السادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - عصام الدين عبد العزيز جاد الحق 2- محمد محمود فرج حسام الدين
3 - صبحي علي السيد علي 4- عبد العزيز أحمد حسن محروس
5- محمود فؤاد عمار محمود عمار 6- د. حمدي حسن الحلفاوي
7- صلاح شندي عزيز تركي
-----------------
(1) دعوى
دعوى البطلان الأصلية- لا سبيل للطعن على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا إلا بصفة استثنائية بدعوى بطلان أصلية- لا يتأتى هذا الاستثناء إلا عند تجرد الحكم من أركانه الأصلية، وفقدانه صفته كحكم- إذا كان الطاعن يهدف بدعوى البطلان الأصلية إلى إعادة مناقشة ما قام عليه الحكم المطعون فيه، ويؤسسها على مسائل موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهدارا للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، ومن ثم لا تصمه بأي عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام.
(2) دعوى
دفوع في الدعوى– الدفع بعدم الدستورية- جواز إبداء الدفع بعدم الدستورية لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا( ).
(3) دعوى
دعوى البطلان الأصلية- يجوز الإذن للطاعن في دعوى البطلان الأصلية بإقامة دعوى دستورية.
(4) دعوى
دفوع في الدعوى– الدفع بعدم الدستورية- الأثر المترتب على الإذن للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية- القرار الصادر بالإذن للمدعي بطرح الخصومة الدستورية ينطوي ضمنا على الفصل في الاختصاص وشكل الدعوى وما يتصل بموضوعها، عدا النصوص التي قدرت المحكمة عدم دستوريتها- يمتنع على محكمة الموضوع العدول عن قرارها الصادر بالإذن بطرح الخصومة الدستورية، أو معاودة بحث مسائل شكلية أو موضوعية سابقة على هذا الإذن.
(5) دعوى
دفوع في الدعوى– الدفع بعدم الدستورية- الأثر المترتب على الإذن للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية– يتعين على محكمة الموضوع أن تتربص قضاء المحكمة الدستورية العليا باعتباره فاصلا في النصوص القانونية التي ينبغي تطبيقها على النزاع الموضوعي.
(6) دعوى
دعوى البطلان الأصلية- يجب على المحكمة الإدارية العليا وهي تنظر هذه الدعوى أن تعمل مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بعد الحكم المطعون فيه في مسألة تتعلق بموضوع المنازعة- تسترد المحكمة الإدارية العليا بمقتضى حكم المحكمة الدستورية ولايتها الموضوعية- ليس في هذا إعادة النظر من جديد في التعقيب على الحكم المطعون فيه.
(7) هيئة قضايا الدولة
شئون الأعضاء– تأديبهم- مجلس الصلاحية- أكد قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه لا يجوز أن يضم مجلس الصلاحية من شارك في الإحالة إليه– القرار الصادر عن مجلس الصلاحية في هذه الحالة يعد قرارا معدوما.
(8) هيئة قضايا الدولة
شئون الأعضاء– تأديبهم- مجلس الصلاحية- القرار الصادر عن مجلس الصلاحية بعدم صلاحية عضو الهيئة لشغل وظيفته ونقله إلى وظيفة إدارية، وما تبعه من قرار جمهوري بإعمال مقتضاه، يوزن بميزان المشروعية الذي تقيمه الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، فإذا سقطت النصوص سند جهة الإدارة في قرارها بإقصاء المدعي عن وظائف هيئة قضايا الدولة بالحكم بعدم دستوريتها، تعين أن يكون لهذا الحكم أثر رجعي؛ إعمالا لمقتضى الترضية القضائية للمدعي، إذ لا حق للقرار الصادر بنقله إلى وظيفة غير قضائية ليس فحسب في منطلقاته الموضوعية، بل وكذلك في سند ولاية الهيئة التي أصدرته ومدى صلاحيتها- إذا تعين ذلك فقد انعدمت جميع القرارات والإجراءات المترتبة على هذه الولاية، وأضحى حقيقا على كل جهة إلغاء جميع الآثار المترتبة عليها؛ بحسبانها عقبة مادية يجوز إزالتها في كل وقت، مهما طال عليها الزمن، دون اعتداد بعوامل استقرار المراكز القانونية.
-----------------
الوقائع
بتاريخ 28/9/2000 أودع الطاعن سكرتارية لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة تظلما قيد برقم 272 لسنة 2000، طعنا بالبطلان في قرار اللجنة الصادر في التظلم رقم 105 لسنة 1998 بجلسة 19/4/1999 القاضي منطوقه بعدم قبول التظلم.
وطلب الطاعن استنادا إلى ما أورده من أسباب الحكم ببطلان قرار لجنة التأديب والتظلمات الصادر في التظلم رقم 105 لسنة 1998 بجلسة 9/4/1998، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وجرى تداول الطعن أمام اللجنة حتى تمت إحالته إلى هذه المحكمة استنادا لأحكام القانون رقم 2 لسنة 2002 بتعديل بعض أحكام قانون هيئة قضايا الدولة، الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963، الذي أسند الاختصاص بنظره إلى هذه المحكمة، ومن ثم ورد الطعن إليها، وقيد برقم 7535 لسنة 48 ق. عليا، وباشرت هيئة مفوضي الدولة تحضير الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وأعدت تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بوقف تنفيذ القرار الصادر عن لجنة التأديب والتظلمات في دعوى الصلاحية رقم 2/1990 بجلسة 13/8/1990، ووقف تنفيذ القرار الجمهوري رقم 397 لسنة 1990 الصادر نفاذا له، وإعادة نظر دعوى الصلاحية رقم 2/1990 أمام هيئة مغايرة.
وجرى تداول الطعن أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قدم وكيل الطاعن صحيفة أضاف فيها إلى طلباته طلب الحكم ببطلان وانعدام قرار لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة الصادر في دعوى الصلاحية رقم 2 لسنة 1990 بجلسة 13/8/1990، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وإذ دفع الطاعن بعدم دستورية المادتين رقمي 25 و27 من القانون رقم 75 لسنة 1963 وقدرت المحكمة جدية هذا الدفع، فقد صرحت له برفع دعواه الدستورية التي أقامها برقم 148 لسنة 28ق. دستورية، وبجلسة 6/7/2008 قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة رقم (25) من القانون رقم 75 لسنة 1963 معدلا بالقانونين رقمي 65 لسنة 1976 و10 لسنة 1986 فيما تضمنه من:
أ– أن يرأس لجنة التأديب والتظلمات -وهي تنظر في أمر عضو الهيئة الذي يحصل على تقريرين متواليين بدرجة أقل من المتوسط أو أربعة تقارير بدرجة متوسط– رئيس الهيئة الذي رفع الأمر إلى وزير العدل.
ب– أن تفصل اللجنة في هذا الطلب ولو كان من أعضائها من شارك في فحص حالة العضو والتفتيش عليه.
كما أقام الطاعن دعوى البطلان الأصلية رقم 3367 لسنة 50ق. عليا بموجب صحيفة أودعها وكيله قلم كتاب المحكمة بتاريخ 18/1/2004، وطلب في ختامها الحكم ببطلان وانعدام الحكم الصادر عن المحكمة (الدائرة السابعة موضوع) في الطعن رقم 4808 لسنة 48ق. عليا بجلسة 23/2/2003، والقضاء مجددا بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة الصادر في دعوى الصلاحية رقم 2 لسنة 1990 بجلسة 13/8/1990 فيما تضمنه من نقله إلى وظيفة غير قضائية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضدهم متضامنين تعويضه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته من جراء تلك القرارات، وجرى إعلان صحيفة الدعوى على الوجه المقرر قانونا.
وباشرت هيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وأعدت تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بعدم قبول الطعن على النحو المبين بالأسباب.
وجرى تداول الدعوى أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 30/11/2008 قررت ضم الدعوى للدعوى رقم 7535 لسنة 48ق، وبجلسة 13/11/2010 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 25/12/2010، وضربت للمذكرات والمستندات أجلا لم تقدم خلاله، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 26/2/2011 لإتمام المداولة، وفيها مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
------------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن أقام دعوييه الماثلتين للحكم بطلباته المشار إليها، على سند من أنه كان يشغل وظيفة محام بهيئة قضايا الدولة، وأن إدارة التفتيش الفني أجرت تفتيشا على أعماله في المدة من 1/10/1986 حتى 30/9/1987، ثم عن الفترة من 1/10/1987 حتى 30/9/1988، وقدرت كفايته بمرتبة أقل من المتوسط، وقد أعدت تلك الإدارة مذكرة للعرض على رئيس الهيئة طلبت فيها عرض أمره على لجنة التأديب والتظلمات طبقا لحكم المادة رقم (27) من قانون الهيئة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963، وقد وافق رئيس الهيئة بتاريخ 30/6/1990 على ما ورد بتلك المذكرة، وبعرضها على وزير العدل طلب عرض الأمر على لجنة التأديب والتظلمات المشكلة طبقا لحكم المادة رقم (25) من هذا القانون، ومن ثم قيدت ضده الدعوى رقم 2 لسنة 1990، وبجلسة 13/8/1990 قررت اللجنة قبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بنقله إلى وظيفة عامة أخرى، وأثرا لذلك صدر القرار الجمهوري رقم 397 لسنة 1990 بنقله إلى وظيفة غير قضائية بهيئة قضايا الدولة، وبتاريخ 3/2/1998 قدم التظلم رقم 105 لسنة 1998 أمام لجنة التأديب والتظلمات باعتباره دعوى بطلان أصلية، طالبا بطلان كل من قرارها والقرار الجمهوري المشار إليهما، وذلك على سند من أن قرار اللجنة الصادر في دعوى الصلاحية بنقله إلى وظيفة غير قضائية أتى منعدما وباطلا بطلانا مطلقا، إذ تضمن تشكيل اللجنة من فقد صلاحيته للجلوس مجلس القضاء والفصل في الدعوى لسبق مشاركته في مرحلتي التحقيق والاتهام، وكذلك مشاركته في الأعمال السابقة (تقارير التفتيش) التي هي سند الدعوى، وبذلك جمع في آن واحد بين صفتي الخصم والحكم بالمخالفة لأصول التقاضي والمبادئ الدستورية التي أرستها المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 162 لسنة 19 ق. دستورية.
وبجلسة 19/4/1999 قضت اللجنة بعدم قبول التظلم، وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المتظلم أقيمت في شأنه دعوى الصلاحية وليست الدعوى التأديبية، وكان الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 162 لسنة 19ق. دستورية والتعديل التشريعي الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 1998 سند المتظلم إنما يتعلق بالدعوى التأديبية المشار إليها بنص المادتين رقمي 25 و26 من قانون هيئة قضايا الدولة، ومنبت الصلة بدعوى الصلاحية المشار إليها بنص المادة رقم (27) من ذات القانون، ومن ثم يغدو استناده إلى حكم المحكمة الدستورية غير منتج، وإذ كان القرار الصادر في دعوى الصلاحية وعلى النحو الوارد بالمادة رقم (27) هو قرار نهائي غير قابل للطعن فيه بأي وجه، فمن ثم تعين الحكم بعدم قبول التظلم.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا القضاء فقد أقام طعنا أمام ذات اللجنة بتاريخ 28/9/2000 قيد برقم 272 لسنة 2000، ونفاذا لأحكام القانون رقم 2 لسنة 2002( ) بتعديل بعض أحكام القانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه فقد أحيل الطعن إلى هذه المحكمة، وقيد تحت مسمى دعوى بطلان أصلية برقم 7535 لسنة 48 ق. عليا.
وجرى تداوله أمام المحكمة -بعد تمام مرحلة تحضيره– حيث دفع المدعي بعدم دستورية المادتين رقمي 25 و27 من قانون هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963 معدلا بالقانونين رقمي 10 لسنة 1986 و88 لسنة 1998، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت للمدعي برفع دعواه الدستورية، لذا فقد أقام الدعوى رقم 148 لسنة 28ق. دستورية، وبجلسة 6/7/2008 قضت المحكمة بعدم دستورية نص المادة رقم (25) من القانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه، معدلا بالقانونين رقمي 65 لسنة 1976، 88 لسنة 1998 فيما تضمنه من:
أ– أن يرأس لجنة التأديب والتظلمات –وهي تنظر في أمر عضو الهيئة الذي حصل على تقريرين متواليين بدرجة أقل من المتوسط أو أربعة تقارير بدرجة متوسط– رئيس الهيئة الذي رفع الأمر إلى وزير العدل.
ب– أن تفصل اللجنة المشار إليها في هذا الطلب، ولو كان من أعضائها من شارك في فحص حالة العضو والتفتيش عليه.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي قد أقام طعنا أمام هذه المحكمة في القرار نفسه الصادر عن لجنة التأديب والتظلمات في دعوى الصلاحية رقم 2 لسنة 1990، وذلك بأن أودع تقريرا بالطعن قلم كتابها بتاريخ 12/3/2002 حيث قيد برقم 4808 لسنة 48ق. عليا، طلب فيه الحكم بإلغاء قرار اللجنة الصادر في هذه الدعوى بجلسة 13/8/1990 فيما تضمنه من نقله إلى وظيفة عامة، وكذا القرار الجمهوري الصادر نفاذا له، وتعويضه عما لحقه من أضرار من جراء نقله.
وبجلسة 26/1/2003 قضت المحكمة بعدم قبول الطلب الأول شكلا لرفعه بعد الميعاد وبقبول الطلب الثاني شكلا، ورفضه موضوعا، وأقامت قضاءها بالنسبة للطلب الأول (طلب الإلغاء) وبعد استعراض نص المادة رقم (24) من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972) على أن الثابت من الأوراق أن القرارين المطعون فيهما قد صدر أولهما رقم 2 لسنة 1990 بتاريخ 13/8/1990، وصدر القرار الثاني رقم 397 لسنة 1990 بتاريخ 19/9/1990، وأن الطاعن أقام دعواه ابتداء أمام محكمة القضاء الإداري بتاريخ 6/5/1998 طالبا إلغاء هذين القرارين، أي بعد مرور ثماني سنوات تقريبا على صدورهما، فمن ثم يكون الطعن قد أقيم بعد الميعاد، مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله.
وأضاف الحكم المذكور أن مقولة نهائية قرارات لجنة الصلاحية وعدم جواز الطعن فيها بأي وجه قبل صدور القانون رقم 2 لسنة 2002 مردود بأنه كان بوسع الطاعن أن يطعن في الميعاد على القرار رقم 2 لسنة 1990 أمام المحكمة المختصة بمجلس الدولة، وأن يطلب إتاحة الفرصة له بأن يدفع بعدم دستورية هذا النص أمام المحكمة الدستورية العليا، ومن ناحية أخرى فإن هذا النص لم يكن يحول بينه وبين الطعن في الميعاد على القرار الجمهوري رقم 397 لسنة 1990 الصادر بنقله إلى وظيفة غير قضائية.
وبالنسبة لطلب التعويض فقد أقامت المحكمة قضاءها برفضه على أن مناط مسئولية جهة الإدارة عن قراراتها توفر أركان ثلاثة هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، فإذا صدر القرار سليما فلا تسأل عنه جهة الإدارة، وبعد استعراضها نص المادة رقم (27) من القانون رقم 75 لسنة 1963 قررت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن الطاعن حصل على تقريرين بدرجة أقل من المتوسط، وأحيل إلى لجنة الصلاحية في الدعوى رقم 2 لسنة 1990 للنظر في أمره طبقا لحكم المادة رقم (27) المشار إليها، حيث أصدرت قرارها المطعون فيه تأسيسا على حصول الطاعن على تقريرين بدرجة أقل من المتوسط، وأنه تبين لها صحة هذين التقريرين، وما ورد بهما من تقصير الطاعن في عمله، وأنه قد مثل أمام لجنة الصلاحية، وقصر دفاعه على طلب إعطائه فرصة أخرى، وانتهت اللجنة بناء على ما تقدم إلى قرارها المطعون فيه بنقله إلى وظيفة عامة أخرى، ومن ثم يكون هذا القرار موافقا صحيح حكم القانون، وكذلك القرار الجمهوري الصادر بنقله إلى وظيفة غير قضائية بالهيئة.
وفي مجال الرد على النعي على القرار الصادر في دعوى الصلاحية ببطلانه لكون اللجنة التي أصدرته قد شكلت من أعضاء اشتركوا في لجنة الاعتراض على تقريري الكفاية سند عدم الصلاحية، في مجال ذلك قررت المحكمة أن تشكيل اللجنة على هذا النحو لم يقض بعدم دستوريته، وأن عدم دستورية تشكيل مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة رقم (25) من هذا القانون إذا ما اشترك أعضاؤه أو أحدهم في الخصومة التأديبية بعد سبق مشاركته في التحقيق والاتهام، فإن ذلك لا يمتد إلى لجنة الصلاحية، بل هو مقصور على لجنة التأديب والتظلمات المنعقدة في شكل مجلس تأديب.
وحيث إن النعي بالبطلان على حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 4808 لسنة 48ق. عليا، وكذا على قرار لجنة التأديب والتظلمات في الطلب رقم 105 لسنة 1998 وذلك على النحو الثابت من دعويي البطلان الماثلتين يقوم على أسباب أربعة:
السبب الأول: مخالفة الحكمين المدعى بطلانهما (حكم المحكمة في الطعن رقم 4808 لسنة 48ق، وقرار (أو حكم) لجنة التأديب والتظلمات رقم 105 لسنة 1998، التي كان لها قبل صدور القانون رقم 2 لسنة 2002 ولاية التصدي لدعاوى الصلاحية والتأديب، وما يتفرع عنها من أنزعة أو دعاوى، ومنها دعوى بطلان ما يصدر في تلك الأنزعة من قرارات لها مقومات الأحكام) –مخالفتهما- لأحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة في الدعاوى أرقام 162 لسنة 19ق. دستورية بجلسة 7/3/1998 و193 لسنة 19ق.دستورية بجلسة 6/5/2000 و5 لسنة 22ق. دستورية (منازعة تنفيذ) بجلسة 4/8/2001، حيث جلس مجلس الحكم في دعوى الصلاحية من سبقت مشاركته في إعداد تقارير التفتيش وفي نظر الاعتراضات عليها، وفي الاشتراك في إجراءات تحريك هذه الدعوى.
السبب الثاني: بطلان حكم المحكمة الصادر في الطعن رقم 4808 لسنة 48 ق. ع لصدوره على خلاف الأحكام والإجراءات الواردة بقانون المرافعات، إذْ شابه القصور في أسبابه الواقعية وعدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم وذلك على النحو التالي:
1- شمول المداولة بشأنه لجميع أعضاء الدائرة من سمع منهم ومن لم يسمع المرافعة.
2- استماع المحكمة أثناء المداولة لوجهة نطر هيئة قضايا الدولة، وذلك في غيبة المدعي.
3- أن مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة بتوقيعات غير مقروءة من عدد من القضاة لا يعلم من مطالعتها إن كانوا هم من سمعوا المرافعة أم لا، أو اشتركوا في المداولة أم لا.
4- أ- أنه قد دفع بانعدام القرارين المطعون فيهما لمخالفتهما لأحكام الدستور، وأحكام المحكمة الدستورية العليا، بما لا يتقيد الطعن فيهما بالإلغاء بالمواعيد المنصوص عليها في المادة رقم (24) من قانون مجلس الدولة، ومع ذلك التفت الحكم عن التصدي لهذا الدفاع.
ب- عدم صحة ما ورد بالحكم المذكور من أن الطاعن قد اعترض على التقريرين موضوع التداعي، وفصلت لجنة الاعتراضات في كل منهما.
ج- عدم صحة ما انتهى إليه الحكم من عدم سريان حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة رقم (25) من قانون هيئة قضايا الدولة على قرار اللجنة الصادر بجلسة 13/8/1990 لصدور قرار اللجنة قبل الحكم بعدم دستورية نص هذه المادة.
السبب الثالث: مخالفة الحكم المطعون فيه لما صدر عن ذات الدائرة من مبادى قوامها انعدام قرارات لجنة التأديب والتظلمات بهيئة صلاحية أثرا لعدم صلاحية من اشترك في إصدار هذه القرارات إذا كان قد سبق له التحقيق أو الإحالة.
السبب الرابع: أن الطاعن أقام بعد صدور الحكم المطعون فيه بالبطلان منازعة تنفيذ دستورية أمام المحكمة الدستورية العليا قيدت برقم (5) لسنة 25ق. دستورية طالبا عدم الاعتداد بالحكم المذكور، وإسقاطه باعتباره عقبة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية، ولم يفصل فيه بعد.
وحيث إنه ولئن كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع حصر طرق الطعن في الأحكام، ووضع لها آجالا محددة وإجراءات معينة، ولا يجري بحث أسباب العوار التي قد تلحق بالأحكام إلا بالطعن عليها بطرق الطعن المناسبة لها وأن المحكمة الإدارية العليا هي خاتمة المطاف وتستوي على قمة القضاء الإداري، وأحكامها باتة، فلا يجوز قانونا أن يعقب على أحكامها، ولا تقبل الأحكام الصادرة عنها الطعن بأي طريق من طرق الطعن، ولا سبيل للطعن على تلك الأحكام بصفة استثنائية إلا بدعوى البطلان الأصلية، وهذا الاستثناء في غير الحالات التي نص عليها المشرع –كما فعل في المادة رقم (147) من قانون المرافعات– لا يتأتى إلا عند تجرد الحكم من أركانه الأصلية وفقدانه صفته كحكم، فإذا كان الطاعن يهدف بدعوى البطلان الأصلية إلى إعادة مناقشة ما قام عليه الحكم المطعون فيه، ويؤسسها على مسائل موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهدارا للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، ومن ثم لا تصمه بأي عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام، وهو مناط قبول دعوى البطلان الأصلية، كما أن إباحة الطعن في هذه الأحكام يؤدي إلى تسلسل المنازعات وتواليها بما يرتبه ذلك من إرهاق للقضاء بدعاوى أو طعون سبق له حسمها بأحكام نهائية.
وحيث إنه بإنزال ما تقدم على دعويي البطلان الماثلتين فإنهما قامتا من جانب على أوجه طعن على الحكمين محل الطعن بالبطلان في مسائل موضوعية متعلقة بتطبيق القانون وتأويله كمخالفتهما لقضاء سابق، اعتنق مبدأ عدم صلاحية من جلس مجلس الحكم في مجالس التأديب متى كان قد أبدى رأيا سابقا في المنازعة نفسها المطروحة على المجلس، أو ما يتعلق بعدم مشروعية قرار لجنة الصلاحية أو القرار الجمهوري الصادر نفاذا له، وكذا ما قام عليه الطعن من أوجه أو أسباب أخرى كانت تصلح لو صحت –وهو ما لم يثبت– للقضاء ببطلان الحكمين محل الطعن، وتبعا لذلك فإن هذين الحكمين لا تستوي أسباب الطعن السالف ذكرها مسوغا لوصمهما بالتجرد من صفة الأحكام أو إهدار العدالة، بما يفقد معها الحكم مقوماته ووظيفته وتهوي به إلى درك الانعدام، وهو مناط قبول دعوى البطلان الأصلية.
وحيث إنه ولئن كان ذلك إلا أن المحكمة أثناء نظرها لدعوى البطلان رقم 7535 لسنة 48ق قد استجابت لطلب المدعي بالإذن له بإقامة دعوى دستورية طعنا بعدم دستورية نص المادة رقم (25) من قانون هيئة قضايا الدولة (الصادر بالقانون رقم 75 لسنة 1963) فيما تضمنته من أن يتولى رئيس الهيئة رئاسة المجلس الذي يتولى نظر الصلاحية رغم طلبه إقامة دعوى الصلاحية، وكذلك إجازة هذه المادة للجنة الصلاحية أن تفصل في هذا الطلب ولو كان من أعضائها من شارك في فحص حالة العضو والتفتيش عليه مؤدى ذلك ولازمه أن المحكمة قد استقر في وجدانها -حين أذنت للمدعي بذلك– مخالفة هذا النص لمبدأ سيادة القانون، واستقلال عضو الهيئة القضائية وحصانته، وإخلاله بمبدأ حيدة الجهة التي تتولى المحاكمة، هذا الإذن قد أنشأ واقعا جديدا هو تعلق المسألة الدستورية المثارة بالفصل في موضوع الدعوى وتوقفه عليها وارتباطه بها ارتباطا لا يقبل التجزئة، ومن ثم فإنه بمجرد الإذن للمدعي بذلك وإقامته دعواه الدستورية أثرا له تتصل الخصومة الدستورية بالمحكمة الدستورية العليا وتدخل في حوزتها لتهيمن عليها وحدها، وعلى محكمة الموضوع أن تتربص قضاء المحكمة الدستورية العليا باعتباره فاصلا في النصوص القانونية التي ينبغي تطبيقها على النزاع الموضوعي، بما يمتنع معه على محكمة الموضوع العدول عن قرارها الإذن للمدعي بطرح الخصومة الدستورية، أو معاودة بحث مسائل شكلية أو موضوعية سابقة على مجرد إنزال حكم المحكمة الدستورية العليا على موضوع النزاع المطروح أمامها، ومن ثم يكون قرارها بالإذن للمدعي بطرح الخصومة الدستورية قد انطوى ضمنا على الفصل في مسألة الاختصاص وشكل الدعوى وما يتصل بموضوعها، عدا النصوص التي قدرت محكمة الموضوع عدم دستوريتها.
(يراجع في هذا المعنى حكم المحكمة في الطعن رقم 322 لسنة 48ق. عليا بجلسة 8/6/2003)
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قد قضت في الدعوى المقامة من المدعي نفسه برقم 148 لسنة 28ق. دستورية بجلسة 6/7/2008 بجدية ما رأته المحكمة الإدارية العليا من عدم دستورية نص المادة رقم (25) من قانون هيئة قضايا الدولة فيما تضمنه من أن يرأس لجنة التأديب والتظلمات، وهي تنظر في أمر عضو الهيئة الذي حصل على تقريرين متتاليين بدرجة أقل من المتوسط أو أربعة تقارير بدرجة متوسط رئيس الهيئة الذي رفع الأمر إلى وزير العدل، أو أن تفصل اللجنة المشار إليها في هذا الطلب، ولو كان من أعضائها من شارك في فحص حالة العضو والتفتيش عليه، وقد كشف هذا القضاء عن واقع جديد مؤداه انعدام القرارات الصادرة عن مجلس الصلاحية متى رأسه من شارك في الإحالة إليه بسبب عدم صلاحية رئيس مجلس الصلاحية لنظرها، ويغدو حكمها معدوما لا يخرج عن كونه عقبة مادية تزيلها المحكمة الإدارية العليا.
وحيث إن هذه المحكمة لا تستأنف النظر من جديد في التعقيب على الحكم الصادر عنها في الدعوى رقم 4808 لسنة 48ق. عليا أو في القرار الصادر عن لجنة التأديب والتظلمات في الدعوى رقم 105 لسنة 1998، وإنما تسترد بمقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه ولايتها الموضوعية للحكم بعدم دستورية نص المادة رقم (25) من قانون هيئة قضايا الدولة فيما تضمنه من إهدار لأبسط ضمانات التحقيق والمحاكمة العادلة لعضو الهيئة (وهو أحدهم بحسبانه المدعي في الدعوى الدستورية محل هذا الحكم)، وذلك بأن يوزن القرار الصادر عن لجنة التأديب والتظلمات بهيئة صلاحية فيما انتهى إليه من عدم صلاحية المدعي لتولي الوظائف القضائية بالهيئة لحصوله على تقريرين متواليين بدرجة أقل من المتوسط، وما يترتب على ذلك من آثار أهمها نقله إلى وظيفة إدارية، وما يتبعه من قرار جمهوري بإعمال مقتضاه، يوزن كل ذلك بميزان المشروعية الذي تقيمه الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، فإذا سقطت النصوص سند جهة الإدارة في قضائها بإقصاء المدعي عن وظائف هيئة قضايا الدولة بالحكم بعدم دستوريتها تعين أن يكون لهذا الحكم أثر رجعي إعمالا لمقتضى الترضية القضائية للمدعي، إذ لا حق للقرار الصادر بنقله إلى وظيفة غير قضائية ليس فحسب في منطلقاته الموضوعية، بل وكذلك في سند ولاية الهيئة التي أصدرته ومدى صلاحيتها، وإذ تعين ذلك فقد انعدمت جميع القرارات والإجراءات المترتبة على هذه الولاية، وأضحى حقيقا على كل جهة إلغاء جميع الآثار المترتبة عليها؛ بحسبانها عقبة مادية يجوز إزالتها في كل وقت، مهما طال عليها الزمن، دون اعتداد بعوامل استقرار المراكز القانونية.
وإذ لم تمتثل الجهة الإدارية لهذا النظر، وغضت الطرف عما صدر بشأن المدعي من إجراءات سقطت بسند النصوص سندها، فإن هذه المحكمة تقرر في قوة الحقيقة القانونية، دون مساس بالأحكام الصادرة في هذا الشأن، إلغاءَ جميع الآثار المترتبة على الحكم بعدم صلاحية المدعي، وإلغاء العقبات التي تحول دون عودته إلى عمله كعضو بهيئة قضايا الدولة اعتبارا من تاريخ نقله إليها، ودون أن يغل ذلك يد الجهة الإدارية عن إعادة الإجراءات التي اتخذت حياله للحكم على صلاحيته من آخر إجراء تم صحيحا، في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الإلماح.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة بجلسة 13/8/1990 فيما تضمنه من عدم صلاحية المدعي، ونقله إلى وظيفة غير قضائية، وبإلغاء القرار الجمهوري الصادر نفاذا له رقم 397 لسنة 1990، مع ما يترتب على ذلك من آثار, على النحو المبين بالأسباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق