الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأربعاء، 5 نوفمبر 2025

القضية 14 لسنة 23 ق جلسة 4 / 4 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 95 ص 580

جلسة 4 إبريل سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وأنور رشاد العاصي وإلهام نجيب نوار ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (95)
القضية رقم 14 لسنة 23 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
(2) حق الملكية "تنظيمه".
الملكية - في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية.
(3) ملكية خاصة "حمايتها: تمتد إلى كل أشكالها".
الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليه بما تقتضيه وظيفتها الاجتماعية.
(4) حرية التعاقد من صور الحرية الشخصية: -
حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية وهي حرية التعاقد وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها.
(5) عقد إيجار "تأقيته وتحديد الأجرة جزء لا يتجزأ من حق استغلال المالك لملكه".
مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها - من خلال عقود إيجارها مفروشة - إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد والأجرة، ليكون العقد وحدة – وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاً عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة وتلك الأجرة.
(6) تضامن اجتماعي "مؤداه".
التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً.
(7) مبدأ المساواة "تماثل المراكز القانونية لمؤجري الوحدات المفروشة".
مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة.
(8) دستورية التشريع "العبرة فيه بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها".
إن العبرة في تقدير دستورية التشريع هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه - وفقاً لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور مكاناً عالياً - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة.

--------------------
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول أمرين متعارضين: -
أولهما: - حق المؤجرين في طرد المدعى عليه الخامس من عين النزاع - وهي مؤجرة له مفروشة لاستعمالها كمستشفى - لانتهاء مدة الإيجار.
ثانيهما: - حق المدعى عليه في الاستمرار في العين - رغم انتهاء المدة - بالشروط والأجرة المنصوص عليها في عقد الإيجار المفروش.
ومن ثم تتوافر للمدعين مصلحة في الطعن على نص المادة (16) سالفة الذكر، ويتحدد نطاقها فيما تضمنته هذه المادة من أحقية مستأجري المستشفيات وملحقاتها - في حالة تأجيرها لهم مفروشة - الاستمرار في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد.
2 - إن الملكية - في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
3 - الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها، أو تقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهو ما يعني أن الأموال بوجه عام، ينبغي أن توفر لها من الحماية أسبابها التي تعينها على التنمية، لتكون من روافدها، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الآخرين، متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده، وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة، التي تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة وبذات شروطها، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها، يتعاقبون عليها، جيلاً بعد جيل، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينية التي تخول أصحابها سلطة مباشرة على شيء معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأييد.
4 - حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لا يرضاه.
وحرية التعاقد فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية - التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها - لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محدداً بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار - والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
5 - عقد الإيجار مفروشاً - بطبيعته - عقداً مؤقتاً، ينتهي بانتهاء المدة المحددة فيه، فلا يمتد بعد انتهاء تلك المدة بغير موافقة المالك، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرمها المالك والمستأجر معاً، صريحاً كان هذا الشرط أم ضمنياً. إذ أن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها - من خلال عقود إيجارها مفروشة - إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد والأجرة ليكون العقد وحده - وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاً عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة وتلك الأجرة. إذ أن كلاً من تأقيت العقد وتحديد الأجرة جزء لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً عليها، وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيماً مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها فلا يعزل عنها من خلال سلطة مباشرة، يمارسها آخرون عليها بناءً على نص في القانون، فإن هذا النص يكون مهدراً حق الملكية، متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية - في صحيح بنيانها - بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاءً يناقض أسسها.
6 - مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (7) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها - عدواناً - أكثر علواً، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
7 - مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل نصوصه التي ينظم بها المشرع موضوعاً معيناً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقياً وليس واهياً أو واهناً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً، ومن ثم فإذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساويهم بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي تطبيقها في حقهم، فإن خرج المشرع عن ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية، سواء كان خروجه هذا مقصوداً أو وقع عرضاً.
8 - العبرة في تقدير دستورية التشريع هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه - وفقاً لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور مكاناً عالياً - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة. وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية الملائمة وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ له - من زاوية دستورية - أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوي المراكز المتحدة في أركانها وعناصرها، أو أن يعتدي على الملكية الخاصة، فالدستور يسمو ولا يٌسمى عليه، فإذا كان مقتضاه فتح باب إلى حق امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر.


الإجراءات

بتاريخ الثالث من فبراير سنة 2001، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طلباً للحكم بعدم دستورية نص المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة كما قدم المدعى عليه الخامس مذكرة طلبا فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 3739 لسنة 2000 كلي إيجارات شمال القاهرة، ضد المدعى عليه الخامس، بطلب الحكم بإنهاء عقد الإيجار المفروش المبرم بينهم، عن الفيلا الكائنة بالعقار رقم 7 شارع أحمد صبري بالزمالك لاستعمالها كمستشفى، مع الحكم بإخلائه منها، وتسليمها لهم خالية من الأشخاص والمنقولات غير الواردة بالعقد، مع تكليفه بسداد مقابل الانتفاع اعتباراً من تاريخ رفع الدعوى استناداً إلى أن العقد مفروش، وبقيمة إيجارية قدرها خمسمائة جنيه شهرياً، ونظراً لعدم رغبة المدعين في تجديد العقد المفروش، فقد أنذروا المدعى عليه بذلك، فرد على هذا الإنذار بأن المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 تفيد امتداد عقد إيجار المستشفيات المفروش، فأقام المدعون الدعوى المشار إليها، وأثناء نظرها، دفعوا بجلسة 4/ 1/ 2001 بعدم دستورية نص المادة آنفة البيان. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت لهم برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه "يحق لمستأجري المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها، والمستشفيات وملحقاتهما، في حالة تأجيرها لهم مفروشة، الاستمرار في العين، ولو انتهت المدة المتفق عليها، وذلك بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول أمرين متعارضين: -
أولهما: - حق المؤجرين في طرد المدعى عليه الخامس من عين النزاع - وهي مؤجرة له مفروشة لاستعمالها كمستشفى - لانتهاء مدة الإيجار.
ثانيهما: - حق المدعى عليه في الاستمرار في العين - رغم انتهاء المدة - بالشروط والأجرة المنصوص عليها في عقد الإيجار المفروش.
ومن ثم تتوافر للمدعين مصلحة في الطعن على نص المادة (16) سالفة الذكر، ويتحدد نطاقها فيما تضمنته هذه المادة من أحقية مستأجري المستشفيات وملحقاتها - في حالة تأجيرها لهم مفروشة - الاستمرار في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون عليه - في النطاق المحدد سلفاً - مخالفته أحكام المواد (2، 7، 32، 34، 40) من الدستور، ذلك أنه أخل بالحماية التي كفلها الدستور والشريعة الإسلامية لحق الملكية، وأهمل حقوق المؤجر في غير ضرورة، بأن أعرض عنها مضحياً بها مغلباً عليها حقوق المستأجر، كافلاً استمراره في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها، فارضاً على المؤجر ثبات الأجرة المنصوص عليها في العقد. كذلك أخل النص المطعون فيه بمبدأ المساواة أمام القانون، حين مايز بين فئتين من المؤجرين على غير أسس موضوعية، فبينما قضى باستمرار مستأجري المستشفيات وملحقاتها في العين في حالة تأجيرها لهم مفروشة بذات الشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد بعد انتهاء مدته، بما يمثل عبئاً ثقيلاً على مؤجريها، منح مؤجري غير المستشفيات مفروشاً ميزة انتهاء عقد إيجارها بانتهاء مدته إعمالاً للقواعد العامة، كما أهدر التضامن الاجتماعي بين فئتي المؤجرين والمستأجرين.
وحيث إن الملكية - في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة - لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكماً، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
وحيث إن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها، أو تقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهو ما يعني أن الأموال بوجه عام، ينبغي أن توفر لها من الحماية أسبابها التي تعينها على التنمية، لتكون من روافدها، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الآخرين، متدثرين في ذلك بعباءة القانون، ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده، وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة، التي تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة وبذات شروطها، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها، يتعاقبون عليها، جيلاً بعد جيل، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينية التي تخول أصحابها سلطة مباشرة على شيء معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأييد.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى أيضاً على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لا يرضاه.
وحيث إن حرية التعاقد - بهذه المثابة - فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود - المبنية على الإرادة الحرة - فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية - التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها - لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محدداً بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار - والتي انصرفت إليها إرادة المالك عند التأجير - وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
وحيث إن النص المطعون فيه - باعتباره واقعاً في إطار القيود الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية - قد فرض - دون ما ضرورة - على مؤجري المستشفيات وملحقاتها - في حالة تأجيرها مفروشة - امتداداً قانونياً لعقد إجارتها، إذ خول مستأجريها الاستمرار في العين بعد انتهاء المدة المتفق عليها، وبذات الشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، مستهدفاً بذلك إسقاط موافقة المالك على هذا الاستمرار. وكان عقد الإيجار مفروشاً - بطبيعته - عقداً مؤقتاً، ينتهي بانتهاء المدة المحددة فيه، فلا يمتد بعد انتهاء تلك المدة بغير موافقة المالك، وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرمها المالك والمستأجر معاً، صريحاً كان هذا الشرط أم ضمنياً. إذ أن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها - من خلال عقود إيجارها مفروشة - إنما تعني حقهم في تحديد مدة العقد والأجرة ليكون العقد وحده - وباعتباره تصرفاً قانونياً وعملاً إرادياً - بديلاًٍ عن التدخل التشريعي لتحديد هذه المدة وتلك الأجرة. إذ أن كلاً من تأقيت العقد وتحديد الأجرة جزء لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً عليها. وكان من المقرر أن لحقوق الملكية - بكامل عناصرها - قيماً مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها فلا يعزل عنها من خلال سلطة مباشرة، يمارسها آخرون عليها بناءً على نص في القانون، فإن هذا النص يكون مهدراً حق الملكية، متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية - في صحيح بنيانها - بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاءً يناقض أسسها.
وحيث إن مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (7) من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها - عدواناً - أكثر علواً، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن النص المطعون فيه، ليس إلا حلقة في اتجاه عام تبناه المشرع أمداً طويلاً في إطار من مفاهيم، تمثل ظلماً لمؤجرين ما برح المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم، متدثرين في ذلك بعباءة قوانين استثنائية، جاوز واضعوها بها حدود الاعتدال، فلا يكون مجتمعهم معها إلا متحيفاً حقوقاً ما كان يجوز الإضرار بها، نائياً بالإجارة "مفروشاً" عن حدود متطلباتها، وعلى الأخص ما تعلق منها بتعاون طرفيها اقتصادياً واجتماعياً، حتى لا يكون صراعهما - بعد الدخول في الإجارة - إطاراً لها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه وإن كان مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل نصوصه التي ينظم بها المشرع موضوعاً معيناً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخي تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقياً وليس واهياً أو واهناً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً، ومن ثم فإذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساويهم بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي تطبيقها في حقهم، فإن خرج المشرع عن ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية، سواء كان خروجه هذا مقصوداً أو وقع عرضاً.
وحيث إن من المقرر أن العبرة في تقدير دستورية التشريع هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور ومقتضياتها، فإذا ما قرر المشرع حقاً معيناً وجب عليه وفقاً لمبدأي المساواة وصون الملكية الخاصة، وقد أنزلهما الدستور - مكاناً عالياً - أن يضع القواعد التي تكفل المعاملة المتكافئة لأصحاب المراكز القانونية المتماثلة، مع عدم المساس بحماية الملكية الخاصة. وسبيله إلى ذلك الأداة التشريعية الملائمة وإنفاذها من التاريخ المناسب، فلا يسوغ له - من زاوية دستورية - أن يعطى هذا الحق لفئة دون أخرى من ذوي المراكز المتحدة في أركانها وعناصرها، أو أن يعتدي على الملكية الخاصة، فالدستور يسمو ولا يٌسمى عليه، فإذا كان مقتضاه فتح باب إلى حق امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وإذ تماثلت المراكز القانونية لمؤجري الوحدات المفروشة جميعهم في علاقتهم بمستأجريها، وكان المشرع في النص الطعين قد عمد إلى تقرير معاملة متميزة لمستأجري المستشفيات وملحقاتها، تتمخض في الوقت ذاته عن عبء يثقل كاهل مؤجريها وينال من ملكيتهم، بأن قرر - استثناءً من القواعد العامة في إنهاء عقود الإيجار المفروش بانتهاء مدتها - امتداداً قانونياً لتلك العقود بذات الشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، دون أن يستند في ذلك إلى أسس موضوعية ترتد إلى طبيعة العلاقة الإيجارية للأماكن المفروشة، فإنه ينحل - والحالة هذه - إلى تمييز تحكمي يحظره الدستور. إذ أن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان عليها، وفقاً لنص المادة (34) منه، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها.
وحيث إنه لما تقدم، يكون النص المطعون فيه مخالفاً للمواد (7، 32، 34، 40، 41) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما نصت عليه من أحقية مستأجري المستشفيات وملحقاتها، في حالة تأجيرها مفروشة، في الاستمرار في العين، ولو انتهت المدة المتفق عليها، وذلك بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق