جلسة 5 من فبراير سنة 2018
برئاسة السيـد القاضي/ يحيى جلال نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ عبد الصبور خلف الله، مجدي مصطفى، على جبريل وياسر العكازي نواب رئيس المحكمة.
----------------
(23)
الطعن رقم 7612 لسنة 80 القضائية
(1) مسئولية " المسئولية التقصيرية : عناصر المسئولية : الخطأ " .
الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية . ماهيته . الإخلال بواجب قانوني . اشتمال الواجبات القانونية على التي تستمد إلزامها من المبادئ العامة في القانون بغير حاجة لنص خاص يقرره وعدم اقتصارها على ما تفرضه النصوص التشريعية . الإخلال بها . خطأ يستوجب المسئولية عن الضرر الناجم عنه . م 163 مدني .
(2) مسئولية " المسئولية التقصيرية : من صورها : مسئولية الدولة عن إزالة الألغام " .
التزام الدولة بواسطة القوات المسلحة بإزالة وتطهير الأراضي التي كانت مسرحًا للعمليات العسكرية من الألغام والمخلفات الخطرة قبل تسليمها لملاكها . علة ذلك . صيانة الأرواح والأموال من واجبات الدولة . وجوب اتخاذها كافة الوسائل والاحتياطات لوقاية الأفراد من مخاطر الألغام ومخلفات الحرب . تقصيرها أو تهاونها في ذلك . خطأ يستوجب المسئولية عن الأضرار الناجمة عنه مسئولية مدنية مصدرها المبادئ العامة في القانون بغير حاجة لنص خاص يقرره .
(3) تعويض " دعوى التعويض : تكييف الدعوى : التزام محكمة الموضوع بتقصي الحكم القانوني المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض " . مسئولية " المسئولية التقصيرية : من صورها : مسئولية الدولة عن إزالة الألغام " .
محكمة الموضوع . التزامها بتقصي الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض . عدم تقيدها بطبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور أو النص القانوني الذي اعتمد عليه . لا يُعدُّ ذلك منها تغييرًا لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها . طلب الطاعنين التعويض عن وفاة مورثهما نتيجة انفجار لغم بأرض كانت مسرحاً للعمليات العسكرية استناداً لأحكام المسئولية الشيئية . مؤداه . مسئولية المطعون ضده وزير الدفاع عن الأضرار الناجمة عن تقصيره في إزالة الألغام بها. قضاء الحكم المطعون فيه برفض الدعوى دون إعمال قواعد المسؤولية التقصيرية واجبة التطبيق . مخالفة للقانون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- إنَّ الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية المنصوص عليها في المادة 163 من التقنين المدني هو الإخلال بواجب قانوني، ولا تقتصر الواجبات القانونية على ما تفرضه النصوص التشريعية بل تشمل كل الواجبات القانونية التي ولئن لم ترد في نص قانوني إلا أنها تستمد إلزامها من المبادئ العامة في القانون بغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك.
2- إنَّ الإخلال بتلك الواجبات " الواجبات القانونية " يعدُّ خطأ يستوجب المسئولية عن الضرر الناجم عنه وكانت الدولة بواسطة قواتها المسلحة مسئولة عن إزالة الألغام من الأراضي التي كانت مسرحًا للعمليات العسكرية أثناء الحرب من الألغام والمخلفات الخطرة وتطهيرها قبل تسليم هذه الأراضي لملاكها، ذلك أن القوات المسلحة وحدها هي التي تملك الأدوات والمعدات اللازمة للقيام بهذه المهمة ومحظور على غيرها من الأفراد والهيئات الخاصة القيام بها أو امتلاك المعدات اللازمة لذلك، وباعتبار أن صيانة الأرواح والأموال من أخص واجبات الدولة بما يوجب عليها أن تبادر إلى اتخاذ كافة الوسائل والاحتياطات التي تكفل وقاية الأفراد من مخاطر الألغام وغيرها من مخلفات الحرب الخطرة فإن تقصيرها أو تهاونها في أداء هذا الواجب يعدُّ خطأ يستوجب مسئوليتها عن الأضرار الناجمة عنه مسئولية مدنية مصدرها المبادئ العامة في القانون بغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك.
3- إذ كان الواقع الثابت في الدعوى – دون خُلفٍ بين الخصوم – أن الأرض التي انفجر فيها اللغم وأدى إلى وفاة مورث الطاعنين كانت مسرحًا للعمليات العسكرية إبان الحرب فإن تقصير المطعون ضده في القيام بالتزامه بتطهيرها من الألغام والتحقق من خلوها من مخلفات الحرب الخطرة قبل تسليمها لمالكها يعتبر خطأ يرتب مسئوليته عن الأضرار الناجمة عنه، ولا يغير من ذلك أن يكون الطاعنان قد تساندا في طلب التعويض أمام محكمة الموضوع إلى أحكام المسئولية الشيئية ذلك أنه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أحدثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه، أو النص القانوني الذي اعتمد عليه في ذلك لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعد ذلك منها تغييرًا لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها، وإذ كان الحكم المطعون فيه أخطأ وطبق أحكام المسئولية الشيئية دون أحكام المسئولية التقصيرية الواجبة التطبيق، فإنه يكون معيبًا بمخالفة القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيثُ إنَّ الطعن استوفى أوضاعه الشكليَّة.
وحيثُ إنَّ الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنينِ أقاما على المطعون ضده الدعوى رقم ... لسنة 2008 شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأداء مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا وموروثًا، على سندٍ من: أنه بتاريخ 6/12/2007 وحال قيام مورثهما بالحرث في أرض زراعية بمنطقة القنطرة شرق انفجر فيه لغم من مخلفات الحرب مما أدى إلى وفاته، وحرر عن هذه الواقعة المحضر رقم ... لسنة 2007 إداري القنطرة وإذ أصيبا بأضرار فقد أقاما الدعوى. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت لشاهديهما حكمت بتاريخ 28/3/2009 بالتعويض الذى قدرته. استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم ... لسنة 13 ق، كما استأنفه المطعون ضده أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم ... لسنة 13 ق، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 24/2/2010 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعنُ على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيثُ إنَّ حاصل ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ أقام قضاءه بنفي مسئولية المطعون ضده على أن الحراسة على الأرض التي انفجر فيها اللغم وأدى إلى وفاة مورثهما معقودة لمالكها في حين أن المطعون ضده هو المكلف بإزالة وتطهير الأراضي التي كانت مسرحًا للعمليات العسكرية من الألغام والمخلفات الخطرة قبل تسليمها لملاكها فيكون مسئولًا عن الأضرار الناتجة عن تقصيره في القيام بهذا الواجب، مما يعيب الحكم، ويستوجب نقضه.
وحيثُ إنَّ هذا النعي سديدٌ، ذلك بأنه لمَّا كان الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية المنصوص عليها في المادة 163 من التقنين المدني هو الإخلال بواجب قانوني، ولا تقتصر الواجبات القانونية على ما تفرضه النصوص التشريعية بل تشمل كل الواجبات القانونية التي ولئن لم ترد في نص قانوني إلَّا أنها تستمد إلزامها من المبادئ العامة في القانون بغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك، والإخلال بتلك الواجبات يعدُّ خطأ يستوجب المسئولية عن الضرر الناجم عنه وكانت الدولة بواسطة قواتها المسلحة مسئولة عن إزالة الألغام من الأراضي التي كانت مسرحًا للعمليات العسكرية أثناء الحرب من الألغام والمخلفات الخطرة وتطهيرها قبل تسليم هذه الأراضي لملاكها، ذلك أن القوات المسلحة وحدها هي التي تملك الأدوات والمعدات اللازمة للقيام بهذه المهمة ومحظورٌ على غيرها من الأفراد والهيئات الخاصة القيام بها أو امتلاك المعدات اللازمة لذلك، وباعتبار أن صيانة الأرواح والأموال من أخص واجبات الدولة بما يوجب عليها أن تبادر إلى اتخاذ كافة الوسائل والاحتياطات التي تكفل وقاية الأفراد من مخاطر الألغام وغيرها من مخلفات الحرب الخطرة فإن تقصيرها أو تهاونها في أداء هذا الواجب يعدُّ خطأ يستوجب مسئوليتها عن الأضرار الناجمة عنه مسئولية مدنية مصدرها المبادئ العامة في القانون بغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك. لمَّا كان ذلك، وكان الواقع الثابت في الدعوى – دون خُلفٍ بين الخصوم – أن الأرض التي انفجر فيها اللغم وأدى إلى وفاة مورث الطاعنينِ كانت مسرحًا للعمليات العسكرية إبان الحرب فإن تقصير المطعون ضده في القيام بالتزامه بتطهيرها من الألغام والتحقق من خلوها من مخلفات الحرب الخطرة قبل تسليمها لمالكها يعتبر خطأ يرتب مسئوليته عن الأضرار الناجمة عنه، ولا يغير من ذلك أن يكون الطاعنان قد تساندا في طلب التعويض أمام محكمة الموضوع إلى أحكام المسئولية الشيئية ذلك أنه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عما أصابه من ضرر قِبَلَ من أحدثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه، أو النص القانوني الذي اعتمد عليه في ذلك لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعدُّ ذلك منها تغييرًا لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها، وإذ كان الحكم المطعون فيه أخطأ وطبق أحكام المسئولية الشيئية دون أحكام المسئولية التقصيرية الواجبة التطبيق، فإنه يكون معيبًا بمخالفة القانون، بما يوجب نقضه.
وحيثُ إنَّ الموضوع صالحٌ للفصل فيه، وكان الحكم المستأنف قد انتهى إلى مسئولية المطعون ضده بصفته عن الحادث وحكم للطاعنين بالتعويض وكان ما قضى به مناسبًا وكافيًا لجبر الأضرار التي حاقت بهم ومن ثم يتعين تأييده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق