الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الجمعة، 22 أغسطس 2025

الطعن 5364 لسنة 87 ق جلسة 18 / 3 / 2019 مكتب فني 70 ق 31 ص 275

جلسة 18 من مارس سنة 2019
برئاسة السيد القاضي / مصطفى محمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / هشام الشافعي، حسين النخلاوي وعباس عبد السلام نواب رئيس المحكمة و د. أحمد أبو العينين .
----------------
(31)
الطعن رقم 5364 لسنة 87 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . النعي عليه بالإبهام . غير مقبول .
عدم رسم القانون شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها .
(2) دعوى جنائية " قيود تحريكها " . موظفون عموميون .
القيد الوارد على رفع الدعوى الجنائية طبقاً لنص المادتين 63/ 3 و 232 /2 إجراءات جنائية . تحققه : بوقوع الجناية أو الجنحة من الموظف العام أو من في حكمه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها . تقديره موضوعي . ما دام سليماً .
نعي الطاعن بخطأ الحكم في تطبيق القانون لتحريك الدعوى قبل موظف عام دون الحصول على إذن . غير مقبول . علة ذلك ؟
(3) سب وقذف . قصد جنائي . أسباب الإباحة وموانع العقاب " الإعفاء من العقوبة " .
جريمة القذف . لا تتطلب قصداً خاصاً . كفاية توافر القصد العام وتحققه بإذاعة القاذف الأمور المتضمنة القذف مع علمه بأنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره . لا محل للخوض في مسألة النية أو صحة القذف إلا إذا كان الطعن موجهاً لموظف عام أو من في حكمه . نعي الطاعن بتمتعه بالإعفاء المنصوص عليه في المادة 302 /2 عقوبات لحسن نيته . غير مقبول . علة ذلك ؟
(4) دعوى مباشرة . دعوى مدنية . سب وقذف . نقض " المصلحة في الطعن " .
الادعاء المباشر المقام قبل الطاعن عن الوقائع المنشورة بالجريدة المترأس مجلس إدارتها وتحريرها متهمين آخرين دون اختصامهما . لا يعد تنازلاً من المدعي بالحق المدني عن اختصامهما . أساس وعلة ذلك ؟
نعي الطاعن بشأن التنازل الضمني من المدعي بالحق المدني عن شكواه ضد متهمين آخرين وامتداد أثره إليه . غير مجد . ما دام أنه لا ينازع في أنه لا يشمل باقي الوقائع وعبارات القذف المنسوبة إليه .
(5) قانون " تفسيره " . دعوى مباشرة . محكمة الجنايات " اختصاصها " . سب وقذف . نقض " المصلحة في الطعن " .
المادتان 215 و 216 إجراءات جنائية . مفادهما ؟
الادعاء المباشر أمام محكمة الجنايات في جنحة القذف بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر على غير الأفراد . جائز . لا مصلحة للطاعن في النعي بشأنه . أساس وعلة ذلك ؟
(6) محكمة الجنايات " الإجراءات أمامها " . معارضة .
تقديم الطاعن بجنحة إلى محكمة الجنايات . حضوره بوكيل عنه الجلسات الأُول وغيابه عن الباقين . اعتبار الحكم بالنسبة له حضوري اعتباري قابلاً للمعارضة . التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر منتهياً في قضائه إلى صدوره في معارضة . صحيح . أساس وحد ذلك ؟
(7) عقوبة " تطبيقها " . سب وقذف . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه " . محكمة النقض " سلطتها " .
العقوبة المقررة لجريمة القذف في حق موظف عام بسبب أداء وظيفته بطريق النشر هي الغرامة التي لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه . نزول الحكم المطعون فيه بعقوبة الغرامة إلى عشرة آلاف جنيه . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . أساس وعلة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً ، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بأن الحكم حُرر في صورة مبهمة يكون لا محل له .
2- من المقرر أن القيد الوارد على رفع الدعوى الجنائية طبقاً لنص المادتين 63/3 ، 232/2 من قانون الإجراءات الجنائية إنما يتحقق إذا كانت الجناية أو الجنحة قد وقعت من الموظف العام أو من في حكمه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها ، بحيث إنه إذا لم يتوافر أحد هذين الظرفين لم يعد ثمة محل للتقيد بذلك القيد ، وأن الفصل في ذلك من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ، مادام استدلالها سليماً مستنداً إلى أصل صحيح في الأوراق . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعن واطرحه على سندٍ من أن جريمة القذف لم تقع من الطاعن أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ، وإنما جاءت عبر مقالات نشرت بالصحف ولقاءات ومكالمات أُذيعت بوسائل الإعلام المرئية ، فإن ما أورده الحكم على نحو ما تقدم صحيحاً في القانون ، ويضحى النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون غير سليم .
3- من المقرر أن القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً خاصاً ، بل يكتفى بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى أذاع القاذف الأمور المتضمنة القذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره عند الناس ، ومتى تحقق القصد الجنائي فلا محل للخوض في مسألة النية أو صحة وقائع القذف إلا في صورة ما يكون الطعن موجهاً إلى موظف عام أو من في حكمه ، ففي هذه الصورة إذا أفلح المتهم في إقناع المحكمة بسلامة نيته في الطعن بأن كان يبغي به الدفاع عن مصلحة عامة واستطاع مع ذلك أن يُثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه فلا عقاب عليه برغم ثبوت قصده الجنائي ، أما إذا تبين أن قصده من الطعن إنما هو مجرد التشهير والتجريح فالعقاب واجب ولو كان في استطاعته أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه ، وإذ كان البيّن من الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يفلح في إقناع محكمة الموضوع بسلامة نيته في الطعن ولم يستطع التدليل على حقيقة ما أسنده إلى المجني عليه ، فإن دفاعه من أنه يتمتع بالإعفاء المنصوص عليه بالمادة 302/2 من قانون العقوبات بمقولة أنه حسن النية وقدم المستندات الدالة على صحة ما أسنده للمدعي بالحق المدني من وقائع ليس من شأنه - بفرض صحته - نفي مسئولية الطاعن عن الجريمة التي قارفها ، فإن منعاه على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير سند .
4- من المقرر أن المادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه " إذا تعدد المجني عليهم يكفي تقديم الشكوى من أحدهم ، وإذا تعدد المتهمون وكانت الشكوى مقدمة ضد أحدهم تعتبر أنها مقدمة ضد الباقين " فإنه بفرض اعتبار الادعاء المباشر قبل الطاعن صنواً للشكوى وأنها رفعت عن الوقائع التي نشرها بالجريدة التي يرأس مجلس إدارتها وتحريرها متهمين آخرين ـــــ بفرض صحة ذلك ـــــ فإن إغفال اختصام سالفي الذكر لا يعنى بالضرورة أن المدعى بالحق المدني قد تنازل عن اختصامهما تطبيقاً لما ورد بالمادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية سالفة الذكر ، فضلاً عن أنه لا جدوى لما يثيره الطاعن بشأن تنازل المدعي بالحق المدني ضمنياً على شكواه ضد سالفي الذكر عن ما تضمنه المقال المنشور بالجريدة محل الدعوى وامتداد أثر التنازل إليه ، مادام لا ينازع في أن هذا التنازل الضمني لا يشمل باقي الوقائع وعبارات القذف المنسوبة إليه في اللقاءات التليفزيونية والمداخلات الهاتفية ، إذ إن ما أورده الحكم منها يحمل قضاء الحكم بإدانته ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له .
5- من المقرر أن مفاد نص المادتين 215 ، 216 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة الجزئية تحكم في كل فعل يعد بمقتضى القانون مخالفة أو جنحة عدا الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد ، وتحكم محكمة الجنايات في كل فعل يعد بمقتضى القانون جناية وفي الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر عدا الجنح المضرة بأفراد الناس ، ولما كان البيّن من أوراق الطعن أن المدعي بالحقوق المدنية بصفته رئيس جامعة .... أقام دعوى الجنحة المباشرة ضد الطاعن أمام محكمة الجنايات متهماً إياه بنشر مقالات والإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام المرئية تضمنت عبارات قذف في حقه ، وكان المشرع على نحو ما سلف قد عقد الاختصاص بالفصل فيها لمحكمة الجنايات دون أن يخرجها عن إطارها كونها جنحة يجوز الادعاء المباشر فيها أمام محكمة الجنايات باعتبارها من الجنح التي تقع بطريق النشر على غير الأفراد ، وتتبع أمام تلك المحكمة جميع الأحكام المقررة في الجنح والمخالفات وفق نص المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية ، وذلك لحكمـــة تغياها المشرع حاصلها توفير ضمانات أكثر للخصوم فيها لما تتطلبه طبيعة هذه الجرائم ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه النعي عليه في هذا الشأن غير سديد ، هذا إلى أنه من المبادئ العامة المتفق عليها أن المصلحة أساس الدعوى أو الطعن فإذا انعدمت فلا تقبل الدعوى أو الطعن ، باعتبار أن الدعوى أو الطعن في هذه الحالة يكون مسألة نظرية بحتة لا يؤبه بها ، وكان لا مصلحة للطاعن في أن لا سبيل للادعاء المباشر أمام محكمة الجنايات التي جرت المحاكمة أمامها والمختصة بنظر الدعوى ، حيث تتوافر في مُحاكماتها من الضمانات ما لم يتوافر أمام محكمة الجنح ، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بهذا الوجه .
6- من المقرر أن الشارع قد نص في المادة 397 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " إذا غاب المتهم بجنحة مقدمة إلى محكمة الجنايات تتبع في شأنه الإجراءات المعمول بها أمام محكمة الجنح ويكون الحكم الصادر فيها قابلاً للمعارضة " ، وكان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن حضر بوكيل عنه بالأربع جلسات الأُول ثم تخلف عن الحضور باقي جلسات المحاكمة إلى أن أصدرت المحكمة حكمها بجلسة .... ووصفته بأنه حضوري اعتباري ، وكانت المادة 239 من ذات القانون تنص على أنه " يعتبر الحكم حضورياً بالنسبة إلى كل من يحضر من الخصوم عند النداء على الدعوى ولو غادر الجلسة بعد ذلك أو تخلف عن الحضور في الجلسات التي تؤجل إليها الدعوى بدون أن يقدم عذراً مقبولاً " ، وكان مؤدى هذا النص أن الحكم الصادر بجلسة .... بالنسبة للطاعن هو - حقاً - حضوري اعتباري وهو بهذه المثابة يكون قابلاً للمعارضة إذا ما أثبت المحكوم عليه قيام عذر منعه من الحضور ولم يستطع تقديمه قبل الحكم ، وكان ميعاد المعارضة في هذا الحكم لا يبدأ إلا من تاريخ إعلان الطاعن به . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر - منتهياً في قضائه إلى صدوره في معارضة وليس استئنافاً - فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد .
7- من المقرر أن العقوبة المقررة لجريمة القذف في حق موظف عام بسبب أداء وظيفته طبقاً للفقرة الثانية من المادة 303 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 2006 والتي عُومِل الطاعن بها هي الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه ، وأوجبت المادة 307 من قانون العقوبات في حالة ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريق النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات رفع الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة الجريمة إلى ضعفيها ، مما لازمه ألا تقل عقوبة الغرامة عن ثلاثين ألف جنيه ، فإن الحكم المطعون فيه إذ نزل بعقوبة الغرامة إلى عشرة آلاف جنيه وهي لا تجوز أن تقل عن ثلاثين ألف جنيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كان الطاعن هو المحكوم عليه ولم تطعن النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعن بطعنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر قبل الطاعن في الدعوى رقم .... بوصف أنه تعدى عليه بالسب والقذف علنياً عن طريق الأجهزة المرئية وبطريق النشر وطلب عقابه بالمواد 171 ، 302 /1 ، 303 /2 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يؤدى له مبلغ 10001 ج " عشرة آلاف وواحد جنيه " على سبيل التعويض المدني المؤقت .
ومحكمة جنايات .... قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بالمواد 302 /1 ، 303 /2 ، 306 ، 307 من قانون العقوبات والمادتين 309 /1 ، 320 /1 من قانون الإجراءات الجنائية مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالحبس لمدة سنتين وتغريمه عشرة آلاف جنيه عما أسند إليه وإلزامه بأن يؤدى للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمته مصاريف الدعويين الجنائية والمدنية شاملة مبلغ ثلاثمائة جنيه أتعاباً للمحاماة ، باعتبار أن وصف الاتهام هو :ـــ
ــ قذف المجني عليه الأستاذ الدكتور / .... رئيس جامعة .... بأن أسند إليه انتمائه لجماعة الإخوان الإرهابية ولو صدق هذا الإسناد لاستوجب عقاب المجني عليه قانوناً فضلاً عن احتقاره لدى أهل وطنه وكان ذلك عن طريق النشر بجريدة الأخبار وبعض القنوات التليفزيونية .
فعارض المحكوم عليه في هذا الحكم وقضت ذات المحكمة حضورياً بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بالاكتفاء بتغريم المحكوم عليه مبلغ عشرة آلاف جنيه وألزمته المصاريف الجنائية وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك .
فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القذف العلني بطريق النشر وعبر وسائل الإعلام المرئية قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه حُرر في صورة مبهمة ، واطرح بما لا يسوغ دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لتحريكها قبل موظف عام دون الحصول على إذن من رئيس نيابة على الأقل ، وأنه رغم انتفاء القصد الجنائي في حق الطاعن ، ودون أن يفطن إلى معنى حسن النية التي عناها الشارع بالمادة 302/2 من قانون العقوبات كسبب للإباحة ، وأنه لم يقصد سوى الصالح العام ، ملتفتاً عما قدمه من مستندات تدليلاً على صحة دفاعه ، وأن عدم اختصام المدعي بالحق المدني لرئيس مجلس إدارة الجريدة الناشرة ورئيس تحريرها يفيد تنازله ضمناً عن شكواه قبلهما وامتداد أثر ذلك التنازل ليشمل الطاعن ، فضلاً أن الدعوى رُفعت بطريق الادعاء بمقتضى صحيفة من المدعي بالحق المدني ونظرت أمام محكمة الجنايات رغم أنه لا سبيل للادعاء المباشر أمام تلك المحكمة ، وأخيراً فإن الحكم المطعون فيه صدر في استئناف الحكم الابتدائي وليس معارضة فيه كما ذهب إليه الحكم مما كان يتعين معه أن تنظره دائرة أخرى ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً ، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ـــــ كما هو الحال في الدعوى ـــــ فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بأن الحكم حُرر في صورة مبهمة يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القيد الوارد على رفع الدعوى الجنائية طبقاً لنص المادتين 63 /3 ، 232 /2 من قانون الإجراءات الجنائية إنما يتحقق إذا كانت الجناية أو الجنحة قد وقعت من الموظف العام أو من في حكمه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها ، بحيث إنه إذا لم يتوافر أحد هذين الظرفين لم يعد ثمة محل للتقيد بذلك القيد ، وأن الفصل في ذلك من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ، ما دام استدلالها سليماً مستنداً إلى أصل صحيح في الأوراق . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعن واطرحه على سندٍ من أن جريمة القذف لم تقع من الطاعن أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ، وإنما جاءت عبر مقالات نشرت بالصحف ولقاءات ومكالمات أُذيعت بوسائل الإعلام المرئية ، فإن ما أورده الحكم على نحو ما تقدم صحيحاً في القانون ويضحى النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون غير سليم . لما كان ذلك ، وكان القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً خاصاً ، بل يكتفى بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى أذاع القاذف الأمور المتضمنة القذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره عند الناس ، ومتى تحقق القصد الجنائي فلا محل للخوض في مسألة النية أو صحة وقائع القذف إلا في صورة ما يكون الطعن موجهاً إلى موظف عام أو من في حكمه ، ففي هذه الصورة إذا أفلح المتهم في إقناع المحكمة بسلامة نيته في الطعن بأن كان يبغي به الدفاع عن مصلحة عامة واستطاع مع ذلك أن يُثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه ، فلا عقاب عليه برغم ثبوت قصده الجنائي ، أما إذا تبين أن قصده من الطعن إنما هو مجرد التشهير والتجريح فالعقاب واجب ولو كان في استطاعته أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجني عليه ، وإذ كان البيّن من الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يفلح في إقناع محكمة الموضوع بسلامة نيته في الطعن ولم يستطع التدليل على حقيقة ما أسنده إلى المجني عليه ، فإن دفاعه من أنه يتمتع بالإعفاء المنصوص عليه بالمادة 302/2 من قانون العقوبات بمقولة أنه حسن النية وقدم المستندات الدالة على صحة ما أسنده للمدعي بالحق المدني من وقائع ليس من شأنه ـــــ بفرض صحته ـــــ نفي مسئولية الطاعن عن الجريمة التي قارفها ، فإن منعاه على الحكم في هذا الخصوص يكـــون على غير سند . لما كـــان ذلك ، وكانت المادة الرابعـــة من قانــــون الإجراءات الجنائية تنص على أنه " إذا تعدد المجني عليهم يكفي تقديم الشكوى من أحدهم ، وإذا تعدد المتهمون وكانت الشكوى مقدمة ضد أحدهم تعتبر أنها مقدمة ضد الباقين " فإنه بفرض اعتبار الادعاء المباشر قبل الطاعن صنواً للشكوى وأنها رفعت عن الوقائع التي نشرها بالجريدة التي يرأس مجلس إدارتها وتحريرها متهمين آخرين ـــــ بفرض صحة ذلك ـــــ فإن إغفال اختصام سالفي الذكر لا يعنى بالضرورة أن المدعى بالحق المدني قد تنازل عن اختصامهما تطبيقاً لما ورد بالمادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية سالفة الذكر ، فضلاً عن أنه لا جدوى لما يثيره الطاعن بشأن تنازل المدعي بالحق المدني ضمنياً على شكواه ضد سالفي الذكر عن ما تضمنه المقال المنشور بالجريدة محل الدعوى وامتداد أثر التنازل إليه ، مادام لا ينازع في أن هذا التنازل الضمني لا يشمل باقي الوقائع وعبارات القذف المنسوبة إليه في اللقاءات التليفزيونية والمداخلات الهاتفية ، إذ إن ما أورده الحكم منها يحمل قضاء الحكم بإدانته ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان مفاد نص المادتين 215 ، 216 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة الجزئية تحكم في كل فعل يعد بمقتضى القانون مخالفة أو جنحة عدا الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد ، وتحكم محكمة الجنايات في كل فعل يعد بمقتضى القانون جناية وفي الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر عدا الجنح المضرة بأفراد الناس ، ولما كان البيّن من أوراق الطعن أن المدعي بالحقوق المدنية بصفته رئيس جامعة .... أقام دعوى الجنحة المباشرة ضد الطاعن أمام محكمة الجنايات متهماً إياه بنشر مقالات والإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام المرئية تضمنت عبارات قذف في حقه ، وكان المشرع على نحو ما سلف قد عقد الاختصاص بالفصل فيها لمحكمة الجنايات دون أن يخرجها عن إطارها كونها جنحة يجوز الادعاء المباشر فيها أمام محكمة الجنايات باعتبارها من الجنح التي تقع بطريق النشر على غير الأفراد ، وتتبع أمام تلك المحكمة جميع الأحكام المقررة في الجنح والمخالفات وفق نص المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية ، وذلك لحكمـــة تغياها المشرع حاصلها توفير ضمانات أكثر للخصوم فيها لما تتطلبه طبيعة هذه الجرائم ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه النعي عليه في هذا الشأن غير سديد ، هذا إلى أنه من المبادئ العامة المتفق عليها أن المصلحة أساس الدعوى أو الطعن فإذا انعدمت فلا تقبل الدعوى أو الطعن ، باعتبار أن الدعوى أو الطعن في هذه الحالة يكون مسألة نظريــة بحتة لا يؤبه بها ، وكان لا مصلحة للطاعن في أن لا سبيل للادعاء المباشر أمام محكمة الجنايات التي جرت المحاكمة أمامها والمختصة بنظر الدعوى ، حيث تتوافر في مُحاكماتها من الضمانات ما لم يتوافر أمام محكمة الجنح ، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بهذا الوجه . لما كان ذلك ، وكان الشارع قد نص في المادة 397 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " إذا غاب المتهم بجنحة مقدمة إلى محكمة الجنايات تتبع في شأنه الإجراءات المعمول بها أمام محكمة الجنح ويكون الحكم الصادر فيها قابلاً للمعارضة " ، وكان البيّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن حضر بوكيل عنه بالأربع جلسات الأُول ثم تخلف عن الحضور باقي جلسات المحاكمة إلى أن أصدرت المحكمة حكمها بجلسة .... ووصفته بأنه حضوري اعتباري ، وكانت المادة 239 من ذات القانون تنص على أنه " يعتبر الحكم حضورياً بالنسبة إلى كل من يحضر من الخصوم عند النداء على الدعوى ولو غادر الجلسة بعد ذلك أو تخلف عن الحضور في الجلسات التي تؤجل إليها الدعوى بدون أن يقدم عذراً مقبولاً " ، وكان مؤدى هذا النص أن الحكم الصادر بجلسة .... بالنسبة للطاعن هو ـــــ حقاً ـــــ حضوري اعتباري وهو بهذه المثابة يكون قابلاً للمعارضة إذا ما أثبت المحكوم عليه قيام عذر منعه من الحضور ولم يستطع تقديمه قبل الحكم ، وكان ميعاد المعارضة في هذا الحكم لا يبدأ إلا من تاريخ إعلان الطاعن به . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ـــ منتهياً في قضائه إلى صدوره في معارضة وليس استئنافاً فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت العقوبة المقررة لجريمة القذف في حق موظف عام بسبب أداء وظيفته طبقاً للفقرة الثانية من المادة 303 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 2006 والتي عُومِل الطاعن بها هي الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه ، وأوجبت المادة 307 من قانون العقوبات في حالة ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بطريق النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات رفع الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة الجريمة إلى ضعفيها ، مما لازمه ألا تقل عقوبة الغرامة عن ثلاثين ألف جنيه ، فإن الحكم المطعون فيه إذ نزل بعقوبة الغرامة إلى عشرة آلاف جنيه وهي لا تجوز أن تقل عن ثلاثين ألف جنيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ، إلا أنه لما كان الطاعن هو المحكوم عليه ولم تطعن النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعن بطعنه ، لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برُمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق