القضية رقم 24 لسنة 18 ق "دستورية " جلسة 5 / 7 / 1997
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 5 يوليو سنة 1997 الموافق 30 صفر 1418 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدي أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 24 لسنة 18 قضائية "دستورية "
المقامة من
السيد / أشرف محمود حفني فرج
ضد
1 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
2 - السيد / رئيس مجلس الشعب
2 - السيد / وزير التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة والإسكان والمرافق
4 - السيد / المستشار النائب العام
5 - السيد / محافظ الجيزة
" الإجراءات "
بتاريخ 26 مارس سنة 1996، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً في ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادتين 16 و 24 فقرة أولي من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت ضد المدعى الجنحة رقم 8195 لسنة 95 جنح الدقى متهمة إياه بأنه امتنع عن تنفيذ القرار الإداري بتصحيح الأعمال المخالفة رغم انتهاء المهلة المحددة له لذلك، وطلبت عقابه بالمواد (4، 11، 1/22، 1/22 مكرراً/1، 23، 24) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983، والمواد ( 11، 12، 16، 1/67، 69) من القانون رقم 30 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمرانى . وبجلسة 11 يناير سنة 1996 دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (16، 24) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 28 مارس سنة 1996، ليقدم المدعى ما يدل على رفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، كانت تنص قبل تعديلها بالقانون رقم 101 لسنة 1996، على أن "يصدر المحافظ المختص أو من ينيبه بعد أخذ رأى لجنة تشكل بقرار منه من ثلاثة من المهندسين المعماريين والمدنيين من غير العاملين بالجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم ممن لهم خبرة لا تقل عن عشر سنوات قراراً مسبباً بإزالة أو تصحيح الأعمال التى تم وقفها وذلك خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ إعلان قرار وقف الأعمال المنصوص عليه في المادة السابقة .
ومع عدم الإخلال بالمحاكمة الجنائية يجوز للمحافظ بعد أخذ رأى اللجنة المنصوص عليها في الفقرة السابقة التجاوز عن الإزالة في بعض المخالفات التى لا تؤثر على مقتضيات الصحة العامة أو أمن السكان أو المارة أو الجيران، وذلك في الحدود التى تبينها اللائحة التنفيذية .
وفى جميع الأحوال لايجوز التجاوز عن المخالفات المتعلقة بعدم الإلتزام بقيود الارتفاع المقررة طبقاً لهذا القانون أو قانون الطيران المدنى الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981 أو بخطوط التنظيم أو بتوفير أماكن تخصص لإيواء السيارات.
وللمحافظ المختص أن يصدر قراره في هذه الأحوال دون الرجوع إلى اللجنة المشار إليها في الفقرة الأولى ".
وحيث إن المدعى ينعى على المادة (16) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، مخالفتها للمادتين (165، 166) من الدستور اللتين تكفلان استقلال السلطة القضائية وقضاتها، قولاً بأنها تخول الجهة الإدارية أن تزيل المبانى المخالفة أو تأمر بتصحيح مخالفاتها في الوقت الذى يقدم فيه المتهم عن المخالفة ذاتها التى بنى عليها قرار هذه الجهة ، إلى محكمة الجنح مما يعتبر غصباً لسلطة القضاء وتدخلاً في شئونه.
وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأنه عملاً بنص المادة (4) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، فإن الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في شأن المبانى التى يراد إنشاؤها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها، يعتبر شرطاً لازماً لإجراء هذه الأعمال، تقيداً بمواصفاتها، وضماناً لخضوعها للأصوال الفنية التى يقتضيها تنفيذها وبما يكفل سلامتها، ودون ما إخلال بالقواعد الصحية التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ومردود ثانياً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها لايجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - في المفاضلة بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها وفق تقديره على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسباً أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التى يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطاً منطقياً بهذه الأغراض- وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقاً للدستور. والمبانى التى يقيمها أصحابها بدون ترخيص، أو نكولاً عن الأسس الفنية لمتانتها والأوضاع التنظيمية التى تفرضها القيم الجمالية والحضارية التى ينبغى أن تهيمن عليها، وتكفل اتساقها مع بعضها البعض، لا تعدو في الأغلب أن تكون عملاً عشوائياً يهدد بتداعيها، أو ينتقص من مقوماتها، بما يخل بأمن سكانها وجيرانهم ويحتم إخلاءها وتلك جميعاً مخاطر تدخل المشرع لتوقيها درءًا لمفاسدها، وبما لا إخلال فيه بالدستور.
ومردود ثالثاً: بأن الجزاء الجنائى لا يفترض، ولا عقوبة بغير نص يفرضها. وقد حدد قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء حصراً الأفعال التى أثمها، وأحاطها بالجزاء الرادع لضمان مراعاة الأصول الفنية المقررة قانوناً في تصميم أعمال البناء أو تنفيذها أو متابعتها وفق رسوماتها وبياناتها التى منح الترخيص على أساسها؛ وحتم أن تتخذ الجهة الإدارية المختصة في شأن الأعمال التى رصد الموظفون المختصون مخالفاتها، إجراء أولياً أو احتياطياً يتمثل في الأمر بوقفها توقياً لمخاطرها، مع تقرير ما تراه من التدابير لضمان عدم الانتفاع بهذه الأعمال. بيد أن وقفها لا يعتبر حلاً نهائياً لأعطابها؛ ومن ثم خول المشرع المحافظ المختص أو من ينيبه - وعملاً بنص المادة (16) المطعون عليها - أن يصدر في شأن هذه الأعمال قراراً
لاحقاً بتصحيح عيوبها أو إزالتها وسواء تعلق الأمر بوقفها أو إنهاء مخالفاتها، فالقراران يُعْلَنان لكل ذى شأن فيهما، بعد تحديده ما لتلك الأعمال التى تناولاها، وبيان مآخذها ونطاقها، فلا يكون أمرها مجهلاً.
ومردود رابعاً: بأن محكمة القضاء الإدارى - وعملاً بنص المادة (18) من القانون - تختص دون غيرها بالفصل في الطعون المقدمة إليها في شأن القرارات الصادرة بوقف أعمال البناء أو إزالتها أو تصحيحها لضمان مشروعيتها وتقويماً لإعوجاجها. وذلك توكيد لاستقلال السلطة القضائية من خلال تسليط أحد فروعها لرقابته القضائية في شأن كل قرار يتعلق بأعمال بناء يدعى مخالفتها لأحكام القانون سواء أكان هذا القرار متعلقاً بوقفها أم بإزالتها أم بتصحيحها. فضلاً عن أن إسناد الاختصاص بنظر هذه الطعون لجهة القضاء الإدارى دون غيرها، إنما يقيمها بوصفها قاضيها الطبيعى عملاً بنص المادة (68) من الدستور.
ومردود خامساً: بأن المحكمة الجنائية - وعملاً بنص المادة (22 مكرراً/1) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء - لاتتدخل للحكم بتصحيح أو استكمال الأعمال المخالفة أو إزالتها. بما يجعلها متفقة وأحكام القانون، إلا بالنسبة إلى تلك الأعمال التى لم يصدر في شأنها قرار من المحافظ المختص أو من ينيبه سواء بإزالتها أو تصحيحها. وبذلك حدد المشرع لكل من جهة القضاء الإدارى والعادى ولايتها توقياً لتداخلهما. فأولاهما تُنزل حكم القانون في شأن كل قرار يصدر عن جهة الإدارة ، ويكون قائماً في مبناه على مخالفة أعمال البناء لشروطها. وثانيتهما تتناول الدائرة التى ينحسر عنها اختصاص أولاهما، إذ تحقق بنفسها في شأن كل مخالفة لم يصدر بإثباتها قرار مما تقدم، وهى بذلك تقرر وقوعها أو انتفاءها، وتحدد كذلك مداها بعد الاستيثاق من حدوثها وأمر قيام المخالفة المدعى بها أو تخلفها منوط في هاتين الحالتين كلتيهما بالسلطة القضائية ، تتولاه محاكمها على اختلافها.
وحيث إن المادة (24) المطعون عليها تنص على أن "يعاقب المخالف بغرامة لا تقل عن جنيه ولا تجاوز عشرة جنيهات عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائى للجنة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال وذلك بعد انتهاء المدة التى تحددها الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالمجلس المحلى لتنفيذ الحكم أو القرار.
وتتعدد الغرامات بتعدد المخالفات ولايجوز الحكم بوقف تنفيذ هذه الغرامة ، ويكون الخلف العام أو الخاص مسئولاً عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائى من إزالة أو تصحيح أو استكمال وتبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ انتقال الملكية إليه وتطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالغرامة المنصوص عليها في هذه المادة ".
وحيث إن المدعى ينعى على المادة (24) المطعون عليها، مخالفتها للمادتين (41، 68) من الدستور من عدة أوجه أولها: أن إيقاع غرامة على المخالف عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائى للجهة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال بعد انتهاء المدة التى تحددها الجهة المختصة بشئون التنظيم لتنفيذ الحكم أو القرار، مؤداه: حجب محكمة الموضوع عن أن تحقق بنفسها قيام المخالفة المدعى بها، أو انتفاءها، وإنشاؤها بالتالى لقرينة قانونية يكون بها العقار محل النزاع مخالفاً.
ثانيها: أن النص المطعون فيه جعل سريان الغرامة رهناً بعدم تنفيذ الحكم أو القرار الصادر بتصحيح الأعمال أو إزالتها أو استكمالها، مما يصم النص العقابى بالغموض والإبهام. وقد فرض هذا النص كذلك غرامة يومية لايضبطها زمن محدد تنتهى بعده مما يفيد تراميها في الزمان، ويفقدها مقوماتها، ويجعلها كذلك سيفاً مسلطاً من الجهة الإدارية على من صدر ضده القرار. بل إن حكم المادة (24) المطعون عليها يمتد ممن ارتكب الفعل المؤثم إلى خلفه العام أو الخاص وهما غير مسئولين عنه، مما يعتبر إهداراً لشخصية المسئولية الجنائية .
ثالثها: أن الأصل هو امتناع القصاص بالجزاء أكثر من مرة عن فعل واحد. كذلك لايجوز إيقاع جزاء في غيبة نشاط إجرامى لا يتخذ مظهراً مادياً. بيد أن المشرع جرم بالنص المطعون فيه، الامتناع عن تنفيذ ما قضى به الحكم الجنائى أو ما نص عليه القرار الصادر بتصحيح الأعمال المخالفة أو إزالتها أو استكمالها، منشئاً بذلك جريمة جديدة تتمثل ماديتها في الآثار التى رتبها فعل سابق عُرض أمره من قبل على القضاء، وأصدر فيه حكماً فصلاً. وتلك صورة من إزدواج المسئولية تخل بالحرية الشخصية التى كفل الدستور صونها بنص المادة (41)، وكذلك بالأسس التى تستلهمها كل محاكمة تتم إنصافاً على ما تقضى به المادة (67) من الدستور.
وحيث إن الدستور إذ نص في المادة (66) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، قد دل على أن الأصل هو
أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها - ومن خلال قانون بالمعنى الضيق تقره وفقاً للدستور - تحديد الجرائم وبيان عقوباتها. وليس لها بالتالى أن تتخلى كلية عن ولايتها هذه، بأن تعهد بها بأكملها إلى السلطة التنفيذية ، وإن كان يكفيها وفقاً لنص المادة (66) من الدستور أن تحدد إطاراً عاماً لشروط التجريم وما يقارنها من جزاء ؛ لتٌفَصَّل السلطة التنفيذية بعض جوانبها، فلا يعتبر تدخلها عندئذ في المجال العقابى إلا وفقاً للشروط والأوضاع التى نظمها القانون، بما مؤداه: أن النصوص القانونية وحدها - بعموميتها وانتفاء شخصيتها la Portée generale et impersonnelle -هى التى يدور التجريم معها، ولا يتصور أن ينشأ بعيداً عنها. ولا يعنى ذلك أن للسلطة التنفيذية مجالاً محجوزاً تنفرد فيه بتنظيم أوضاع التجريم، فلا زال دورها تابعاً للسلطة التشريعية ، ومحدداً على ضوء قوانينها، فلا تتولاه بمبادرة منها لا سند لها من قانون قائم.
وحيث إن غموض النص العقابى مؤداه: أن يجهل المشرع بالأفعال التى أثمها، فلايكون بيانها جلياً، ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً، بل منبهماً خافياً. ومن ثم يلتبس معناها على أوساط الناس الذين لا يتميزون بعلو مداركهم ولايتسمون بإنحدارها، إنما يكونون بين ذلك قواماً، فلايقفون من النصوص العقابية على دلالتها أو نطاق تطبيقها، بل يكون حدسهم طريقاً إلى التخبط في شأن صحيح مضمونها ومراميها، بعد أن أهمل المشرع في ضبطها بما يحدد مقاصده منها بصورة ينحسم بها كل جدل حول حقيقتها، مما يفقد هذه النصوص وضوحها ويقينها، وهما متطلبان فيها، فلا تقدم للمخاطبين بها إخطاراً معقولاً fair notice بما ينبغى عليهم أن يدعوه أو يأتوه من الأفعال التى نهاهم المشرع عنها أو طلبها منهم. وهو مايعنى أن يكون تطبيق تلك النصوص من قبل القائمين على تنفيذها عملاً انتقائياً، محدداً على ضوء أهوائهم ونزواتهم الشخصية ، ومبلوراً بالتالى خياراتهم التى يتصيدون بها من يريدون، فلا تكون إلاشراكاً لا يأمن أحد معها مصيراً، وليس لأيهم بها نذيراً.
As generally stated , the void - vagueness doctrine requires that a penal statute define the criminal offense with sufficient definiteness that ordinary people can understand what conduct is prohibited and in a manner that does not encourage arbitrary discriminatory enforcement .
وحيث إن النصوص العقابية فضلاً عن غموضها، قد تتسم بتميعها من خلال اتساعها وانفلاتها. وهى تكون كذلك إذا كانت - بالنظر إلى المعنى المعتاد لعباراتها - لا تنحصر في تلك الأفعال التى يجوز تأثيمها وفقاً للدستور، بل تجاوزها إلى أفعال رخص بها الدستور أو كفل صونها بما يحول دون امتداد التجريم إليها، وهو مايعنى مروقها عن حد الاعتدال وإفراطها في التأثيم، فلا يكون نسيجها إلا ثوباً يفيض عنها، ولا يلئتم وصحيح بنيانها broad and fluid determination .
وحيث إن من المقرر كذلك، أن وحدة التنظيم القانونى للجرائم التى ارتبط بها الجزاء الجنائى ، لا ينال منها سريان هذا التنظيم في شأن أشخاص يختلفون فيما بينهم بالنظر إلى مضمون إلتزاماتهم التى عاقبهم المشرع على الإخلال بها عقاباً جنائياً، إذ لا يعدو ذلك أن يكون تغايراً في الوقائع التى تقرر الجزاء الجنائى بمناسبتها وليس من شأن تباينها - مضموناً أو أثراً - أن يكون تحديد الجرائم وعقوباتها قد انتقل من المشرع إلى أيديهم.
Si le contenu des obligations dont la méconnaissance est sanctionnée pénalement peut différer d"un cas a l"autre, cette circonstance, qui concerne la variéte des faits pouvant etre l"occasion de la répression pénale sans altérer l"unité de la définition légale des infractions, des caits Nani pour objet ni pour effet de transférer a des particuliers la détermination des infractions et des peines qui leur sont attachées. .(10 novembre 1982 , Rec . P . 64 82- DC, 195(.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض وكذلك على صعيد علاقاتهم بمجتمعاتهم، إلا أن القانون الجنائى يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما لايجوز التسامح فيه اجتماعياً من مظاهر سلوكهم. وشرط ذلك أن يكون الجزاء الجنائى حائلاً دون الولوغ في الإجرام، ملبياً ضرورة أن يتهيأ المذنبون لحياة أفضل، مستلهماً أوضاع الجناة وخصائص جرائمهم وظروفها؛ نائياً بعقابهم عن أن يكون غلواً أو تفريطاً بما يفقد القواعد التى تدار العدالة الجنائية على ضوئها فعاليتها. ويتعين بالتالى أن يكون الجزاء الجنائى محيطاً بهذه العوامل جميعاً وأن يصاغ على ضوئها، فلا يتحدد بالنظر إلى واحد منها دون غيره single - valued approach
وكلما استقام الجزاء على قواعد يكون بها ملائما ومبررا، فإن إبدال المحكمة الدستورية العليا لخياراتها محل تقدير المشرع في شأن تقرير جزاء أو تحديد مداه، لا يكون جائزاً دستورياً.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون محدداً على ضوء مفهوم ديموقراطى ، مؤداه: ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر صونها مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، وضمانة أساسية تؤمن لكل إنسان تلك الحقوق التى تتكامل بها شخصيته، ويندرج تحتها ألا تكون النصوص القانونية كاشفة بمضمونها أو أثرها عن معاقبتها للشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، إذ لايجوز أن يكون الاتهام الجنائى متلاحقاً، متحيناً الفرص التى يكون فيها مواتياً، منتهياً إلى إدانة أكثر احتمالاً، ليظل المتهم قلقاً مضطرباً، مهدداً من سلطة الاتهام ببأسها ونزواتها، تمد إليه بطشها - ومن خلال مواردها المتجددة - حين تريد، متحملاً بذلك أشكالاً من المعاناة يجهل معها مصيره، فلا يأمن أن تعيده من جديد لدائرة اتهامها توكيداً لسلطانها، ولو استنفد القصاص منه الأغراض التى توخاها.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانونى تتمثل في الإخلال بنص عقابى ؛ وكان وقوعها لايكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال؛ وكانت الجريمة الواحدة لاتتعدد أو تنقسم بالفعل الواحد، فقد صار ممتنعاً أن يكون التحرش بالمتهم إيذاء، سياسة جنائية تُؤْمَن عواقبها أو تستمد دوافعها من نصوص الدستور، بل هى في حقيقتها عدوان على الحرية الشخصية التى كفلها، مرتقياً بأهميتها إلى حد إدراجها في إطار الحقوق الطبيعية الأسبق من نشأة الدول بكل تنظيماتها، حتى عند من يقولون بأن عقداً اجتماعياً قد انتظمها مع المقيمين فيها، وأنهم نزلوا لها بمقتضاه عن بعض حقوقهم لتمارسهابما يحقق مصالحهم في مجموعها.
كذلك فإن امتناع معاقبة الشخص أكثر من مرة عن الجريمة ذاتها، يفترض ألانكون بصدد جريمتين لكل منهما خصائصها، ولوتتابعتا من حيث الزمان، أو كانتا واقعتين في مناسبة واحدة والعبرة عند القول بوجود جريمتين هى بحقيقتهما، لابأوصافهما التى خلعها المشرع عليهما.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها للدستور مردود أولاً: بأن إحداث أعمال بناء معيبة جريمة تستقل بأركانها - ماكان منها مادياً أو معنوياً - عن جريمة الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها. فبينما تستنفد الجريمة الأولى موضوعها بعد أن تدخل الجانى إيجابياً ليقيم هذه الأعمال دون تقيد بالنصوص القانونية المعمول بها في شأنها، فإن ثانيتهما تفترض أن يكون الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها - بعد إحداثها - نشاطاً سلبياً قصد به الجانى أن يبقيها على حالها دون تغيير، تنصلاً من إعاشتها على ضوء الشروط البنائية المقررة في شأنها، بما يكفل توافقها معها.
واستقلال هاتين الجريمتين عن بعضهما البعض، مؤداه: أن لكل منهما مقوماتها، فلا يتداخلان، ولا يتبادلان مواقعهما، ولا يعتبر الفصل في أيتهما - بالتالى - قضاء في ثانيتهما.
ومردود ثانياً: بأن القرائن القانونية - حتى ماكان منها قاطعاً - هى التى يقيمها القانون مقدماً ويعممها، مستنداً في صياغتها إلى ما هو راجح الوقوع في الحياة العملية ، معفياً بها الخصم من التدليل على الواقعة الأصلية مصدر الحق المدعى به، ناقلا إثباتها من هذا المحل إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها لدلالتها، فإذا أثبتها الخصم، اعتبر ذلك إثباتاً للواقعة الأصلية بحكم القانون. ولا كذلك النص المطعون فيه، فليس ثمة واقعة أبدلها المشرع بغيرها لتحل محلها، بل تتحقق جريمة الامتناع عن تصحيح عيوب البناء أو إزالتها، بتوافر أركانها التى لا إعفاء لسلطة الاتهام من إثباتها بكاملها، وإلا كان إخفاقها في التدليل عليها، مبرئاً المتهم منها.
ومردود ثالثاً: بأن مبدأ شرعية الجرائم وعقوباتها، لا يقتضى لزوماً أن يكون الجزاء الجنائى في شأن الأفعال التى أثمها المشرع محدداً تحديداً مباشراً، بل يكفى أن يتضمن النص العقابى تلك العناصر التى يكون معها هذا الجزاء قابلاً للتحديد، ومٌعَيَّناً بالتالى من خلالها، فلا يكون الجزاء بها منبهماً، ولا مفضياً إلى التحكم، بل قائماً على أسس حدد المشرع سلفاً ركائزها. وهو ما يقع على الأخص كلما ربط النص العقابى بين الغرامة التى فرضها؛ وإهمال المخالفين لقوانين المبانى تصحيح مخالفاتهم أو إزالتها، مُحَدداً مقدارها بقدر المدة التى امتد إليها الإخلال بواجباتهم التى فرضتها تلك القوانين؛ ليكون الحمل على التقيد بها، غاية نهائية للغرامة التى يقتضيها، وليس لازماً بالتالى -ومن منظور هذا السياق- أن يكون مقدارها واقعاً في إطار حدين يكون أدناهما وأقصاهما مقررين سلفاً، ليحدد القاضى مبلغها فيما بينهما، بل يجوز أن يتخذ المشرع معياراً لضبطها يكون به مبلغها محدداً على ضوء المدة التى استغرقها الامتناع عن تصحيح الأعمال المخالفة لقوانين توجيه وتنظيم أعمال البناء، أو إزالتها.
ومردود رابعاً: بأن الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها تفترض أن حكماً قضائياً أو قراراً نهائياً قد صدر في شأن المخالفين لقوانين المبانى ، متضمناً إلزامهم تصحيح مخالفاتهم أو إزالتها، وأن هؤلاء قد امتنعوا عن تنفيذ هذا الحكم أو القرار خلال المدة التى حددتها لذلك الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالمجلس المحلى ، وتقدير هذه الجهة لتلك المدة ، يفترض كفايتها وتعلقها بأعمال بناء تم رصد مخالفاتها، بما مؤداه: أن دورها لا يجاوز تقديراً موضوعياً لزمن تقويمها، ولا يتضمن عدواناً من جهتها على الولاية التى أثبتها الدستور للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتحديد عقوباتها.
ومردود خامساً: بأن ما تغياه المشرع من أن يكون مقدار الغرامة التى فرضها محدداً بما لا يقل عن جنيه ولا يزيد على عشرة جنيهات عن كل يوم من أيام الامتناع عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار بعد انتهاء المدة التى حددتها الجهة الإدارية لهذا الغرض، هو أن يكون مبلغها متناسباً مع خطورة الأفعال التى تلابس توقيعها، كافلاً خاصية الردع التى ينبغى أن تلازمها من خلال التصاعد بمبلغها بقدر إصرار المتهم على أن يظل البناء معيباً.
ومردود سادساً: بأن لكل ذي شأن أن ينازع في ادعاء الجهة الإدارية عيباً بالأعمال التى أحدثها، وكذلك في مقدار المدة التي حددتها لعلاجها، والفصل في هذا النزاع عائد إلى محكمة الموضوع التي تستقل بتقدير العناصر التي قام عليها، فلا تعتمد منها غير ما تراه حقاً على ضوء قناعتها.
وحيث إن طلب المدعى الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها مع الحكم بسقوط باقى فقراتها، مؤداه: اتساع هذا الطعن لكافة أحكامها بما في ذلك فقرتها الثانية التى لا تجيز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة التي قررتها الفقرة الأولى .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة ، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه: أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل- أياً كانت الأغراض التي يتوخاها- مؤداه: أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية ، مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة ، فرع من تفريدها؛ وكان التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية ، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة ، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وكان إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي ، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها؛ فإن سلطة تفريد العقوبة -ويندرج تحتها الأمر بإيقافها- هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بهما اتصال قرار.
وحيث إن من الثابت كذلك، أن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتباره كافلاً عدالتها، ميسراً تحصيلها، حائلاً دون أن تكون وطأتها على الفقراء أثقل منها على الأغنياء ؛ وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بالفقرة الثانية من المادة (24) المطعون عليها، فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية ، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية ، تقدير العقوبة التى تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون موضوعية تطبيقها.
A constitutional prerequisite to the proportionate imposition of penalty.
وحيث إن من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، مرتبطان بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها أو يرجح أن يترتب عليها من ضرر؛ وكان ما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة (24) المطعون عليها من اعتبار الخلف العام أو الخاص مسئولاً عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائي من تصحيح الأعمال المعيبة أو إزالتها، على أن تبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ انتقال الملكية إليه، مؤداه: ألا يكون مسئولاً عن تقويم هذه الأعمال إلا إذا كان قد تملكها ميراثا؛ أو تلقاها بالعقد من سلفه، بما مؤداه: أن مناط مسئوليته الجنائية عنها، أن يكون قد صار مهيمناً عليها، متصلاً بها، مباشراً في شأنها تلك السيطرة القانونية التي يملك بها ناصيتها، ولا يكون ذلك إلا إذا غدا زمامها بيده من خلال انتقال سند ملكيتها إليه، فإذا أبقى بعدئذ مخالفاتها على حالها، ولم يبادر إلى درء مخاطرها استصحاباً لسوءاتها - وأكثرها يكون فادحا- فإن مقابلة هذا الامتناع بالغرامة المتصاعد مبلغها للحمل على تقويم هذه الأعمال ورد إعوجاجها، لا يكون مخالفاً للدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم دستورية ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (24) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة وبسقوط ما يتصل بهذا النص من أجزاء فقرتها الثالثة .
ثانياً: برفض ماعدا ذلك من طلبات
ثالثاً: بإلزام المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق