جلسة 23 من مايو سنة 1991
برئاسة السيد المستشار: محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد وليد الجارحي، محمد محمد طيطه، محمد بدر الدين توفيق وشكري جمعة حسين.
----------------
(184)
الطعنان رقما 335، 336 لسنة 53 القضائية
(1 - 5) إيجار "إيجار الأماكن" "عقد الإيجار" "انتهاء عقد الإيجار". بيع "بيع حق الانتفاع". محكمة الموضوع. مسائل الواقع في العقد. عقد "تفسير العقد".
(1) العبرة في تكييف العقد بحقيقة الواقع وما عناه المتعاقدان. عدم الاعتداد بما يطلقه المتعاقدان عليه من أوصاف متى خالفت حقيقة التعاقد.
(2) التعرف على قصد المتعاقدين. من سلطة قاضي الموضوع. شرطه.
(3) عقد الإيجار. ماهيته. م 558 مدني. اختلافه عن عقد بيع حق الانتفاع، حق المستأجر حق شخصي وحق الانتفاع العيني يلزم تسجيله.
(4) موت المستأجر. لا ينهي عقد الإيجار. انتقال الحقوق والالتزامات الناشئة عنه إلى ورثته. لهم حق إنهاء عقد الإيجار إذا عقد بسبب حرفة مورثهم أو لاعتبارات متعلقة بشخصه. انقضاء حق الانتفاع حتماً بموت المنتفع. م 993/ مدني. علة ذلك.
(5) استخلاص محكمة الموضوع من النص في عقدي النزاع على أيلولة حق الانتفاع إلى الزوج والأولاد فقط دون سواهم من باقي الورثة في حالة وفاة أي من المطعون ضدهما وعلى حق الأخيرين بعد انتهاء مدة الانتفاع في الاستمرار في شغل الشقة بنفس الشروط الواردة في العقد أو بالقيمة الإيجارية التي تقدرها لجنة تقدير الأبحاث إلى انصراف النية المشتركة للمتعاقدين إلى اعتبارهما عقد إيجار. استخلاص سائغ يتفق وظروف العقد.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكمين المطعون فيهما وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده في الطعن رقم 335 لسنة 53 ق - عن نفسه وبصفته ولياً شرعياً على ابنته القاصر... أقام الطاعن الدعوى 8614 سنة 1980 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بصورية عقد بيع حق الانتفاع المؤرخ 8/ 8/ 1979 واعتباره عقد إيجار بالأجرة القانونية. وقال شرحاً لدعواه إن حاجته للحصول على مسكن يقيم فيه هو وأفراد أسرته دعته إلى الموافقة على ما عرضه عليه الطاعن من بيع حق الانتفاع بالشقة رقم 8 من العقار المملوك له المبين في الصحيفة مقابل ثمن مقداره عشرون ألف جنيه سدد منه مبلغ 9200 جنيه واتفق على سداد الباقي على أقساط سنوية قيمة كل منها 540 جنيهاً وذلك لمدة عشرين عاماً ونص في البند السابع من العقد على أنه في حالة وفاة المنتفع يؤول حق الانتفاع إلى زوجه وأولاده دون سواهم من ورثته كما نص في البند التاسع منه على أنه إذا رغب المشتري أن يستمر في شغل الشقة بعد انتهاء مدة الانتفاع فله ذلك إما بشروط العقد نفسها أو بالأجرة القانونية أيهما أكبر وإذ كان المستخلص من نصوص العقد ومن ظروف التعاقد أن عقد بيع حق الانتفاع عقد صوري يستر إجارة وقد أريد به التحايل على أحكام الأجرة القانونية واقتضاء مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار فقد أقام الدعوى وفي المقابل أقام الطاعن على المطعون ضده الدعوى 992 سنة 1981 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد بيع حق الانتفاع سالف البيان وتسليمه الشقة موضوعة مع إلزام المطعون ضده بأن يدفع إليه تعويضاً مقداره خمسة آلاف جنيه وذلك لتقاعسه عن تنفيذ التزامه بإنهاء إجراءات شهر العقد وتحقق الشرط الفاسخ الصريح وبعد أن ضمت محكمة أول درجة الدعويين حكمت بالطلبات في الدعوى الأولى وبرفض الدعوى الثانية. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1569 لسنة 99 ق القاهرة وبتاريخ 29/ 12/ 1982 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 335 لسنة 53 وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. كذلك أقام المطعون ضده المذكور عن نفسه وبصفته ولياً شرعياً على ابنه القاصر... وزوجته المطعون ضدها الأولى في الطعن رقم 336 لسنة 53 ق على الطاعن الدعوى 8613 سنة 1980 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بصورية العقد المؤرخ 8/ 8/ 1979 الذي باعهما به الطاعن الشقة رقم 7 من العقار ذاته واعتباره عقد إيجار بالأجرة القانونية وذلك للأسباب نفسها التي أقيمت عليها الدعوى الأولى. كما أقام الطاعن عليهما الدعوى 993 سنة 1981 مدني شمال القاهرة بطلب الحكم بفسخ العقد المشار إليه وتسليمه الشقة المنتفع بها مع إلزام المشترين بأن يدفعا إليه مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض وذلك لتقاعسهما عن إتمام إجراءات شهر العقد وتحقق الشرط الفاسخ الصريح. ضمت محكمة أول درجة الدعويين وحكمت بالطلبات في الدعوى الأولى وبرفض الدعوى الثانية. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 2002 لسنة 99 ق القاهرة. وبتاريخ 29/ 12/ 1982 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 336 لسنة 53 وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وفي جلسة المرافعة التزمت النيابة رأيها وأمرت المحكمة بضم هذا الطعن الأخير إلى الطعن الأول.
وحيث إن الطعنين أقيما على عشرة أسباب ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق والإخلال بحق الدفاع. وفي بيان ذلك يقول إن الحكمين المطعون فيهما خلطا بين عقد بيع حق الانتفاع وعقد الإيجار، وبالمخالفة للثابت في عقدي بيع حق الانتفاع موضوع النزاع افترض الحكمان أنه التزم بتمكين المطعون ضدهما من الانتفاع بالشقتين محل التعاقد وذلك توصلاً إلى تكييفهما بأنهما عقدا إيجار في حين أنهما خليا من مثل هذا الالتزام. هذا إلى أن المطعون ضدهما لم يزعما أن إرادة أي من طرفي التعاقد قد انصرفت إلى التأجير وقصارى ما جرى به دفاعهما أنه - الطاعن - رفض التعامل معهما إلا على أساس بيع حق الانتفاع بالشقتين المشار إليهما. كذلك فقد أهدر الحكمان ما قدمه من مستندات للتدليل على أن المشترين منه أقرا بيع حق الانتفاع وقدما طلبين لشهر هذا الحق، كما التفت الحكمان عن دفاعه الذي جرى بأن الغرض الذي كان مستهدفاً من الشراء هو استغلال هاتين الشقتين لإسكانهما وأنه لا مانع في القانون يمنع من الاتفاق على أنه في حالة وفاة أحد المنتفعين تؤول حصته إلى من يوجد منهم على قيد الحياة وذلك على نحو ما نص عليه في البند السابع من العقدين، وبافتراض بطلان هذا الشرط فإنه لا يستتبع اعتبار العقد عقد إيجار وإنما يصح العقد - باعتباره بيعاً لحق الانتفاع ما لم يثبت أن المنتفع ما كان ليتعاقد دون هذا الشرط فيبطل العقد برمته ولكنه لا يتحول إلى عقد إيجار. وإذ خالف الحكمان المطعون فيهما هذا النظر فإنهما يكونان معيبان بما يستوجب نقضهما.
وحيث إن هذا النعي في جملته غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هي بما حواه من نصوص وبما عناه المتعاقدان دون اعتداد بما أطلقوه عليه من أوصاف متى تبين أن هذه الأوصاف تخالف الحقيقة. ولمحكمة الموضوع استخلاص هذه النية وما انعقد عليه اتفاقهما مستهدية في ذلك بحقيقة الواقع والنية المشتركة وطبيعة التعامل والعرف الجاري في المعاملات وظروف التعاقد وبالطريقة التي يتم بها تنفيذ العقد شريطة أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق. ولما كانت المادة 558 من القانون المدني قد عرفت عقد الإيجار بأنه "عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم "فإنه قد يلتبس بعقد بيع الانتفاع باعتبار أن كلاً من المنتفع والمستأجر ينتفع بشيء لا يملكه مدة معينة لقاء جعل من المال إلا أن حق الانتفاع حق عيني يلزم تسجيله فتصبح للمنتفع سلطة على الشيء المنتفع به دون وساطة مالك الرقبة، في حين أن حق المستأجر بطبيعته حق شخصي يجعل المستأجر دائناً للمؤجر بالانتفاع بالعين المؤجرة، والقاعدة العامة أن موت المستأجر لا ينهي عقد الإيجار بل تنتقل الحقوق والالتزامات الناشئة عنه إلى ورثته أخذاً بأن الأصل في العقود المالية أنها لا تبرم عادة لاعتبارات شخصية والأصل أن الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد تنتقل إلى ورثة المستأجر وإن كان لهم حق إنهائه إذا كان لم يعقد إلا بسبب حرفة مورثهم أو لاعتبارات أخرى متعلقة بشخصه وذلك بخلاف حق الانتفاع الذي ينتهي حتماً بموت المنتفع طبقاً للمادة 993/ 1 من القانون المدني حتى قبل انقضاء الأجل المعين له لما ينطوي عليه من انتقاص من حق الملكية. لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على العقدين محل النزاع أنه نص في البند السابع من كل منهما على أنه في حالة وفاة أي من المطعون ضدهما يؤول حق الانتفاع إلى الزوج والأولاد فقط دون سواهم من باقي الورثة فإن هذا الشرط ينافي طبيعة بيع حق الانتفاع ويخرج التعاقد عن نطاقه، كما أن النص في البند التاسع منهما على أنه إذا رغب المطعون ضدهما بعد الانتهاء مدة الانتفاع أن يستمرا في شغل الشقة يحق لهما ذلك إما بنفس الشروط الواردة في العقد أو بالقيمة الإيجارية التي تقدرها لجنة تقدير الإيجارات مؤداه أن طبيعة التعامل والنية المشتركة للمتعاقدين وطريقة تنفيذ العقد يرجح معها أنه عقد إيجار وليس بيعاً لحق انتفاع. لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع قد استخلصت من هذين البندين ومن ظروف التعاقد أن العقدين موضوع النزاع في حقيقتهما عقدا إيجار وهو استخلاص سائغ يتفق مع ما جرت به عبارات البندين سالفي الذكر ويتساند مع ظروف التعاقد، فإنها تكون قد نهجت نهجاً صحيحاً في تكييف العقدين، ولم تخرج في تفسيرها لنصوصهما عما تحتمله عباراتهما. ووفقاً لهذا التكييف الصحيح الذي استظهرت به المحكمة إرادة الطرفين فإن الشرط الوارد في البند السابع في كل من العقدين والحال هذه يكون غير منفصل عن جملة التعاقد ويصبح غير سديد ما يثيره الطاعن من أن العقد يصبح كبيع لحق انتفاع بينما يبطل ذلك الشرط، ويكون النعي برمته على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق