جلسة 13 من فبراير سنة 2000
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: عبد الباري محمد شكري وممدوح حسن يوسف راضي وسمير إبراهيم البسيوني وأحمد عبد الحليم صقر - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(49)
الطعن رقم 566 لسنة 41 قضائية عليا
توجيه وتنظيم أعمال البناء - مخالفات البناء - تراخي الجهة الإدارية عن اتخاذ الإجراءات - أثره على الحق في توصيل المرافق العامة.
المواد 4 و10 و16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء.
المشرع نظم عملية البناء حرصاً على سلامة المواطنين وأمنهم، وحظر الخروج على أحكام القانون وفرض العقوبات على المخالفين - لا تؤتي هذه التشريعات أكلها ما لم تنهض الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وتبادر إلى وأد هذه المخالفات في مهدها واستخدام المكنات التي وسدها لها القانون - إن أغفلت الجهة الإدارية هذه الإجراءات أو تراخت في اتخاذها فإن المخالفة تمتد آثارها وتتشابك أوصالها بحيث يتعذر حتى بعد صدور الحكم الجنائي فيها إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وصحيح نصابها - إذا تقدم أحد مرتكبي مخالفات البناء بطلب توصيل المرافق العامة إليها ولم يك قد صدر حكم بإدانته فلا تملك الجهة الإدارية لهذا الطلب رفضاً، طالما أنها قعدت عن إيقاف أعمال البناء المخالفة بالطريق الإداري قبل اكتمالها، وإن صاحب المبنى يستجمع كامل الشروط التي وضعت للكافة للتعاقد على توصيل المرافق العامة، وأن المبنى المقام لا يهدد بحالٍ أمن وسلامة شاغليه أو الغير - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الخميس الموافق 22/ 12/ 1994 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط في الدعوى رقم 96 لسنة 5 ق بجلسة 26/ 10/ 1994 والقاضي في منطوقه "بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات...".
وطلب الطاعنان - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وتم إعلان تقرير الطعن للمطعون ضده بتاريخ 29/ 12/ 1994.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الإدارة المصروفات.
ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن بجلسة 24/ 11/ 1998 والجلسات التالية حتى قررت إحالة الطعن إلى الدائرة الخامسة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 28/ 11/ 1999 حيث نظرت المحكمة الطعن بجلسة 28/ 11/ 1999 وفيها قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة 6/ 2/ 2000 وفي هذه الجلسة تم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم حيث صدر فيها وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 96 لسنة 5 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بأسيوط بتاريخ 30/ 10/ 1993 طالباً في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بامتناع الوحدة المحلية لمركز ومدينة جرجا عن توصيل المرافق إلى منزله الكائن بجرجا مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أن فني التنظيم بجرجا محافظة سوهاج حرر بتاريخ 9/ 6/ 1991 المحضر رقم 794 لسنة 1991 ضده لقيامه بإنشاء بناء مكون من دور أرضي ودورين علويين وثان بدون ترخيص بالمخالفة لأحكام القانون رقم 106 سنة 1976 وقيد المحضر جنحة برقم 2336 لسنة 1991 قسم جرجا وبتاريخ 1/ 4/ 1992 قضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية ضد المتهم لانقضاء أكثر من ثلاث سنوات على تاريخ حدوث المخالفة محل التجريم.
وأضاف المدعي أنه على أثر ذلك تقدم بطلب لمد المبنى بالمرافق بأنواعها وطلب إليه سداد رسم المرافق فأداها بالقسيمة رقم 476792 في 12/ 9/ 1991 بمبلغ 358.100 جنيهاً كما أجبر على سداد مبلغ 626.800 جنيهاً غرامة محضر التنظيم رقم 17/ 91/ 1992 وكذلك رسوم التأمينات الاجتماعية إلا أن الجهة الإدارية تضاربت في مدى سريان القانون رقم 106 لسنة 1976 فتظلم من القرار السلبي بالامتناع عن توصيل المرافق بتاريخ 25/ 10/ 1993 ولم يتلق رداً على تظلمه فأقام هذه الدعوى للحكم بطلباته آنفة الذكر.
وبجلسة 26/ 10/ 1994 صدر الحكم المطعون فيه وقد شيدت المحكمة هذا الحكم على أساس أن الأصل في الإنسان البراءة وطالما قضت المحكمة الجنائية بانقضاء الدعوى الجنائية ضد المدعي ولم تقض بإدانته وكانت جهة الإدارة قد تقاعست عن تحرير المخالفة في حينه ولم يثبت من الأوراق أن المبنى يهدد سلامة وأمن شاغليه أو الغير فإنه يتعين على الجهة الإدارية توصيل المرافق للمبنى.
ومن حيث إن الحكم المشار إليه لم يلق قبولاً من الطاعنين فقد أقاما هذا الطعن ناعيين على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله على أساس أنه طبقاً لأحكام المادة رقم 17 مكرر من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن تنظيم وتوجيه أعمال البناء تقضي بأنه لا يجوز للجهات القائمة على شئون المرافق تزويد العقارات المبنية أو أي من وحداتها بخدماتها إلا بعد أن يقدم صاحب الشأن شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد ترخيص المباني المخالفة ومطابقتها لشروط الترخيص وأحكام القانون ولا يقدح في ذلك صدور حكم لصالح المخالف من المحكمة الجنائية بانقضاء الدعوى العمومية بمضي المدة فهذا الحكم لا حجية له بشأن المخالفة إذ أنه لم يقطع بعدم ثبوتها ولا يقوم مقام الحكم بالبراءة، وعليه فإن قول الحكم المطعون فيه أن المدعي استوفى الشروط اللازمة لتوصيل المرافق لمسكنه كما أن جهة الإدارة لا تملك لطلبه رفضاً مخالف للقانون.
ومن حيث إن المشرع حظر في المادة رقم 4 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تدعيمها أو هدمها أو إجراء أية تشطيبات خارجية مما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وقد أجاز المشرع في المادة رقم 10 من هذا القانون للجهة الإدارية إصدار قرار مسبب بإيقاف الأعمال المخالفة كما أجازت المادة رقم 16 من القانون المشار إليه للمحافظ المختص أو من يفوضه إصدار قرار مسبب بإزالة أو تصحيح الأعمال المخالفة التي تم إصدار قرار بإيقافها وذلك بعد العرض على لجنة ثلاثية من المهندسين الاستشاريين المتخصصين من غير العاملين بالجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم.
وقد تغيا المشرع بهذه النصوص تنظيم عملية البناء حرصاً على سلامة المواطنين وأمنهم، ومن ثم حظر الخروج عليها وفرض العقوبات على المخالفين لأحكامها ولا تؤتي هذه التشريعات أكلها ما لم تنهض الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وتبادر إلى وأد هذه المخالفات في مهدها واستخدام المكنات التي وسدها لها القانون في إيقاف أعمال البناء المخالفة بالطريق الإداري وتحرير المحاضر المثبتة لهذه المخالفات وعرضها على الجهات القضائية لتتخذ فيها شئونها وتحيل المخالفين إلى المحكمة الجنائية ويأتي الحكم في حالة ثبوت المخالفة فيعيد الأمور إلى نصابها ويزيل أسباب المخالفة فإن أغفلت الجهة الإدارية هذه الإجراءات أو تراخت في اتخاذها فإن المخالفة تمتد آثارها وتتشابك أوصالها بحيث يتعذر حتى بعد صدور الحكم الجنائي فيها إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وصحيح نصابها إذ من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية التي سما بها الدستور واحتواها ضمن أحكامه ما نصت عليه المادة (67) من أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" إذ يتمتع كل إنسان وفقاً لهذا المبدأ بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم نهائي، وهذه القرينة لصيقة بالإنسان ينعم بها ويعامل على أساسها ولا تنفك عنه وترتيباً على ذلك إذا تقدم أحد مرتكبي مخالفات البناء بطلب توصيل المرافق العامة إليها ولم يكن قد صدر حكم بإدانته فلا تملك الجهة الإدارية لهذا الطلب رفضاً، وطالما أنها قعدت عن إيقاف أعمال البناء المخالفة بالطريق الإداري قبل اكتمالها، وأن صاحب المبنى يستجمع كامل الشروط التي وضعت للكافة للتعاقد على توصيل المرافق العامة وأن المبنى المقام لا يهدد بحال أمن وسلامة شاغليه أو الغير، أما إن كان قد صدر حكم نهائي بالإزالة أو التصحيح فإن قرينة البراءة تنتفي بصدور هذا الحكم ولا يكون ثمة وجه للاستجابة لطلب توصيل المرافق العامة إلى المباني التي قضى بإزالتها أو تصحيحها إلا بعد تصحيح أوجه المخالفة (يراجع في هذا الشأن فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلستها المعقودة بتاريخ 3 من مايو سنة 1992 مجموعة المبادئ س 45، 46 ق 354 ص 698).
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية المختصة قد قعدت وتقاعست من اتخاذ الإجراءات التي وسدها المشرع لها لوقف الأعمال المخالفة التي أقامها المطعون ضده وتحرير المحضر اللازم ضده وتقديمه للمحاكمة إلا بعد أن انقضت الدعوى الجنائية بمضي المدة القانونية ولم يصدر من ثم حكم بإدانة المطعون ضده في هذا الشأن وكان البين من الأوراق أن المذكور قد استجمع كامل الشروط التي وضعت للكافة للتعاقد على توصيل المرافق العامة وأن المبنى المشار إليه لا يهدد السكان أو الغير ولا يتعارض مع الأمن العام وسلامة المارة، ولم يصدر قرار بإزالته، فيكون من حق المطعون ضده توصيل المرافق العامة لمبناه المذكور ويضحى عدم استجابة الجهة الإدارية المختصة لطلب المطعون ضده في هذا الشأن مخالف للقانون مدفوع بعدم المشروعية مما يتعين إلغاؤه وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر وقضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار فإنه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون وحقيقة الواقع ويتعين من ثم الحكم برفض هذا الطعن.
ومن حيث إن جهة الإدارة قد خسرت الطعن فتلزم المصروفات عملاً بأحكام المادة رقم 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق