الدعوى رقم 8 لسنة 38 ق "دستورية" جلسة 9 / 5 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من مايو سنة 2020، الموافق السادس عشر من رمضان سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 8 لسنة 38 قضائية "دستورية"
المقامة من
حازم محمد عصام عبد الحافظ
ضــد
1 – رئيس الجمهوريـة
2 – رئيس مجلس النـــواب
3 - رئيس مجلس الـــوزراء
4 - وزيــــر الماليــة
5- رئيس مجلس إدارة شركة أسمنت أسيوط "سيمكس"
الإجـراءات
بتاريخ السادس من فبراير سنة 2016، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (41، 44، 63 / هـ) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد، الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت الشركة المدعى عليها الخامسة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/3/2020، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 4/4/2020، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 451 لسنة 2013 عمال كلى، أمام محكمة أسيوط الابتدائية، طالبًا الحكم بإلزام الشركة المدعى عليها الخامسة بصرف نصيبه في الأرباح السنوية التى حققتها الشركة خلال أعوام 2006، 2007، 2008، وذلك على سند من أنه كان من العاملين بتلك الشركة، وانتهت خدمته بالإحالة للمعاش المبكر، وأثناء خدمته قررت الشـركة عـدم صرف أرباح للعاملين في السنوات المشار إليها. وبجلسة 26/11/2014، قضت المحكمة برفض الدعوى، على سند من أن أحكام المادتين (41، 44) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 لا تنشئ حقًا للعاملين في الأرباح السنوية التي تحققها الشركة إلا من تاريخ صدور قرار الجمعية العامة بتوزيعها، بناء على اقتراح مجلس الإدارة، وأن الجمعية العامة للشركة المدعى عليها لم تقرر توزيع أرباح في تلك السنوات، واتخذت قرارًا بترحيلهــــا للعام التالي للاستفادة بها في مشروعات أخرى. وإذ لم يرتض المدعى ذلك الحكم، طعـــــن عليه بالاستئناف رقم 1 لسنة 90 قضائية "عمال مستأنف"، أمام محكمة استئناف أسيوط، طالبًا الحكم بإلغائه، والقضاء له مجددًا بطلباته. وأثناء نظر الاستئناف دفع بعدم دستورية نصوص المواد (41، 44، 63/ هــ) من القانون المشار إليه، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع، وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (41) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 تنص على أنه "يكون للعاملين بالشركة نصيب في الأرباح التى يتقرر توزيعها تحدده الجمعية العامة بناءً على اقتراح مجلس الإدارة بما لا يقل عن (10%) من هذه الأرباح ولا يزيد على مجموع الأجور السنوية للعاملين بالشركة. وتبين اللائحة التنفيذية كيفية توزيع ما يزيد على نسبة الــ (10%) المشار إليها من الأرباح على العاملين والخدمات التى تعود عليهم بالنفع.
ولا تخل أحكام الفقرة السابقة بنظام توزيع الأرباح المطبق على الشركات القائمة وقت نفاد هذا القانون إذا كان أفضل من الأحكام المشار إليها".
وتنص المادة (44) من القانون ذاته على أنه "يستحق كل من المساهم والعامل حصته في الأرباح بمجرد صدور قرار الجمعية العامة بتوزيعها.
وعلى مجلس الإدارة أن يقوم بتنفيذ قرار الجمعية العامة بتوزيع الأرباح على المساهمين والعاملين خلال شهر على الأكثر من تاريخ صدور القرار.
ولا يلزم المساهم أو العامل برد الأرباح التى قبضها - على وجه يتفق مع أحكام هذا القانون - ولو منيت الشركة بخسائر في السنوات التالية".
وتنص المادة (63) من القانون ذاته على أنه " مع مراعاة أحكام هذا القانون ونظام الشركة تختص الجمعية العامة العادية بما يأتي (أ) ...... (ب) ..... (ج) .... (د) ...... (هـــ) الموافقة على توزيع الأرباح".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان من بين طلبات المدعى الحكم بعدم دستورية المادتين (41، 44) من القانون المشار إليه، فيما تضمنتاه من وجوب موافقة الجمعية العامة لشركة المساهمة على تقرير ما يتم توزيعه من الأرباح على العاملين فيها، وهو الشرط الذى حال بينه والحصول على حصته في الأرباح عن أعوام 2006، 2007، 2008، التى يدور حولها النزاع في الدعوى الموضوعية، لامتناع الشركة المدعى عليها الخامسة عن صرف الأرباح في كل من تلك السنوات، ومن ثمّ فإن مصلحته الشخصية المباشرة تكون مرتبطة بالطعن على ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (41)، والفقرتين الأولى والثانية من المادة (44) من القانون المشار إليه، من تخويل الجمعية العامة للشركة سلطة إصدار قرار بتوزيع نسبة من الأرباح السنوية التي تحققها على العاملين بها عند توافر شروط استحقاقها، دون سائر الأحكام الأخرى التي اشتملت عليها المادتان (41، 44) من ذلك القانون.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بنص المادتين (41، 44) من القانون المشار إليه في النطاق السالف البيان، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/7/2019، في الدعوى رقم 134 لسنة 37 قضائية "دستورية"، الذى قضت فيه برفض الدعوى، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 27 مكرر (ط) بتاريخ 10/7/2019. وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته. متى كان ذلك، وإذ سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا في الدعوى المشار إليها، برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية النصين التشريعيين ذاتهما المطعون عليهما في الدعوى المعروضة، فإن الخصومة الدستورية بالنسبة لهذين النصين – وهى عينية بطبيعتها – تكون قد انحسمت، ومن ثم يتعين عدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وإذ قضى البند (هـ) من المادة (63) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، باختصاص الجمعية العامة العادية للشركة بالموافقة على توزيع الأرباح، فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على هذا النص فيما يتعلق بتوزيع نسبة من الأرباح على العاملين بالشركة، وفقًا لنصى المادتين (41، 44) من القانون ذاته.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - في النطاق السالف التحديد – أنه خوّل الجمعية العامة لشركة المساهمة الاختصاص المطلق باتخاذ قرار توزيع نسبة من الأرباح السنوية التي تحققها الشركة على العاملين فيها، أو عدم اتخاذه، مما يؤدى إلى حرمان العاملين من الحصول على نصيبهم في هذه الأرباح، وتمييز المساهمين عنهم في هذا الشأن، الأمر الذى يخل بالحماية المقررة لحق العاملين في هذه الأرباح، بالمخالفة لنصى المادتين (13، 42) من الدستور، اللتين قررتا حق العاملين في نصيب من الأرباح، فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة لما انطوى عليه من تفرقة بين الأرباح الناتجة عن العمل وتلك الناتجة عن رأس المال. وكذلك فقد أحل النص المطعون فيه الجمعية العامة للشركة محل رئيس مجلس الوزراء، الذى يختص بإصدار اللوائح التنفيذية وفقًا للمادة (170) من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشـرع في مجـال تنظيم الحقـوق - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحـد من إطلاقها، وتكون تخـومًا لها لا يجـوز اقتحامها أو تخطيها. وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده، لا يجوز أن ينال من الحق محل الحمايـــة الدستورية، سواء بالنقض أو الانتقاص، ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها، يُعد عدوانًا على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية - وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها - بعيـدًا عـــن الرقابـــة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملاً، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة في ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام في شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها، مرتبطة عقلاً بها.
وحيث إن من المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة، أن الأصل في النصوص التشريعية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف. ومن ثم، يتعين دومًا استظهار ما إذا كان النص التشريعي المطعون فيه يلتـزم إطارًا منطقيًّا للدائـرة التي يعمـل فيهـا، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده، أو مجاوزًا لها، ومناهضًا بالتالي لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.
وحيث إن الحقوق التى ضَمِنَها الدستور أو القانون للعمال، لا يجوز فصلها عن مسئولية اقتضائها، ولا مقابلتها بغير واجباتها، ومدخلها بالضرورة أن تكون المزايا التى ربطها الدستور بالعمل، محددًا نطاقًا على ضوء قيمته، فلا تتساقط على من يطلبونهــــا بغير جهـد منهم يقارنها ويعادلها، ولا يكون الطريق إليها إلا العمل وحده، الذى أعلى الدستور في المادتين (12، 13) من قيمته، واعتبر كفالته التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، باعتباره حقًا وواجبًا وشرفًا، وقرنه بالمقابل العادل كأحد عناصره والمتمم له، ومن أجل ذلك حدد الدستور بنص المادة (27) منه الأغراض التي يتوخاها النظام الاقتصادي، ومن بينها زيادة فرص العمل، وتقرير حدين للأجور لا تقل فيه عن أدناهما ولا تربو على أعلاهما، ضمانًا للتوزيع العادل لعوائد التنمية، وتحقيقًا للتوازن بين الدخول والتقريب فيما بينهــــا، إلا أن ذلك لا يتأتى كفالته إلا بإقامة رباط بين الأجر والإنتاج، فلا يكون الأجر وما يتصل به من المزايا، إلا من ناتج العمل وبقدره.
وحيث إن الاستثمار بمختلف صوره - العام منها والخاص - ليس إلا أموالاً تنفق، وسواء عبأتها الدولة أو كونها القطاع الخاص، فإنها تتكامل فيما بينها، ويعتبر تجميعها لازمًا لضمان قاعدة إنتاجية أعرض وأعمق، لا يكون التفريط فيها إلا نكولاً عن قيم يدعو إليها التطور ويتطلبها. وما تنص عليه المادة (33) من الدستور القائم من تعداد لأشكال الملكية، تتقدمها الملكية العامة، وتقوم إلى جانبها كل من الملكية التعاونية والملكية الخاصة، ليس إلا توزيعًا للأدوار فيما بينها، لا يحول دون تساندها، والتزام الدولة بحمايتها جميعًا. ذلك أن تواصل التنمية المستدامة، وإثراء نواتجها - على ما تنص عليه المادة (27) من الدستور، يمثل أصلاً يبلوره الاستثمار العام والخاص، فلكل منهما دوره في التنمية، فهما شريكان متكاملان، فلا يتزاحمان أو يتعارضان أو يتفرقان، بل يتولى كل منهما مهامًا يكون مؤهلاً لها وأقدر عليها. ومن بين المعايير التى يلتزم بها النظام الاقتصادي دعم محاور التنافسية، وتشجيع الاستثمار، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين ويحمى المستهلك. وهو ما أكدت عليه المادة (28) من الدستور، بالنص على التزام الدولة بحماية الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية، وزيادة تنافسيتها، وتوفير المناخ الجاذب للاستثمار، والعمل على زيادة الإنتاج، وتشجيع التصدير، وتنظيم الاستيراد، باعتبار أن تلك الأنشطة مقومات أساسية للاقتصاد القومي.
وحيث إن شركات المساهمة - وفقًا لأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد الصادر بالقانـــــون رقم 159 لسنة 1981 - من الشركات الخاصة، التي يتكون رأسمالها من جملة الأسهم التي يمتلكها المؤسسون والمساهمون فيها، وهى الأجدر على جذب المدخرات لإنشاء الكيانات الاقتصادية الكبرى، وتُعد عاملاً فاعلاً في تنمية الاقتصاد القومي. ويهدف المساهمون من خلال استثمار أموالهم فيها إلى تحقيق الأرباح، ويجتمعون دوريًّا كل سنة في شكل جمعية عامة لمناقشة أحوال الشركة، واتخاذ القرارات التي تكفل حسن إدارتها، وتذليل ما يعترض عملها من عوائق، تحول دون تحقيق الشركة لأرباح صافية، بما يعود عليهم بالنفع. وبمقتضى نصوص المواد (41، 63، 71/2) من القانون المشار إليه، فإن الجمعية العامة للشركة تُعد هى السلطة العليا فيها، ومن أجل ذلك منحها المشرع وحدها سلطة اعتماد ميزانية الشركة وقوائمها المالية التي يعدها مجلس الإدارة، وحساب الأرباح والخسائر، وتعيين الأرباح الصافية القابلة للتوزيع، إلا أن قرارها في شأن توزيع الأرباح السنوية التي تحققها الشركة من عدمه، ينصرف حكمه إلى كل من العاملين والمساهمين فيها، وليس لفريق منهم دون الآخر. وحرصًا من المشرع على كفالة هذا الحق، ضَمَّن النص المطعون فيه اختصاص الجمعية العامـة للشركة – بحسبانها تمثل مالكي الشركة وهى السلطة العليا بها – تقرير توزيع نسبة من أرباحها السنوية الصافية القابلة للتوزيع على العاملين بها، في ضوء الضوابط والقواعد الحاكمة لسلطة الجمعية العامة للشركة، في هذا الشأن. إذ أكد المشرع في المادة (44) من القانون المشار إليه على حق العاملين والمساهمين في الحصول على نصيب من هذه الأرباح، وحدد توقيت صرفها بمجرد صدور قرار الجمعية العامة للشركة بالتوزيع، الذى تتحدد مشروعيته من الوجهة الدستورية والقانونية، بألا يمس أصل هذا الحق الذى تقرر للعاملين، وهو القيد العام المقرر بمقتضى نص المادة (92) من الدستور، الذى لا يحول دون سلطة المشرع في مجال تنظيم هذا الحق، وتحديد اختصاصات الجمعية العامة للشركة في هذا الشأن، وهو الأمر الذى يخضع لرقابة القاضي الطبيعي، الذى كفلت المادة (97) من الدستور للكافة حق اللجوء إليه، ويُعد بمقتضى نص المادة (94) من الدستور أحد الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات، سواء تلك التي قررها القانون أو الدستور. ومن ثم، يكون التنظيم الذى قرره المشرع على هذا النحو قد التزم إطارًا منطقيًّا لما هدف إليه، كافلاً من خلاله تناسب الوسيلة التي فرضها مع الغرض الذى استهدفه وسعى إلى تحقيقه، بما لا مخالفة فيه لأحكام المادتين (13، 42) من الدستور.
وحيث إن الدستور قد كفل بالمادتين (33، 35) حماية الملكية الخاصة لكل فرد - وطنيًّا كان أو أجنبيًّا - ولم يُجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، إلا أن هذه الحماية لا تُظِل بآثارها إلا من اكتسبها بطريق مشروع، وكان بيده سند صحيح ناقل لها على الوجه المقرر قانونًا، ليغدو حقيقًا بأن يعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس وسائل حمايتهـا التي تعينها على أداء دورها، ويقيها تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافهـا، أما إذا كان سنده في اكتسـاب الملكية غير صحيـح، أو كان مبنيًّا على ادعاء مرسل لا يسانده واقع أو لم تثبت صحته، فإن طلبه الحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة يكون فاقدًا لسنده. متى كان ذلك، وكان استحقاق العاملين - والمساهمين أيضًا - لنصيب في الأرباح السنوية التي تحققها الشركة، لا ينشأ إلا من تاريخ اعتماد الجمعية العامة للشركة لهذه الأرباح والمصادقة على الميزانية، والقوائم المالية، وهو الاختصاص المنوط بالجمعية العامة طبقًا لنص البند (هـ) من المادة (63) من القانون المشار إليه، فلا يكون لذوى الحقوق قبل ذلك التاريخ سوى مجرد حق احتمالي لا يبلغ مرتبة الحق الكامل، ولا تنتقل به ملكية هذه الأرباح من ذمة الشركة إلى ذمة العاملين أو المساهمين فيها، ليغدو القول بإخلال النص المطعون فيه بالحماية المقررة لحق الملكية، فاقدًا لسنده.
وحيث إنه عن النعى بإخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة، بالمخالفة للمادتين (4، 53) من الدستور القائم - بتخويل الجمعية العامة للشركة المساهمة سلطة مطلقة في شأن منح العاملين بالشركة نصيب من صافى الأرباح السنوية التى تحققها، دون أن تكون لها تلك السلطة في خصوص المساهمين بها، فمردود أولاً: بأن الأصل في النصوص القانونية التي ينتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تُكوّن فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحد توجهاتها لتكوّن نسيجًا متآلفًا. متى كان ذلك، وكان نص البند (هـ) من المادة (63) من القانون المشار إليه إذ ناط بالجمعية العامة لشركة المساهمة – وهى السلطة العليا في الشركة – الاختصاص بتقرير توزيع نسبة من صافى الأرباح السنوية التى تحققها الشركة على العاملين بها، فإن هذا النص يكوّن مع ما تضمنته المادتان (41، 44) من القانون ذاته من أحكام تتعلق بهذا الشأن وحدة عضوية تتكامل فيما بينها، لتنتظم موضوع نصيب العمال في الأرباح السنوية الصافية للشركة، وتقرير توزيعه أو إرجاء ذلك وفقًا لأسباب موضوعية تتوافق مع أحكام القانون، وتخضع لرقابة القضاء، على نحو ما سلف بيانه.
ومردود ثانيًّا: بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون الذى رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدًا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتى لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية، ذلك أن المراكز القانونية التى يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون، هي التي تتحد في العناصر التى تُكون كلاً منها بوصفها عناصر اعتد بها المشرع، مرتبًا عليها أثرًا قانونيًّا محددًا، فلا يقوم هذا المركز إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطًا بها، فلا تنشأ أصلاً إلا بثبوتها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد ناط بالجمعية العامة الاختصاص بتقرير حق العاملين بشركة المساهمة في الحصول على نصيب من صافى الأرباح السنوية التي يتقرر توزيعها، تقديرًا منه بأن هذه الأرباح ما كانت تتحقق بوجود رأس المال الذى قدمه المساهمون فيها فقط، وإنما يرجع أيضًا إلى ما قدمه العاملون بهذه الشركات من عمل وما بذلوه من جهد، فخصهم بنسبة منها، وقـد كفــــل المشرع بذلك حق كل من العاملين والمساهمين في الأرباح السنوية التي يتقرر توزيعها، فلا يجوز توزيع تلك الأرباح على فريق منهم دون الآخر. بما لازمه قيام التنظيم الذى ضمنه المشرع النص المطعون فيه على أساس موضوعي يبرره، ولا يتضمن في مجال تطبيقه تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامه المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليه، ومن ثم يكون الادعاء بإخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة المقرر بالمادتين (4، 53) من الدستور في غير محله حقيقًا بالرفض.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه إحلاله الجمعية العامة العادية للشركة محل رئيس مجلس الوزراء، الذى يختص بإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وفقَا لنص المادة (170) من الدستور، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز للسلطة التشريعية، في ممارستها لاختصاصاتها في مجال إقرار القوانين، أن تتخلى بنفسها عنها، إهمالاً من جانبها لنص المادة (101) من الدستور، التي تعهد إليها أصلا بالمهام التشريعية، ولا تخول السلطة التنفيذية مباشرتها إلا استثناء، وفى الحدود الضيقة التي بينتها نصوص الدستور حصرًا، ويندرج تحتها إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، التي لا يدخل في مفهومها توليها ابتداء تنظيم مسائل خلا القانون من بيان الإطار العام الذى يحكمها، فلا تفصل اللائحة عندئذ أحكامًا أوردها المشرع إجمالاً، ولكنها تشرع ابتداء من خلال نصوص جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون، وبها تخرج اللائحة عن الحدود التي ضبطتها المادة (170) من الدستور. متى كان ذلك، وكان تحديد الجهة المختصة بتوزيع الأرباح السنوية الصافية للشركات المساهمة، هو من صميم العمل التشريعي الذى يجب أن تتولاه السلطة التشريعية عند تنظيمها الأحكام المتعلقة بتلك الشركات، وبما يتفق مع طبيعتها، وكونها من الشركات الخاصة، التي يتكون رأسمالها من جملة الأسهم التي يملكها المؤسسون والمساهمون فيها، الذين سعوا لاستثمار أموالهم فيها بهدف تحقيق الأرباح، الأمر الذى يتعين معه أن يعهد إليهم بما يكفل تحقيق هذا الغرض، وذلك من خلال اجتماعهم دوريًّا كل سنة في شكل جمعية عامة لمناقشة أحوال الشركة، واتخاذ القرارات التي تكفل حسن إدارتها، وتذليل ما يعترض عملها من عوائق تحول دون تحقيق الشركة لأرباح صافية، بما يعود عليهم بالنفع، ولذا عهد النص المطعون فيه للجمعية العامة العادية للشركة الموافقة على توزيع الأرباح، وهو اختصاص أصيل للمشرع، تولاه على نحو يكفل تحقيق الأغراض التي سعى لتحقيقها بموجب أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 المشار إليه، ولا مخالفة فيه لأحكام المادة (170) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي نص آخر من نصوص الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.