جلسة 2/3/2023
برئاسة السيد المستشار/ مبارك العوض ـ رئيس الدائرة وعضوية السادة المستشارين/ خالد صالح، طارق بهنساوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الطعن رقم 152 لسنة 2023 جزائي)
(1) إثبات "بوجه عام". حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه تسبيب غير معيب".
- بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة. لا قصور.
- عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) مسؤولية جزائية. قصد جنائي. مواد مخدرة.
- المسؤولية في حالتي حيازة أو إحراز المواد المخدرة. مناطها؟
- تقصي العلم بحقيقة المواد المخدرة. موضوعي. مثال.
(3) إجراءات "إجراءات التحقيق". محكمة أول درجة. محكمة الاستئناف.
- محكمة الاستئناف. لا تجري في الأصل تحقيقاً. إلا إذا رأت حاجة لذلك. أو ما فات على محكمة أول درجة تحقيقه. مثال.
(4) إثبات "بوجه عام" "قرائن". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. مادام سائغاً.
- عدم التزام محكمة الموضوع بالأخذ بالأدلة المباشرة. لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية.
- العبرة في المحاكمات الجزائية. باقتناع القاضي. مطالبته بالأخذ بدليل معين. غير جائز. متى لم يقيده الشرع أو القانون بذلك. له الأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه.
- تساند الأدلة في المواد الجزائية. مؤداه؟
- الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
(5) ارتباط. عقوبة "عقوبة الجريمة الأشد". محكمة النقض "سلطتها". نظام عام. نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
- المادة 246/ 2 من قانون الإجراءات الجزائية. مفادها؟
- إعمال الحكم المطعون فيه قواعد الارتباط بين الجرائم وتوقيعه عقوبة الجريمة الأشد على المحكوم عليه بالإضافة لعقوبة الغرامة. خطأ في تطبيق القانون. وجوب نقضه وإلغاء الغرامة.
- مثال.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه - المؤيد والمكمل للحكم المستأنف - والمعدل لعقوبته قد بين واقعة الدعوى بما تتوفر فيه كافة العناصر القانونية للجرائم التي دانه بها وساق على صحة إسنادها إليها وثبوتها في حقه أدلة استمدها من تقرير الضبط والاستدلالات وما ثبت من تقرير الضبط والتفتيش وبما ثبت بتقرير الأدلة الجنائية بشأن فحص المضبوطات، وحصل الحكم مضمونها ومؤداها على نحو كاف وواف، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون، هذا إلى أن البين من مدونات الحكم أنه استعرض أدلة الدعوى على نحو يفيد أن المحكمة محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ومن ثم فإن ما يرمي الطاعنان به الحكم من قصور يكون لا محل له.
2- من المقرر أن مناط المسؤولية في حالتي إحراز المواد المخدرة أو حيازتها هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة، وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة بحيازة المخدر حيازة مادية طالت الفترة أم قصرت، وأن تقصي العلم بحقيقة المواد المخدرة هو من شأن قضاء الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه استظهر ذلك بقوله "وكانت المضبوطات التي ثبت احتوائها على مخدر القنب الهندي ضبطت داخل مركبة المستأنف داخل حقيبة على الكرسي مساعد السائق وهي على تلك الحالة تكون ظاهرة له عالماً بوجودها وقد أقر أنه بمفرده الذي يستعملها دون غيره وكانت تلك المركبة على ذلك النحو خاضعة لسلطانه ولا يمكن للغير الدلوف إليها أو وضع شيء بها دون علمه وإرادته مما يقنع المحكمة ثبوت اتصال المستأنف بتلك المواد المضبوطات اتصالاً مباشراً به" وهو من الحكم بيان كاف لإثبات القصد الجنائي ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير قويم.
3- لما كان الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن بطلب سماع شهادة رجلي الضبط وأطرحه بقوله "وأما بشأن طلب الدفاع سماع الشاهدين المساعد .... والرقيب .... لما كان من المقرر قضاء أن لمحكمة الموضوع رفض طلب سماع شاهد متى رأت أن الغرض منه هو مجرد تعطيل الفصل في الدعوى وأنها غير ملزمة بإجراء تحقيق لا تراه ضروريًا لقضائه، فضلاً عما هو مقرر بنص المادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية من أن للمحكمة أن تمتنع عن سماع شهادة شهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحًا كافيًا. وكانت صورة الواقعة قد وضحت لدى محكمة أول درجة وكذا هذه المحكمة وضوحاً كافياً بما تضمنه تقرير الضبط الذي حرراه الشاهدان سالفي الذكر ومن ثم حق لها أن تمتنع عنه" وهو من الحكم رداً سائغاً لإطراح دفاعه في هذا الصدد هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يطلب أمام محكمة أول درجة سماع شهادتها وكانت محكمة الاستئناف لا تجري في الأصل تحقيقاً وإنما تقضي بموجب الثابت في الأوراق إلا إذا رأت هي حاجة لذلك أو ما فات على محكمة أول درجة تحقيقه ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
4- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليهما اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي يقيده الشرع أو القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينه أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن حول تصور المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأدلة الثبوت أو محاولة تجريحها بمقولة خلو الأوراق من ثمة دليل على ارتكابها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها واستخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها وهو ما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.
5- من المقرر بالمادة (246/2) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي والتي نصت على أنه "ومع ذلك فللمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت بالأوراق أن الحكم المطعون فيه مشوب بعيب يتعلق بالنظام العام أو مبني على مخالفة القانون أو على الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقًا للقانون أو لم تكن لها ولاية الفصل في الدعوى أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون أصلح للمتهم يسري على واقعة الدعوى" وكان الحكم المطعون فيه قد أعمل قواعد الارتباط بين التهمة الأولى والثانية والرابعة وأوقع على المحكوم عليه عقوبة الحبس لمدة سنة بالإضافة إلى الغرامة وقدرها (300,000) درهم، وكانت المادة (297/1) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم و العقوبات - وهي العقوبة الأشد لتلك الجرائم لما تتضمنه من حد أدنى في العقوبة المقيدة للحرية - نصت على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام أو مكلف بخدمة عامة بنية حمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على الامتناع عنه ولم يبلغ بذلك مقصده، فإذا بلغ مقصده تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة". ومن ثم فإن توقيع عقوبة الغرامة على المحكوم عليه يكون مخالفاً للقانون مما يستوجب نقضه وتصحيحه في هذا الخصوص بإلغاء عقوبة الغرامة المحكوم بها على الطاعن ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــــة
حيث إن الوقائع تتحصل بأن النيابة العامة أسندت للطاعن: - لأنه بتاريخ 5/11/2022 بدائرة العين 1- استعمل القوة مع موظف عام بنية حملة على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته بأن قام بصدم مركبة الشرطة لمنع أفراد الشرطة مستقليها من ضبطه ولم يبلغ من ذلك مقصده بأن تم ضبطه وذلك على النحو المبين بالأوراق. 2- ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة أفراد الضبط للخطر بأن قام بصدم دورية الشرطة رقم .... الموصوفة بالمحضر، وذلك النحو المبين بالتحقيقات. 3- ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة الناس للخطر بأن قاد المركبة الموصوفة بالمحضر بتهور وبصورة تشكل خطراً على مستعملي الطريق بأن قام بالقيادة بسرعة عالية في شارع مكتظ بمرتاديه على النحو المبين بالتحقيقات. 4- أتلف عمداً المركبة المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوك للمجني عليها القيادة العامة لشرطة أبو ظبي بأن جعلها غير صالحة للاستعمال وذلك على النحو المبين بالأوراق. 5- حاز مادة مخدرة (القنب الهندي) وزنها أقل من 20 جرام "7.69 جرام" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. 6- لم يلتزم بعلامات السير والمرور وقواعده وآدابه الموضوعة لتنظيم حركته بأن قام بالتجاوز من ناحية كتف الطريق على النحو المبين بالتحقيقات. 7- لم يلتزم بعلامات السير والمرور وقواعده وآدابه الموضوعة لتنظيم حركته بأن انحرف بصورة مفاجئة بالمركبة المبينة بالمحضر على النحو المبين بالتحقيقات. 8- رفض إطاعة الأمر الصادر إليه من موظفين عموميين (رجال ضبطية قضائية) يخولهم مثل ذلك الأمر وكان ذلك دون عذر مقبول بأن هرب لدى محاولة استيقافه وضبطه على النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت معاقبته بالمواد 83/1-2، 297/1، 399 / 1، 464/1 من قانون الجرائم والعقوبات الصادر بمرسوم بقانون اتحادي رقم 31 لسنة 2021 ، والمواد 1/2، 10/1، 42/1، 57 /1، 70/1 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 3 لسنة 2021 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والبند رقم 29 من الجدول الأول و والبند أ الفقرة الثانية من المجوعة 1 من الجدول العاشر من القرار الملحق بالمرسوم بقانون سالف الذكر، والمواد 1، 2، 4، 57/1، 58/1 من القانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995م في شأن السير والمرور والمعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2007 والمادتين 1، 59/1 من اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر، والمواد 1، 2/ ب ، 45/1 من قانون العقوبات المحلي لإمارة أبوظبي لسنة 1970. وحيث إن الدعوى تداول نظرها على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 24/11/2022 قضت محكمة جنح العين حضورياً: - أولاً: بمعاقبة المتهم بالحبس ثلاث سنوات وبالغرامة وقدرها (300,000) درهم عن الاتهامات الأولى والثانية والرابعة المنسوبة إليه للارتباط. ثانياً: معاقبة المتهم بالحبس ثلاث سنوات وبالغرامة وقدرها (300,000 درهم) عن الاتهام الثالث قيادة المركبة بتهور وبصورة تشكل خطراً على مستعملي الطريق المنسوبة إليه. ثالثاً: معاقبة المتهم بالحبس ستة أشهر وبالغرامة وقدرها (300,000 درهم) عن تهمة رفض إطاعة الأمر المنسوبة إليه. رابعاً: معاقبة المتهم بالحبس سنتين عن تهمة حيازة المادة المخدرة المنسوبة إليه. خامساً: معاقبة المتهم بالحبس شهر عن تهمة التجاوز من كتف الطريق المنسوبة إليه. سادساً: معاقبة المتهم بالحبس شهر عن تهمة الانحراف بصورة مفاجئة المنسوبة إليه. سابعاً: مصادرة المركبة رقم .... المستخدمة في الواقعة والمضبوطات وإلزامه بالرسم المستحق.
فأستأنف المحكوم عليه هذا الحكم وبجلسة 26/1/2023 قضت محكمة استئناف العين حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف بالنزول بعقوبة الحبس المقضي بها على المستأنف عن التهم الأولى والثانية والرابعة للارتباط إلى الحبس لمدة سنة وعن التهمة الثانية (القيادة بتهور) إلى الحبس لمدة سنة وكذا عن التهمة الخامسة (حيازة المخدر) إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك وإلزام المستأنف بأداء الرسم المستحق قانوناً.
وبتاريخ 16/2/2023 قرر المحامي/ .... الطعن بالنقض على هذا الحكم بصفته وكيل عن الطاعن بموجب توكيل مرفق يبيح له ذلك وأودعت نيابة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى نقض الحكم المطعون نقضاً جزئياً وتصحيحه ورفضه فيما عدا ذلك.
ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه دانه عن التهم المسندة إليه دون أن يبين الواقعة وظروفها وأدلتها في بيان واف يتحقق به الغرض من تسبيب الأحكام، ولم يرد بسائغ على دفاعه بانتفاء القصد الجنائي لديه، وأن المخدر المضبوط ليس تحت سيطرته الفعلية، وأخل بحقه في الدفاع بأن لم يستجب لطلبه بسماع شهادة مأموري الضبط القضائي وهما المساعد/ ....، والرقيب / .... لإثبات عدم صحة الواقعة، وأعرض عن نفيه للتهمة وانتفاء أركانها وعدم معقوليتها، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه - المؤيد والمكمل للحكم المستأنف - والمعدل لعقوبته قد بين واقعة الدعوى بما تتوفر فيه كافة العناصر القانونية للجرائم التي دانه بها وساق على صحة إسنادها إليها وثبوتها في حقه أدلة استمدها من تقرير الضبط والاستدلالات وما ثبت من تقرير الضبط والتفتيش وبما ثبت بتقرير الأدلة الجنائية بشأن فحص المضبوطات، وحصل الحكم مضمونها ومؤداها على نحو كاف وواف، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون، هذا إلى أن البين من مدونات الحكم أنه استعرض أدلة الدعوى على نحو يفيد أن المحكمة محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ومن ثم فإن ما يرمي الطاعنان به الحكم من قصور يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط المسؤولية في حالتي إحراز المواد المخدرة أو حيازتها هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة، وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة بحيازة المخدر حيازة مادية طالت الفترة أم قصرت، وأن تقصي العلم بحقيقة المواد المخدرة هو من شأن قضاء الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه استظهر ذلك بقوله "وكانت المضبوطات التي ثبت احتوائها على مخدر القنب الهندي ضبطت داخل مركبة المستأنف داخل حقيبة على الكرسي مساعد السائق وهي على تلك الحالة تكون ظاهرة له عالماً بوجودها وقد أقر أنه بمفرده الذي يستعملها دون غيره وكانت تلك المركبة على ذلك النحو خاضعة لسلطانه ولا يمكن للغير الدلوف إليها أو وضع شيء بها دون علمه وإرادته مما يقنع المحكمة ثبوت اتصال المستأنف بتلك المواد المضبوطات اتصالاً مباشراً به" وهو من الحكم بيان كاف لإثبات القصد الجنائي ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن بطلب سماع شهادة رجلي الضبط وأطرحه بقوله "وأما بشأن طلب الدفاع سماع الشاهدين المساعد .... والرقيب .... لما كان من المقرر قضاء أن لمحكمة الموضوع رفض طلب سماع شاهد متى رأت أن الغرض منه هو مجرد تعطيل الفصل في الدعوى وأنها غير ملزمة بإجراء تحقيق لا تراه ضروريًا لقضائه، فضلاً عما هو مقرر بنص المادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية من أن للمحكمة أن تمتنع عن سماع شهادة شهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحًا كافيًا. وكانت صورة الواقعة قد وضحت لدى محكمة أول درجة وكذا هذه المحكمة وضوحاً كافياً بما تضمنه تقرير الضبط الذي حرراه الشاهدان سالفي الذكر ومن ثم حق لها أن تمتنع عنه" وهو من الحكم رداً سائغاً لإطراح دفاعه في هذا الصدد هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يطلب أمام محكمة أول درجة سماع شهادتها وكانت محكمة الاستئناف لا تجري في الأصل تحقيقاً وإنما تقضي بموجب الثابت في الأوراق إلا إذا رأت هي حاجة لذلك أو ما فات على محكمة أول درجة تحقيقه ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليهما اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي يقيده الشرع أو القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينه أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن حول تصور المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأدلة الثبوت أو محاولة تجريحها بمقولة خلو الأوراق من ثمة دليل على ارتكابها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها واستخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها وهو ما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر بالمادة (246/2) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي والتي نصت على أنه "ومع ذلك فللمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت بالأوراق أن الحكم المطعون فيه مشوب بعيب يتعلق بالنظام العام أو مبني على مخالفة القانون أو على الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقًا للقانون أو لم تكن لها ولاية الفصل في الدعوى أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون أصلح للمتهم يسري على واقعة الدعوى" وكان الحكم المطعون فيه قد أعمل قواعد الارتباط بين التهمة الأولى والثانية والرابعة وأوقع على المحكوم عليه عقوبة الحبس لمدة سنة بالإضافة إلى الغرامة وقدرها (300,000) درهم، وكانت المادة (297/1) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم و العقوبات - وهي العقوبة الأشد لتلك الجرائم لما تتضمنه من حد أدنى في العقوبة المقيدة للحرية - نصت على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام أو مكلف بخدمة عامة بنية حمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على الامتناع عنه ولم يبلغ بذلك مقصده، فإذا بلغ مقصده تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة". ومن ثم فإن توقيع عقوبة الغرامة على المحكوم عليه يكون مخالفاً للقانون مما يستوجب نقضه وتصحيحه في هذا الخصوص بإلغاء عقوبة الغرامة المحكوم بها على الطاعن ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق