جلسة 29 من أكتوبر سنة 1959
برياسة السيد محمد فؤاد جابر المستشار، وبحضور السادة: محمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع المستشارين.
----------------
(95)
الطعن رقم 276 لسنة 25 القضائية
جمارك. تقادم.
التهريب والتصدير والإخراج في تعبير اللائحة الجمركية لا يعد من قبيل الأفعال الجنائية التي يتحدد سقوط الدعوى التي ترفع عنها بالمدد المقررة في المواد الجنائية. انطباق أحكام تقادم الالتزام المقررة بالقانون المدني على هذه الأفعال.
المحكمة
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بموجب عقد رسمي محرر في 20 من يونيه سنة 1942 اشترى المطعون عليه من محمد علي الزين السفينة الشراعية "نصره" ولما طالبته إدارة النقل البحري بوزارة المواصلات خلال الأشهر يوليه وسبتمبر ونوفمبر من عام 1942 بتقديم الشهادة الدالة على تسجيل السفينة احتج بوجودها بميناء حيفا ووعد بتقديم الشهادة المطلوبة بعد عودتها من رحلتها. وفي 21/ 11/ 1948 جددت ذات الإدارة مطالبته فقرر بأن السفينة تحطمت في مياه ميناء حيفا ولم تعد... فقدم المطعون عليه إلى اللجنة الجمركية ببور سعيد لمحاكمته بتهمة تصدير سفينة إلى الخارج بغير ترخيص بالمخالفة لأحكام المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1939، وقررت اللجنة في 24/ 11/ 1951 إدانته عن التهمة المنسوبة إليه ومصادرة السفينة لجانب الحكومة وحفظ حق المصلحة في مطالبته بثمنها في حالة تعذر تنفيذ قرار المصادرة. فعارض المطعون عليه في هذا القرار أمام محكمة بور سعيد الابتدائية، وقيدت معارضته برقم 2 لسنة 1952 تجاري بور سعيد، وطلب إلغاء قرار اللجنة الجمركية واعتباره كأن لم يكن وبراءته من تهمة التهريب المسندة إليه، ودفع بانقضاء الدعوى عن هذه التهمة بمضي المدة القانونية المقررة في مواد الجنح وهي ثلاث سنوات باعتبار أن الدعوى جنائية وأن فعل التهريب وإن لم ينص عليه بقانون العقوبات، إلا أنه يعد جريمة طبقاً للائحة الجمركية والمرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1939 الذي حظر تصدير جميع وسائل النقل بغير ترخيص وجعل الجزاء على مخالفة ذلك الغرامة التي تجاوز أضعاف الضريبة المقررة. وبتاريخ 18/ 5/ 1952 قضت محكمة بور سعيد الابتدائية بقبول المعارضة شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة الجمركية المطعون فيه بجميع مشتملاته لانقضاء أكثر من ثلاث سنوات من وقت وقوع فعل التهريب الذي تم بمغادرة السفينة المياه المصرية عام 1942 حتى 21/ 11/ 1948 وهو تاريخ مطالبته بشهادة التسجيل وما تلا ذلك من محاكمته عام 1949. فاستأنفت مصلحة الجمارك هذا الحكم، وقيد استئنافها أمام محكمة استئناف المنصورة برقم 67 تجاري سنة 9 قضائية. وقضت المحكمة الاستئنافية في 22/ 11/ 1953 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون، وأبدت النيابة رأيها بنقض الحكم، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية لجلسة 15 من أكتوبر سنة 1959، وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد محصله أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ أقام قضاءه على أن فعل التهريب الجمركي يعد جريمة جنائية - جنحة - تخضع الدعوى التي ترفع عنه لأحكام التقادم المقررة لمواد الجنح ومدته ثلاث سنوات، ذلك أن هذا الفعل يعد جريمة اعتبارية ذات طبيعة خاصة لا تدخل بموجبها في عداد الجرائم الجنائية، فدعوى التهريب لا تباشرها النيابة العامة، وإنما تتولاها وتفصل فيها اللجان الجمركية، ويجري الطعن في قرار هذه اللجان أمام المحاكم التجارية، والقول بتغليب الصفة الجنائية على الغرامة الجمركية التي يحكم بها على فعل التهريب لتجاوزها أضعاف الرسوم المقررة - هذا القول يتعارض ومبدأ شخصية العقوبة لجواز الحكم بالغرامة الجمركية على مالك البضاعة وربان السفينة ولو لم يكن متهماً بتهريبها. وليس صحيحاً ما ذكره الحكم من أن المصادرة التي يحكم بها على فعل التهريب لا تتأتى إلا لمناسبة جريمة، وذلك أن المصادرة ليست قاصرة على الجرائم الجنائية وإنما قد يحكم بها أيضاً في المسائل المدنية.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الأفعال التي عبرت عنها اللائحة الجمركية والقوانين الملحقة بها بتهريب البضائع ووسائل النقل أو تصديرها أو محاولة إخراجها بغير ترخيص سابق من جهات الاختصاص - لا تعد من قبيل الأفعال الجنائية التي يتحدد سقوط الدعوى التي ترفع عنها بالمدد المقررة في المواد الجنائية طبقاً لأحكام قانون تحقيق الجنايات وقانون الإجراءات الجنائية الذي أعقبه وإنما ينطبق على هذه الأفعال أحكام تقادم الالتزام المقررة بالقانون المدني، إذ أن ما يستهدفه المشرع من مجموع الأحكام المتعلقة بالأفعال المشار إليها هو مجرد الحصول على الرسوم المقررة وتعويض مجز يستحث به الأفراد على دفع الرسم ومباشرة حقوقهم في الحدود التي نظمت لهم بغير إضرار بالخزانة العامة. ومما يؤيد استخلاص قصد المشرع على هذا النحو باعتبار هذه الأفعال ذات طبيعة مدنية أنه جعل الاختصاص بمباشرة الدعاوى المتعلقة بها والفصل فيها للجان الجمركية وخص الدوائر التجارية بالمحاكم الابتدائية والاستئنافية بنظر الطعون في هذه القرارات. ولا يقدح في هذا النظر ما أشارت إليه اللائحة الجمركية والقوانين الملحقة بها من اعتبار موظفي الجمارك من رجال الضبطية القضائية لهم سلطة القبض على مرتكبي أفعال التهريب وما إليها وحبسهم والإفراج عنهم، ذلك أن هذه الإجراءات إن هي إلا احتياط ضروري قصد به المشرع ضمان استخلاص حق الخزانة في الرسوم والتعويض، فلا تخرج أفعال التهريب بسبب هذه الإجراءات عن طبيعتها الحقيقية باعتبارها أفعالاً ترتب المساءلة المدنية في الحدود التي رسمها القانون. ويظهر قصد المشرع هذا بجلاء من النص بالمادة 36 من اللائحة الجمركية على تحصيل الغرامة التي يحكم بها من "الفاعلين والشركاء وكذا من أصحاب البضائع وقباطين السفن، وتكون البضائع والسفن ضامنة بحسب الظروف لتسديد الرسوم والغرامات" وتحصيل الغرامة واقتضاؤها على هذا النحو ينم عن استبعاد الشارع لفكرة العقوبة الجنائية. هذا فضلاً عما نص عليه بالمادة 34 من اللائحة الجمركية من أن "العقوبات في مواد التهريب يلتزم بها الفاعلون والشركاء وأصحاب البضائع بطريق التضامن" وما قررته المادة 33 من حق صاحب البضاعة في تعويض الضرر الذي لحق به فيما لو قضى بإلغاء القرار الصادر من اللجنة الجمركية. كل ذلك يدل على قصد المشرع في اقتضاء المبلغ المحكوم به باعتباره يمثل الرسوم المستحقة له وتعويض الضرر الذي لحق بالخزانة العامة، هذا إلى أن ما نص عليه من جواز التنفيذ بطريق الإكراه البدني، وكذلك ما جاء بالفقرة الثانية من المادة 33 من اللائحة الجمركية من جواز الحكم بمصادرة البضائع وجميع وسائل النقل وأدوات التهريب، فإن ذلك لا يغير من طبيعة الأفعال المشار إليها باللائحة باعتبارها أفعالاً ذات صفة مدنية، إذ أن التنفيذ بطريق الإكراه البدني وكذلك المصادرة ليس من شأنهما أن يضفيا على الفعل الوصف الجنائي. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بإلغاء قرار اللجنة الجمركية الصادر في 24/ 11/ 1951 على انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على الفعل المنسوب إلى المطعون عليه وهو تصدير المركب "نصره" إلى الخارج بغير ترخيص، باعتبار هذا الفعل جريمة جنائية تسقط الدعوى به بمضي ثلاث سنوات طبقاً للأحكام المقررة للسقوط في مواد الجنح وكان هذا النظر خاطئاً قانوناً على ما سلف بيانه، فيتعين نقض الحكم المطعون فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق