جلسة 21 من يوليو سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ د. أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال ود. محمد عبد البديع عسران - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(204)
الطعن رقم 376 لسنة 34 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - استقالة ضمنية - إنذار - إعارة.
المادة (98) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
يشترط لإنهاء خدمة العامل للاستقالة الضمنية أن يكون القرار مسبوقاً بإنذار يوجه للعامل المنقطع وأن يتصل الإنذار بعلم من وجه إليه - القاعدة أن يوجه الإنذار إلى عنوان العامل الثابت لدى جهة عمله من واقع ملف خدمته - إذا تم الإنذار على هذا النحو فإنه يفترض علم العامل به - إذا ادعى خلاف ذلك فعليه إقامة الدليل - يستثنى من هذه القاعدة أنه في حالة الإعارة يتعين أن ترسل جهة الإدارة الإنذار على عنوان العامل في الدولة المعار إليها ما دام أن هذا العنوان ثابت لديها بصدور قرار الإعارة وبتجديدها - أساس هذا الاستثناء هو تحقيق الغاية من الإنذار - لا وجه للقول بأن جهة الإدارة ليست ملزمة بإنذار العامل في الخارج - تطبيق (1).
إجراءات الطعن
بتاريخ 6/ 1/ 1988 أودع الأستاذ/ مختار علي أحمد بصفته وكيلاً عن الطاعن بمقتضى التوكيل رقم 22 أ لسنة 1988 توثيق شمال القاهرة قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات ب) في الدعوى رقم 3263/ 37 ق والذي قضى بجلسة 24/ 6/ 1987 برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وقد انتهى تقرير الطعن للأسباب الواردة تفصيلاً إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجدداً بإلغاء القرارين محل الدعوى المطعون في حكمها مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 9/ 1/ 1988 وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بإلغاء القرار رقم 142/ 1982 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن للانقطاع مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها اعتبار مدة خدمته متصلة مع أحقيته في تسوية حالته طبقاً لقوانين التسويات الصادرة في هذه الفترة وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة (الدائرة الثانية) جلسة 28/ 5/ 1990 وبجلسة 30/ 7/ 1990 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص لنظره بجلسة 17/ 10/ 1990 حيث تدوول الطعن أمام هذه الدائرة إلى أن قررت بجلسة 2 من يناير سنة 1991 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 29/ 1/ 1991 وتدوول الطعن أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 14 من إبريل سنة 1992 حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 23/ 6/ 1992 ثم قررت مد أجل النطق به لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 24/ 6/ 1987 وأقيم هذا الطعن بتاريخ 6/ 1/ 1988 بعد أن رفض طلب الإعفاء المقام من الطاعن بتاريخ 12/ 7/ 1987 برقم 130/ 41 ق بجلسة 11/ 11/ 1987 ومن ثم يكون الطعن قد أقيم خلال الميعاد القانوني وإذ استوفى أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث الموضوع فإن وقائع الطعن تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 14/ 3/ 1983 أقام المدعي (الطاعن) الدعوى رقم 3263/ 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً في ختامها الحكم بإلغاء القرارين رقمي 34 في 4/ 6/ 1980، 142 في 1/ 9/ 1982 مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها تسوية حالته باعتباره مدة خدمته متصلة وتطبيق القوانين التي صدرت لصالح العاملين بدءاً بالقانون رقم 11 لسنة 1975 والقانون رقم 135 لسنة 1980 بتعديل القانون رقم 83 لسنة 1973 وذلك تأسيساً على أنه حاصل على بكالوريوس علوم وتربية عام 1970 والتحق بوظيفة مدرس رياضيات وفي 6/ 9/ 1976 صدر قرار بإعارته إلى ليبيا لمدة أربع سنوات تنتهي في 31/ 8/ 1980 وكانت تجدد سنوياً، وبتاريخ 4/ 6/ 1980 أصدرت إدارة غرب القاهرة القرار رقم 34 برفع اسمه من الخدمة رغم أن حالة الضرورة هي التي منعته من العودة إلى الوطن بسبب العلاقات بين البلدين، ولما عاد علم بصدور قرار إنهاء خدمته فتقدم في 23/ 6/ 1982 لتسلم عمله فأصدرت الإذن بقرار رقم 142 في 1/ 9/ 1982 بإنهاء خدمته اعتباراً من 1/ 9/ 1980 بالانقطاع عن العمل، وبتاريخ 14/ 12/ 1982 صدر القرار رقم 114 بإعادة تعيينه في وظيفته السابقة وبذات مرتبه بالدرجة الثالثة اعتباراً من 15/ 9/ 1982 وتسلم العمل في 3/ 10/ 1982 وبتاريخ 19/ 1/ 1983 تظلم من قرار الفصل بدون جدوى فأقام هذه الدعوى لإلغاء قرار فصله لمخالفته لحكم المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 نظراً لعدم سبق إنذاره على عنوانه بليبيا قبل الفصل، الأمر الذي يجعل مدة خدمته متصلة ويتعين تطبيق جميع القوانين التي صدرت خلال تلك الفترة على حالته وخلص إلى طلب الحكم له بطلباته سالفة الذكر.
ومن حيث إنه بجلسة 24/ 6/ 1987 صدر الحكم المطعون فيه برفض الدعوى وأقام قضاءه - بعد أن استعرض أحكام المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 - على أن الثابت من الأوراق أن المدعي (الطاعن) أعير إلى ليبيا من 6/ 9/ 1976 حتى 31/ 8/ 1980 ولم يعد لعمله بعد انتهاء مدة الإعارة وقامت جهة الإدارة بإنذاره على عنوانه بمصر في 29/ 1/ 1981 ثم أرسلت له إنذاراً ثانياً في 14/ 2/ 1981 على عنوانه بمصر والموجود بملف خدمته ولدى تقدمه لعمل أصدرت القرار المطعون فيه بإنهاء خدمته للانقطاع وبالتالي فإن جهة الإدارة تكون قد التزمت بحكم القانون عندما أعمل في شأن المدعي قرينة الاستقالة الضمنية إذ أنها ليست ملزمة بإنذاره على عنوانه بليبيا حيث إن مدة إعارته قد انتهت فلا يحق له التذرع بضرورة إنذاره بليبيا لأنه بانتهاء إعارته يعود إلى الحالة التي كان عليها عند رابطة التوظف، فضلاً عن أنه لم يثبت أن دولة ليبيا حالت دون عودته بل أن له زملاء عادوا في الميعاد على نحو ما أوردته جهة الإدارة.
ومن حيث إن مبنى الطعن في الحكم المطعون فيه هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن المدعي (الطاعن) أقام دعواه بطلب إلغاء القرارين رقمي 34 بتاريخ 4/ 6/ 1980، 142 بتاريخ 1/ 9/ 1982 إلا أن المحكمة قصرت حكمها على القرار الثاني فقط ولم تشر إلى القرار الأول، كما أن الحكم المطعون فيه أعمل قرينة الاستقالة الحكمية رغم وجود القوة القاهرة التي منعته من العودة إلى أرض الوطن، بالإضافة إلى أن الجهة الإدارية قامت بإنذاره على عنوانه بمصر في الوقت الذي كان محجوزاً فيه في ليبيا وبذلك فإنها تكون قد فوتت الحكمة التي ابتغاها المشرع من الإنذار وبالتالي فإن القرار الصادر بإنهاء الخدمة يكون مخالفاً للقانون حيث لم ينتج الإنذار أثره لعدم اتصاله بعلمه مما يتعين معه الحكم بإلغائه والحكم بإلغاء القرارين المطعون فيهما وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن والخاص بأن الحكم المطعون فيه لم يتعرض لطلب المدعي إلغاء القرار الأول رقم 34 لسنة 1980 بإنهاء خدمة المدعي فإن ذلك مردود عليه بأن الثابت من ملف خدمته أن الجهة الإدارية أصدرت في بادئ الأمر القرار رقم 84 لسنة 1979 متضمناً إيقاف المدعي عن العمل اعتباراً من 15/ 11/ 1979 تنفيذاً لأحكام القانون رقم 505 لسنة 1955 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية لانتهاء مدة الشهادة المؤقتة بموقفه من التجنيد، ثم أصدرت القرار رقم 34 بتاريخ 4/ 6/ 1980 والذي نص في البند أولاًً منه على عدم بقاء المدعي بالخدمة اعتباراً من العام الدراسي 76/ 1977 تنفيذاً لأحكام القانون سالفة الذكر، غير أنه بعد أن ثبت لجهة الإدارة أن المدعي قد حدد موقفه من التجنيد نهائياً وأنه قد انقطع عن العمل بعد انتهاء مدة الإعارة إلى ليبيا في 31/ 8/ 1980 قامت بإنذاره للعودة إلى العمل ثم أصدرت القرار رقم 142 لسنة 1982 متضمناً رفع اسم المدعي من الخدمة اعتباراً من 1/ 9/ 1980 للانقطاع عن العمل، ويبدو واضحاً من مسلك جهة الإدارة على ذلك النحو أنها قد عدلت عن قرارها الأول رقم 34 لسنة 1980 بإنهاء خدمة المدعي بسبب موقفه من الخدمة العسكرية وبالتالي فإن حقيقة طلباته تنصب على طلب إلغاء قرار إنهاء الخدمة رقم 142 لسنة 1982 دون ما سبقه من قرارات تم العدول عنها وخاصة أن القرار الأخير هو الذي أنشأ المركز القانوني الذي يتضرر منه المدعي، ومن ثم فإنه لا محل لهذا الوجه من الطعن.
ومن حيث إنه عن باقي أسباب الطعن فإن المادة 98 من القانون رقم 47/ 1978 نظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أن: (يعتبر العامل مقدماً استقالته في الحالات الآتية:
1) إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول..... فإذا لم يقدم أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
2) .......................
وفي الحالتين السابقتين يتعين إنذار العامل كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام في الحالة الأولى وعشرة أيام في الحالة الثانية.
ولا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي للانقطاع عن العمل..........).
ومن حيث إنه، ولئن كان المشرع في تلك المادة قد أوجب لصحة قرار إنهاء الخدمة للاستقالة الضمنية - الانقطاع - أن يكون مسبوقاً بإنذار يوجه للعامل المنقطع، فحتى ينتج هذا الإجراء أثره يجب أن يتصل الإنذار بعلم من وجه إليه، والقاعدة في هذا الشأن أن يوجه الإنذار إلى عنوان العامل الثابت لدى جهة عمله من واقع ملف خدمته فإذا ما تم الإنذار كذلك فإنه يفترض أن العامل قد علم به، وإذا ما ادعى خلاف ذلك فعليه أن يقيم الدليل على عكسه.
وحيث إنه وإن كان هذا هو الأصل إلا أنه يرد عليه استثناء توجبه الغاية التي من أجلها شرع الإنذار، وهو أنه في حالة الإعارة يتعين أن ترسل جهة الإدارة الإنذار على عنوان العامل في الدولة المعار إليها ما دام أن هذا العنوان ثابت لديها عندما أصدرت قرارها بإعارته وكذلك قرارها بتجديد هذه الإعارة لمدة أربعة أعوام متتالية وهو التزام لا تعفى منه جهة الإدارة إلا حين يكون عنوان العامل المنقطع في الخارج لجهة لا تعلمها وهو ما لا يتأتى في حالة الإعارات الرسمية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن كان معاراً لليبيا لمدة أربع سنوات تجدد سنوياً من 6/ 9/ 1976 إلى 31/ 8/ 1980، وأن جهة الإدارة قامت بإنذاره على عنوانه بمصر وهي تعلم يقينياً عنوانه بليبيا وبوجوده فيها، ومن ثم فإن هذا الإنذار لا ينتج أثره القانوني لتخلف الحكمة التي من أجلها شرع الإنذار، ومن ثم يكون القرار الصادر بإنهاء الخدمة في هذه الحالة مخالفاً لصحيح حكم القانون، ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن جهة الإدارة ليست ملزمة بإنذار العامل على عنوانه بالخارج بعد انتهاء إعارته فإن ذلك مردود عليه بأن إنذار الإدارة للعامل على عنوانه بمصر وهي تعلم بوجوده في الخارج هو إنذار لا يؤتي ثماره ولا يحقق أثره الذي ابتغاه القانون ولا يؤدي - بحسب الأصل - إلى اتصال علم العامل بفحوى الإنذار ومؤداه، ومن هنا كان لزاماً أن يتم الإنذار على عنوان العامل بالخارج، ولو على عمله الذي أعير إليه بموافقة جهة الإدارة وبقرار منها، حتى يتوفر المناط الذي استهدفه المشرع من اشتراطه للإنذار قبل إنهاء الخدمة.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، فإن قرار إنهاء خدمة الطاعن يقع مخالفاً للقانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه وما يترتب على هذا الإلغاء من آثار، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير هذا المذهب وقضى بخلافه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون واجب الإلغاء مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار إنهاء خدمة الطاعن رقم 142 الصادر في 1/ 9/ 1982 وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.
[(1)] راجع الحكم الصادر بذات الجلسة في الطعن رقم 293 لسنة 33 ق والذي قضى فيه بأن إغفال الإنذار يؤدي لبطلان قرار إنهاء الخدمة وليس انعدامه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق