جلسة 19 من فبراير سنة 1972
برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد صلاح الدين السعيد ويحيى توفيق الجارحي وأبو بكر محمد عطية. المستشارين.
----------------
(37)
القضية رقم 1147 لسنة 15 القضائية
عاملون مدنيون "أجازة. انتهاء الخدمة" - قرار إداري.
القانون رقم 112 لسنة 1962 يمنح موظفي وعمال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة المرضى بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة أجازات مرضية استثنائية بمرتب كامل - تقريره منح العامل المريض بأحد هذه الأمراض أجازة مرضية استثنائية بمرتب كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته المرضية استقراراً يمكنه من العودة إلى عمله - القومسيون الطبي هو الجهة الفنية المختصة بتقرير الحالة المرضية للعامل في تطبيق هذا القانون - قرار القومسيون الطبي في هذا الخصوص هو ركن السبب في القرار الذي تصدره الجهة الإدارية في شأن العامل المريض - ببيان ذلك.
"المحكمة"
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة:
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية:
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من الأوراق - في أن المدعية أقامت الدعوى رقم 1071 لسنة 21 القضائية ضد السيدين/ وزير التربية والتعليم، ومحافظ القاهرة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 22 من أبريل سنة 1967 طلبت فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر بفصلها من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهما المصروفات والأتعاب. وقالت المدعية بياناً لدعواها أنها كانت تشغل وظيفة مدرسة "بالدرجة السابعة" بالمرحلة الأولى بمنطقة وسط القاهرة التعليمية، وقد أصيبت أثناء خدمتها بمدرسة الدرب الأحمر بمرض عقلي أدخلت بسببه مستشفى الأمراض العقلية في 13 من أكتوبر سنة 1960 وظلت به حتى 23 من يونيه سنة 1964 وفيه أفرج عنها لتحسن حالتها وذلك طبقاً لكتاب المستشفى المؤرخ 14/ 9/ 1965. وكان القومسيون الطبي العام قد منحها أجازات مرضية انتهت في 25 من يناير سنة 1963، ثم قرر القومسيون بجلسته 31 من أكتوبر سنة 1963 بأنه لديها اضطراب عقلي وبعدم لياقتها للبقاء في الخدمة وبأنها عاجزة عجزاً جزئياً وأشار بمنحها أجازة مرضية استثنائية بدون مرتب حتى 15 من سبتمبر سنة 1963. وأضافت أن المقصود بعبارة العجز الجزئي هو أن حالتها ليست خطيرة بل محتملة الشفاء. وأنه لما صدر القانون رقم 112 لسنة 1963 استطلعت محافظة القاهرة رأي ديوان الموظفين في شأن حالة المدعية، فأجاب الديوان بأنه يجوز استفادتها من تطبيق أحكام هذا القانون، وقد قامت إدارة شئون العاملين بالمحافظة بإخطار منطقة وسط القاهرة بذلك فمنحت وزارة التربية والتعليم المدعية أجازة إلى ما بعد تطبيق القانون المذكور. ولكن القومسيون الطبي العام قرر عدم لياقتها للبقاء بالخدمة وقال أنه يمكن احتساب أجازتها السابقة لهذا القرار أجازة استثنائية طبقاً لأحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 ثم استمرت المنطقة في أخذ ورد بالنسبة لتسوية حالة المدعية إلى أن فوجئت بصدور قرار من محافظ القاهرة بفصلها من الخدمة اعتباراً من 31 من يوليه سنة 1963. ونعت المدعية على قرار الفصل بأنه صدر مخالفاً للقانون ويتعارض مع نص وروح القانون رقم 112 لسنة 1963 والذي صدر علاجاً للحالات المماثلة وقضى بمنح أجازات مرضية استثنائية بمرتب خاصة بعد أن انتهى علاج المدعية بمستشفى الأمراض العقلية وخروجها منها لشفائها.
وقدمت المدعية أثناء نظر الدعوى مذكرة تضمنت أن القومسيون الطبي العام قد عاد وقرر بتاريخ 22 من يونيه سنة 1968 أنها لائقة لإعادة الدخول في الخدمة وبذلك يكون قراره السابق الذي بني عليه قرار الفصل المطعون فيه غير سليم، كما تضمنت المذكرة أن السيد/ وزير التربية والتعليم قد أحال شكوى المدعية إلى إدارة الشئون القانونية التي أعدت مذكرة بالموافقة على إعادتها للخدمة وطلبت من المحكمة ضم هذا الملف.
واكتفت الجهة الإدارية - رداً على الدعوى - بإيداع القرار المطعون فيه ونتيجة الكشف الطبي على المدعية بجلسة القومسيون الطبي العام في 25 من أكتوبر سنة 1965، وكذلك ملف التظلم الإداري وملف خدمة المدعية.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة إلى المحكمة تقريراً مسبباً برأيها القانوني في الدعوى انتهت فيه إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعية المصروفات.
وبجلسة 5 من مارس سنة 1966 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً مع إلزام المدعية المصروفات. وحاصل مع استندت إليه المحكمة في قضائها قولها أنه إذا كان مناط منح الأجازة الاستثنائية المنصوص عليها في القانون رقم 112 لسنة 1963 أن يكون المريض قابلاً للشفاء أو لاستقرار حالته استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته وكان هذا الاستثناء من القواعد العامة للأجازات المرضية المنصوص عليها في قوانين التوظف يقدر بقدره ولا يتوسع فيه ولا يقاس عليه، ولما كان القومسيون الطبي العام قد قرر بجلسته المنعقدة في 31 من أكتوبر سنة 1963 عدم لياقة السيدة/.... للبقاء في الخدمة صحياً لكون حالتها قد أصبحت غير صالحة للشفاء أو للاستقرار الذي يمكن من عودتها لمباشرة أعمال وظيفتها - مع احتساب أجازاتها السابقة على هذا القرار أجازة استثنائية طبقاً للقانون رقم 112 لسنة 1963 - فإن قراره هذا يكون متفقاً مع القانون، وأنه لهذا يكون القرار المطعون فيه الصادر بإنهاء خدمة المدعية اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1963 تاريخ استنفادها لجميع أجازاتها المرضية المستحقة ولعدم لياقتها للخدمة قد صدر متفقاً وحكم القانون رقم 112 لسنة 1963 وتطبيقاً للبند الثاني من المادة 77 من قانون العاملين المدنيين للدولة رقم 46 لسنة 1964 الذي يقضي بإنهاء خدمة العامل لعدم اللياقة للخدمة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأوجه الآتية:
الأول - أن المحكمة لم تلتفت إلى ما قدمته المدعية من مستندات بجلسة 4 من ديسمبر سنة 1968 بأنه قد صدر قرار القومسيون الطبي العام في 22 من يونيه سنة 1968 بشفائها وأنها أصبحت لائقة لعودتها للخدمة.
الثاني - أن قرار الفصل قام على أساس أن مرض المدعية غير قابل للشفاء استناداً إلى قرار القومسيون الطبي العام الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1963، وقد ثبت أنه عاد تقرير شفاءها في 22 من يونيه سنة 1968 وبأنها لائقة للعودة للخدمة وبذلك يكون قراره الأخير كاشفاً عن حالتها أصلاً وبذلك تخضع للقانون رقم 112 لسنة 1963.
الثالث - أن المدعية كانت قد طلبت من محكمة القضاء الإداري ضم ملفها الموجود بالوزارة والذي انتهى فيه السيد الوزير إلى إعادتها للخدمة ولكن صدور الحكم عطل تنفيذ القرار الوزاري.
رابعاً - لم تأخذ المحكمة بالاتجاه الإنساني الذي سار فيه المشرع في القانون رقم 112 لسنة 1963.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعية وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
ومن حيث إن محافظة القاهرة المطعون ضدها قد عقبت على هذا التقرير بمذكرة طلبت فيها الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعنة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وتضمنت المذكرة الإقرار بأن الطاعنة قد عرضت ثلاث مرات على القومسيون الطبي العام لتوقيع الكشف الطبي عليها وبيان حالتها فأصدر القومسيون قرارات ثلاثة: الأول منها بتاريخ 31 من أكتوبر سنة 1963 قرر فيه بأنها غير لائقة للبقاء في الخدمة وتعتبر عاجزة عجزاً جزئياً، والتقرير الثاني بتاريخ الأول من نوفمبر سنة 1965 قرر فيه بأنه وجد لديها اضطراب عقلي وغير لائقة لإعادتها للخدمة وهذا التقرير هو الذي بني عليه قرار فصل الطاعنة من الخدمة، والتقرير الثالث بتاريخ 22 من يونيه سنة 1968 قرر فيه بأنه لديها اضطراب عقلي يتحسن ولائقة لإعادة الدخول في الخدمة. واستندت جهة الإدارة في دفاعها إلى أن القومسيون الطبي قرر بجلستي 31 من أكتوبر سنة 1963 والأول من نوفمبر سنة 1965 عدم لياقتها الطبية، وإذ عاد وقرر بعد ذلك أنها لائقة لإعادتها للخدمة فلا يجب أن يفسر ذلك على أنه تناقض في التقرير لأن حالتها المرضية وقت الكشف عليها في الجلستين المشار إليهما لم تكن لتسمح باحتمال قابليتها للشفاء أو استقراره بدليل أن التقرير الذي صدر بتاريخ 22 من يونيه سنة 1968 أشار إلى أن مرضها متحسن ولم يقطع بشفائها أو احتمال شفائها والعبرة في ذلك هي بوقت إصدار القرار المطعون فيه لا بما يستجد بعد ذلك من ظروف يكون من شأنها زوال السند القانوني للقرار أو تعديل المركز الذي أنشأه.
ومن حيث إن القانون رقم 112 لسنة 1963 يمنح موظفي وعمال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة المرضى بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة أجازات مرضية استثنائية بمرتب كامل، قد نص في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام الأجازات المرضية لموظفي الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة وعمالها يمنح الموظف أو العامل المريض بالدرن أو الجذام أو بمرض عقلي أو بأحد الأمراض المزمنة التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة العمومية بناء على موافقة الإدارة العامة للقومسيونات الطبية أجازة مرضية استثنائية بمرتب كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته المرضية استقراراً يمكنه من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته ويجري الكشف الطبي عليه بمعرفة القومسيون الطبي كل ثلاثة أشهر على الأقل أو كلما رأى داعياً لذلك" وقد تضمنت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن الرعاية الاجتماعية من واجبات الدولة في مجتمعنا الاشتراكي التعاوني وأنه لهذا يستمر صرف المرتب إلى أن يشفى المريض أو تستقر حالته المرضية استقراراً يمكنه من العودة إلى عمله، على أن يجري الكشف الطبي عليه دورياً لتقرير عودته إلى عمله أو استقرار حالته المرضية، وتقرير ما إذا كان المرض مزمناً أو غير مزمن وقابليته للشفاء أو عدم احتماله من المسائل الفنية التي تركت للجهات الفنية لتقول فيه الكلمة النهائية.
ومن حيث إن مفاد النص المشار إليه: أن القومسيون الطبي هو الجهة الفنية المختصة بتقرير الحالة المرضية في خصوص الأمراض المزمنة التي ينطبق عليها القانون، وفي اعتبارها قابلة للشفاء من عدمه، وما إذا كانت الحالة قد استقرت على نحو يمكن العامل من العودة إلى مباشرة أعمال وظيفته. أم أنها تعتبر ميئوساً منها وأنها استقرت على نحو لا يمكنه من ذلك، كما يكون هو الجهة المختصة بتقرير ما إذا كانت الحالة لم تستقر بعد، ويقتضي الأمر منح العامل أجازة مرضية إلى أن يشفى أو تستقر حالته على نحو معين والقرار الذي يصدر من القومسيون الطبي على هذا النحو يكون هو ركن السبب في القرار الذي تصدره الجهة الإدارية التي يتبعها العامل المريض، أما بإعادة العامل إلى وظيفته إذا كان قد شفي أو استقرت حالته على نحو يمكنه من القيام بأعبائها، وأما بمنحه أجازة مرضية إذا كانت حالته لم تستقر بعد وأما يفصله من الخدمة إذا استقرت حالته على نحو يدل على أنه لن يتمكن من العودة لمباشرة أعمال وظيفته.
ومن حيث إنه وإن كانت قرارات القومسيون الطبي، في الحالات المشار إليها فيما تقدم تتعلق بأمور طبية فنية تنأى بطبيعتها عن الرقابة القضائية ما دامت خلت من إساءة استعمال السلطة، غير أنه يبين من الاطلاع على قرارات القومسيون الطبي في شأن الطاعنة، أنه إن كان القرار الصادر بتاريخ أول نوفمبر سنة 1965 والذي كان سبباً لقرار الفصل المطعون فيه، قد انتهى إلى أن حالة الطاعنة قد استقرت على نحو لا يمكنها من العودة لمباشرة أعمال وظيفتها، غير أن القرار الصادر منه بتاريخ 27 من يونيه سنة 1968، قد انتهى إلى أن الطاعنة مصابة باضطراب عقلي متحسن وأنها لائقة لمباشرة أعمال الوظيفة، وقد تضمن عدول القومسيون الطبي عن رأيه الأول في شأن استقرار حالة الطاعنة، يفصح بذاته عن أن قرار أول نوفمبر سنة 1965 قد صدر قبل أوانه، وفي وقت كانت فيه حالة الطاعنة لم تستقر بعد، ومن ثم فإنه يكون مخالفاً لأحكام القانون 112 لسنة 1963 نصاً وروحاً، لأنها تستهدف بصفة أساسية توفير الرعاية الاجتماعية في المجتمع الاشتراكي للعاملين المرضى وأسرهم، ولذلك توجب عدم التصرف في أمر العامل الذي يصاب بأحد الأمراض المزمنة التي تنطبق عليها أحكام القانون إلا إذا شفي أو استقرت حالته المرضية على نحو معين.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن قرار فصل الطاعنة قد بني على تقرير القومسيون الصادر بتاريخ الأول من نوفمبر سنة 1965 وكان ذلك في وقت لم تكن فيه حالة الطاعنة المرضية قد استقرت، وذلك خلافاً لما تقضي به أحكام المادة الأولى من القانون رقم 112 لسنة 1963 على النحو السالف بيانه، كما صدر الحكم المطعون فيه دون الالتفات إلى أثر تقرير القومسيون الأخير في صحة قرار الفصل، رغم طرحه أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة المرافعة في 24 من ديسمبر سنة 1968 فمن ثم يكون القرار الصادر من محافظ القاهرة في 22 من ديسمبر سنة 1965 بفصل المدعية من الخدمة قد قام على سبب مخالف للقانون ولذلك فإنه حقيق بالإلغاء.
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار محافظ القاهرة الصادر بتاريخ 22 من ديسمبر 1965 بفصل الطاعنة من الخدمة اعتباراً من 31 يوليه سنة 1963، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء قرار الفصل المطعون فيه وألزمت الجهة المطعون ضدها بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق