الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 17 يناير 2025

الطعن 4468 لسنة 39 ق جلسة 29 / 1 /1994 إدارية عليا مكتب فني 39 ج 1 ق 77 ص 785

جلسة 29 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد مجدي محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، والسيد محمد العوضي، ومحمود إسماعيل رسلان - نواب رئيس مجلس الدولة.

------------------

(77)

الطعن رقم 4468 لسنة 39 قضائية

(أ) هيئة النيابة الإدارية - مجلس تأديب أعضائها - طبيعة وظيفته - (عدم صلاحية).
المواد أرقام 38 و39 و40 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
أجاز المشرع لوزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية أن يعرض على مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية أمر عضو من أعضائها توافر في شأنه سبب من أسباب عدم الصلاحية لشغل الوظيفة - لمجلس التأديب أن يصدر قراره إما بقبول الطلب وإحالة العضو إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة غير قضائية وإما برفض الطلب في ضوء ما ينبئ عنه فحص حالة العضو من توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية أو عدم توافره - مجلس التأديب بحسب تشكيله وما أسند إليه من اختصاصات وما يصدر عنه من أحكام يتولى بنص القانون وظيفة المحاكم التأديبية.
(ب) ضمانات التأديب - حيدة عضو مجلس التأديب.
من المبادئ الأولية المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجنائية أن من أبدى رأيه في الدعوى يمتنع من الاشتراك في نظرها والحكم فيها - أساس ذلك: أن اشتراكه فيها يتنافى مع حيدة القاضي واشتراط خلو ذهنه من آراء سابقة أو معلومات شخصية تمنع وزنه لحجج الخصوم وزناً مجرداً - تأشيرة رئيس هيئة النيابة الإدارية على مذكرة التحقيق بعبارة "يعرض الملف على السيد المستشار وزير العدل" لا تعني تكوين رأى مسبق في الدعوى يتعارض مع مبدأ حيدة القاضي - تطبيق.
(جـ) شرط حسن السمعة - ضوابطه.
حسن السمعة وطيب الخصال هما من الصفات الواجب توافرها في كل موظف عام - الصفتان أوجب في عضو الهيئة القضائية إذ بدونهما لا تتوافر الثقة والطمأنينة في شخص العضو مما يؤثر تأثيراً بالغاً على المصلحة العامة وعلى الهيئة التي ينتمي إليها - يجب أن يسلك عضو الهيئة القضائية في سلوكه ما يليق بكرامة وظيفته ويتناسب مع قدرها وعلو شأنها وسمو رسالتها ونظرة التوقير والاحترام التي يوليها الناس لمن يقوم بأعبائها - لا يقتصر هذا الالتزام على ما يصدر من العضو وهو يقوم بأعباء وظيفته بل يمتد ليشمل ما يصدر عنه خارج نطاق وظيفته بابتعاده عن بواطن الريب والشبهات - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 9/ 8/ 1993 أودع الأستاذ/ ..... المحامي بصفته وكيلاً عن السيدة/ ..... (طاعنة) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن على القرار الصادر من مجلس الصلاحية لأعضاء النيابة الإدارية بتاريخ 8/ 3/ 1993 باعتبارها في إجازة حتمية اعتباراً من 7/ 3/ 1993 وبعدم صلاحيتها لشغل وظيفتها ونقلها إلى جهة غير قضائية والقرار الجمهوري رقم 252 لسنة 1993 في 15/ 7/ 1993 بنقلها خارج هيئة النيابة الإدارية.
وطلبت الطاعنة للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول طعنها شكلاً وفي الموضوع (1) بإلغاء قرار مجلس الصلاحية بهيئة النيابة الإدارية الصادر بجلسة 8/ 3/ 1993 مع ما يترتب على ذلك من آثار. (2) بإلغاء القرار الجمهوري رقم 252 لسنة 1993 فيما تضمنه من نقلها من وظيفتها (وكيل نيابة إدارية فئة ممتازة) إلى وظيفة غير قضائية بوزارة الإسكان والمرافق والتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بعدم قبول طلب إلغاء قرار مجلس الصلاحية الصادر في 8/ 3/ 1993 بعدم صلاحية الطاعنة وبنقلها إلى وظيفة غير قضائية شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وبقبول طلب إلغاء القرار الجمهوري رقم 252 لسنة 1993 شكلاً ورفضه موضوعاً.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا جلسة 9/ 10/ 1993 وتداولت نظره بجلسات المحكمة وبجلسة 27/ 11/ 1993 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 15/ 1/ 1994 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة وفيها صدر الحكم وأودعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المقرر على أساس أن الطاعنة أقامت طعنها بتاريخ 9/ 8/ 1993 وأن طلب المساعدة القضائية التي تقدمت به في 5/ 5/ 1993 هو طلب عديم الجدوى نظراً لإعفاء دعاوى أعضاء النيابة الإدارية من المرسوم، فإن هذا الدفع لا يقوم على أساس سليم ذلك أن هيئة المساعدة القضائية عند تصديها لبحث الإعفاء فإن قرارها يتناول أمرين الأول إعفاء الطالب من الرسوم المقررة لرفع الدعوى والثاني ندب أحد المحامين المقيدين لمباشرة الدعوى، ومن ثم فإن التجاء الطاعنة إلى هيئة المساعدة القضائية في 5/ 5/ 1993 يعد إجراء قاطعاً للميعاد المقرر للطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب ويكون الدفع بعدم قبول الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 11/ 1/ 1993 وافق السيد المستشار وزير العدل بناء على عرض رئيس هيئة النيابة الإدارية على ندب الأستاذ المستشار/ ......... للتحقيق مع السيد/ ........ نائب رئيس الهيئة فيما نسب إليه.
وقد أعد المستشار/ ........ مذكرة بشأن التحقيق رقم (2) لسنة 1993 سجل تحقيقات الأعضاء والذي تم مع الطاعنة والأستاذ/ ....... (نائب رئيس الهيئة) وبعرضها على رئيس هيئة النيابة الإدارية المستشار/ ...... تأشر منه عليها بعرض الملف على السيد المستشار وزير العدل بطلب إحالة كل من السيدين المذكورين (الطاعنة ونائب رئيس الهيئة) على المجلس المختص طبقاً للمادة 38 مكرراً/ 3 من القانون 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون 12 لسنة 1989 للنظر في صلاحية كل منهما لشغل الوظيفة القضائية، فوافق السيد المستشار وزير العدل بتاريخ 18/ 2/ 1993 على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية.
وقد أعلنت الطاعنة بتقرير الاتهام الذي تضمن الإشارة إلى ما ثبت من التحقيقات التي أجريت مع الطاعنة والسيد/ ........ نائب رئيس الهيئة من أنه بعد زواجهما خلال شهر أغسطس سنة 1992 دب الخلاف سريعاً بينهما بعد أن فقد كل منهما الثقة في شريكه متبادلان علنا الاتهامات وتقديم البلاغات لأقسام الشرطة والنيابة العامة وألصق كل منهما بالآخر واقعات تمس الشرف والكرامة وامتد نزاعهما إلى ساحة القضاء حيث تبادلا رفع الدعاوى القضائية في شأن ما شاب علاقتهما الزوجية من تصدع وما ترتب عليها من حقوق، وانتهى التقرير إلى أنه ثبت من التحقيق أن الطاعنة (السيدة/ .........) ارتكبت الوقائع التالية:
1 - ترددت على منزل الأول (السيد/ ........ نائب رئيس الهيئة) حال عدم وجود رابطة شرعية بينهما ودون وجود مبرر مما أساء إلى سمعتها.
2 - تبادلت مع الأول (........) الاتهامات والدعاوى القضائية في مسائل تتعلق بالشرف والأمانة مما أساء إلى شخصهما وإلى الجهة التي يعملان بها.
وقد نظر مجلس التأديب (الصلاحية) طلب نقل الطاعنة إلى وظيفة غير قضائية.
وبجلسة 8/ 3/ 1993 قرر المجلس أولاً: قبول الطلب، ثانياً: عدم صلاحية كل من السيد/ ....... نائب رئيس الهيئة و السيدة/ ...... وكيل النيابة من الفئة الممتازة لشغل وظيفتهما ونقلهما إلى وظيفة غير قضائية.
وأقام مجلس التأديب (الصلاحية) قضاءه على ما ثبت للمجلس من جماع الأوراق والتحقيقات المعروضة أنه جاء بالخطابات الغرامية التي سطرتها الطاعنة للسيد/ نائب رئيس الهيئة أنه قبل سنوات من ارتباطهما بالزواج في 16/ 8/ 1992، قامت بينهما علاقة قوامها التلاقي خارج نطاق العمل وتردد الطاعنة على منزل المذكور حيث كانت تتولى طهي الطعام له ولأبنائه وتتواجد في أماكن من المسكن لا يباح التواجد بها لضيف عابر أو زميل عمل وأنها كانت على نحو ما جاء بأحد خطاباتها تنتظر عودته جالسة على السرير وهو أمر من شأنه أن يثير الشبهات حول طبيعة ما كان يربطهما من علاقة سابقة على الزواج ويلقي بظلال قاتمة حول استقامة مسلكهما كعضوين بهيئة قضائية كما ثبت للمجلس أنه عقب ارتباط الطاعنة والسيد/ ......... نائب رئيس الهيئة بالزواج بأيام قليلة ما لبث أن دب الخلاف بينهما وغادرت الطاعنة منزل الزوجية يوم 5/ 9/ 1992 إلى منزل أسرتها وفي مساء نفس اليوم توجه شقيقها إلى منزل زوجها بدعوى إحضار بعض متعلقاتها فقام بالتعدي على زوجها على نحو ما ذكره الأخير وشهد به جيرانه......... ويعمل مفتش إنتاج بشركة كولدير و....... ويعمل فني مساحة بشركة المقاولين العرب، و......... صاحب مدرسة خاصة و........ شيخ مسجد الرحمة بالهرم، وفي اليوم التالي قامت الطاعنة بتقديم بلاغ لقسم شرطة الهرم ضد زوجها اتهمته فيه بإكراهها عن طريق التعدي عليها بالقول والضرب بالتوقيع على إقرار بأنها كانت ثيباً وليست بكراً عند عقد قرانها عليه وأنه طلب منها معاشرتها معاشرة غير شرعية واتهمته بالتعدي على شقيقها، كما قامت بتقديم بلاغ آخر بذات المضمون إلى السيد المستشار النائب العام وأقامت الدعوى رقم 228/ 1992 أمام محكمة الدقي مطالبة زوجها بأداء النفقة الشرعية لها.
وارتأى مجلس التأديب أن الطاعنة والسيد/ ..... نائب رئيس الهيئة رغم شرف الانتماء إلى هيئة قضائية لم يراعيا الأصول والأعراف الاجتماعية وضربا عرض الحائط بكل المبادئ الأخلاقية والدينية وخرجا خروجاً صارخاً على القيم والتقاليد القضائية، إذ سمحا لنفسهما قبل أن يربط الزواج بينهما بأن تنشأ بينهما علاقة أخرى تختلف كل الاختلاف عن علاقة الزمالة التي تقوم على الاحترام والتوقير المتبادل بين الزملاء، علاقة قوامها التلاقي خارج دائرة العمل، علاقة أباحت للطاعنة أن تذهب في غير حياء ودون واعز من خلق إلى مسكن السيد/ ........ نائب رئيس الهيئة قبل أن تربط بينهما ثمة علاقة شرعية وأن تتصرف به تصرف أهله وذويه فتطهي له الطعام وتتجول في أرجاء منه لا يباح التردد عليها إلا لأصحابه حيث تجلس في غير خجل أو وجل على السرير منتظرة قدوم السيد/ ........ نائب رئيس الهيئة ودون أن تلتفت إلى ما في ترددها على مسكنه على مسمع ومرأى من أهل الحي والجيران من إساءة بالغة لسمعتها ومساس شديد بكرامة وظيفتها القضائية، فضلاً أن الطاعنة والسيد/ ......... نائب رئيس الهيئة بعد ارتباطهما بالزواج بأيام قلائل لم يلتزما الهدوء والروية في حل خلافاتهما بمراعاة ما تتمتع به وظيفتهما من وضع خاص بالمجتمع توجب عليهما إحاطة ما يصدر عنهما من تصرفات بسياج يحفظ لها وقارها وشيبتها فقاما بطرح خلافاتهما بكل ما شابها من واقعات تمس العرض والشرف وتتسم بالخصوصية الشديدة على أفراد من عامة الناس تجمعوا على مائدة الخلاف تولى أحدهم استدعاء الشرطة وآخرين استدعوا الطاعنة وأمها في ساعة متأخرة من الليل وعلى مسمع ومرأى من هؤلاء سطرت الطاعنة عدة أوراق تفيد أن زوجها لم يدخل بها بعد زواجها وأنها تسلمت كافة حقوقها الشرعية ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تبادلت الطاعنة والسيد/ ........ نائب رئيس الهيئة البلاغات والدعاوى حيث اتهمت الأولى الأخير بإكراهها على التوقيع على إقرار يفيد كونها ثيباً وقت زواجه منها أثر رفضها الانصياع لرغبته في معاشرتها معاشرة غير شرعية وأنه بدد منقولات الزوجية الخاصة بها وتعدى على شقيقها بالضرب وانتهى مجلس التأديب (الصلاحية) إلى أن السمعة وطيب الخصال هما من الصفات الحميدة المطلوبة في كل من يتقلد وظيفة قضائية وبدون هذه الصفات لا تتوافر الثقة والطمأنينة في عضو الهيئة القضائية وتضطرب القيم في المجتمع القضائي ولما كان ما أتته الطاعنة يعد إخلالاً خطيراً بحسن السير والسلوك كما يعد مساساً بحسن السمعة والشرف مما يفقدها الصلاحية للبقاء في وظيفتها القضائية ويتعين تنحيتها عن الوظيفة القضائية ونقلها إلى وظيفة غير قضائية.
وعلى أثر ذلك صدر القرار الجمهوري رقم 252 لسنة 1993 بنقل الطاعنة إلى وظيفة غير قضائية بوزارة الإسكان والمرافق والتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة.
ومن حيث إن مبنى الطعن عدم مشروعية القرارين المطعون فيهما لأسباب حاصلها الآتي:
أولاً: بطلان تشكيل مجلس الصلاحية وبالتالي بطلان قراره وبطلان القرار الجمهوري رقم 252 لسنة 1993 لعدة وجوه:
( أ ) الوجه الأول: أن المادة 40 من القانون رقم 117 لسنة 1958 لم تجز أن يجلس في مجلس التأديب من سبق له الاشتراك في تحقيق الدعوى التأديبية وهذا الحظر يسري أيضاً في حالة انعقاد مجلس التأديب بهيئة مجلس الصلاحية، والثابت من الأوراق أن رئيس هيئة النيابة الإدارية المستشار/ ..... انتدب المستشار/ ..... للتحقيق مع الطاعنة وبعرض مذكرة التحقيق عليه أشر في 17/ 2/ 1993 بعرض الملف على السيد المستشار وزير العدل وأنه أي رئيس الهيئة يطلب إحالة الطاعنة ومطلقها إلى المجلس المختص طبقاً للمادة 38 مكرراً/ 3 من القانون 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون 12 لسنة 1989 للنظر في صلاحية كل منهما لشغل الوظيفة القضائية، فضلاً عن أن تقرير الاتهام موقع عليه من رئيس الهيئة الذي ترأس مجلس الصلاحية وقد انتهى هذا المجلس إلى إصدار قراره بعدم صلاحية الطاعنة ومطلقها لشغل وظيفتهما ونقلهما إلى وظيفة غير قضائية.
(ب) والوجه الثاني: من أوجه البطلان أن المادة 40 من قانون النيابة الإدارية نصت على أن مجلس التأديب (الصلاحية) من رئيس هيئة النيابة الإدارية وعضوية أقدم ستة من النواب غير أن المجلس مشكل من الرئيس وسبعة أعضاء غير القائم بأعمال السكرتارية أي أن المداولة قد تمت بين ثمانية أعضاء مع أن العدد المحدد قانوناً هو سبعة أعضاء بما فيهم رئيس المجلس.
(جـ) والوجه الثالث: من أوجه البطلان أن مجلس الصلاحية أصدر قراره في 8/ 3/ 1993 دون أن تمثل أمامه الطاعنة ومطلقها في جلسة سرية حيث لم يحدد مجلس الصلاحية تاريخاً للنطق بالقرار.
ثانياً: والسبب من أسباب الطعن هو عدم صحة أسباب القرارين المطعون فيهما فتردد الطاعنة على منزل الزوجية قبل الزواج كان بصحبة محرم وله مبرره القوي، وأن إبلاغها الشرطة والنيابة ورفع الدعاوى القضائية حق مكفول لأي مواطن بنص الدستور ولم تكن هذه البلاغات بقصد التشهير والإيذاء وإنما للحفاظ على الحقوق والمراكز القانونية.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بدفاع المطعون ضدهم بصفاتهم دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلاً لإقامته بعد الميعاد إذ أن الطاعنة تقدمت بطلب لإعفائها من الرسوم بتاريخ 5/ 5/ 1993 وهو طلب عديم الجدوى على اعتبار أن أعضاء النيابة الإدارية غير ملزمين بسداد الرسوم القضائية ومن ثم فلا ينتج هذا الطلب أثراً ولا يعتبر قاطعاً للميعاد، وأضافت المذكرة أن من قام بالتحقيق مع الطاعنة هو المستشار/ ........ ولم يقم رئيس الهيئة بالمشاركة في التحقيق أو التصرف فيه وإنما قام بإحالة الأوراق كاملة وبحالتها إلى المستشار وزير العدل للنظر والتصرف في أمر الطاعنة ومطلقها وهو إذ قام بهذا فإنه يقوم بعمل من صميم اختصاصه ألزمه به القانون، وأن تأشيرة رئيس الهيئة بعرض الملف على وزير العدل "للنظر" في صلاحية الطاعنة ومطلقها صريحة في تفويض وزير العدل فيما يراه مناسباً على ضوء ما هو ثابت الأوراق. وأضافت مذكرة دفاع الإدارة أن الطاعنة أتت من الأفعال ما يسيء إلى سمعتها وكرامتها وخرجت عن التقاليد القضائية وشاب مسلكها مع طليقها في كافة مراحل ارتباطهما ببعض ما يسيء لسمعة وهيبة الجهة التي تنتمي إليها ويكون القراران المطعون فيهما قد صدرا سليمين ومطابقين لصحيح حكم القانون.
ومن حيث إن القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1989 ينص في المادة 38 مكرر 1/ 3 على أن "يعرض وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية على مجلس التأديب المشار إليه في المادة 40 من هذا القانون أمر عضو النيابة الإدارية الذي يحصل على تقريرين متواليين بدرجة أقل من المتوسط أو يتوافر في شأنه أي سبب من أسباب عدم الصلاحية لشغل الوظيفة غير الأسباب الصحية ويقوم المجلس بفحص حالة عضو النيابة فإذا تبين صحة التقارير الخاصة به أو توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية أصدر المجلس قراره مشتملاً على الأسباب التي بني عليها إما بقبول الطلب وإحالة عضو النيابة إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة غير قضائية وإما برفض الطلب ويطبق في شأن هذا الطلب أحكام المادة 39 من هذا القانون. فإذا تقرر نقل عضو النيابة إلى وظيفة أخرى يصدر قرار من رئيس الجمهورية بنقله إلى وظيفة تعادل وظيفته القضائية ويحتفظ له بمرتبه فيها......."
كما تنص المادة 39 على أن "العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على أعضاء النيابة الإدارية هي....... وتقام الدعوى التأديبية من وزير العدل بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية ولا يقدم هذا الطلب إلا بناء على تحقيق جنائي أو إداري يتولاه أحد نواب الرئيس أو الوكلاء العامين الأولين يندبه وزير العدل بالنسبة إلى نواب الرئيس والوكلاء العامين الأولين والوكلاء العامين أما باقي الأعضاء فيتولى التحقيق معهم وكيل عام على الأقل من إدارة التفتيش يندبه رئيس الهيئة وترفع الدعوى التأديبية بصحيفة تشتمل على التهمة والأدلة المؤيدة لها وتعلن للعضو، ولمجلس التأديب أن يجرى ما يراه لازماً من التحقيقات وأن يأمر بوقف العضو عن مباشرة أعمال وظيفته أو وضعه في أجازة حتمية وله أن يعيد النظر في أمر الوقف أو الإجازة المذكورة في كل وقت........ ويصدر حكم وينطق به مشتملاً على الأسباب التي بني عليها في جلسة سرية ويكون الطعن فيه أمام الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا المشار إليها في المادة (40 مكرراً - 1) من هذا القانون خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم.......".
وتنص المادة 40 على أن "يختص بتأديب أعضاء النيابة الإدارية بجميع درجاتهم مجلس تأديب يشكل برئاسة رئيس الهيئة وعضوية أقدم ستة من النواب وعند غياب أحدهم أو وجود مانع لديه يحل محله الأقدم فالأقدم من النواب أو الوكلاء العامين الأول"
ومفاد هذه النصوص أن المشرع أجاز لوزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية أن يعرض على مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية المشكل برئاسة رئيس الهيئة وعضوية أقدم ستة من نوابه ممن لم يقم بهم مانع - أمر عضو النيابة الإدارية الذي يتوافر في شأنه سبب من أسباب عدم الصلاحية لشغل الوظيفة، وللمجلس في ضوء ما يبني عنه فحص حالة العضو من توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية أو عدم توافره أن يصدر قراره إما بقبول الطلب وإحالة العضو إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة غير قضائية وإما برفض الطلب وهو ما يعني أن مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية هو بحسب تشكيله وما اسند إليه من اختصاصات أو ما يصدر عنه من أحكام إنما يتولى بنص القانون وظيفة المحاكم التأديبية.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن ثمة قدر من الضمانات الجوهرية يتعين أن يتوافر - كحد أدنى - في كل محاكمة وهو قدر تمليه العدالة المجردة والأصول العامة في المحاكمات وأن يرد عليه نص ويستلهم من المبادئ الأولية المقرة في القوانين الخاصة بالإجراءات سواء في المحاكمات الجنائية أو التأديبية ومن بينها حيدة الهيئة التي تتولى المحاكمة والتي تقضي بامتناع من أبدى رأيه من الاشتراك في نظر الدعوى والحكم فيها لتنافي هذا مع حيدة القاضي واشتراط خلو ذهنه من آراء سابقة أو معلومات شخصية تمنع وزنه لحجج الخصوم وزناً مجرداً وقد رددت هذا الأصل المادتان 247، 248 من قانون الإجراءات الجنائية كما بينت المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الأحوال والتي يكون القاضي غير صالح فيها لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم ومن هذه الأحوال سبق الكتابة أو الإفتاء في الدعوى أو إبداء رأي فيها أو سبق نظرها قاضياً أو محكماً أو خبيراً أو أداء شهادة فيها.
ومن حيث إنه وإذ قضى المشرع في قانون النيابة الإدارية بأن "تقام الدعوى التأديبية من وزير العدل بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية وبأن يعرض وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من رئيس هيئة النيابة الإدارية على مجلس التأديب...... أمر عضو النيابة الذي........ يتوافر في شأنه أي سبب من أسباب الصلاحية وفي نفس الوقت أناط المشرع برئيس الهيئة رئاسة مجلس التأديب إلا إذا وجد مانع لديه فإن مقتضى ذلك ولازمه أن رئاسة رئيس الهيئة لمجلس التأديب أو الصلاحية رغم سبق رفعه الأمر إلى وزير العدل بطلب إقامة الدعوى التأديبية أو العرض على مجلس الصلاحية لا يعد في ذاته - وعلى استقلال - مانعاً يقوم برئيس الهيئة يمنعه من الجلوس بمجلس التأديب ما دام أنه لم يثبت أنه أبدى رأياً أو كون عقيدة أو قام بعمل يجعل له رأياً أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها وبما يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً.
ومن حيث إنه بمطالعة تأشيرة السيد المستشار رئيس هيئة النيابة الإدارية على مذكرة التحقيق الذي أجرى مع الطاعنة فقد نصت هذه التأشيرة على أن "يعرض الملف على السيد المستشار وزير العدل، ونطلب إحالة كل من السيدين 1 - ...... نائب رئيس الهيئة، 2 - ..... وكيل النيابة من الفئة الممتازة على المجلس المختص طبقاً للمادة 38 مكرر/ 3 من القانون 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون 12 لسنة 1989 للنظر في صلاحية كل منهما لشغل الوظيفة القضائية".
ومن حيث إن العبارات التي تضمنتها تلك التأشيرة لا تؤدي إلى نتيجة مفادها تكوين السيد المستشار رئيس الهيئة لعقيدة أو رأي مسبق في شأن ما نسب إلى الطاعنة من أفعال كانت محل التحقيق تجرده من الحيدة الواجبة فيمن يجلس مجلس القضاء ولا تعدو أن تكون تلك التأشيرة سوى أعمال من رئيس الهيئة لأحكام القانون الذي أوجب أن يتولى العرض على مجلس التأديب وزير العدل أما بناء على طلب من رئيس الهيئة أو من تلقاء نفسه وهو أمر لا يتأتى أيضاً إلا برفع الأوراق إليه من رئيس الهيئة الممثل لها تجاه مختلف أجهزة الدولة وباعتبار أن الهيئة تحوز كافة ما يتعلق بشئون أعضائها من مستندات وتحقيقات، أما توقيع السيد المستشار رئيس الهيئة على تقرير الاتهام فإنه لا يعدو أن يكون مجرد إجراءً تنفيذياً لازماً لقرار وزير العدل المختص وحده بالإحالة إلى مجلس التأديب يستهدف بهذا الإجراء إعلام الطاعنة بما نسب إليها من مخالفات ووقائع وبموافقة وزير العدل على الإحالة واتصال مجلس الصلاحية بالدعوى المقامة ضدها ولا يعني بحال اعتناق رئيس الهيئة لرأي أو عقيدة بشأن ما نسب إلى الطاعنة.
ومن ناحية أخرى فإن النعي بأن مجلس الصلاحية قد خالف أحكام المادة 39 من قانون النيابة الإدارية التي تقضي بأن يصدر الحكم وينطق به مشتملاً على الأسباب التي بني عليها في جلسة سرية، أو أن الطاعنة لم تعلم بجلسة صدور القرار لأن مجلس الصلاحية لم يحدد في يوم 7/ 3/ 1993 تاريخاً للنطق بالقرار، هو أمر لا دليل عليه في الأوراق فضلاً عن أن الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات مجلس الصلاحية أن المجلس بجلسته المنعقدة بتاريخ 7/ 3/ 1993 قد حدد يوم الاثنين 8/ 3/ 1993 لاتخاذ القرار.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإن النعي ببطلان تشكيل مجلس الصلاحية لا يكون قائماً على أساس سليم من القانون ويكون جديراً بالرفض.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن من المستقر في قضاء هذه المحكمة أن حسن السمعة وطيب الخصال هما من الصفات الواجب توافرها في كل موظف عام وهي أوجب في عضو الهيئة القضائية إذ بدونهما لا تتوافر الثقة والطمأنينة في شخص العضو مما يؤثر تأثيراً بالغاً على المصلحة العامة وعلى الهيئة التي ينتمي إليها لذا فيجب إذ يسلك الموظف العام ومن باب أولى عضو الهيئة القضائية في سلوكه ما يليق بكرامة وظيفته ويتناسب مع قدرها وعلو شأنها وسمو رسالتها ونظرة التوقير والاحترام التي يوليها الناس لمن يقوم بأعبائها وهو التزام لا يقتصر على ما يصدر عن العضو أثناء قيامه بأعباء وظيفته بل يمتد ويشمل ما يصدر عنه من أفعال وتصرفات خارج نطاق وظيفته فيلتزم بمستوى من السلوك يليق بكرامة الوظيفة بابتعاده عن مواطن الريب والشبهات وعما لا يليق بمثله من أفعال إذ لا يقوم بين الحياة العامة والخاصة عازل سميك يمنع كل تأثير متبادل بينهما.
ومن حيث إن الثابت من التحقيقات التي أجريت مع الطاعنة وبما ورد بمحاضر الشرطة والنيابة وبما سطرته في خطاباتها أنها بملء حريتها وإرادتها ترددت على مسكن زميل لها في العمل قبل أن يربط الزواج بينهما وارتادته ارتياد أهله وذويه على مرأى من أهل الحي دون أن تنتبه إلى ما في هذا السلوك من مجافاة للعرف ولما يتضمنه من إساءة بالغة بسمعتها ومساس شديد بكرامتها وكرامة الوظيفة التي تتقلدها كما أنها لم تسلك مع طليقها في حل خلافاتهما بعد الزواج مسلكاً كان يجب أن تتحلى به كعضو في هيئة قضائية لها شأنها وقدرها من ضبط النفس والتزام الهدوء والروية والتبصر بما يحفظ لها ولوظيفتها هيبتها وكرامتها فقامت وطليقها بطرح خلافاتهما علناً وأمام العامة ممن لا تربطهم بهم رابطة سوى الجيرة وقامت الطاعنة على مرأى منهم بتوقيع إقرارات تشينها وتمس بسمعتها وتمادت فتبادلت مع طليقها وفي محاضر رسمية اتهامات هابطة تمس السمعة والشرف.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإن حكم مجلس الصلاحية المطعون فيه وإن انتهى إلى عدم صلاحية الطاعنة لشغل وظيفتها ونقلها إلى وظيفة غير قضائية، فإنه يكون قد استمد ما انتهى إليه في قضائه من نتيجة من أسباب تقيمها ولها أصول ثابتة في الأوراق ويكون الحكم المطعون فيه والقرار الجمهوري رقم 252 لسنة 1993 الصادر تنفيذاً فيما تضمنه من نقل الطاعنة إلى وظيفة غير قضائية بوزارة الإسكان والمرافق والتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة قد صدرا سليمين مطابقين للقانون مما يتعين معه الحكم برفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق