الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 31 يوليو 2023

الطعن 600 لسنة 16 ق جلسة 9 / 4 / 1972 إدارية عليا مكتب فني 17 ج 2 ق 61 ص 405

جلسة 9 من إبريل سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح بيومي نصار، نائب رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وأحمد فؤاد أبو العيون وسليمان محمود جاد ومحمد عوض الله مكي، المستشارين.

------------------

(61)

القضية رقم 600 لسنة 16 القضائية

عاملون مدنيون - "تعيين. شرط حسن السمعة".
الحكم على الوالد بعقوبة بسبب نشاطه في جماعة الإخوان المسلمين - لا يصم ابنه بسوء السمعة - انتماء الشخص إلى هذه الجماعة لا يعد بذاته عملاً غير مشروع يؤدي إلى حرمانه من تولي الوظائف العامة - أساس ذلك.

---------------------
إنه من المبادئ الدستورية أن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، ومن ثم فإنه من المسلمات أن المسئولية شخصية فلا يحمل أحد وزر أحد ولا يدان شخص بجريرة سواه. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي تلك المجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق أي أنها تلتمس أصلاً في الشخص نفسه فهي لصيقة به ومتعلقة بسيرته وسلوكه ومن مكونات شخصيته ومن هذا المنطلق لا يؤاخذ المرء إلا بسلوكه هو لا بسلوك أبيه أو ذويه طالما لا ينعكس شيء منه على سلوكه لأن مجرد قيام هذه الصلات لا يدل بذاته على حسن السمعة أو سوءها ومن ثم فإنه إذا كان قد سبق لوالد الطاعن نشاطه في جماعة الإخوان المسلمين المنحلة أدى إلى محاكمته والحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة فإن مجرد علاقة الأبوة في هذه الدعوى لا تنصرف بطبيعتها لما ارتكبه الأب إلى الابن بما تقف عثرة في طريقه فتجعله غير أهل لتولي هذه الوظيفة.
من جهة أخرى فإن إدراج اسم الطاعن في قوائم جماعة الإخوان المسلمين بمنفلوط قبل سنة 1954 وقبل صدور القرار بحلها وهو في ذلك الحين غلاماً لم يبلغ سن النضج - هذه الواقعة لا تنال بدورها من سلوك الطاعن وحسن سمعته طالما أن مجرد هذا الانتماء إلى هذه الجماعة لا يعد بذاته عملاً غير مشروع يؤدي إلى حرمانه من تولي الوظائف العامة.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة يوم 16 من يونيه سنة 1970 على حين صدر الحكم المطعون فيه بجلسة 26 من فبراير سنة 1970، إلا أنه يبين من الأوراق أن الطاعن تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بهذه المحكمة بطلب إعفائه من الرسوم القضائية المستحقة عن هذا الطعن في 12 من إبريل سنة 1970 أي خلال الميعاد المقررة قانوناً، وقد قيد الطلب تحت رقم 183 لسنة 16 القضائية، وبجلسة 11 من مايو سنة 1970 صدر قرار اللجنة المذكورة بقبوله، فأودع الطاعن تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة في 16 من يونيه سنة 1970، أي خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار اللجنة المشار إليه، ومن ثم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية على نحو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في خصوص أثر طلب المساعدة القضائية في قطع ميعاد الطعن.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1656 لسنة 2 القضائية ضد رئاسة الجمهورية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والنيابة الإدارية بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 22 من يونيه سنة 1966 طلب فيها الحكم "بإلغاء القرار الصادر بتخطيه في التعيين في وظيفة مساعد نيابة إدارية وأحقيته في التعيين في هذه الوظيفة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وتوجز أسانيد دعواه في أن النيابة الإدارية أجرت مسابقة في مايو سنة 1965 للترشيح لشغل وظائف مساعدي نيابة، ورغم تقدمه في ترتيب الناجحين استبعدته النيابة من بين المقبولين للترشيح وعينت من يلونه في الترتيب بحجة أن تحريات المباحث العامة أوضحت أن والده حكمت عليه محكمة الشعب بالأشغال الشاقة المؤبدة في قضايا الإخوان المسلمين منذ أكثر من عشر سنوات، وهذا القرار مجحف بحقوقه ولذلك تظلم منه في 27/ 2/ 1966 ثم أقام هذه الدعوى، وينعى على القرار مخالفته للقانون لأن المباحث العامة بأسيوط وكذلك شرطة منفلوط اللتين يقع في دائرة اختصاصهما محل إقامته قررتا حسن سيره وسلوكه سياسياً ولم تمانعا في تعيينه ولكن جهة الإدارة استندت إلى رأي المباحث العامة بالقاهرة التي نصحت - على سبيل الاحتياط - بعدم تعيينه، وأن المسئولية شخصية فلا يجوز أن يتحمل أخطاء أبيه، وأنه يشغل وظيفة عامة لا تقل في حساسيتها وأهميتها عن وظيفة مساعد نيابة إدارية، فقد سبق أن عين عضواً فنياً بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
وأجابت جهة الإدارة على الدعوى بها حاصله أن شرط حسن السير والسلوك والسمعة من الشروط الواجب أن يتحلى بها من يتقلد إحدى الوظائف العامة، ويتفاوت مستوى حسن السمعة تبعاً لتفاوت الوظيفة وخطورتها ومسئوليتها وكانت جهات الإدارة تتثبت من توافر هذا الشرط بشهادة إدارية ولكنها أنشأت أخيراً مكاتب الأمن تتولى بوسائلها الخاصة التحري عن المرشحين للوظائف المختلفة، وقد وردت عن المدعي تحريات من المباحث العامة بأنه كان ضمن الأخوان المسلمين قبل سنة 1954 بمنفلوط تحت رقم 12 بالكشوف الموجودة بالمكتب، وأن والده اتهم في قضية سياسية للإخوان المسلمين سنة 1954 وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، وما زال موجوداً بالسجن حتى الآن، وأضافت جهة الإدارة إلى أنه إذا كانت إدارة المباحث قد أرسلت خطاباً للنيابة الإدارية في 27 من أكتوبر سنة 1965 بعدم موافقتها على تعيين المدعي في وظيفة مساعد نيابة إدارية فلا تثريب عليها في ذلك إن امتنعت عن تعيينه لأنها تتحرى الدقة المتناهية بالنسبة للاختيار للوظائف القضائية، ومن ثم فلا مانع من الاعتداد بواقعة سجن والد المدعي، إذ أن ذلك وإن كان لا يدينه إلا إنه ينال من سمعته وسيرته، وإنه لا يغير من ذلك أنه وقت انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين كان صغيراً ما دامت جهة الإدارة ما زالت تتشكك في سلوكه.
وبجلسة 26 من فبراير سنة 1970 حكمت المحكمة برفض الدعوى وأقامت قضاءها على أن جهة الإدارة وقد اعتمدت في قرارها على تقرير المباحث العامة فلا يمكن القول بأنها انحرفت أو أساءت استعمال سلطتها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون لأن تقرير المباحث لم يورد أي تعليق على سلوك المدعي أو سيرته وإنما قرر أنه لا يوافق على تعيينه ومن ثم يكون قد أخطأ في فهم الواقع وحكم بغير الثابت في الأوراق كما أن المرء لا يحاسب إلا عن سلوكه ولا علاقة بين انتماء والده لجماعة الإخوان المسلمين سنة 1954 وبين حسن سيرته وسلوكه فضلاً عن أن ما ارتكبه الإخوان المسلمون واعتبرته الدولة ماساً بأمنها لا يعد من الأفعال التي تمس حسن السمعة حتى بالنسبة إلى الأشخاص المحكوم عليهم من محكمة الشعب ذاتها، بدليل أنهم أعيدوا على وظائفهم، وقد رأت الجمعية العمومية للقسم الاستشاري أن ما ارتكبوه لا يعد جريمة مخلة بالشرف: فإذا كان هذا هو حال أعضاء الجماعة الذين أدينوا فلا مراء أن الطاعن الذي لا شأن له بذلك كله لا يرين على سيره أو سلوكه شيء بل أن إدارة المباحث ذاتها وهيئة الأمن القومي رأتا في عديد من المناسبات الموافقة على تعيين الطاعن في الوظائف العامة عند ترشيحه للتعيين في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وعند ترشيحه للتعيين بإدارة قضايا الحكومة سنة 1968 والتي ما زال يشغل منصبه بها حتى الآن، هذا إلى أنه من غير المقبول أن يستند الحكم المطعون فيه إلى واقعة قيد الطاعن في كشوف الإخوان المسلمين سنة 1954 ليرتب على ذلك صحة قرار تخطيه في التعيين ذلك أنه لم يكن في هذا التاريخ في سن يسمح له بالإدراك الواعي إذ كانت سنه أقل من 15 سنة فضلاً عن أن الانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين وقتذاك لم يكن عملاً مؤثماً، وما دام لم ينسب إليه أي عمل يتعلق بالإخلال بالأمن فلا يجوز أن يكون لواقعة إدراج اسمه في كشوف الجماعة المذكورة أي أثر على صلاحيته للالتحاق بالوظائف العامة.
ومن حيث إن مناط الخلاف في هذه المنازعة يدور حول السبب الذي من أجله تخطت جهة الإدارة الطاعن في التعيين في وظيفة مساعد نيابة إدارية رغم أن ترتيبه بين الناجحين كان السابع في المسابقة التي أجريت لهذا الغرض، وإنه ولئن كانت إدارة المباحث العامة لم تفصح في كتابها المؤرخ في 27 من أكتوبر سنة 1965 الموجه منها إلى مدير النيابة الإدارية عن هذا السبب وإنما اكتفت بالاعتراض على التعيين إلا أنه يستفاد من الأوراق والمذكرات التي قدمتها إدارة قضايا الحكومة أن هذا السبب يقوم على أن اسم الطاعن وجد مقيداً بكشوف جماعة الإخوان المسلمين ببلدة منفلوط قبل عام 1954 وأن والده من أعضائها وقد حكم عليه من محكمة الشعب في قضية الإخوان المسلمين عام 1954 بالأشغال الشاقة المؤبدة وأن هذا يجعل شرط حسن السيرة والسمعة تخلفاً في حقه ويحول دون تعيينه في الوظيفة المذكورة.
ومن حيث إنه من المبادئ الدستورية أن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الأبناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، ومن ثم فإنه من المسلمات أن المسئولية شخصية فلا يحمل أحد وزر أحد ولا يدان شخص بجريرة سواه. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي تلك المجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق أي أنها تلتمس أصلاً في الشخص نفسه فهي لصيقة به ومتعلقة بسيرته وسلوكه ومن مكونات شخصيته ومن هذا المنطلق لا يؤاخذ المرء إلا بسلوكه هو لا بسلوك أبيه أو ذويه طالما لا ينعكس شيء منه على سلوكه لأن مجرد قيام هذه الصلات لا يدل بذاته على حسن السمعة أو سوءها، ومن ثم فإنه إذا كان قد سبق لوالد الطاعن نشاط في جماعة الإخوان المسلمين المنحلة أدى إلى محاكمته والحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة فإن مجرد علاقة الأبوة في هذه الدعوى لا تنصرف بطبيعتها فيما ارتكبه الأب إلى الابن بما تقف عثرة في طريقه فتجعله غير أهل لتولي هذه الوظيفة.
ومن حيث إنه من جهة أخرى فإن إدراج اسم الطاعن في قوائم جماعة الإخوان المسلمين بمنفلوط قبل سنة 1954 وقبل صدور القرار بحلها وهو في ذلك الحين غلاماً لم يبلغ سن النضج - هذه الواقعة لا تنال بدورها من سلوك الطاعن وحسن سمعته طالما أن مجرد هذا الانتماء إلى هذه الجماعة لا يعد بذاته عملاً غير مشروع يؤدي إلى حرمانه من تولي الوظائف العامة.
ومن حيث إنه يؤكد ما تقدم أن تقرير إدارة المباحث الجنائية بمنفلوط في 20 من أكتوبر سنة 1965 والتي يقع في دائرة اختصاصها موطن الطاعن وأسرته وإن كان قد أشار إلى أن الطاعن كان مقيداً ضمن جماعة الإخوان المسلمين قبل سنة 1954 وأن والده كان عضواً بها وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، إلا أن هذا التقرير لم ينف عنه حسن السلوك، بل على عكس ذلك، سجل له صراحة وفي ذات الوقت أنه حسن السيرة والسمعة ويحتل وأسرته في المنطقة مركزاً طيباً وكريماً، هذا إلى أن أياً من واقعة القيد في الكشوف أو سجن والده سالف الإشارة إليهما لم تحل دون إدارة الأمن العام وإدارة المباحث العامة إن تقررا بعد ذلك، وفي عديد من المناسبات - أنه ليس هناك أي اعتراض على مسلك الطاعن من الناحية السياسية، فقد كان هذا نتيجة البحث عند قيد الطاعن بنقابة المحامين سنة 1964 وعند تعيينه في وظيفة باحث قانوني بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في ذات السنة، وعند تعيينه في إحدى الوظائف الإدارية بمجلس الدولة سنة 1965 فمن ثم فلا يستساغ من الإدارة المذكورة أن تعترض على تعيين الطاعن في النيابة الإدارية - وفي أقل من عام - متعللة بأسباب غير صحيحة وغير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها واقعاً أو قانوناً، بل إنه مما يقطع بفساد هذه الأسباب أن تناقض تلك الأجهزة نفسها بعد ذلك فتوافق على تعيين الطاعن في وظيفة فنية بإدارة قضايا الحكومة سنة 1968 - وهي من الهيئات القضائية التي لا يقل التعيين فيها حساسية عن التعيين في النيابة الإدارية ولا يحول ما ادعته من سوء سمعته دون هذا التعيين بل ولا يحول دون استمراره في وظيفته بإدارة القضايا حتى بعد إعادة تشكيلها عندما أعيد تشكيل الهيئات القضائية سنة 1969، وبهذه المثابة يكون السبب الذي استندت إليه الجهة الإدارية في تخطي المدعي في التعيين في وظيفة مساعد نيابة إدارية - بعد أن اجتاز الامتحان الذي عقد لها بنجاح واستوفى شرائط التعيين فيها - وهو عدم موافقة إدارة المباحث العامة - لا يجد له ما يبرره من الواقع أو القانون، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن تقرير المباحث العامة لا يزيد في قيمته عن محضر تحريات أو جمع استدلالات يخضع ما جاء فيه لرقابة القضاء الإداري وله أن يناقشه فيأخذ به إذا اطمئن إليه واقتنع به، أو يطرحه من أدلة الثبوت إذا ما استبان له عدم صحة ما جاء فيه، كما يخضع لهذا القضاء كل القرارات الصادرة بالتعيين شأنها في ذلك شأن القرارات الأخرى المتصلة بالوظيفة العامة وله في سبيل أعمال رقابته عليها أن يمحص أسبابها ليتبين مدى مطابقتها للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي تنتهي إليها. ومن ثم فما كان يجوز لجهة الإدارة أن تتخطى الطاعن في التعيين في وظيفة مساعد نيابة إدارية بالقرار الجمهوري رقم 44 لسنة 1966 الذي تضمن تعيين من يلونه في ترتيب النجاح في امتحان المسابقة المشار إليها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد ذهب إلى خلاف ما تقدم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه مما يتعين معه إلغاؤه والحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين في الوظيفة المشار إليها مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين في وظيفة مساعد نيابة إدارية وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق