جلسة 19 من نوفمبر سنة 1959
برياسة السيد محمد فؤاد جابر المستشار، وبحضور السادة: محمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.
----------------
(103)
الطعن رقم 99 لسنة 25 القضائية
(أ) التزام "انقضاء الالتزام دون وفاء" "استحالة التنفيذ". قوة قاهرة. سبب أجنبي. قطن.
اعتبار الحكم قيام الحرب وانقطاع المواصلات بين مصر وألمانيا وصدور التشريعات الاستثنائية قوة قاهرة وسبباً أجنبياً يستحيل معه تنفيذ الشركة المطعون عليها تعاقدها مع بيوت التجارة الألمانية على تصدير كميات من القطن وقضاؤه بانفساخها. م 179 مدني قديم. لا مخالفة فيه للقانون.
(ب) حرب "أثر قيامها" "تشريعات الحرب" "الأمران العسكريان 6 سنة 39، 158 سنة 1941". أوامر عسكرية.
حظر تنفيذ العقود المبرمة مع رعايا الريخ الألمان في الأمرين العسكريين 6/ 39، 158/ 1941 جاء مطلقاً غير موقوت. لا سند للقول بأن تشريعات الحرب لم تفسخ هذه العقود وإنما أوقفت تنفيذها مؤقتاً. علة ذلك؟
المحكمة
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تخلص - كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الطاعن بصفته رفع ضد الشركة المطعون عليها الدعوى رقم 55 سنة 1951 تجاري كلي الإسكندرية قال فيها إنه على أثر قيام الحرب الأخيرة مع ألمانيا في سنة 1939 وصدور الأمر العسكري رقم 6 سنة 1939 بحظر تنفيذ العقود المبرمة مع الرعايا الألمان قامت الشركة المطعون عليها بتصفية عقود القطن المبرمة بينها وبين البيوت التجارية الألمانية بواسطة محل شافر وشركاه بهامبورج فأنتجت هذه التصفية مبلغ 2090 جنيهاً و131 مليماً منها 1021 جنيهاً و132 مليماً فروق أسعار، 727 جنيهاً و272 مليماً عمولة و347 جنيهاً و717 مليماً فوائد وطلبت الحراسة الألمانية الحكم على المطعون عليها بهذا المبلغ وفوائده والمصروفات. وقد دفعت المطعون عليها هذه الدعوى بأن التصفية تمت لحسابها لا لحساب عملائها نظراً لاستحالة تنفيذ العقود - بسبب الحرب - وأنها كانت قد وافقت على طلب اتحاد مصدري القطن إخطار مكتب المحاسبين هيوارت بريدسون بصفة مؤقتة عن ديونها الاحتمالية على ألمانيا مع تصفية عقود القطن بصفة مؤقتة على أساس أسعار اليوم التالي لقطع العلاقات بين البلدين ثم طلب منها الاتحاد في سنة 1942 و1943 تقديم حساب مفصل عنها إلى مكتب المحاسبين المذكورين على سبيل التذكرة، وأقر الحارس العام تعيين هذا المكتب لمراجعة حسابات الشركات التي تتعامل في القطن مع ألمانيا، ولما وافقت الشركة المطعون عليها في 8 من مايو سنة 1948 على كشف الحساب الذي أعده هذا المكتب مبيناً به فروق الأسعار على سبيل التذكرة لم تقصد من ذلك إقراراً بمديونيتها وإنما قصدت إيضاح نتيجة التصفية التي تمت لحسابها لا لحساب عملائها دون أن تكون مدينة بأي مبلغ يتعلق بفرق الأسعار. وقد أصدرت محكمة الإسكندرية الابتدائية حكمها في 26 أكتوبر سنة 1952 بإلزام المطعون عليها بأن تدفع للطاعن بصفته مبلغ 2090 جنيهاً و121 مليماً والفوائد المستحقة على مبلغ 1742 جنيهاً و404 مليماً بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد - استأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد الاستئناف برقم 43 سنة 9 ق تجاري - وأصدرت محكمة الاستئناف حكمها في 5 من يناير سنة 1955 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين - وقد طعن الحارس العام على أموال الرايخ الألماني بمصر على هذا الحكم بتقرير في قلم كتاب هذه المحكمة في 10 من مارس سنة 1955. ونظر الطعن بدائرة فحص الطعون فحضر الطاعن - وأصرت النيابة على طلب رفض الطعن - وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن على الدائرة المدنية والتجارية لنظره بجلسة 5 نوفمبر سنة 1959. ونظر الطعن بتلك الجلسة فأصر كل طرف على طلباته كما صممت النيابة العامة على مذكرتها المتضمنة رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أن من نتائج إعلان مصر الحرب ضد ألمانيا هو قطع كل علاقة مع رعاياها وتصفية العلاقات القائمة لا إلغائها أو فسخها. وفي نطاق هذا العرف الدولي صدر الأمر العسكري رقم 158 سنة 41 مؤكداً الأمر رقم 6 سنة 1939 مع شيء من المغايرة والبيان - وأنه يبين من استعراض نصوص هذين الأمرين أن الحظر الذي أمر به الشارع بشأن المعاملات والالتزامات المالية القائمة والتي لم يتم تنفيذها حتى صدور الأمر العسكري الأول لم يقصد تعطيل هذه الالتزامات أو فسخها وإلغائها بصفة مطلقة. إنما قصد منع تنفيذها تنفيذاً عينياً لمصلحة رعايا الرايخ الألماني لا أكثر وهو ما يتحقق به أمن الدولة وسلامتها - ولو أراد الإلغاء أو الفسخ لنص على ذلك صراحة الأمر الذي يفيد قيام هذه الالتزامات وتصفيتها بحالتها ما دام تنفيذها عيناً أصبح ممنوعاً أو ممتنعاً - وهو ما يقضي به العرف الدولي في أحوال الحرب - ويؤكد عدم إلغاء هذه العقود أن الشركة المطعون عليها لم تتمسك بذلك من بادئ الأمر ولم تدع أن التصفية كانت لحسابها ولم تعترض هي أو اتحاد المصدرين على ما أمرت به وزارة المالية والحراسة الألمانية من تصفية هذه العقود - بل قدمت البيان اللازم عنها - أما ما اتجهت إليه الحراسة الإيطالية من رأي مخالف فهو اتجاه خاطئ. ومن ثم يكون تطبيق القواعد العامة في هذا الخصوص مخالفاً للقانون فيما أمر به من تشريعات خاصة بالأمرين العسكريين 6 سنة 39، 158 سنة 41 فضلاً عن أن الأحكام العامة للقانون لا تقتضي في حالة الحرب اعتبار العقود القائمة مفسوخة من تلقاء نفسها ما لم تنص على ذلك التشريعات الخاصة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه على أن قيام الحرب مع ألمانيا قد انقطعت معه العلاقات التجارية والسياسية بين البلدين فأدى ذلك إلى استحالة تنفيذ شركة كارفر التزاماتها بشحن القطن، الأمر الذي يستتبع حتماً سقوط الالتزامات المقابلة لبيوت الغزل الألمانية المتعلقة بالوفاء، ويعتبر العقد في هذه الحالة مفسوخاً لاستحالة تنفيذه وفقاً لحكم المادة 179 مدني قديم الذي وقع التعاقد في ظله ويقع الفسخ بقوة القانون حيث ينقضي الالتزام على أثر استحالة تنفيذه كما ينقضي الالتزام المقابل له لتخلف سببه ويصبح كأنه لم يكن ويعود العاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد وتعود الأقطان التي لم تشحن لملكية شركة كارفر ويحق لها التصرف فيها دون أن يتعلق بها حق للمشتري أو لمحل شافر الذي لا يستحق عمولة طبقاً لعقده الحاصل في 11 نوفمبر سنة 1937 إلا في حالة شحن البضاعة وسداد الثمن. وقد حظر الأمر العسكري رقم 6 سنة 39 في نصوصه العديدة التعامل مع رعايا الرايخ الألماني وبطلان كل عقد أو عملية تعقد بالمخالفة لهذا الأمر، وأوجب على كل شخص طبيعي أو معنوي يكون حائزاً بأية صفة لأموال ثابتة أو منقولة مملوكة للرعايا الألمان أو يكون دائناً أو مديناً لهم - أن يقدم بياناً عنها لوزارة المالية بالأوضاع المقررة في هذا الشأن، إلا أن هذا الأمر والأمر 158 سنة 1941 الذي صدر ناسخاً للأمر الأول لم ينصا على قواعد أو إجراءات معينة بالنسبة للعقود التي لم تنفذ وما إذا كانت تعتبر مفسوخة أولاً، مما دعا اتحاد مصدري الأقطان إلى إصدار تعليمات إلى المصدرين ومن بينهم شركة كارفر لتصفية عقود القطن طبقاً لسعر العقود في اليوم التالي لإعلان الحرب وعمل كشوف عن حقوقهم وديونهم قبل ألمانيا وذلك بصفة مؤقتة حتى يتفق على الأوضاع الخاصة بها مع وزارة المالية واستمرت بيوت التصدير تحرر الكشوف لوزارة المالية على أساس تصفية هذه العقود في اليوم التالي لإعلان الحرب وعلى سبيل التذكرة - Par memoire إلى أن أبلغت وزارة المالية اتحاد مصدري الأقطان في سنة 1944 بأن تبين تقارير مراجعة الحسابات ما أمكن تفصيلات الديون التي يجب التمييز فيها بين ديون الأقطان المشحونة وفوائدها وبين ديون فروق السعر لعقود الأقطان التي لم تشحن. أما فيما يتعلق بفروق الأسعار المدرجة للتذكرة في النموذج والتي لم يتخذ للآن قرار بشأنها فيجب على المراجعين بأن يبينوا في تقاريرهم مطابقة المبالغ الخاصة بها مع تحديد ما إذا كان المصدرون قد قاموا بتصفية هذه العقود لحسابهم أم قاموا بتغطية هذه المشتروات لدى مصدرين آخرين وما إذا كانت هذه الأقطان معدة للشحن - وقد أبلغ الاتحاد هذه التعليمات إلى المطعون عليها فحررت الكشف المؤرخ 8 مايو سنة 1945 على أساسها فاستندت الحراسة على توقيعها عليه وإقرارها بصحة الحساب الوارد به لمطالبتها بفروق الأسعار والسمسرة باعتبارها مستحقة لبيوت الغزل الألمانية ولمحل شافر - ولما كانت تشريعات الحرب لم تنص على إجراءات أو أوضاع قانونية معينة فيما يتعلق بمثل هذه العقود المبرمة بين المصدرين والبيوت التجارية الألمانية فإنه يتعين إخضاع هذه العقود لحكم القانون العام فتعتبر مفسوخة بحكم القانون بالنظر لاستحالة تنفيذها وهو ما انتهت إليه الحراسة العامة على أموال الإيطاليين، أما إقرار شركة كارفر للكشف المرسل منها بنتيجة التصفية فإنه لا يغير من مركزها القانوني لأن وضعه أصلاً بهذه الطريقة كان بصفة مؤقتة بناءً على تعليمات واردة إليها من اتحاد مصدري الأقطان وتعليمات وزارة المالية التي قبلت أن تدرج به فروق الأسعار على سبيل التذكرة، دون أن تبت في الموضوع من الوجهة القانونية كما فعلت الحراسة الإيطالية، ويضاف إلى ذلك أن الاتفاق الخاص بتسوية الديون مع ألمانيا يعالج العقود التي لم يتم تنفيذها بسبب الحرب إذ اعتبرت مفسوخة لاستحالة تنفيذها. ومتى كانت هذه العقود لم تنظم بأوضاع خاصة في تشريعات الحرب أو الاتفاقيات الدولية فإنه يجب إخضاعها للأحكام العامة فتعتبر مفسوخة بحكم القانون لاستحالة تنفيذها. ومن ثم تعتبر التصفية التي أجرتها المطعون عليها لحسابها باعتبارها صاحبة البضاعة تتحمل نتائجها من خسارة ويعود لها ما تجنيه من ربح وتكون الدعوى على غير أساس" - وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه يتفق والقواعد القانونية الصحيحة. ذلك أن العقود التي تناولها كشف الحساب المؤرخ 8 مايو سنة 1945 لم تكن قد نفذت حتى قامت الحرب وترتب عليها قطع العلاقات التجارية والسياسة بين مصر وألمانيا ثم صدر الأمران العسكريان 6 سنة 39 و158 سنة 1941 حائلين دون تنفيذ هذه العقود ومرتبين البطلان على كل ما يخالف أحكامهما. وقد اعتبر الحكم المطعون فيه قيام الحرب وانقطاع العلاقات والمواصلات وصدور التشريعات الاستثنائية قوة قاهرة وسبباً أجنبياً يستحيل معه تنفيذ هذه العقود - ومتى صار تنفيذ التزام أحد الطرفين مستحيلاً بعد انعقاد العقد التبادلي بسبب أجنبي، فإنه ينقضي واجب هذا الطرف في تنفيذه وينفسخ العقد حتماً وبقوة القانون، ويعود كل طرف إلى حالته قبل التعاقد وذلك عملاً بالأحكام العامة في القانون التي أجملتها المادة 179 مدني قديم والتي تطبق على العقود كافة، وهي تنص على أنه إذا انفسخ العقد بسبب عدم إمكان الوفاء تنفسخ أيضاً كافة التعهدات المتعلقة به - وأما ما تقوله الطاعنة من أن تشريعات الحرب لم تفسخ هذه العقود التي لم تنفذ بعد وإنما قصدت وقف تنفيذها مؤقتاً مع الإبقاء على كيانها فليس له سند يؤيده - ولم ينص الأمران 6 سنة 39 و158 سنة 41 على وقف تنفيذ تلك العقود بصفة مؤقتة - بل جاءت عباراتهما في حظر تنفيذ تلك العقود مطلقة غير موقوتة. وما كانت طبيعة الحرب لتدعو إلى التوقيت بأجل طال أو قصر - وليس في عرف القانون الدولي ما يناهض وجهة نظر الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بانفساخ هذه العقود وبعدم إلزام المطعون عليها بالمبالغ التي تضمنها كشفها المؤرخ 8 من مايو سنة 1945 لا يكون مخالفاً للقانون، ومن ثم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق