جلسة 23 من إبريل سنة 2000
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: محمد عبد البديع عسران وسمير إبراهيم البسيوني وأحمد عبد الحليم صقر وأحمد محمد حامد محمد حامد - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(79)
الطعن رقم 6479 لسنة 43 قضائية عليا
هيئة الشرطة - ضباط - تأديبهم - المخالفات التأديبية - إفشاء أسرار العمل.
يحظر على الضابط إفشاء أسرار وظيفته متى كانت سرية بطبيعتها أو كانت كذلك بموجب تعليمات خاصة تقضي بذلك وهذا الحظر يظل على عاتق الضابط إلى ما بعد انتهاء خدمته - أثر مخالفة ذلك - مساءلته عن ذلك تأديبياً - يترتب على ذلك - لا يجوز لضابط الشرطة تقديم رسم كروكي يبين موقع استراحة السيد رئيس الجمهورية على الطريق الرئيسي أو الفرعي المؤدي إليها أثناء الطعن أمام المحكمة التأديبية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 8/ 9/ 1997 أودع الأستاذ/ ........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدولها برقم 6479 لسنة 43 ق. ع في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة في 8/ 7/ 1997 في الاستئناف رقم 60 لسنة 1996، والذي قضى بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل القرار المستأنف إلى الاكتفاء بمجازاة الطاعن بخصم ما يوازي أجر ثلاثة أيام من راتبه.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما بصفتيهما في مواجهة هيئة قضايا الدولة على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 22/ 6/ 1999 قررت إحالته إلى "الدائرة الخامسة - موضوع" بالمحكمة لنظره بجلسة 1/ 8/ 1999 والتي تداولت نظره على النحو الوارد بمحاضر الجلسات حيث قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع طلبت فيها رفض الطعن، كما قدم الطاعن حافظة مستندات ومذكرة صمم فيها على طلباته، وبجلسة 30/ 9/ 2000 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 15/ 5/ 1995 أصدر وزير الداخلية القرار رقم 84 لسنة 1995 بإحالة الطاعن إلى مجلس التأديب الابتدائي لضباط الشرطة لمحاكمته تأديبياً لما نسب إليه من أنه بوصفه موظفاً عاماً "ضابط شرطة" خرج خروجاً جسيماً على مقتضى الواجب الوظيفي وخالف التعليمات وإفشاء أسرار العمل وذلك بتقدمه برسم كروكي يوضح موقع استراحة السيد/ رئيس الجمهورية ببرج العرب إلى المحكمة التأديبية بالإسكندرية في إطار طعنه على قرار مجازاته، موضحاً به معالم الاستراحة والطريق إليها وذلك على النحو المبين تفصيلاً بالأوراق، وبجلسة 4/ 2/ 1996 صدر قرار مجلس التأديب الابتدائي لضباط الشرطة الذي قضى بمجازاة الطاعن بخصم ما يساوي أجر خمسة أيام من راتبه والذي طعن فيه كل من الادعاء والطاعن أمام مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة التي انتهى في 8/ 7/ 1997 إلى إصدار القرار المطعون فيه، وأقام المجلس قضاءه على أساس أن الثابت من الأوراق والمستندات أن الطاعن تقدم برسم كروكي يوضح موقع استراحة السيد رئيس الجمهورية وغرف العمليات والخدمات السرية والطريق الخاص المؤدي لنقطة الساحل، مما يشكل إفشاء لأسرار العمل المؤتمن عليها والتي كان يفترض ألا تكون محطاً للإعلان على نحو ما فعله الطاعن، ولا يجدي المذكور ادعائه بأن ذلك كان من مقتضيات دفاعه أمام المحكمة، فإنه فضلاً عن أن الضابط لم يقدم دليلاً على ذلك، فإن إبداء الدفاع أمام جهات التقاضي، وإن كان مكفولاً للكافة، إلا أن ذلك يجب أن يظل في نطاق المصلحة العامة ودفع الضرر والحفاظ على أسرار العمل، إذ لا يعقل أن يباح لكل فرد - خاصة إذا ما اتسمت طبيعة وظيفته بذلك القدر من الحساسية - التفريط في أسرار العمل بادعاء أن ذلك من مقتضيات الدفاع، وإطلاق مثل هذا القول ينطوي على ضرر محقق، ولو صح أن دفاع الطاعن ما كان ليستقيم بغير تقديم هذا الرسم الكروكي، لكان يتعين عليه أن يخطر رئاسته أولاً بما هو مقدم عليه، وإغفاله ذلك ينبئ عن عدم تقديره لطبيعة وظيفته وما تفرضه مقتضياتها، فمن ثم يكون القرار المستأنف إذ انتهى إلى مجازاة الطاعن قد ابتنى على أساس سديد مما يهدر الاستئناف المقام من الطاعن، غير أن المجلس يرى أن الجزاء الذي جرى به القرار المطعون فيه قد اتسم بشيء من الغلو في تقدير الجزاء والذي حداً بالمجلس إلى مجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من راتبه.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا القرار أقام الطعن الماثل ناعياً عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، والقصر في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وبطلان القرار على النحو التالي:
1 - الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ذلك أن القرار المطعون فيه أهدر الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بمضي المدة، كما أن هذا القرار أهدر دفاع الطاعن بانتفاء الذنب الإداري على أساس أن القانون كفل حق التقاضي وأن واجب عدم إفشاء الأسرار الوارد بالدستور لا يتعارض مع ولاية القضاء واختصاصه بالفصل في تلك المنازعات المتعلقة بهذه الأسرار.
2 - القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الطاعن قدم ذات الرسم الكروكي محل المساءلة التأديبية عن الطعن رقم 155/ 35 ق المرفوع بتاريخ 17/ 12/ 1992 أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية، في الطعن رقم 139/ 35 ق المرفوع بتاريخ 10/ 12/ 1992 أمام ذات المحكمة دون التعرض له من جانب المدعى عليهما بالمساءلة التأديبية وأن محامي الدولة لم يطلب السرية في أي من الطعنين المشار إليهما وأنه تقدم بكافة المستندات الحالية دون التطرق لنواحي السرية، مما ينتفي معه ركن السبب في قرار الإحالة وبطلان القرار المطعون فيه.
3 - بطلان القرار المطعون فيه لاعتماده أسباباً غير مشروعة، ذلك أن محامي الدولة وافى وزارة الداخلية بصورة من الرسم الكروكي المرفق بعريضة الطعن، المرفوع من الطاعن أمام المحكمة الداخلية خلافاً لما يقضي به قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة، مما يجعل تصرفه هذا مشوباً بالبطلان، وبالتالي فإن قرار إحالة الطاعن إلى المحاكمة التأديبية وقرارات مجالس التأديب تكون بدورها معدومة، الأمر الذي يترتب عليه إلغاء القرار المطعون فيه وإلغاء كافة الآثار المترتبة عليه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن إبان عمله بمديرية أمن الإسكندرية وتكليفه رئيساً لطاقم الخدمات السرية المعينة بمنطقة برج العرب لتأمين استراحة السيد رئيس الجمهورية جوزي بعقوبة الإنذار لما نسب إليه من ضعف الإشراف على الخدمات محل رئاسته، فطعن في هذا الجزاء بالطعن رقم 155 لسنة 39 ق أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية وأرفق بصحيفة الطعن رسماً كروكياً يبين موقع استراحة السيد رئيس الجمهورية من الطريق الرئيسي والطريق الفرعي المؤدي إليها ومواقع الحراسات الخاصة بالاستراحة وبعض النقاط المحيطة بها. ولما كانت المادة 42 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يحظر على الضابط: 1 - أن يفضي بمعلومات أو إيضاحات عن المسائل السرية أو التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها أو بمقتضى تعليمات خاصة، ويظل هذا الالتزام قائماً ولو بعد انتهاء خدمة الضابط". ومفاد ذلك يحظر على ممثل الطاعن إفشاء أسرار وظيفته متى كانت سرية بطبيعتها كالواقعة المنسوبة إلى الطاعن أو كانت كذلك بموجب تعليمات خاصة تقضي بذلك وهذا الحظر يظل على عاتق الضابط إلى ما بعد انتهاء خدمته.
ومن حيث إن ما نسب إلى الطاعن قد ثبت قبله ثبوتاً كافياً من واقع اعترافه بالتحقيقات وأمام مجلس التأديب، الأمر الذي يستوجب مساءلته عن ذلك تأديبياً، ومن ثم يكون ما انتهى إليه المجلس في قراره المطعون فيه عن إدانة سلوك الطاعن قائماً على سنده الصحيح من الواقع والقانون بما لا وجه للنعي عليه، ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعن في السبب الأول من أسباب طعنه من إهدار مجلس التأديب لدفعه بسقوط الدعوى التأديبية قبله بمضي المدة ومن إهدار دفاعه بشأن انتفاء الذنب الإداري، فهذا القول عار من الصحة حيث قام المجلس بالرد على ذلك في أسبابه، والمحكمة تشاطر المجلس فيما أورده بأسبابه بشأن هذا الوجه من أوجه الطعن وتؤيد قراره في هذا الشأن محمولاً على هذه الأسباب الأمر الذي يتعين معه الالتفات عما آثاره الطاعن في هذا الصدد.
ومن حيث إنه لا عبرة كذلك بما أورده الطاعن بتقرير الطعن بشأن سبق تقديمه للرسم الكروكي محل المساءلة التأديبية وفق صحيفة الطعن رقم 139 لسنة 35 ق أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية دون التعرض له من جانب المدعى عليهما بالمساءلة التأديبية، كما أن محامي الدولة لم يتعرض لسرية هذا الرسم، فهذا الوجه مردود عليه بأنه وعلى فرض صحة ما ذكره الطاعن فإن ذلك لا يحول دون مساءلته تأديبياً عن هذه المخالفة متى اتصل علم جهته الإدارية بها، كما أن العبرة بسرية البيان من عدمه إنما يرجع في المقام الأول إلى جهة الاختصاص التي يتبعها الموظف والتي لها القول الفصل فيما إذا كان بيان ما يعتبر سرياً من عدمه وليس ذلك من اختصاص هيئة قضايا الدولة ومسئوليتها مما يتعين معه الالتفات عما أثاره الطاعن في هذا الصدد أيضاً.
ومن حيث إنه لا عبرة لما نعاه الطاعن أخيراً على القرار المطعون فيه من بطلان إحالته إلى المحاكمة التأديبية وبالتالي بطلان القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار، تأسيساً على أن إبلاغ محامي الدولة لوزارة الداخلية بصورة الرسم الكروكي جاء على خلاف ما يقضي به قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة، فهذا الوجه مردود أيضاً بما هو مقرر من أن بطلان أي عمل لا يكون إلا بنص في القانون، والبين من استعراض قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة أنه خلا من وجود نص يقرر بطلان مقام به محامي الدولة من إبلاغ وزارة الداخلية بالمخالفة التي وقعت من الطاعن، بل إن الواجب العام المفروض على سائر العاملين بالدولة ومنهم بالطبع أعضاء هيئة قضايا الدولة لدى ممارستهم نيابتهم القانونية عن الجهات الإدارية يفرض عليهم الإبلاغ عن المخالفات التي تصل إلى علمهم بحكم عملهم إلى الجهات المعنية متى كان الهدف من وراء ذلك تحقيق المصلحة العامة، الأمر الذي يتعين معه الالتفات عن هذا الوجه من أوجه الطعن الماثل.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم، ولما كان ما نسب إلى الطاعن وثبت في حقه يعد خروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي وفيه مخالفة للتعليمات وإفشاء لأسرار العمل ومن شأنه الإضرار بالمصلحة العامة، مما يشكل في حقه ذنباً إدارياً يستوجب مؤاخذته تأديبياً عنه، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه إذ انتهى إلى مجازاته بخصم ثلاثة أيام من راتبه قد صادف صحيح القانون، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الطعن الماثل.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق