد الاحتمالي في حقه ، ورد بما لا يصلح رداً على دفعه بانقطاع رابطة السببية بين فعله ووفاة المجني عليها لكون الوفاة ناتجة عن تعاطيها لجوهر الحشيش المخدر ، وخلط بين دفعيه بانقطاع رابطة السببية وعدم صلاحية فعله في إحداث الوفاة مما ينبئ عن عدم استقرار صورة الواقعة واضطرابها في ذهن المحكمة ، ودانه رغم خلو الأوراق من ثمة دليل يقيني قبله مستنداً على أدلة لا ترقى إلى مستوى الدليل الكامل ولا تؤدي إلى ما رتبه عليها ، واتخذ من إقراره بالتحقيقات دليلاً في إدانته رغم أنه لا يؤدي إلى ثبوت الجريمة في حقه ، وعول على تحريات الشرطة رغم الدفع بعدم جديتها لكونها مكتبية ومجهولة المصدر ولا تعدو إلا أن تكون ترديداً لأقوال شهود الإثبات فضلاً عن عدم توصلها لتعاطي المجني عليها للمواد المخدرة وطبيعة الخلاف بينهما وهو ما كان يستوجب على المحكمة سؤال مجريها والمصدر السري ، كما أنها لم تستجب لطلبه المبدى بمذكرة دفاعه بسماع أقوال كبير الأطباء الشرعيين أو مساعده لاستجلاء حقيقة الواقعة وتحقيقاً لدفاعه ، ومضت في نظر الدعوى بعد أن أجبرت الدفاع على المرافعة ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من إقراره بتحقيقات النيابة العامة ومن أقوال شهود الإثبات ومن الاستعلام بشأن المجني عليها من قطاع الأحوال المدنية ومن معاينة النيابة العامة لشقة المجني عليها ومما ثبت بتقرير الطب الشرعي وتقرير المعمل الطبي وتقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية ، وهي أدلة سائغة لا ينازع الطاعن في أن لها معينها الصحيح في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءاً منه فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها ، كما أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها قائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة وإيراده لمؤدى الأدلة التي استند إليها في قضائه كما تضمنتها قائمة أدلة الإثبات المقدمة من النيابة العامة - بفرض صحته - يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال شهود الإثبات - على خلاف ما يزعمه الطاعن - في بيانٍ وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب . لما كان ذلك ، وكان فيما حصله الحكم من التقارير الفنية - التي عول عليها في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذه التقارير ، فلا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه ، ومن ثم تنتفي عن الحكم قالة القصور في هذا الصدد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي واطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري ، وإذ كان من المقرر أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يُفيد اطراحها التقرير الاستشاري المُقدم فيها ، وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا تثريب على المحكمة إن هي لم تتحدث عن الإصابات الأخرى التي أثبتها تقرير الصفة التشريحية ، وذلك لما هو مقرر من أنه متى كان الحكم قد انصبّ على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى ، ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحى على غير أساس . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة غير مطالبة ببيان مؤدى مذكرة النيابة العامة المرسلة إلى مصلحة الطب الشرعي إلا إذا كانت قد استندت إليها في حكمها بالإدانة ، أما إذا كانت لم تعتمد على شيء من تلك المذكرة ، فإنها لا تكون مكلفة بأن تذكر عنها شيئاً ، ومن ثم فإن عدم إيراد المحكمة لمؤدى مذكرة النيابة العامة المشار إليها لا يعيب حكمها ما دامت قد أفصحت في مدونات حكمها عن كفاية الأدلة التي أوردتها لحمل قضائها بالإدانة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان القول بخلو مذكرة النيابة العامة المرسلة إلى الطب الشرعي من تصوير كامل للواقعة لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم . لما كان ذلك ، وكانت جرائم الضرب وإحداث الجروح عمداً تتحقق كلما ارتكب الجاني فعل الضرب أو إحداث الجرح عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ، ومتى ثبتت عليه جريمة إحداث الجرح العمد تحمل قانوناً مسئولية تغليظ العقاب على حسب نتيجة الجرح الذي أحدثه ومضاعفاته ولو كان لم يقصد هذه النتيجة مأخوذاً في ذلك بقصده الاحتمالي إذ كان يجب عليه أن يتوقع إمكان حصول النتائج التي قد تترتب على فعلته التي قصدها ، ولما كان ما أثبته الحكم من وقائع تتوافر به عناصر جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع ، ومتى فصلت في شأنها - إثباتاً أو نفياً - فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت قد أقامت قضاءها في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهت إليه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن واقعة الضرب المفضي إلى الموت وقيام رابطة السببية بين فعله وإحداث تلك النتيجة طالما أن العقوبة المقضي بها عليه مقررة لجريمة الضرب البسيط المنطبق عليها المادة 242/1 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يخلط في أسبابه بين دفع الطاعن بانقطاع علاقة السببية ودفعه بعدم صلاحية الفعل في إحداث الوفاة - على نحو ما يثيره الطاعن بوجه طعنه - بل إن ما أورده الحكم في مدوناته قاطع الدلالة على توافر علاقة السببية بين فعله والنتيجة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تنبئ عن أن المحكمة ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بها وبالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بينة من أمرها ، فإن مجادلتها في ذلك بدعوى عدم استقرار صورة الواقعة في ذهن المحكمة واضطرابها تنطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها كافياً وسائغاً ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أية بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها ، بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم في إدانته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها بإقرار المتهم أن تلتزم نصه وظاهره ، بل لها أن تستنبط منه ومن كافة العناصر الأخرى التي أوردتها الحقيقة كما كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام استنتاجها سائغاً في حكم العقل والمنطق ، ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم بشأن تعويله في إدانته على إقراره بالتحقيقات رغم خلوه مما يقطع بارتكابه للجريمة لا يكون مقبولاً ، إذ لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع لأدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعويله على تحريات الشرطة رغم عدم جديتها في التدليل على مقارفته لما أدين به ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو وسيلته في التحري ، ولا ينال من صحتها أن تكون ترديداً لأقوال الشهود لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق هذه الأقوال ، هذا فضلاً عن أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع بعدم جدية التحريات للأساس الذي يتحدث عنه بأسباب طعنه - عدم توصلها إلى تعاطي المجني عليها للمواد المخدرة وطبيعة الخلافات بينهما - وكان من المقرر أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان التحريات أمام محكمة النقض ما دام أنه في عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع ما لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان ، فإنه لا تقبل إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير قويم . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما فيما يثيره بوجه النعي فليس له - من بعد - أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة لإجرائه ، ويضحى منعاه في هذا غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان ما ينعاه الطاعن على المحكمة من التفاتها عن طلب سماع أقوال كبير الأطباء الشرعيين أو مساعده مردوداً بأن البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن قدم مذكرة بدفاعه إلا أنه ترافع شفاهة في الدعوى ولم يتمسك في مرافعته تلك بسماع أقوال كبير الأطباء الشرعيين أو مساعده ، ومن ثم فإنه وعلى فرض أن تلك المذكرة التي كانت معدة سلفاً تضمنت ذلك الطلب فإنه لا يقبل من الطاعن النعي على المحكمة عدم إجابتها إلى طلب أمسك هو عن المطالبة به في مرافعته الختامية ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله ، هذا إلى أن الزعم بأن المحكمة قررت نظر الدعوى بعد أن أجبرت الدفاع على المرافعة يكون غير مقبول لما هو مقرر أن الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت بمحضر الجلسة أو الحكم إلا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يسلكه الطاعن أو يزعم القيام به . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق