جلسة 31 من أكتوبر سنة 1982
برئاسة السيد المستشار/ محمد البنداري العشري نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم فراج، وعبد العزيز فودة، ومحمد لطفي السيد، ومحمد لبيب الخضري.
------------------
(157)
الطعن رقم 343 لسنة 49 القضائية
(1) عقد "أثر العقد". عقد بيع.
عقد البيع النهائي دون العقد الابتدائي هو قانون المتعاقدين. شرطه. أن يكون هذا العقد صحيحاً وخالياً من الطاعن (مثال لثبوت صورية الثمن في العقد النهائي).
(2 - 4) محكمة الموضوع "سلطتها في فهم الواقع واستخلاص القرائن وتقدير الدليل". خبرة. حكم "تسبيب الحكم".
(2) لمحكمة الموضوع فهم الواقع واستخلاص القرائن بغير معقب من محكمة النقض. شرطه. أن يكون استخلاصها سائغاً وله سنده من الأوراق.
(3) لمحكمة الموضوع متى أحالت الدعوى إلى التحقيق أن تعتمد في استجلاء الحقيقة على أنه قرينة تطرح عليها.
(4) لمحكمة الموضوع أن تأخذ بتقرير الخبير..... على أسبابه عدم التزامها بالرد استقالاً على المطعون الموجه إليه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنتين أقامتا الدعوى رقم 2673 سنة 1975 مدني كلي جنوب القاهرة على المطعون ضدهما بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين أن يؤديا لهما مبلغ 4614 ج و597 م منه مبلغ 2614 ج و597 م فرق الثمن المستحق لهما ومبلغ 2000 ج كتعويض وقالتا بياناً لها إنه بموجب عقد بيع مؤرخ في 1/ 6/ 1964 ومشهر في 25/ 7/ 1964 اشترى والدهما ووالدتهما قطعة أرض فضاء لقاء ثمن قدره 1028 ج و603 م على أن يكون للطاعنتين حق الرقبة ولوالديهما حق الانتفاع، وبتاريخ 16/ 11/ 1968 باع والدهما بصفته ولياً طبيعياً عليهما الأرض المشار إليها للمطعون ضدهما بموجب عقد بيع أشهر في 18/ 11/ 1968 لقاء ثمن قدره 1028 ج و603 م، ولما كان هذا البيع ينطوي على غبن يزيد على خمس الثمن ولهما الحق في تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل فقد أقامتا هذه الدعوى بطلباتهما السالفة البيان، وبتاريخ 1/ 5/ 76 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنتان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2486 سنة 93 ق - وبجلسة 12/ 2/ 1977 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لأداء المأمورية المبينة بمنطوق الحكم، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت بتاريخ 15/ 3/ 1978 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما تدون بمنطوق الحكم، وبعد تنفيذه قضت في 26/ 12/ 1978 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنتان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، وتحدد لنظره أخيراً جلسة 3/ 10/ 1982 وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب تنعى الطاعنتان بالوجهين الأول والثاني من السبب الأول وبالأسباب الرابع والخامس والسادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والخطأ في فهم الواقع ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك تقولان إنهما أسستا دفاعهما على أن عقد البيع النهائي، دون العقد الابتدائي - وهو ما يتعين الاعتداد به وأنه لا يجوز إثبات عكس ما جاء فيه إلا بالكتابة وطبقاً للقانون فإن من يدعي صوريته عليه عبء إثبات ذلك، ولكن محكمة الاستئناف لم تعتد بالعقد النهائي وفهمت خطأ من إفصاح الطاعنتين عن السبب في رفع مقدار الثمن في العقد الابتدائي أنهما تدفعان بصوريته وأن العقد النهائي ورقة ضد له ومبدأ ثبوت بالكتابة يجيز إثبات عكس ما جاء فيه بغير الكتابة ثم أحالت الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنتان صورية الثمن الذي جاء فيه وأن الثمن الحقيقي هو ما جاء في العقد النهائي فقلبت بذلك عبء الإثبات وجعلته على الطاعنتين ثم انتهت إلى تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى تأسيساً على أن الطاعنتين قد أخفقتا في إثبات صورية الثمن الوارد بالعقد الابتدائي وأن الثمن الوارد به حقيقي والثمن الوارد في العقد النهائي صوري وبذلك تكون قد استبعدت العقد النهائي وخالفت الثابت فيه وقضت بصوريته بغير دليل مما يجعل الحكم المطعون فيه مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون وفي فهم الواقع ومخالفة الثابت في الأوراق ويتعين نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك لأنه ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن عقد البيع النهائي - دون العقد الابتدائي - هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين إلا أن ذلك مشروط بأن يكون هذا العقد صحيحاً وخالياً من المطاعن، ولما كان المطعون ضدهما قد طعنا على عقد البيع النهائي بصورية الثمن المنصوص عليه فيه وقدما عقد البيع الابتدائي الصادر من الطاعنتين للتدليل على ذلك فاعتبرته محكمة الاستئناف في حكمها الصادر في 15/ 3/ 1978 دليلاً كتابياً وورقة ضد تنفي ما جاء في العقد النهائي وكان قول الطاعنتين أمام الخبير طبقاً لما أقرتا به في تقرير الطعن من أن السبب في رفع مقدار الثمن في العقد الابتدائي راجع إلى أنه أعد لتقديمه للجنة الإيجارات بقصد تحسين أجرة وحدات المبنى يسوغ عقلاً ومنطقاً ما فهمته محكمة الاستئناف من أن الطاعنتين تدفعان بصوريته وقد قدمتا العقد النهائي للتدليل على ذلك فاعتبرته المحكمة دليلاً كتابياً ورقة ضد تنفي ما جاء فيه ثم أحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت كل من طرفي الدعوى مدعاً استجلاء الحقيقة في مقدار الثمن الذي لم يعد أمامها دليل كتابي كامل يكفي لتكوين عقيدتها في شأنه واستمعت إلى أقوال شاهد الطاعنين فلم تطمئن لها وساقت القرائن التي استخلصتها استخلاصاً سائغاً من أوراق الدعوى بلا مطعن إليها في ذلك واستندت إليها في تكوين عقيدتها بأن عقد البيع الابتدائي عقد جدي وأن الثمن الوارد فيه هو الثمن الذي اتفق عليه المتعاقدان أما الثمن الوارد في العقد النهائي فهو ثمن صوري، ومؤدى ذلك أن الثمن الوارد في عقد البيع الابتدائي هو ذات الثمن المتفق عليه بين المتعاقدين في العقد النهائي وهو الذي استقرت عليه العلاقة بينهما ولا يقدح في ذلك أن يكونا قد اشتراه بثمن صوري آخر ذكراه في عقد البيع النهائي وثبتت صوريته، ذلك أن ثبوت الصورية يبطل الظاهر وينهض به المستور صحيحاً، ومن ثم فلا فرق بين العقدين الابتدائي والنهائي في الثمن الحقيقي المتفق عليه بين الطرفين والذي اعتد به الحكم المطعون فيه ويكون الحكم على خلاف ما تدعيه الطاعنتان - قد اعتد بالعقد النهائي طبقاً لحقيقته التي ثبتت للمحكمة بعد ثبوت صورية ما جاء فيه من ثمن وثبوت أن الثمن الحقيقي هو ما جاء في العقد الابتدائي إذ العبرة قانوناً هي بالحقيقة الواقعية التي تثبت للمحكمة بطرق الإثبات المقبولة قانوناً لا بما يدعيه الخصوم على خلاف الحقيقة ولو تضمنته ورقة مكتوبة. ولما كان من المقرر أنه لا معقب من النقض على محكمة الموضوع في فهمها للواقع وفي استخلاصها للقرائن متى كان استخلاصها لما استخلصت سائغاً ومقبولاً وله سنده من الأوراق وأنه متى قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات واقعة ما أو نفيها كان لها أن تعتمد في استجلاء الحقيقة على أية قرينة تطرح عليها، وكان مؤدى فهم محكمة الاستئناف للواقع على هذا النحو الصحيح أن الطاعنتين قد دفعتا بصورية العقد الابتدائي فيكون تحميلهما عبء إثبات الصورية التي تدعيانها صحيحاً في القانون وإذ كان المطعون ضدهما قد دفعا بصورية العقد النهائي طبقاً لما تقدم وكانت المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 15/ 3/ 1978 أهدرت الدليل الكتابي الذي قدمه كل طرف للتدليل على صحة دفعه بالدليل الكتابي المقدم من الآخر، ومفاد ذلك أن الدعوى في خصوص الثمن الحقيقي المتفق عليه في العقد الذي يتناضلان حوله أصبحت خلواً من أي دليل كتابي في شأنه ومن ثم فلم يعد أمامها حائل قانوني يمنعها وهي في سبيل استجلاء الحقيقة أن تحيل الدعوى إلى التحقيق ليثبت كل طرف مدعاة في شأنه ولينفيه الآخر وقد تنفذ حكم التحقيق والتفتت المحكمة عن أقوال شاهد الطاعنتين بما لها من سلطة مطلقة في تقدير الأدلة وساقت القرائن التي استخلصتها من الأوراق استخلاصاً سائغاً ومقبولاً من أنها ناقشت ولد الطاعنتين ووليهما الطبيعي في شأن توقيعه على العقد الابتدائي وعلى إيصال استلامه هو وزوجته مبلغ 2600 ج وهو ما يساوي ضعف الثمن الوارد في العقد النهائي تقريباً - فقال إنه لم يحضر للاستجواب وأنه لا يعلم شيئاً عن هذا الموضوع وامتنع عن الإجابة عما إذا كان التوقيع الثابت على عقد البيع الابتدائي وعلى الإيصال هو توقيعه، ومن أنه ليس يعقل أن يدفع المشتري الثمن إلى البائع أمام مأمورية الشهر العقاري في الطريق العام - كما قرر شاهد الطاعنين - وقد حضر الطرفان إلى المأمورية للتوقيع على العقد النهائي وأنه لم يجر العرف بأن يدفع كامل الثمن عند التوقيع على العقد النهائي أي بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة للتوقيع عليه، ومن مجموع ذلك انتهت المحكمة إلى أنها تطمئن إلى أن عقد البيع الابتدائي هو عقد جدي غير صوري وأن الثمن الوارد به هو الثمن الذي اتفق عليه المتعاقدان أما الثمن الوارد بالعقد النهائي فهو ثمن صوري - ولما كانت هذه القرائن كافية لحمل قضائها - وكان ما تقدم - فإن الحكم المطعون فيه يكون قد فهم الواقع فهماً صحيحاً وجاء قضاؤه موافقاً لصحيح القانون ومحمولاً على قرائن مستخلصة من الأوراق استخلاصاً سائغاً وكافية لحمله ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون والخطأ في فهم الواقع ومخالفة الثابت في الأوراق على غير أساس ومتعيناً رفضه.
وحيث إن الطاعنتين تنعيان بالوجه الثالث من السبب الأول وبالسبب الثالث بطلان الحكم المطعون فيه لوروده على غير محل وللتناقض في الأسباب وفي بيان ذلك تقولان إن الحكم الصادر بجلسة 13/ 1/ 1977 قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبالتالي فإن المحكمة تكون قد استنفدت ولايتها ولا يسوغ لها بعد ذلك معاودة بحث تعديله أو تأييده ومع ذلك فقد عادت المحكمة وقالت في أسباب حكمها الأخير الصادر في 21/ 12/ 1978 أن الاستئناف قد أقيم على غير أساس متعيناً رفضه وتأييد الحكم المستأنف، ومن ثم كان الحكم المطعون فيه باطلاً لوروده على غير محل وللتناقض في الأسباب.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن البين من الحكم الصادر بجلسة 13/ 1/ 1977 أن قضاءه في المنطوق بإلغاء الحكم المستأنف مرتبط بما أورده من أسباب في هذا الخصوص من أن العقد سند الطاعنتين في دعواهما بتكملة الثمن ودرء الغبن الذي قضى الحكم المستأنف في أسبابه ببطلانه باعتباره وصية مستترة في عقد البيع - هو بالنسبة لهما عقد بيع تام وليس وصية مستترة. لما كان ذلك، فإن إلغاء الحكم المستأنف في منطوق الحكم الصادر في 13/ 1/ 77 يكون قد انصب على القضاء ببطلان العقد دون القضاء في موضوع الدعوى برفضها والذي ظل باقياً حتى تأيد بالحكم الأخير المطعون فيه، كما أنه من المقرر أن التناقض الذي يبطل الحكم هو التناقض في الأسباب الذي يتماحى به فلا يبقى منها ما يحمل الحكم. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي تدعيه الطاعنتان هو في حقيقة تناقض بين منطوق الحكمين وأن تردد هذا المنطوق في الأسباب فإن النعي به غير مقبول ومن ثم يكون النعي برمته في غير محله.
وحيث إن الطاعنتين تنعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك تقولان إن الحكم لم يرد على دفاعهما فإن العقد النهائي - دون الابتدائي - هو الذي يحدد العلاقة بين الطرفين كما أن الحكم لم يناقش دفاعهما من أن الخبير قد استبعد مستنداتهما الدالة على ارتفاع ثمن الأرض عما قدره الخبير.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بما سبق أن تناوله الرد على الوجهين الأول والثاني من السبب الأول من أن ما ثبت للمحكمة بتسبيب صحيح هو أن الثمن الحقيقي المتفق عليه بين المتعاقدين في العقدين واحد لم يتغير، كما أنه مردود في وجهه الثاني بأن محكمة الموضوع متى رأت في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه فإنها لا تكون بعد ذلك ملزمة بالرد استقلالاً على ما يوجهه الخصوم من طعون إلى ذلك التقرير ومتى كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور والإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق