جلسة 23 من يونيه سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأحمد أمين حسان محمد ود. محمد عبد البديع عسران - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(182)
الطعن رقم 4198 لسنة 35 القضائية
(أ) عاملون بالقطاع العام - تأديب - ضمانات التأديب - التحقيق - تصحيح عيوب التحقيق.
العيب الذي يلحق إجراءات التحقيق يمكن تداركه بإبداء الدفاع أمام المحكمة التأديبية - أساس ذلك: - أن مرحلة المحاكمة تستكمل مراحل التحقيق السابقة ويواجه فيها المتهم بما نسب إليه - تطبيق.
(ب) مخالفات تأديبية - الامتناع عن تنفيذ أمر رئيس وجبت طاعته - الركن المادي - ما ينفيه.
يقوم الركن المادي للمخالفة التأديبية على إخلال العامل بواجباته الوظيفية وخروجه على مقتضياتها - مخالفة الامتناع عن تنفيذ أمر رئيس وجبت طاعته تنتفي المسئولية عنها بعذر المرض - لا وجه لاستظهار النوايا في محاولة لإثبات المخالفة والعقاب عليها - أساس ذلك: أنه من حسن السياسة العقابية في المجال التأديبي ألا يعاقب المحال على مجرد النوايا - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 2/ 8/ 1989 أودع الأستاذ/ محمود الطوخي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل ضد الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا في الدعوى رقم 43 لسنة 31 ق والذي يقضي بمجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه. ويطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من إدانته في التهمتين الثانية والثالثة وبراءته مما نسب إليه فيهما. وقد أعلنت صحيفة الطعن للهيئة المطعون ضدها بتاريخ 10/ 8/ 1989.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه للأسباب المبينة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً ثم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة التي قررت بجلسة 4/ 12/ 1991 إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 21/ 1/ 1992 ثم تدوول نظر الطعن بعد ذلك أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 18/ 2/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 21/ 4/ 1992 وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية، فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن النيابة الإدارية أودعت قلم كتاب المحكمة التأديبية بمستوى الإدارة العليا تقرير اتهام ضد الطاعن وذلك بتاريخ 6/ 2/ 1989 لأنه خلال الفترة من 7/ 8/ 1988 حتى 31/ 10/ 1988 بشركة مصر للاستوديوهات والإنتاج السينمائي خالف الأحكام المنظمة للأجازات ولم يحافظ على كرامة الوظيفة وسلك مسلكاً غير لائق ولم ينفذ الأوامر الصادرة إليه في حدود القوانين واللوائح والنظم المعمول بها بأن:
1 - انقطع عن العمل في الفترة من 20/ 8/ 1988 حتى 13/ 9/ 1988 دون مسوغ قانوني وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
2 - ضمن المذكرة المقدمة منه بتاريخ 3/ 8/ 1988 عبارات غير لائقة تمس رئيس مجلس الإدارة وكرامة الوظيفة.
3 - امتنع عن تنفيذ القرار رقم 98/ 59/ 88 بندبه رئيساً لقطاع الاستديوهات بالشركة مما عطل سير العمل فيها.
ويكون بذلك قد ارتكب المخالفات الإدارية المنصوص عليها بالمواد 6، 78/ 5، 8، 80/ 1 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 وقد طلبت النيابة الإدارية محاكمته طبقاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 56 في شأن سريان أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 على العاملين بالهيئات والمؤسسات العامة وبالمادة (14) من القانون رقم 117 لسنة 1958 وتعديلاته وبالمادتين 15 أولاً و19 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته.
وبجلسة 14/ 6/ 1989 قضت المحكمة بمجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه وشيدت قضاءها على أساس ما ثبت في حقه من تهم بعد أن برأته من التهمة الأولى وهي الانقطاع عن العمل في الفترة الواردة بتقرير الاتهام أما بالنسبة للتهمتين الثانية والثالثة فقد استعرضت المحكمة العبارات الواردة في مذكرة العامل المحال المقدمة لرئيس مجلس إدارة الشركة بتاريخ 3/ 8/ 1988 والتي تضمنتها عند اعتراضه على تعليمات رئيس الشركة فقد تعدى الحدود القانونية التي يقتضيها هذا الاعتراض وشملت عبارات التحدي والتطاول والتمرد على رئيس الشركة أوردتها المحكمة تفصيلاً في أسباب حكمها مما يشكل في حقه جريمة تأديبية.
كما تناولت المخالفة الثالثة المنسوبة للمحال وهي امتناعه عن تنفيذ قرار ندبه رقم 98/ 59/ 88 لوظيفة رئيس قطاع الاستديوهات بالشركة وأبانت المحكمة أن هذه المخالفة ثابتة من اعتراضه في محاضر التحقيق وأن المبررات التي ساقها لا تنهض سبيلاً لتبرئته أو درء المسئولية عنه إذ أن الندب من إطلاقات الشركة لصالح العمل وكان يتعين عليه تنفيذه ثم الطعن عليه بالطريق الذي رسمه القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ تجاوز دفاع الطاعن المقدم للمحكمة والمتضمن دفعه ببطلان إجراءات التحقيق التي أجرتها معه النيابة الإدارية لعدم مواجهته بالألفاظ التي تناولها تقرير الاتهام وهي ألفاظ في جملتها تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتوجيه نظر رئيسه إلى الأخطاء التي ارتكبها في حق رؤساء القطاعات وهم من ذات مستواه الوظيفي والتحرش بهم عن طريق سلب اختصاصهم الإداري مما يعود بالشركة إلى النظام المركزي وقد أحال رئيس الشركة جميع اتصالاته بهم إلى رئيس الشئون الإدارية مما يقلل من شأنهم ويحط من قدرهم وهي مسائل تؤثر على سير العمل وحسن الأداء.
وأنه أصيب في يوم 20/ 8/ 1988 بنوبة قلبية حادة نتيجة القرارات التي أصدرها رئيس الشركة استتبعت انقطاعه عن العمل بسبب المرض وظل في إجازة مرضية ويعامل على أساس أنه مريض بمرض مزمن حتى تاريخ إحالته إلى المعاش ومن ثم يكون المرض بمثابة عذر قهري حال دون تنفيذ قرار الندب وهذا لا دخل له فيه. وإذا كانت نيته التي أفصح عنها في تحقيقات النيابة هي عدم تنفيذ القرار لدم مناسبة الوظيفة لخبرته. فإن المسئولة التأديبية لا تقوم على أساس النية أو الأعمال التحضيرية وأما يجب أن يتوافر لدى العامل الركن المادي شأنها شأن الجريمة الجنائية. وإذ رتب الحكم المطعون فيه مسئوليته على هذه النية فإنه يكون قد خالف لقانون وخرج على المبادئ الأصولية في التأثيم.
وحيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن وهو الدفع ببطلان التحقيق لعدم مواجهة الطاعن بالألفاظ التي شملتها المخالفة الثانية واستهدافه صالح العمل فإنه لما كان العيب الذي يلحق بإجراءات التحقيق يمكن تداركه بإبداء الدفاع أمام المحكمة التأديبية إذ هي مرحلة تستكمل فيها مراحل التحقيق السابقة ويواجه فيها المتهم بما نسب إليه.
ومن حيث إن الثابت من المذكرة المقدمة من الطاعن في شهر يونيو 1989 أثناء تداول الدعوى أمام المحكمة التأديبية أنها تضمنت ذات الدفع والدفاع الوارد بتقرير الطعن وقد ردت المحكمة على هذا الدفاع بإيراد ذات الألفاظ التي وجهها لرئيس الشركة في المذكرة المقدمة منه بتاريخ 3/ 8/ 1988 على النحو الوارد تفصيلاً بأسباب الحكم المطعون فيه واستخلصت المحكمة التأديبية منها أن المحال تجاوز حدود الاعتراض على التعليمات المشار إليها بتطاوله على رئيسه مما يشكل في حقه جريمة تأديبية تستوجب مساءلته عنها ومن ثم فإن الدفع ببطلان التحقيق استناداً إلى الإخلال بحقه في الدفاع لا يستقيم.
ومن حيث إن الثابت في أسباب الحكم المطعون فيه أنه عني بتحديد الألفاظ المنسوبة للمحال واستخلص منها الذنب الإداري بما تضمنته من معان تستهدف التطاول على رئيس الشركة والتمرد عليه كالعبارات التي تصمه بالدكتاتورية وأنه يحمل معول الهدم والقمع وإثارة النفوس وهذه الألفاظ كافية في حمل الاتهام وثبوته في حق الطاعن الذي تجاوز حقه في التظلم من التصرف الإداري إلى توجيهه ألفاظ تتضمن اعتداء على رئيسه ومساساً به، مما يعد خروجاً من الطاعن على الحدود التي تنظم علاقة الرئيس المرءوس والتي أساسها احترام المرءوس للرئيس وألا يتخذ من الشكوى ذريعة للتعدي أو التطاول على رؤسائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد استخلص الذنب المنسوب للطاعن من أصول ثابتة بالأوراق فإنه يكون بمنأى عن التعقيب من المحكمة الإدارية العليا ويكون الطعن عليه في غير محله في هذا الشق.
وحيث إنه عن السبب الثاني للطعن وهو عدم توافر الركن المادي في جريمة الامتناع عن تنفيذ الأمر الصادر من رئيس الشركة بندب المحال على أساس أنه أصيب بمرض مفاجئ يوم 20/ 8/ 1988 توجه على أثره للعلاج وظل في إجازة مرضية حتى أحيل إلى المعاش. فإن الثابت من أسباب الحكم المطعون فيه أنه اعتد بالإجراءات التي سلكها المحال في شأن إثبات المرض ونفى عنه التهمة الأولى وهي الانقطاع عن العمل اعتبارا من 20/ 8/ 1988 لأنه كان مريضاً اعتباراً من هذا التاريخ، ومن ثم لا يسوغ الاتهام الثالث في شأنه بعد أن تبينت المحكمة أنه ممنوع من مزاولة أعمال الوظيفة لعذر قهري وإذا كان سند الحكم ما أورده المحال إلى التحقيق الإداري أن امتناعه عن تنفيذ قرار ندبه له ما يبرره من شروط شغل الوظيفة وتجاوز الرئيس لاختصاصاته وانحرافه بالقرار إلى غير صالح العمل إذ أن هذه المبررات هي مجرد نوايا لم تصادف الواقع المادي الذي يرتب القانون عليه ثبوت الجريمة التأديبية ومجازاة العامل عنها، وهو ذات النهج الذي تسير عليه المحكمة الإدارية العليا في تعريف الركن المادي للجريمة التأديبية وهو إخلال العامل بواجباته الوظيفية أو خروجه على مقتضياتها، ولأن من حسن سياسة العقاب أن لا يقطع على المحال سبيل مراجعة نفسه وإصلاح ذاته إذا تبين له الهدى والصواب وفي عدم العقاب على النوايا التزاماً بأركان الجريمة على وجهها الصحيح.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذه النتيجة بالنسبة لهذه المخالفة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن التهمة الثانية المسندة إلى الطاعن، وعلى ما سلف بيانه، قد ثبتت في شأن الطاعن وقد نال عنها بالحكم المطعون فيه أدنى الجزاءات الواردة في قانون العاملين بالقطاع العام لشاغلي الوظائف العليا وهي عقوبة التنبيه التي لا عقوبة قبلها فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون فيما انتهى إليه من قضاء بالعقوبة المناسبة للذنب الثابت في حق الطاعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق