جلسة 16 من فبراير سنة 1985
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح إبراهيم صقر وعبد المنعم فتح الله ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.
-----------------
(92)
الطعنان رقما 1953/ 2016 لسنة 29 القضائية
وقف التنفيذ - طبيعته - عدم استلزام إجراءات التحضير من قبل هيئة مفوضي الدولة.
الأصل أنه لا يسوغ الحكم في الدعوى الإدارية إلا بعد أن تقوم الهيئة بتحضيرها وإبداء رأيها القانوني مسبباً فيها - يترتب على الإخلال بهذا الإجراء الجوهري بطلان الحكم الذي يصدر في الدعوى - هذا الأصل لا يصدق على طلب وقف تنفيذ القرار الإداري المطلوب إلغاؤه - إرجاء الفصل في الطلب لحين اكتمال تحضير الدعوى ينطوي على إغفال لطبيعته وإهدار لطابع الاستعجال الذي يتسم به ويقوم عليه - أثر ذلك - الفصل في طلب وقف التنفيذ لا يستلزم إجراءات التحضير من قبل هيئة مفوضي الدولة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين 16 من مايو سنة 1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيدين رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1953 لسنة 29 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 17/ 3/ 1983 في الشق المستعجل من الدعوى رقم 4568 لسنة 36 القضائية والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الاستيلاء على الشقة رقم 7 بالعقار 97 شارع الجمهورية ورفض ما عدا ذلك من طلبات في الشق المستعجل وإلزام طرفي الخصومة المصروفات مناصفة بينهما.
وطلبت الإدارة الطاعنة للأسباب الواردة في تقرير الطعن وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم وعدم قبول طلب وقف تنفيذ القرار محل الطعن أو اعتبار الخصومة منتهية في هذا الطلب واحتياطياً رفضه مع إلزام المطعون ضدهم - في كل الأحوال - المصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وفي اليوم المشار إليه - 16 مايو سنة 1983 - أودع الأستاذ/ محمد فتحي المسلمي المحامي بصفته وكيلاً عن ورثة المرحوم إلياس سليم صيدناوي وهم السادة:
1 - عايدة أميل فرعون.
2 - ليليان إلياس سليم صيدناوي.
3 - كوليت إلياس سليم صيدناوي.
4 - سليم إلياس سليم صيدناوي.
قلم كتاب المحكمة تقرير طعن في ذات الحكم قيد تحت رقم 2016 لسنة 29 قضائية. وطلب للأسباب الواردة في التقرير قبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع إلغاء هذا الحكم فيما قضى به من رفض طلب وقف تنفيذ قرار رئيس الوزراء رقم 429 لسنة 1982 بالنسبة للشقتين رقمي 1، 4 بعقارهم والحكم مجدداً بوقف تنفيذه بالنسبة لهما مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الطعن الأول ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ووقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بالنسبة للشق المتعلق بالشقة رقم 7 من العقار رقم 97 شارع الجمهورية، وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضدهم بمصاريف هذا الطلب عن الدرجتين. كما قدمت تقريراً في الطعن الثاني ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
وتدوول نظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون حتى قررت بجلسة 19/ 11/ 1984 ضم الطعن الثاني إلى الطعن الأول ليصدر فيهما حكم واحد بجلسة 17/ 12/ 1984. وفي الجلسة الأخيرة قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظرهما بجلسة 5/ 1/ 1985. وبعد أن تدوول نظر الطعنين أمام المحكمة قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية ومن ثم فهما مقبولان شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن ورثة المرحوم إلياس سليم صيدناوي (عايدة أميل فرعون، وليليان وكوليت وسليم إلياس سليم صيدناوي) أقاموا الدعوى رقم 4568 لسنة 36 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي طالبين الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس الوزراء رقم 429 لسنة 1982 بالاستيلاء على الشقق 1، 4، 7 بعقارهم رقم 97 شارع الجمهورية لصالح وزارة التعليم العالي وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعون، شرحاً لدعواهم، أنه صدر أمر رئيس الجمهورية رقم 138 لسنة 1961 بفرض الحراسة على أموال وممتلكات عائلية المرحوم سليم صيدناوي وأن تدابير الحراسة امتدت إلى مورثهم إلياس سليم صيدناوي فشملت العقار رقم 97 شارع الجمهورية. وقد قامت الحراسة العامة ببيع هذا العقار إلى شركة التأمين الأهلية التي قامت بدورها في 1/ 12/ 1968 بتأجير الشقق أرقام 1، 4، 7 إلى الممثل القانوني لاتحاد طلاب الجمهورية. وإذ ثبت انعدام إجراءات فرض الحراسة على مورثهم فقد أصدر جهاز تصفية الحراسات قراره رقم 183 لسنة 1979 برفع التحفظ عن ممتلكاته ومن بينها العقار المذكور الذي فسخ عقد بيعه إلى شركة التأمين. وبالفعل تم تسليم العقار إليهم بموجب محضر مؤرخ 1/ 6/ 1981.
وأضاف المدعون أنه استبان لهم بعد تسليم العقار أن اتحاد طلاب الجمهورية مستأجر الوحدات أرقام 1، 4، 7 متوقف عن سداد القيمة الإيجارية ولذا وجهوا إليه إنذاراً بالمطالبة السداد إلا أنه لدى قيام المحضر بتسليم الإنذار تبين أن الاتحاد ترك الوحدات المؤجرة له وأن وزارة التعليم العالي غصبت الوحدتين 1، 4 ببعض موظفيها، وأن الوحدة رقم 7 مغلقة ومن ثم بادروا - أي المدعون - بتحرير المحضر رقم 1716 لسنة 1982 إداري الأزبكية الذي أثبت فيه غصب الوزارة للشقتين 1، 4 وغلق الشقة رقم 7، كما أقاموا الدعوى رقم 1277 لسنة 1982 مستعجل القاهرة ضد وزير التعليم العالي التي صدر فيها الحكم بجلسة 21/ 3/ 1982 بطرده من الوحدات المشار إليها، وعقب ذلك فوجئوا وهم بصدد تنفيذ الحكم بصدور قرار رئيس الوزراء رقم 429 لسنة 1982 المؤرخ 8/ 5/ 1982 - المطعون فيه - بالاستيلاء بطريق الإيجار لمدة خمس سنوات على الشقق الثلاث وذلك لصالح وزارة التعليم العالي مستنداً إلى أحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ولمعاهد التعليم.
واستطرد المدعون أن من الواضح أن قرار رئيس الوزراء آنف للذكر قصد به تعطيل الحكم القضائي الصادر لصالحهم مما يجعله مخالفاً للقانون مشوباً بإساءة استعمال السلطة إذ من المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه لا يجوز استعمال قرار الاستيلاء كأداة لإعادة يد شخص حكم بإخلائه من العقار إلا أن يكون ذلك علاجاً لضرورة ملحة كأن يترتب على تنفيذ الحكم القضائي بالإخلاء تعطيل سير مرفق التعليم، وهو أمر لم يتحقق في الحالة المعروضة لأن الشقق كانت مشغولة بالاتحاد العام لطلاب الجمهورية، وهو لا يعد مرفقاً عاماً، ثم شغلت بعد ذلك بمكاتب لموظفين بإمكان الوزارة أن تجد لهم مكاناً آخر. يضاف إلى ذلك أن القانون رقم 521 لسنة 1955 الخاص بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات ينص في مادته الأولى على أنه "يجوز لوزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خال يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم" ويبين من هذا النص أن سلطة وزير التربية والتعليم في الاستيلاء تجد حدها الطبيعي في استهداف الأغراض التي شرع من أجلها اتخاذ هذه التدابير والتي عنى المشرع بتأكيدها بالنص على أن تكون هذه التدابير لازمة لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات أو غيرها من معاهد التعليم أو الهيئات التي تساهم في رسالة الوزارة. وشغل الشقق ببعض الموظفين لا يمثل ضرورة ملحة تبرر صدور قرار الاستيلاء الذي يقطع في عدم سلامته أنه لم يشفع بمذكرة توضح الضرورة التي دعت عليه على نحو ما جرت عليه العادة بالنسبة لهذه القرارات.
وأثناء نظر طلب وقف التنفيذ أمام محكمة القضاء الإداري أودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة برد الجهة الإدارية على الدعوى. وجاء بهذا الرد أن الوزارة تضع يدها على الشقق الثلاث وتشغلها بإدارتي رعاية الطلاب والتمثيل الثقافي بعد إلغاء اتحاد طلاب الجمهورية، وهما إدارتان عامتان تؤديان دوراً هاماً في مجال رعاية الطلاب ونشر الوعي الثقافي في الداخل والخارج. وقد تم شغل الشقق بعلم ورضاء الشركة المؤجرة. يضاف إلى ذلك أن الوزارة حلت قانوناً محل الاتحاد وأن قرار الاستيلاء قصد به تحقيق المصلحة العامة وحتى لا يتعطل النشاط التعليمي والثقافي لهاتين الإدارتين نظراً لعدم وجود مساكن حكومية أو أهلية يمكن استخدامها في هذا الغرض.
وبجلسة 17/ 3/ 1983 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الشق المستعجل من الدعوى فقضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الاستيلاء على الشقة رقم 7 بالعقار 97 شارع الجمهورية ورفض ما عدا ذلك من طلبات في هذا الشق مع إلزام طرفي الخصومة بالمصروفات مناصفة بينهما. وأقامت المحكمة قضاءها على أساس توافر ركن الاستعجال لما يمثله حرمان المدعيين من عقارهم لفترة تطول أو تقصر من إضرار بحقوقهم إضراراً بليغاً يشفع في طلب درئه بالطريق المستعجل. أما بالنسبة إلى ركن الجدية فإنه ولئن كان من المقرر أنه لا يجوز للقرار الإداري أن يعطل تنفيذ الحكم القضائي وإلا كان باطلاً، إلا أن ثمة مبدأ آخر تدور حوله كل نظريات القانون الإداري وترتكز عليه جميع السلطات الاستثنائية التي تتمتع بها الإدارة وهو مبدأ ضمان سير المرفق العام بانتظام وإطراد، وتسمو القواعد التي تكفل ضمان سير المرفق العام على غيرها من القواعد القانونية في مجال القانون الإداري. وتأسيساً على ذلك أجاز القضاء الإداري تعطيل تنفيذ الحكم القضائي استثناء إذا كان من شأن تنفيذه الإخلال بسير المرفق العام بانتظام وإطراد وليس من شك في أن إخراج إدارتين من إدارات وزارة التعليم العالي من المكان الذي تشغلانه في ظل الظروف الراهنة للإسكان الإداري والعادي سوف يترتب عليه إرباك كامل لهاتين الإدارتين ومن ثم فإن الإدارة حين لجأت إلى الاستيلاء كوسيلة للحيلولة دون هذا الإرباك قد اضطرت لذلك تحت إلحاح الحاجة والضرورة. ومن ناحية أخرى فقد كانت الوزارة تملك سلطة الاستيلاء على هذه الأماكن طبقاً لأحكام القانون ابتداء وفور إخلاء اتحاد طلاب الجمهورية منها وبذلك فإنه لا ينبغي أن يكون الحكم المستعجل - وهو حكم غير قطعي يقوم على البحث الأولى لظاهر الأوراق - حائلاً بصورة مطلقة بين الوزارة وبين استعمالها لسلطة من سلطاتها المشروعة التي تكفل لها تأمين الأمكنة لإدارتها ومرافقها. وإذ كان ذلك كذلك إلا أن الوزارة تزيدت في قرار الاستيلاء المطعون فيه ومدته إلى أماكن لم تكن تشغلها ولم تكن في حاجة ماسة إليها وهي الشقة رقم 7 التي أثبتت معاينة الشرطة أنها كانت خالية لا يشغلها أحد، وبذلك يكون قرار الاستيلاء قد جاء بحسب الظاهر من الأوراق معيباً إذا امتد إلى هذه الشقة تأسيساً على مبدأ أن الضرورة إنما تقدر بقدرها وأن مشروعية قرار الاستيلاء الذي يمثل وسيلة استثنائية تجد لها ما يبررها في الضرورة الملحة التي أملت إصداره، وقد كشف ظاهر الأحوال أن هذه الضرورة لم تكن قائمة بالنسبة للشقة رقم 7 مما يجعل القرار ظاهر البطلان فيما تضمنه من الاستيلاء على هذه الشقة ومما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ المتعلق بهذا الشق.
ومن حيث إن الطعن رقم 1953 لسنة 29 قضائية - المقام من السيدين رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي - يستند إلى سببين:
الأول: بطلان الحكم المطعون فيه لأن من المسلم أن الدعوى الإدارية لا يمكن الحكم فيها إلا بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافقة وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً فيها، وأي إخلال بهذا الإجراء الجوهري يترتب عليه بطلان الحكم الذي يصدر في الدعوى. ولما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه لم يسبق بتحضير للدعوى باشرته هيئة مفوضي الدولة ولا بتقرير مسبب برأيها القانوني اختتمت به تحضير الدعوى فإن الحكم الطعين يرين عليه البطلان. ولا يقيله من عثرته صدوره بصفة مستعجلة في طلب وقف التنفيذ الوقتي المرفوع بالتبعية لطلب الإلغاء الموضوعي، ذلك أن ثمة خصومة فقد انعقدت في الطلب المستعجل، وهذه الخصومة تولد دعوى يلزم لإمكان الحكم فيها توافر ذلك الإجراء الجوهري.
الثاني: أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه لأن من المقرر أن القضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري يستلزم توافر ركني الجدية والاستعجال، ولا يكفي توافر هذين الركنين وقت رفع الدعوى وإنما يتعين استمرار توافرهما حتى الفصل في طلب وقف التنفيذ. والثابت من الأوراق أن حكم الطرد قضى بإلغائه وبعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر الدعوى بجلسة 12/ 12/ 1982 في القضية رقم 693 لسنة 1982 مستأنف مستعجل وأقيم هذا القضاء على أن منازعة الوزارة المؤسسة على قيام علاقة إيجارية بينها وبين ملاك العقار محلها الشقق الثلاث تأسيساً على حلول الوزير بصفته رئيس المجلس الأعلى للجامعات حلولاً قانونياً محل المستأجر الأصلي لها "الاتحاد العام لطلاب الجمهورية" هذه المنازعة تقوم على سند من الجد مما يمتنع معه على القضاء المستعجل الفصل فيها لمساس ذلك بأصل الحق. ومفاد هذا القضاء ولازمه أن يد وزارة التعليم العالي على الوحدة رقم 7 ليست يداً غاصبة وإنما تستند إلى سبب قانوني ومن ثم تزول حالة الاستعجال حتى إن صح أنها صاحبت طلب وقف التنفيذ وقت إيداع صحيفة الدعوى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحكم المقول بأن قرار الاستيلاء صدر بقصد تعطيل تنفيذه تكون قد زايلته حجيته ولم تعد له قائمة مما ينفي ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ إذ يبدو واضحاً أن القرار استهدف مواجهة خطر محقق على مرفق التعليم دون ما حاجة إلى بحث مدى توافر حالة الضرورة الملجئة ومع التأكيد على أن الشقة المذكورة رقم (7) كانت مشغولة بإحدى الإدارات، ولا يعني إغلاقها ساعة معاينتها إن وصح ذلك - أنها خالية لأن المحضر الذي تضمن هذه الواقعة - وهو لا يعدو أن يكون محضر جمع استدلالات ليس أهلاً للثقة به في الظروف التي تم تحريره فيها بإعداد مسبق من جانب المدعيين وفي غيبة موظفي الوزارة.
ومن حيث إن الطعن رقم 2016 لسنة 29 قضائية - المقام من ورثة المرحوم إلياس سليم صيدناوي يستند بدوره إلى سببين:
الأول: القصور في التسبيب إذ الثابت أن الشقق المستولى عليها بالقرار الطعين لا علاقة لها بوزارة التعليم وإنما كانت تشغل حتى تاريخ الاستيلاء بمعرفة اتحاد طلاب الجمهورية الذي تنفصل شخصيته المعنوية عن الوزارة المذكورة. يضاف إلى ذلك أن إخلاء الوزارة من الشقق ليس فيه مساس بسير مرفق التعليم لأن الأمر لا يتعلق بمدرسة وإنما بشقق سكنية أصحابها أولى بسكناها وفي مكنة الوزارة أن تجد بسهولة أماكن أخرى لشغل إدارتها ورغم أن الحكم قد أوضح أن الاستيلاء يعد طريقاً استثنائياً إلا أنه تحدث بعد ذلك عن الظروف الراهنة للإسكان الإداري والعادي وانتهى إلى القول بأن الوزارة اضطرت إلى استصدار القرار الطعين تحت إلحاح الحاجة والضرورة. كما أن الحكم بعد أن سلم بتوافر ركن الاستعجال تناقض مع نفسه حينما أراد أن يرتب النتيجة التي انتهى إليها مستنداً في ذلك إلى السلطة الاستثنائية التي خولها القانون لوزير التعليم في الاستيلاء في حين أن مناط هذه السلطة ضمان سير مرفق التعليم وهو أمر غير متوافر بالنسبة إلى موضوع الطعن الماثل. ومن ذلك يخلص إلى أن الحكم وقد انتهى إلى رفض طلب وقف التنفيذ بالنسبة للشقتين 1، 2 والاستجابة إليه بالنسبة للشقة رقم 7 وحدها قد جاء مشوباً بالقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون.
الثاني: الفساد في الاستدلال ذلك أن القرار المطعون فيه صدر معيباً بإساءة استعمال لسلطة وانطوى على تعطيل وحرمان لحقوق المدعيين التي كفلها الدستور، وسلبهم مساكنهم الخاصة في الوقت الذي يستأجرون فيه شققاً مفروشة. وقد أورد الحكم الطعين أن قرار الاستيلاء ظاهر البطلان بالنسبة إلى الشقة رقم 7 التي أثبتت معاينة الشرطة أنها خالية ومن ثم قضى بوقف تنفيذ القرار بخصوصها وحدها مع أن ما يسري على هذه الشقة ينطبق كذلك على الشقتين الأخريين لما هو ثابت من أن قرار الاستيلاء لم يبتغ المصلحة العامة ولا ضمان سير مرفق التعليم، ومن هنا يكون الحكم مشوباً بالفساد في الاستدلال.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول الذي يقوم عليه الطعن رقم 1953 لسنة 29 قضائية والخاص ببطلان الحكم المطعون فيه لصدوره دون تحضير الدعوى بمعرفة هيئة مفوضي الدولة فإن من المسلم أن هيئة مفوضي الدولة تعتبر وفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة أمينة على المنازعة الإدارية وعاملاً أساسياً في تحضيرها وتهيئتها للمرافعة وإبداء الرأي القانوني المحايد فيها، ومن ثم فالأصل أنه لا يسوغ الحكم في الدعوى الإدارية إلا بعد أن تقوم الهيئة بتحضيرها وإبداء رأيها القانوني مسبباً فيها بحيث يترتب على الإخلال بهذا الإجراء الجوهري بطلان الحكم الذي يصدر في الدعوى غير أن هذا الأصل لا يصدق على طلب وقف تنفيذ القرار الإداري المطلوب إلغاؤه، ذلك أن إرجاء الفصل في هذا الطلب لحين اكتمال تحضير الدعوى ينطوي على إغفال لطبيعته وتفويت لأغراضه وإهدار لطابع الاستعجال الذي يتسم به ويقوم عليه. وبناء على ذلك فقد جرى قضاء هذه المحكمة على إقرار ما أطردت عليه أحكام القضاء الإداري من الفصل في طلب وقف التنفيذ دون استلزم إجراءات التحضير من قبل هيئة مفوضي الدولة إدراكاً لطبيعة هذا الطلب وصحيح النظر في شأنه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى باقي الأوجه التي يقوم عليها الطعنان فإن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 8 من مايو سنة 1982 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه رقم 429 لسنة 1982 فقضى بالاستيلاء على الشقق أرقام 1، 4، 7 من العقار رقم 97 شارع الجمهورية لصالح وزارة التعليم العالي. وقد صدر هذا القرار استناداً إلى أحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهدها والذي ينص في المادة الأولى منه على أنه "يجوز لوزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خال يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم" ثم لحقه تعديل بالقانون رقم 252 لسنة 1960 الذي قضى في المادة الثالثة منه بأن يكون الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهدها بقرار من رئيس الجمهورية ثم فوض رئيس الوزراء في مباشرة هذا الاختصاص بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 30 لسنة 1982.
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة 49 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 قد نصت - أسوة بما درجت عليه قوانين مجلس الدولة المتعاقبة - على أن "لا يترتب على رفع الطلب (أي طلب الإلغاء) وقف تنفيذ القرار المطعون إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها" وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن طلب وقف التنفيذ يجب أن يقوم على ركنين:
الأول: الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
الثاني: الجدية بأن يكون ادعاء الطالب في طلب وقف التنفيذ قائماً على أسباب جدية يرجح معها الحكم بإلغاء القرار عند الفصل في الموضوع. وفيما يتعلق بالركن الأول فإن الأصل في القرار الإداري هو نفاذه وسريان حكمه إلى أن تبطله الإدارة نفسها أو تسحبه بحسب الأحوال أو يقضى بإلغائه. وبهذه المثابة فإن وقف تنفيذ القرار ينطوي على خروج على هذا الأصل ومن ثم لا يسوغ إلا حيث تدعو ضرورة ملحة لتفادي نتائج يتعذر تداركها لو لم يقض بوقف تنفيذه.
ومن حيث إنه بصرف النظر عن جدية أو عدم جدية الأسباب التي يستند إليها المدعون في طلب الحكم بوقف تنفيذ قرار الاستيلاء آنف الذكر - فإن البادي أن ركن الاستعجال غير متوافر في هذا الخصوص إذ الثابت أن الشقق الثلاث موضوع الاستيلاء كانت مؤجرة منذ عام 1968 إلى اتحاد طلاب الجمهورية، أي أنها لم تكن تحت يد المدعين منذ أمد طويل يرجع في الأقل إلى هذا التاريخ. ومن ثم فإن القرار لم يسلبهم حيازة كانت لهم على تلك الوحدات. ومن هنا يصعب القول - في ظل تلك الظروف والملابسات - بأن هذا القرار يخلق وضعاً يتعين مواجهته ودرء خطره وأن الاستمرار في تنفيذه يرتب نتائج يتعذر تداركها أو معالجة آثارها، إذ أن ما يصيب المدعيين من أضرار يمكن تداركه بطريق طلب التعويض عن القرار المطعون فيه إذا ما انتهى الأمر إلى تقرير عدم مشروعيته والحكم من ثم بإلغائه ولذا فإن طلب المدعين وقف تنفيذ القرار المذكور يغدو - والحالة هذا مفتقداً أحد ركنيه اللذين يجب أن يقوم عليهما مما يتعين معه القضاء برفضه دون ما حاجة إلى استظهار ركن الجدية وبطبيعة الحال دون مساس بطلب الإلغاء ذاته حتى يفصل في الموضوع.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار بالنسبة إلى الشقة رقم 7 قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله مما يوجب إلغاءه في هذا الخصوص. أما فيما يتعلق بالشقتين رقمي 1، 4 فقد تضمن قضاؤه رفض طلب وقف التنفيذ بالنسبة إليهما منتهياً في ذلك إلى ذات النتيجة التي خلصت إليها هذه المحكمة ومن ثم فإنه - محمولاً على الأسباب التي استند إليها هذا الحكم - يكون قد صادف حكم القانون مما يجعل الطعن عليه في هذا الصدد غير قائم على أساس من القانون ويتعين لذلك القضاء برفضه.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف تنفيذ قرار الاستيلاء على الشقة رقم 7 بالعقار رقم 97 شارع الجمهورية وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك وألزمت المدعيين المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق