الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 يوليو 2020

دستورية فرض ضريبة المبيعات على قيام المكلف باستعمال السلعة في أغراض خاصة


الدعوى رقم 53 لسنة 19 ق "دستورية" جلسة 9 / 5 /2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من مايو سنة 2020، الموافق السادس عشر من رمضان سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو                   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا                         نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع            أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 53 لسنة 19 قضائية "دستورية".
المقامة من
شركة النصر لصناعة المواسير الصلب ولوازمها
ضــــد
1 - رئيس مجلس الـــوزراء
2 - وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب على المبيعات
3 – رئيس مصلحة الضرائب على المبيعات
الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من مارس سنة 1997، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت الشركة المدعية مذكرة، صممت فيها على الطلبات الواردة بصحيفة دعواها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 7/3/2020، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 4/4/2020، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.

المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 9368 لسنة 1996 مدنى كلى، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليهما الثاني والثالث، بطلب الحكم بإلزامهما برد ما دفعته بغير حق لمصلحة الضرائب على المبيعات، وبراءة ذمتها من أية مبالغ بشأن فرض ضريبة مبيعات على نشاط الشركة عن المشغولات المحلية الخاصة بها، وذلك على سند من أن مصلحة الضرائب على المبيعات حصًّلت من الشركة، بغير حق، خلال الفترة من 1/12/1994 حتى 27/6/1996، مبالغ جملتها (1433095,30) جنيهًا، لحساب ضريبة المبيعات عن مشغولات داخلية، عبارة عن قطع غيار تنتجها الورش الخاصة بها لاستخدامها في صيانة الماكينات والآلات، وصهر وتنقية مخلفات الزنك من الشوائب، وإعادة استخدامه في جلفنة المواسير، واستخدام كميات من المواسير المنتجة في أعمال الصيانة، داخل منشآت الشركة ومصانعها، وبأقسام غلايات المياه والخزانات، واستخدام بعضها سياجًا ومظلات في مواقع العمل والإنتاج المكشوفة، وجميع تلك المشغولات ليست سلعًا مما يتم إنتاجه وطرحه للبيع، وتخرج عن المقصود بالاستخدام الخاص الوارد بالفقرة الثانية من المادة (6) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991. وأثناء نظر الدعوى بجلسة 15/2/1997، قدَّمت الشركة مذكرة، ضمنتها دفعًا بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الشركة الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، من وجهين، أولهما : أن الحاضر عن الشركة المدعية طلب من محكمة الموضوع، بجلسة 15/2/1997، أجلاً لإقامة الدعوى الدستورية، دون إبداء دفع أو تحديد للنص المطعون فيه، ومن ثم يكون تصريح المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية قد ورد على غير محل. وثانيهما : أن النزاع المطروح في الدعوى المعروضة يدور حول تفسير نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه، وكيفية تطبيقه، وهو ما لا شأن له ببحث دستوريته، فذلك كله مردود، بأن الثابت بالأوراق أن الشركة المدعية قدَّمت بجلسة 15/2/1997، مذكرة ضمنتها دفعًا بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون 11 لسنة 1991 المشار إليه، وبذلك يكون تصريح المحكمة لها بإقامة الدعوى الدستورية – بعد تقديرها لجدية الدفع – قد ورد على محل، ومتفقًا وصحيح القانون. فضلاً عن أن طلب الشركة الوارد بصحيفة الدعوى الدستورية قاطع وصريح في القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه، لمخالفته للمواد (38، 61، 119) من دستور سنة 1971، ولم يتطرق هذا الطلب بأي حال إلى تفسير ذلك النص. ومن ثم، يكون الدفع المبدى، بوجهيه، غير سديد، جديرًا بالالتفات عنه.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها من قِبَل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي بين الشركة المدعية ومصلحة الضرائب على المبيعات، تدور حول مدى أحقية المصلحة في اقتضاء ضريبة مبيعات عن نشاط الشركة خلال الفترة من 1/12/1994 حتى 27/6/1996، ومن ثم تظل الشركة مخاطبة ضريبيًّا خلال المدة المشار إليها بموجب أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 وتعديلاته، ولا يغير من ذلك إلغاء هذا القانون بموجب المادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة.

وحيث إن المادة السادسة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "تستحق الضريبة بتحقق واقعة بيع السلعة أو أداء الخدمة بمعرفة المكلفين وفقًا لأحكام هذا القانون.
ويعتبر في حكم البيع قيام المكلف باستعمال السلعة أو الاستفادة من الخدمة في أغراض خاصة أو شخصية، أو التصرف فيها بأي من التصرفات القانونية.
..............".

وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبهـا العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلهـا في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه. متى كان ذلك، وكان النزاع المثار في الدعوى الموضوعية، الذى أقيمت الدعوى الدستورية بمناسبته، يدور حول مدى خضوع المشغولات التي تنتجها الشركة، وتقوم باستعمالها في أغراض خاصة بها، للضريبة العامة على المبيعات، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه تنص على أن " ويعتبر في حكم البيع قيام المكلف باستعمال السلعة أو الاستفادة من الخدمة في أغراض خاصة أو شخصية، أو التصرف فيها بأي من التصرفات القانونية ". وكان من المقرر أنه متى كان النص القانوني واضحًا، جلى المعنى، قاطعًا في الدلالة على المراد منه، فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى تفسيره، أو تخصيص عمومه، أو تقييد مطلقه بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته، لأن محل ذلك كله يكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، مما يكون معه القاضي مضطرًا في سبيل التعرف على مراد المشرع إلى تقصى الغرض الذى رمى إليه، والقصد الذى أملاه، ذلك أن الأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمتها، ومن ثم فلا يجوز إهدار العلة والأخذ بالحكمة عند وضوح النص.

وحيث إن النص المطعون فيه قد دل بصريح لفظه دون لبس أو غموض على أن الضريبة تستحق بتحقق واقعة بيع السلعة، كما تتحقق باستعمالها من المكلف في أغراضه الخاصة، وكان الفصل في دستورية الشطر الثانى من ذلك النص يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على طلبات الشركة المدعية في الدعوى الموضوعية، ومدى أحقيتها في عدم خضوع السلع التى تنتجها، وتستعملها في أغراضها الخاصة للضريبة العامة على المبيعات، فمن ثم تتوفر لها مصلحة شخصية ومباشــرة في الطعن على ذلك النص. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة بما ورد بتلك الفقرة من أنه " ويعتبر في حكم البيع قيام المكلف باستعمال السلعة في أغراض خاصة "، دون ما ورد بها من أحكام أخرى.

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته لأحكام المواد (38، 61، 119) من دستور سنة 1971، المقابلة لحكم المادة (38) من الدستور الحالي، قولاً منها إن ذلك النص أخضع للضريبة عمل الإنسان لنفسه ولخدمته الذاتية، في حين أن السلعة بمفهومها الاقتصادي هي ما ينتج بقصد التداول، ولا يدخل في مفهومها ما ينتجه الشخص لنفسه واستعماله الخاص، فضلاً عن أن النص على أن " يعتبر في حكم البيع قيام المكلف باستعمال السلعة في أغراض خاصة " قد انطوى على تفرقة بين المكلف وغيره ممن لم يبلغ حد التسجيل، الأمر الذى يخل بالعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح في خصوص مدى مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات؛ لكونها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية إلى النص التشريعي المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان ذلك النص قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تاريخ العمل بالدستور القائم، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.

وحيث إن الأصل في الضريبة العامة – على ما جرى عليه قضاء هـذه المحكمة – أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا - بما لها من ولاية على إقليمها - من المكلفين بها وفق القواعد التي يقررها المشرع في شأنها، دون أن يكون لهؤلاء خيار في الوفاء بها أو النكول عنها، وإنما يؤدونها إليها جبرًا ويسهمون بها – حملاً – في نصيبهم من الأعباء العامة، ولو لم يكن ثمة مقابل يعود عليهم مباشرة من جراء فرضها. ويبين قانون هذه الضريبة حدود العلاقة بين الملتزم بالضريبة من ناحية، وبين الدولة التي تفرضها من ناحية أخرى، سواء في مجال تحديد الأشخاص الخاضعين لها، والأموال التي تسرى عليها، وشروط سريانها، وسعر الضريبة، وكيفية تحديد وعائها، وقواعد تحصيلها، والجزاء على مخالفة أحكامها. وكان قانون الضريبة إذ يصدر على هذا النحو، فإنه ينظم رابطتها تنظيمًا شاملاً يدخل في مجال القانون العام، متوخيًّا تقديرًا موضوعيًّا ومتوازنًا لمتطلبات وأسس فرضها، وبمراعاة أن حق الدولة في إنشائها لتنمية مواردها ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاحتوائها. بما مؤداه: أن قانون الضريبة العامة، وإن توخى حماية المصلحة الضريبية للدولة، باعتبار أن الحصول على إيرادهــــــا هدف مقصود منه ابتداء، فإن مصلحتها هذه ينبغي موازنتها بالعدالة الاجتماعية بوصفها مفهومًا وإطارًا مقيدًا لنصوص هذا القانون.

وحيث إن العدالة الاجتماعية تتوخى بمضمونها التعبير عن القيم والمصالح الاجتماعية السائدة في مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة، ومن ثم تتباين معانيها ومراميها تبعًا لتغير الظروف والأوضاع، فلا يكون مفهوم العدل حقيقة مطلقة لا تبديل فيها، ولا ثابتًا باطراد؛ بل مرنًا، ومتغيرًا وفق معايير الضمير الاجتماعي، ويتعين من ثمّ أن تتوازن علائق الأفراد ومصالحهم، بمصالح المجتمع في مجموعه، توصلاً إلى عدالة حقيقية تتفاعل مع الواقع، وتتجلى قوة دافعة لتقدمه. وإذا كان العدل مهيمنًا على الضريبة التي توافرت لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية، فإن ذلك يشكل ضمانة توفر الحماية القانونية التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا، وذلك بما تضمنته المادة (27) منه، التي أوجبت أن يقوم النظام الاقتصادي على نظام ضريبي عادل، وكذلك ما تضمنته المادة (38) منه، التي حددت أهداف النظام الضريبي، وجعلت على رأسها تحقيق العدالة الاجتماعية. ويفترض تحديد دين الضريبة التوصل إلى تحديد حقيقي للمال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يُعد شرطًا لازمًا لعدالة الضريبة وسلامة بنيانها، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، ومن ثمّ يتعين أن يكون وعاء الضريبة، ممثلاً في المال المحمل بعبئها، محققًا ومحددًا على أسس واقعية واضحة لا تثير لبسًا أو غموضًا، بما يمكن معه الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققًا إلا إذا كان ثابتًا بعيدًا عن شبهة الاحتمال، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها، إنما يتحدد مرتبطًا بوعائها، وباعتباره منسوبًا إليه ومحمولاً عليه. واختيار المشرع لوعاء الضريبة – وهو المال المحمل بعبئها – يدخل في نطاق سلطته التقديرية، ولـــو كان فرضهـا غير مقبـول بوجه عام. ولا ترتبط دستوريتها بتوافر بدائل تحل محلها، وتكفل تحقيق حصيلتها. بيد أن هذا الاختيار وإن كان يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يباشرها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، فإن هذه السلطة تقيدها الضوابط التي فرضها الدستور عليها لتحد من إطلاقها ولترسم تخومها التي لا يجوز أن يتعداها المشرع، سواء بإغراق هذه الحقوق من خلال تنظيمها، أو عن طريق تقييدها بما يرهقها، ويحد من اكتمال مجالاتها الحيوية التي تمثل لبها ونواتها.

وحيث كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه – في حدود النطاق المحدد سلفًا – في شأن الخضوع للضريبة، قد ألحق واقعة قيام المكلف باستعمال السلعة في أغراض خاصة، بواقعة بيع السلعة، فمن ثم تتحقق الواقعة المنشئة للضريبة بهذا الاستعمال، ويتحدد وعاء الضريبة في ثمن تلك السلعة حال بيعها. متى كان ذلك، وكانت الواقعة المنشئة للضريبة – حكمًا – واقعة منضبطة، يمكن الوقوف على حقيقتها، وتم تحديد الوعاء الخاضع للضريبة بموجبها على نحو محقق، ومحدد على أسس واقعية واضحة، لا تثير لبسًا أو غموضًا، يمكن الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ويكفل تحصيل الضريبة وفق أسس موضوعية، منصفة، تتوافر فيها شروط عدالة الضريبة، الأمر الذى يتفق معه حكم النص المطعون فيه ومبدأ العدالة الاجتماعية. ولا ينال من ذلك قالة إن فرض ضريبة مبيعات على السلع التى يستعملها المكلف في أغراض خاصة، دون طرحها للبيع، يخل بالعدالة الاجتماعية، لكون السلعة بمفهومها الاقتصادي، هي ما ينتج بقصد البيع، دون ما يستعمل منها في أغراض خاصة، فذلك مردود، أولاً : بأن واقعة استعمال المكلف للسلعة في أغراض خاصة، يتساوى مع واقعة بيعه للسلعة، ففي الحالتين يحصل المكلف على المنفعة التي يبتغيها، إما بطريق مباشر من خلال بيع السلعة والحصول على ثمنها، أو بطريق غير مباشر، بتوفير ثمن شرائها – محملاً بالضريبة – من آخرين، فكما أن ثمن السلعة في الحالة الأولى يعتبر وعاءً خاضعًا للضريبة، فإن العائد النفعي في الحالة الثانية يخضع للضريبة. ومردود ثانيًا : بأنه إذا كان الأصل في ضريبة المبيعات أنها تفرض على واقعة بيع السلعة، فإن حجب المكلف جزءًا من السلع لاستعمالها في أغراض خاصة، يمثل اقتطاعًا لجزء من الضريبة الواجب الوفاء بها، وقد عالج المشرع هذا الأمر، بموجب أحكام النص المطعون فيه، انصياعًا للوجوب الدستوري الواقع على كاهل الدولة بموجب نص الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور، الذي يلزمها بتبنى النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب. ومردود ثالثًا : بأن ما ورد بالنص المطعون فيه، يكفل مواجهة صور التحايل للتهرب من أداء الضريبة. ومردود رابعًا : بأن أحكام هذا النص تحقق المساواة بين المكلفين، كل بحسب مقدرته المالية فيما يحتجزه من سلع لاستعمالها في أغراض خاصة، دون طرحها للتداول والبيع.
ولا يقدح فيما تقدم قالة إن النص المطعون فيه يوجد تمييزًا غير مبرر بين المكلف، وغيره ممـن لم يبلغ حد التسجيل، بأن أخضع السلع التي يستعملها المكلف في أغراض خاصة للضريبة، دون الفريق الآخر، مما يخل بمبدأ العدالة الاجتماعية للضريبة، فذلك مردود بأن التمييز المدعى به لم يرد صراحة بالنص المطعون فيه، فضلاً عن أن من لم يبلغ حد التسجيل، تعجز إمكانياته عن الوفاء بالالتزامات التي يفرضها قانون الضريبة العامة على المبيعات، لصغر حجم نشاطه التجاري، وقدر ما يغله من أرباح، وذلك مراعاة من المشرع للبعد الاجتماعي للضريبة، وعدم فرضها على من لا يستطيع تحمل أعبائها.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يقيم في مجال تطبيقه تمييزًا بين المكلفين المخاطبين بأحكامه ممن بلغوا حد التسجيل المقرر قانونًا، وذلك بفرض الضريبة سواء عن بيع السلعة حقيقة، أو حكمًا باستعمالها في أغراض خاصة. فضلاً عن أن الأهداف التي توخاها المشرع من تقرير هذا النص تتصل اتصالاً منطقيًّا ووثيقًا بما نصت عليه المادة الثانية من القانون رقم 11 لسنة 1991 المشار إليه من أن " تفرض الضريبة العامة على المبيعـات على السلع المصنعة المحلية والمستوردة إلا ما استثنى بنص خاص"، ذلك أن الأصل، هو خضوع جميع السلع المصنعة محليًّا للضريبة، سواء تم بيعها أو استعمالها في أغراض خاصة.
وحيث كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه، لا يخالف مبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة (38) من الدستور، أو أي حكم آخر فيه، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق